تاريخ القرية - إعِبِِلّين/ عْبِِلَّيْن - قضاء حيفا

يعود تاريخ القرية إلى العصور القديمة، هي من القرى الكنعانيّة وعثر فيها على بعض القبور المنحوتة في الحجر. توالى سكن التجمّعات البشريّة بها على مر الزّمن من الكنعانيّين والمصرييّن والعبريّين والرومان حتّى دخلت ضمن الفتح الإسلامي الّذي أعطاها طابعها وهويّتها وخضعت للسيطرة الصليبيّة حتّى حررها الأيوبيّون.

وتشير الآثار الّتي تمّ العثور عليها في القرية وضواحيها إلى وجود أشكال متعدّدة للسكن البشري (الإنساني) فيها، ويعود هذا السكن إلى عدّة قرون قبل الميلاد، ومرّت في البلاد شعوب وأقوام مختلفة على مر العصور تركوا بصماتهم الحضاريّة على مجمل مركبات الحياة في القرية، وتأثّرت القرية بعادات وتقاليد وردتها مع وصول المحتلين والجيوش والتجّار وسواهم، وكان الرحاّلة الفارسي ناصر خسرو قد زار عبلين وكتب واصفاً جولته:"ثم واصلت السّير من الدامون إلى قرية أخرى تسمى إعبلين، وبها قبر هود فزرته، وكان بفنائه شجرة خرنوب، وكان ذلك في عام 1061 هـ".

لاحقاً اهتم ظاهر العمر بقرية عبلين، حيث شهدت تطوّراً عمرانياً، منها تشييد سور لحمايتها وبعض المباني فيها، كان لسياسته العامّة وأسلوب حكمه كبير الأثر في تطور الحياة العامّة في الجليل، فأخذت عشرات العائلات بالقدوم إلى شفا عمرو وعبلين وحيفا ودير حنا وعرابة وسخنين وسواها للعيش فيها، لما نعمت به من روح المسامحة والأمان، كان نصيب عبلين من سياسة هذا الحاكم جيداً، ما سهّل في عمليّة نمو القرية وتقدّمها.

ومن الشخصيّات اللّامعة في تاريخ عبلين «عقيلة آغا الحاسي» وهو جزائري الأصل هاجر والده موسى إلى شمال مصر ثم إلى غزة ثم وصل عقيلة إلى ولاية عكا فانضمّ إلى جيش إبراهيم باشا المصري في عام 1832 عندما احتل الأخير بلاد الشام، إلّا أنّ عقيلة انضمّ فيما بعد إلى الثائرين على إبراهيم باشا، انتقل بعدها إلى شرقي الأردن حتّى انتهى الحكم المصري عن بلاد الشام، فوصل إلى مرج ابن عامر، فخدم الدولة العثمانيّة على رأس فرقة من رجال العشائر في طبريا وصفد، وقدّم خدمات الحماية للرحّالة والبحّاثة الأمريكي لينش في عام 1848، حيث صدّ هجوم جماعة من العربان قرب البحر الميّت على هذا الرحّالة، فذاع صيته في البلاد وخارجها، إلا أنّ الدولة العثمانيّة خططت للتخلّص منه خوفاً من استمرار ارتفاع مكانته، فاعتقل ونفي إلى بلغاريا. ثم عاد إلى الجليل وصالحته الدولة، وعرف عقيلة الحاسي بموقفه الشّهم والنبيل في العام 1860، عندما منع محاولات عدد من المسلمين في الجليل بالهجوم على قرى المسيحيّين استمراراً للفتنة الطائفيّة البغيضة الّتي عصفت بلبنان وسوريا في العام ذاته، فجمع عدداً من وجهاء وعقلاء المسلمين في عكا والناصرة، عمل معهم على تجنيب الجليل خاصة وفلسطين عامّة ويلات أشرس حرب كان من الممكن ان تُحدث خراباً وبالاً، مقابل هذه الخدمات الجليلة للمجتمع العربي المسيحي في الجليل أرسل نابوليون الثّالث ملك فرنسا لعقيلة الحاسي وساما ومسدّسا تعبيراً عن تقديره لموقفه وعمله النبيلين في شد أزر وحدة أبناء الشّعب الواحد من خلال حماية المسيحيّين، وتنقّل عقيلة الحاسي بين الجليل وشرقي الأردن عدّة مرّات حسب ظروف علاقاته مع الدولة العثمانيّة، وتوفي عام 1870 ودفن في عبلين بجانب اخيه صالح .

ل اعبلين أيضاً مكانة دينية مقدّسة عند طائفة المسيحيين الكاثوليك عَبَلّين لأنّ الرّاهبة مريم بواردي، الّتي اشتهرت باسم مريم من حرفيش، وُلدت فيه عام 1846، توفيت الرّاهبة في 1878 وفي 1983 أعلنها بابا الفاتيكان يوحنا بولس الثاني مباركة، اعتماداً على الإيمان بأنّها رأت مريم العذراء.