روايات أهل القرية - كفر عانه - قضاء يافا

فاطمـة مقبـول مـا زالـت تتذكــّر كفـرعانة وتنتظر العودة


  تخطى عمرها المائة عام بعامين وما زالت تعيش في المخيم الذي قضت فيه شبابها وكهولتها، في مخيم الوحدات، اسم على مسمى، خمسة وسبعون عاماً من انتظار العودة الى فلسطين، القريبة البعيدة، جسدها ألبسته الشيخوخة ثوبها أما عقلها فما زال يتذكر طريق العودة، لم تفارقها صديقاتها ولا البيارات ولا الخوف من الحروب والثورات التي عاصرتها، لا زالت تتذكر رغم غياب بعض التفاصيل الصغيرة قسراً من ذاكرتها.
«أنا فاطمة ابراهيم مقبول، من مواليد العام 1920 من قرية كفر عانة وأذكر أننا نحن وقرية العباسية الملاصقة لقريتنا عائلة واحدة، بيننا سور من الصبر، قريتي مزروعة بكل شي، برتقال، صبر، تين، عنب، تفاح، في بلدنا برك كثيرة وكل عائلة لها بابور قمح وبركة.

 
وعدد حمايل بلدنا خمس: الملكة، والشرايعة، وصالح، وعبدالله، والمصاروة.
 
ما زلت أذكر بيتنا جيداً؛ كان مكونًا من غرفتين من الطوب. وارضنا عند مطار اللد، وأذكر المدرسة الابتدائية التي كانت في بلدنا للذكور والاناث وأيضاً أذكر الكُتّاب، مع ان والدي لم يرسلني الى المدرسة ولم ادرس نهائيا، كنت أساعد أمي وأعمل مع أبي في البيارة. عندنا بيارات برتقال، وكنا نحن تجار البرتقال نتبادل المنتوجات مع التجار الآخرين؛ فمن يملك برتقال يستبدله بأرز او لحمة، وعادة كان اهل البلد يبيعون كل منتجاتهم الزراعية واليدوية في سوق السبت في قرية العباسية وسوق يافا.
 
وكان برتقال كفرعانا يعبأ في صناديق مباشرة من الشجرة إلى السفن ثم يذهب إلى اوروبا
 
كانت البلد عامرة بالمقاهي والمحال، وكان فيها جامع. لم يسكن اليهود في بلدتنا، كانوا حول البلدة، كانوا يأتون من يافا ويأخذون البيض والبرتقال الجيد ويشترونه كله. وكانت اكثر طبخاتنا والتي أحبها وبقيت أطبخها هنا في الهجرة هي: الكرشات والروس والمفتول.
 
في بلدنا بئران، بئر مالحة، وبئر حلوة، وكل بيارة فيها بئر يستعملونها للري وكانت الارض مليئة بالمياه الارتوازية.
 
كان في بلدنا برك طبيعية تظهر في الشتاء وتختفي بالصيف وانذاك تكون الأرض مرتوية جيداً فيزرعون مكانها مكاثي.
 
مدرسة بلدنا كانت حتى الصف الرابع وبعدها يذهب الطلاب للدراسة في يافا ويكملون دراستهم الثانوية هناك، وأذكر ان اربعة اشخاص من بلدنا أكملوا دراستهم الجامعية في الخارج قبل العام 1948 .
 
لم يكن ثمة مستشفى في بلدنا قبل 1948، الذي يمرض كان يذهب للقدس او يافا البلد، وكان في بلدنا قطار.
 
كان لدي صديقات في البلد، صديقات الطفولة والصبا وأذكر منهن: غالية الشرقاوي بهية دغمش ومريم مقبول.
 
كانت النساء في بلدنا يلبسن الكثير من الذهب، كن يشتهرن به حتى أنهن في الثلاثينيات كُن يخطنه على نعولتهن.
 
وبالنسبة للأعراس فقد كانت النساء تبدأ بالتحضير للعرس وللجهاز قبل العرس بأربعة أشهر. والقلادة 100 ذهبة والذهب يمتد من العنق الى الخصر. كنا نطبخ بالاعراس الارز مع اللحمة، يسلقون الارز ويطبخون معه لحمة الخروف، وكان العرس يمتد اسبوعا كاملا وكان مهر البنت 300 جنيه فلسطيني. أنا لم اتزوج واخترت ان اربي ابناء اخي علي.
 
شوارع بلدتنا كانت معبدة، وكان في فيها مطحنة قمح (بابور قمح)، وكان عمي شقيق والدي شيخا على طريقة وهو الشيخ محمد محمود مقبول، كبير شيوخ البلد وكانت شهرته تمتد الى القرى المجاورة، وفي بلدنا مقام سيدي مالك ومقام الشيخة فاطمة.
 
ومن اكبر عائلات بلدنا: - دغمش – الموسى – دعسان – كعوش - حماد – عيسى – حمّو – خير - وقشطة - بيوض- حماد والجبالي.
 
وما زال في ذاكرتي عندما كنا نذهب جميعنا نحن وعائلتي وأقاربنا الى موسم النبي صالح والنبي روبين في يافا على البحر المتوسط والنبي موسى في اريحا، ولا زلت أتذكر عندما كان عمي الشيخ يحمل الراية (السنجق) طيلة الطريق الى اريحا او البحر- و(السنجق) هو راية يحملها شخص يقود اهل الموسم- .
 
عاصرت الحرب العالمية حيث كان الناس يتناقلون أخبارها، وكذلك ثورة العام 1934 وأيضاً 1936 حيث قُتل فيها ابن خالي واسمه ابو العيلة، كان شابا جميلا جدا.
 
خرجنا من بلدنا ومعنا فقط مفاتيح بيوتنا، ولا نملك سوى ملابسنا التي نرتديها، فعندما وقعت الحرب في العام 1948 خرجنا من كفر عانة الى اللد ثم الى بيت ريما، بقينا في بيت ريما 9 سنوات في بستان، ثم هاجرنا الى اريحا الى عقبة جبر هناك اشتغل والدي في دير قرنطل في مزارع الموز والبابايا والبلح والقشطة، وأذكر انه رحل معنا أيضا أهل العباسية.
 
وأتذكر انه عندما عبر اليهود الى بلدنا كانوا ينادون اسماء اشخاص معينين وعندما يخرجون من بيوتهم يقتلونهم.
 
اذكر وقوع مجزرة في دير ياسين اذ قتل اليهود الكثير من اهل القرية، وأيضا وقعت مجزرة في قبية.
 
كانت تمر الدبابات بشوارع البلد يدهسون الناس بالعشرات.
 
شمل تقسيم سنة 1947 بلدنا، فقام اهل البلد وعملوا ثورة وهاجموا معسكر «تلفنسكي» وبدؤوا يشعرون آنذاك بالخطر وبدؤوا بالتسلح سرا وكان في البلد انذاك فقط 13 بارودة.
 
في العام 1948 هاجموا ارض المعسكر مرة اخرى بمشاركة اهل العباسية وسلمة وكفرعانة واخذوا المعسكر وحرر الثوار العباسية وسلمة، واحضر اليهود قوات جديدة واخرجوا جميع اهل القرى منها قسرا.
 
قتل في حرب 1948 من بلدنا 14 شخصا من الثوار واهل البلد وايضا القابلة (الداية).
 
في عام 1948 جاءت قوات الانقاذ الى بلدنا كباقي القرى واخبرونا ان نخرج لفترة هدنة قصيرة لاسبوع ثم نعود ولم نعد حتى الآن، اخرجونا ولم يضمنوا لنا العودة.
 
في الهجرة مات الكثير منّا من الحر والعطش مات اربعة من ابناء اخي آنذاك، بنتان وولدان، كانت أعمارهم بين 4 و6 سنوات.
 
حيث مكثنا فترة طويلة تحت الشجر بلا مأوى، فكان الناس يموتون من الحر والزواحف، مكثنا على هذه الحال شهرا.
 
وردا على من يقول بأن شهداء كفرعانة سقطوا في العام 1948 مدبرين فقد ورد في سجلات رابطة كفر عانة انهم سقطوا مقبلين وهم:

  1. الشهيد عرندس يوسف حمو: استشهد في سنة 1938 وكان عمره اربعين عاما اثناء ثورة فلسطين الكبرى.
  2.  الشهيد كمال جبر: استشهد في شهر 4/1948 وكان عمره 25 عاما اثناء الدفاع عن البلد.
  3.  الشهيد العبد حمد: استشهد في شهر 4/1948 وكان عمره 27 عاما اثناء معركة كفر عانة شمال القرية.
  4. الشهيد محمد الحاوي: استشهد في شهر 4/1948 وكان عمره 45 عاما اثناء معركة كفر عانة شمال القرية.
  5.  الشهيد حسن التلاوي: استشهد في شهر 4/1948 وكان عمره 45 عاما اثناء معركة كفر عانة شمال القرية.
  6.  الشهيد احمد حسن رشيد جبر: استشهد في شهر 4/1948 وكان عمره 21 عاما اثناء معركة كفر عانة شمال القرية.
  7.  الشهيد خالد ابو العيلة: استشهد في شهر 4/1948 وكان عمره 35 عاما اثناء معركة كفر عانة شمال القرية.
  8. الشهيد ابراهيم عبدالرحمن درويش: استشهد في شهر 4/1948 اثناء معركة كفر عانة شمال القرية.
  9.  الشهيد درويش حمد درويش: استشهد في شهر 4/1948 وكان عمره 20 عاما اثناء معركة كفر عانة شمال القرية.
  10.  الشهيد محمد دحبور: استشهد في شهر 4/1948 وكان عمره 41 عاما اثناء معركة كفر عانة شمال القرية.
  11.  الشهيد مفلح بدوان دعسان: استشهد في شهر 4/1948 اثناء معركة كفر عانة شمال القرية.
     
    وكل يوم منذ ذلك الحين ونحن ننادي أنا ومن بقي من أهلي وعائلتي وبلدي بالعودة وننتظرها.

الصحفية جمانة ابوحليمة ، الدستور الأردنية  12 حزيران 2022