معلومات عامة عن دير الأسد: من قرى الشاغور / من قرى الجليل الأعلى - قضاء عكا
معلومات عامة عن قرية دير الأسد: من قرى الشاغور / من قرى الجليل الأعلى
قرية دير الاسد تقع قرية دير الاسد في شمالي فلسطين المحتلة على سفح جبل المغر الواقع في الجليل الأعلى. تدعى هذه المنطقة بالشاغور- وهو الاسم الذي اطلق على المدينة المكّوّنة من القرى: دير الاسد, البعنة ومجد الكروم.تحد دير الاسد من الجنوب الشرقي قرية مجد الكروم, ومن الـجنوب المدينة اليهوديّة كرمي ئيل, التي كانت اقيمت على اراضي مصادرة من اهالي المنطقة العرب. تبعد دير الاسد ما يقارب 22 كيلومترا من عكا شرقا، شمالي طريق المواصلات الذي يربط عكا بمدينة صفد. وتقع على سفح جبال المغر والعروس وهي قرية في الجليل الأعلى وهي مدينة فليسطينية قديمة واثرية وهي قرية إسلامية وحدثت فيها عجائب تعود للشيخ محمد الأسد
الشاغور هي عبارة عن مدينة مكونة من ثلاثة قرى عربية في الجليل الأعلى وهي قرى البعنة ودير الأسد ومجد الكروم ويبلغ عدد سكانها 30000 نسمة جميعهم عرب منهم حوالي %97 مسلمون والباقي من المسيحيين، والمسيحيين في تلك المنطقة يسكونون في قرية البعنة ونسبتهم حوالي %15 من سكان القرية
من قرى الجليل الأعلى
الجليل الأعلى
هو الجزء الشمالي لمنطقة الجليل شمال فلسطين، تلتحم مرتفعاته شمالا مع كتلة جبل عامل في لبنان ويعد حدها شمالاً نهر الليطاني ويفصل بين كتلة جبال الجليل الأعلى والجليل الأسفل الواقع جنوبًا مجرى سيل الشاغور، ومجرى سيل مجد الكروم وسهل الرامة، وأحد الروافد الغربية لوادي عمود في الشرق، أما غربًا فتنحدر المرتفعات تدريجيا لتصل للسهل الساحلي للبحر الأبيض المتوسط أما في الشرق والجنوب الشرقي فجروفه وسفوحه شديدة الانحدار بإتجاه وادي الحولة ووادي الأردن.
الجليل الأعلى: هو عبارة عن كتلة جبلية عالية مبتورة بواسطة الوديان والمنحدرات الشديدة. فيه قمم عالية، منها قمة جبل الجرمق وميرون التي ترتفع إلى (1,208)م، وهي الأعلى في الجليل.
حدود الجليل الأعلى
يحد الجليل الأعلى من الجنوب سهل مجد الكروم يمر فيه شارع عكا صفد، ومن الشرق يحدّه غور الأردن، ومن الشمال تحدّه الحدوداللبنانية أما في الجهة الغربية فتنحدر سلاسل جبال الجليل الأعلى حتى شاطئ البحر فتبقي شاطئ ضيقًا.
الموقع والمساحة
الموقع الجغرافي
تقع قرية دير الاسد في شمالي البلاد على سفح جبل المغر الواقع في الجليل الأعلى. تدعى هذه المنطقة بالشاغور- وهو الاسم الذي أطلق على المدينة المكّوّنة من القرى: دير الاسد، البعنة ومجد الكروم. وتحد دير الاسد من الجنوب الشرقي قرية مجد الكروم، ومن الـجنوب المدينة اليهوديّة كرمي ئيل، التي كانت اقيمت على اراضي مصادرة من اهالي المنطقة العرب. تبعد دير الاسد ما يقارب 22 كيلومترا من عكا شرقا، شمالي طريق المواصلات الذي يربط عكا بمدينة صفد. وتقع على سفح جبال المغر والعروس وهي قرية في الجليل الأعلى وهي مدينة فليسطينية قديمة واثرية وهي قرية إسلامية وحدثت فيها عجائب تعود للشيخ محمد الأسد.
المرجع: كي لا ننسى / وليد الخالدي
الحدود
سبب التسمية
سبب التسمية
في القدم كانت موجودة قرية بيت عناة الكنعانية مكان قرية دير الاسد اليوم. كانت تعرف بدير الرهبان أو دير البعنة قبل مجيئ شيخ الطريقة القادرية وهو بالاصل من قرية الحمارا "الواقعة بالشام" ثم خرج منها إلى دمشق لطلب العلم ومن ثم إلى صفد إلى ان استقر بديرالاسد في عهد السلطان سليمان القانوني" وقد عرف باسم محمد القادري الجيلاني، والمعروف حالياً بالشيخ محمد الاسد، وهو من احفاد الشيخ القطب صالح ابن الشيخ محي الدين عبد القادر الجيلاني. ويقال ان القرية كانت تسمى أيضا ب "دير الخضر" نسبة إلى "السيّد الخضر" (يعرف في الاوساط المسيحيّة بـ"مار الياس"وفي اليهوديّة بالنبي "الياهو": הנביא אליהו) الذي كان قد بني له مقام على جبل المغر التي تقع عليه القرية. وكما يقال ان القرية كانت تدعى "دير البعنة" وذلك نسبة إلى قرية البعنة المجاورة التي تحوي طائفة مسيحيّة كانت تشكّل السواد الاعظم من القرية في القدم. وصدر الاسم منسوب إلى دير سانت جورج الذي أقيم أثناء الحملات الصليبية على بلاد الشرق وبخاصة فلسطين تحت شعار حماية قبر المسيح.
وامّا عن الشيخ الجيلاني فان نسبه يعود إلى الحسن المثنى بن الحسن بن علي بن ابي طالب.
والقصّة المزعومة للشيخ التي تعد جزءاً من الفولكور المحلّي فيه فقد بدأت بخروج شيخ اسمه محمد القادري ابي عبد الله الاسد ابن أميرهم من دمشق العاصمة السورية حاليا، متجها إلى الغرب الجنوبي "فلسطين", وعند وصوله لعين الأسد (قرية درزيّة تقع في شمالي البلاد كذلك، غربي الشاغور)، وقد حان وقت الصلاة انذاك، أخذ يتوضأ من ماء تلك العين، فخرج أسد من غابات عين الاسد وافترس راكبته. بعد أن انتهى من صلاته، توجه إلى الأسد وامتطاه فسار به وكأنه نسي غريزة الافتراس. لما بلغ صفد ذهل أهلها من هذا المشهد وحينها كان الخليفة العثماني سليم الأول قد وصل مع جيشه حدود فلسطين عند مدينة صفد وقد شهد هذه الحادثة مما جعل السلطان سليم بتلقيبه بالشيخ الاسد وقد اقر له بأمارة الطريقة الجيلانية أو الكيلانية بفلسطين وأمر ايضاً بوقف جبل كنعان "الكائن بصفد" على زاوية الصدر بان تكون وقفية له ولذريته من الأولاد دون الإناث بأن تورث للارشد ومن ثم للارشد إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وكان تاريخ حادثة الصك العثماني لجبل كنعان المسجلة لزاوية محمد القادري الأسدي (وقد سميت لاحقاً بزاوية الاسدية أو ابي ذياب الاسدي" حسب سجلات المجلس الاعلى الإسلامي بالقدس) عام 1516 م تحت اسم محمد ابي عبد الله الاسد والمشهور بنسبه بابن اميرهم "اميرهم الجد الثالث للشيخ اسد"
و بعد وفاة السلطان سليم الأول أمر السلطان سليمان القانوني الشيخ بالرحيل لدير البعنه وهي دير الاسد «بلدة صغيرة» مخرجا منها اهلها ذات الديانة المسيحية والاصول الفرنجية ومملكاً الشيخ الديار كلها ولعشيرته واتباعه، وتوفي ودفن فيها، وسميت بالدير الاسد نسبة للشيخ محمد الاسد
ومن الرواياة أيضا ان السلطان سليمان القانوني قد صك للشيخ الاسد وقفيات بكلا قريتي فراده وشعب في قضاء عكا
يرقد ضريح الشيخ محمد القادري «الشيخ الاسد» في دير الاسد وبالتحديد في الطابق السفلي من الجامع «محمد الاسد» الذي سميه باسمه.
وينتشر اولاده وذريته بالمدن الفلسطينية الشمالية صفد حارة الاسدي، ناصرة، عكا ودير الاسد وبعض القرى والبلدات الشمالية لفلسطين، وفي عام 1948 هجروا من صفد والمدن والبلدات الأخرى ومنهم صفدية آل الاسدي اللذين استوطنوا سوريا وبالتحديد بدمشق
المرجع: كي لا ننسى / وليد الخالدي
الآثار
المواقع الاثرية
تعتبر القرية ذات موقع أثري تحتوي على بقايا جدران ومعصرة وكنيسة وبرجان وحظائر ونواويس وبركة منقورة في الصخر وهناك حارة قديمة جداً تعرف باسم حارة الصباط. يذكر أن تأسيس القرية (أي ابتداءً بالقصّة المذكورة اعلاه) كان قبل ما يقارب ال1400 عام. وكما يتواجد بها قلعه التي تعرف لدى السكان «بالخان» وهي موجودة في وسط البلدة بجانب الجامع القديم. بالنسبة لمدينة كرميئيل، فقد اقيمت على اراضي البلدة خارج نطاق القرية.
المرجع: كي لا ننسى / وليد الخالدي
السكان
المساحة وعدد السكان:
تبلغ مساحة اراضيها (8373) دونماً، وتحيط بها أراضي قرى البعنة وكسرى ونحف ويركا ومجد الكروم. قدر عدد سكانها عام 1922 (749) نسمة.
وفي عام 1945 (1100) نسمة.
عام 1948(1168) نسمة.
عام 1949 (1255) نسمة.
عام 1961 (1950) نسمة.
عام 1996 (8000) نسمة.
و عدد سكانها اليوم (2018) يفوق ال (13 الف نسمه)
المرجع: كي لا ننسى / وليد الخالدي
عائلات القرية وعشائرها
أما اليوم فالدير يقطنه اولاد واحفاد الشيخ محمدالاسد، ومن أشهر الشخصيات الاسدية بالدير الشاعر سعود الاسدي، أبوه الشاعر أبو سعود الأسدي، ومختار العيلة أبو سعيد المختار الاسدي، ومن العائلات التي تأتي بعد عائلة الاسدي هي عائلة الذباح ومنهم رئيس المجلس المحلي لقرية دير الاسد أحمد الذباح.
بالنسبة للعائلات، فالأغلبية يرجعون إلى سلالة الشيخ محمد الأسدي، بالإضافة إلى عائلات أخرى نزحت إليها قبل 250 سنة واستقرت فيها حيث نزل الشيخ محمد الأسدي إلى الدير، وتزوج امرأة يقال أنها من نحف وأنجب خمسة أولاد.
ومن الحارة الشرقية ذرية الشيخ محمد محفوظ (ابن الشيخ محمد الأسدي) تتدرج تحتها طه، ياسين، الزطم، الملا، عبد، دار أبو خليل، أبو عيش، دار إعمر، دار أبو العبد السعيد، وآل ابراهيم وتدرج تحتها دار الخطيب، أبو جمعة، خرمة، دياب، عبد الحليم، عبد الرازق، دار السيد أبو السعود، الصادق، عثمان، علي قاسم، زعرة، أبو العوف، وعساف، ومن ذرية الشيخ محمد حافظ (ابن الشيخ محمد الأسدي) دار محمد حافظ، دار صنع الله، عباس، العبد بكر، قاسم الحج، صالح الحسن، معروف، دخل الله، وشاكر.
ومن ذرية الشيخ محمد نعمة (ابن الشيخ محمد الأسدي)، حسين، فيصل، مجيد، حجازي، ابراهيم الحج، علاء الدين، الكرنوب.
ومن ذرية الشيخ محمد الصيفي (ابن الشيخ محمد الأسدي)، ومعظمهم في شعب، دار الغني عرنوس، دار أبو عطا، أبو رمزي، رشيد الأسعد. تجدر الاشارة إلى أن جزء من الأسدية سكنوا صفد وشعب وشفا عمرو وجديدة. وهم امتداد لأبناء الشيخ محمد الأسدي.
ومن العائلات غير الأسدية التي سكنت الدير الذباح، وعرفت بالنباح، الذين يعودون إلى أحمد النباح، أبو الحاج قاسم هاجر من يعبد وذلك في الساحل الجنوبي لبلدة يافا ونزلوا من الدامون، ولكن حدثت صراعات ونزاعات كثيرة مع سكان بلدة الدامون أدت إلى مجزرة كبيرة هاجروا على إثرها إلى يركا، وحملوا معهم لقب الذباح، ولما لم تستقر أوضاعهم في يركا، ذهب أحد أفراد العائلة طالبا الاستقرار في دير الأسد حيث استقبلوا هناك من قبل الشيخ عمر ويقال أن يوم نزوحهم إلى دير الأسد هو اليوم الذي حاصر نابليون عكا وذلك سنة 1768-1769.
هنالك دار موسى، حيث جاء محمد موسى الجد الأول وزوجته المسيحية إلى دير الأسد من المشهد سنة 1910 واستقبلهم الشيخ عمر أيضا. ودار أمون، جاء محمد غنيم من جبل نابلس سنة 1760 اثر حادثة قتل.
دار رافع جاء من كفر ياسين، ويقال أصلهم من حوران في سوريا، يعودون إلى جدهم الأول مصطفى رافع.
دار الحوراني، جدهم الأول علي الحوراني، جاءوا من حوران في سوريا ونزلوا في دير الأسد 1910.
دار عكاوي، يعودون إلى جدهم الأول محمد عكاوي من حوران أيضا.
دار العكين أصلهم من مدينة عكا، دار أبو زيد جاء من جنوب لبنان، دار التيتي نزحوا من البعنة وسكنوا دير الأسد.
دار ناصر نزحوا من البروة. دار ياسين نزحوا من عرابة. دار السخنيني نزحوا من سخنين.
إن بعض العائلات التي ذكرها الاستاذ محمود هي عائلات سكنت الأراضي في دير الأسد بعد سنة 1948 ولكنها مسجلة على أنها من دير الأسد، وغير أسدية.
نكبة 1948 والخروج من دير الأسد
الشيخ محمد الأسدي أنجب خمسة أولاد وهم: الشيخ محمد نعمة، والشيخ محمد الصيفي، الشيخ محمد محفوظ، الشيخ محمد حافظ والشيخ أحمد رجا.
الشيخ محمد نعمة سكن في فلسطين في دير الأسد، الشيخ محمد الصيفي في فلسطين ولكن قسم من سلالة الصيفي ذهب إلى شعب، لذلك من في البرج الشمالي والرشيدية من آل صيفي فهو أسدي.
الشيخ محمد محفوظ سكن في لبنان. الشيخ محمد حافظ توزع أولاده قسم في دير الأسد، والقسم الآخر في شعب، وقسم توجه نحو صفد، والشيخ أحمد رجا منقطع.
وبالنسبة إلى أجداد الأستاذ محمود الأسدي، فسلالته تبدأ من الجد الشيخ محمد حافظ الذي أنجب طه ومحمد، أما محمد فقد أنجب دياب، محمود، يونس، وحميد. أما طه فأنجب محمد وعلي.
أما يونس محمد، فأنجب أسعد وسعيد، وأسعد يونس أنجب محمد، حسن، يونس، ابراهيم، مأمون، وأحمد، ولكل واحد فيهم أولاد إلا مأمون.
محمد أنجب ربيع، سلام، شاهر، وحسن أنجب أسامة وأحمد، ويونس أنجب رازي.
وابراهيم أنجب هيثم وأسعد، وأحمد أنجب ياسر وعمر.
أما سعيد فأنجب كاظم، محمود، أحمد، محمد وخالد.
أما بالنسبة إلى محمود والذي هو أخو الجد يونس، والذي هو بالفعل جد الاستاذ محمود الأسدي، فقد كان شيخ البلد و"حلّال" المشاكل فيها ومن الطبقة الوسطى في البلد وكان فلاحاً من الذين استقروا في البلاد حتى يوم وفاتهم وزوجته حنيفة أحمد الخطيب من دير الأسد أيضاً.
محمود أنجب أحمد، حسن، محمد، عبد، وحميد. أحمد زوجته عائشة دياب الأسدي من دير الأسد، والذي ترك أرض دير الأسد وتوجه نحو عكا بحثا عن العلم اللازم حيث تسلم إدارة البوليس وكان متعلماً تعليماً ابتدائياً وبعضاً من اللغة العربية وقد توفي في أميركا ودفن هناك، وهو الابن الأكبر وأنجب محمود وحسن.
الأستاذ محمود من مواليد عكا سنة 1939 وأنجب علي وحسان، وحسن أنجب أسامة ومحمد، وحمد ابن حسن له ولد. أما حسن، محمد، عبد، حميد، فقد توفوا في فلسطين في دير الأسد.
الحياة الاقتصادية
الوضع الاقتصادي
بعد احتلال القرية خلال حرب النكبة عام 1948م، تحوّل اقتصادها سريعًا من اقتصاد يعتمد على الزراعة إلى اقتصاد تجاري وذلك بسبب مصادرة الأراضي للقرى العربيّة في المنطقة بعد النكبة. تعتمد القرية جزئيّـًا على كونها تتوسّط المنطقة ما بين مدن الجليل الساحليّة وصفد، وكذلك مدن وقرى الجليل الأعلى ومدينة الناصرة. تجمع القرية علاقات تجاريّة طيّبة مع القرى والمدن المجاورة، مثل نحف والرامة. وضمن المدن نذكر مدينة كرميئيل، والعلاقة الطيّبة مع كرميئيل قد تكون مفاجئة إذ ان كرميئيل كانت قد اقيمت على اراضي قرى عربيّة تشمل دير الاسد. رغم دمج قرى الشاغور معًا لم يتحسّن اقتصاد قرى الشاغور كما كان متوقّعـًا. مدينة الشاغور ودير الاسد تعدّان من المناطق الفقرية نسبيّـا بالمقارنة مع التجمّعات السكّانية الأخرى- العربيّه منها واليهوديّة. حسب استطلاع ل CBS, في سنة 2004 كان هنالك ما لا يزيد عن 6,674 موظفـًا ذوي دخل شهري في كل مدينة الشاغور. معدّل الدخل الشهري للفرد هو3,663 شيكل أي ما يعادل 925 $ (حين كان سعر الدولار الأمريكي 3.96 شيكل). والدخل المعدّل للفرد في من مدخولات المدينة كان قد هبط بـ1.04 شيكل ليكون 1,093 شيكل للفرد أي 280 دولار أمريكي، مما جعل بلديّة المدينة تصنّف بالـ19 بفقرها بين السلطات المحليّة لكل المدن والقرى داخل الخط الأخضر.
المرجع: كي لا ننسى / وليد الخالدي
المؤسسات والخدمات
تَكْثُرُ اليَوْم في دير الأسد المُؤَسسات العامَة مِثل المَدارس الابتِدائيّة والإعدادية والثّانَوِيّة ,البُنوك والبَريد ,كذلكَ صندوق المَرْضى ومركِز الشُّرْطَة ,إضافة إلى المُجَمّعات التّجاريّة .
تاريخ القرية
كانت قرية دير الأسد تعرف قديمًا باسم دير البعنة. فلما منح السلطان سليم الأول هذا الدير والأراضي المحيطة به للشيخ محمد الأسد ونسله صار الدير وما يحيط به يعرف باسم دير الأسد.
خرج الشيخ محمد الأسد من القرية المذكورة إلى دمشق، وأخذ عن الشيخ محمد بن عراق الطريق الصوفية المعروفة بالقادرية. ثم ارتحل إلى صفد، وأقام بدير في سفح جبل بالقرب من قرية البعنة، وكان قديمًا يعرف بدير الخضر، وكان مسكن النصارى، فأخرجهم منه السلطان سليم وأمر أسدًا بالإقامة به مع أولاده وأتباعه، فقطن فيه إلى أن مات في سنة 977 هجرية/1569 ميلادية، ولا صحة للرأي القائل إن المانح هو السلطان سليمان، وذلك لأن كتاب الوقف الموجود بين أيدينا يؤكد على أن وقف دير البعنة جرى تحريره بأمر من السلطان سليم بتاريخ 20 ذي القعدة سنة 922 هجرية/ 16 كانون الأول سنة 1516 ميلادية. كما عرف عن السلطان سليم تقربه من رجال الطرق الصوفية ورعايته لهم. في تلك الفترة كانت الدولة العثمانية بحاجة ماسة إلى المحافظة على الطريق الموصلة بين عكا وصفد (3).
كان للشيخ محمد الأسد ابن اسمه أحمد. الأخير عاش في صفد، وكانت له فيها زاوية صوفية عرفت باسم الزاوية الأسدية. توفي الشيخ أحمد سنة 1010 هجرية/1601-1602 ميلادية، ودفن بزاويته في صفد 4
وفيما يلي نص الوقفية 5
بسم الله الرحمن الرحيم
مضمون هذه الوقفية أنه أوقفه وأبّده وحبسه وخلّده وسبّله وحرّمه وتصدق به ظل الله الممدود، لا زال في حفظ الملك الودود، سلطان البرين وخاقان البحرين، خادم الحرمين الشريفين، مالك رقاب الأمم، سيد سلاطين العرب والعجم، المجاهد في سبيل الله والغازي في أعداء دين الله، صاحب الخيرات والحسنات، السلطان بن السلطان الملك المظفر مولانا وسيدنا السلطان سليم خان على أسلافه الكرام الرحمة والرضوان، أيّد الله دولته على الرعية وجعل سعادته مخلّدة سرمدية آمين بجاه سيدنا محمد الأمين تقربًا لربه الكريم وفضله العميم يوم يجزي الله المتصدقين فلا يُضيّع أجر المحسنين وذلك جميع دير قرية البعنة الكائنة في الشاغور من أعمال المملكة الصفدية غّبّ فَتَحَ الثغور الساحلية بعد ما أنقذه الله من أيدي حزب الشيطان وأهل الشك والطغيان المشتمل الدير الموقوف المعين أعلاه على ساحة سماوية ومساكن وخلاوي سفلية ووسطانية وعلوية وإسطبل كبير مع مدرس عصر الزيتون ومنافع ومرافق وحقوق شرعية وجميع ما حول الدير من الأراضي المشتملة على غراس زيتون وعنب وغير ذلك. يحد ذلك جميعه قبلة زاوية القصعة الفاصلة بينهما وبين قرية البعنة الموقوفة المذكورة أعلاه وشرقًا مسيل الماء الجاري النازل من الجلسة إلى شرقي العين الفوقانية إلى الكرم الحمر الذي هو فيه الطريق الفاصل بين أراضي الدير وأرض البعنة، وشمالاً الجبل الذي فيه نفخات المغارات، وغربًا الجبل المعروف بالحميدة بحق ذلك كله المعلوم ذلك عند حضرة مولانا الواقف المشار إليه أعلاه العلم الشرعي وقفًا صحيحًا شرعيًا مرعيًّا وحبًّا صريحًا مرعيًا وإيقافًا دائمًا سرمديًا وصدقة بتة بتلة باقية على الدوام بتعاقب الليالي والأيام، لا يباع أصل ذلك، ولا يوهب، ولا يملك، ولا يستهلك، ولا يُرهن، ولا يضامن عنه، ولا يُناقل به، ولا يخرّج إلى ملك أحد من سائر الناس أجمعين بل كلّما مَرّ بهذا الوقف زمن أكدّه، وكلما مَرّ عليه عصر وأوان طاله وشدده فهو محرم بحرمات الله الأكبر، مدفوع عنه بقوته السديدة، لا يحل لأحد يؤمن بالله العظيم واليوم الآخر ويعلم أنه إلى ربّه الكريم العظيم سائر.(لا يجوز) نقض هذا الوقف ولا تغييره ولا تبديله ولا الإحادة عن وجوهه وشروطه ولزومه وصحة الآتي ذكرها فيه. أنشأ الواقف مولانا المومأ إليه أعلاه بلّغه الله ما يتمناه، وتقبّل منه، وأحسن إليه وأدرك الله بعنايته أوقف الدير على المسجد والشيخ المذكور، وهو مسجد الدير الموقوف عليه أعلاه المبني بالدير المشتمل (على) المسجد المذكور، وهو مسجد الدير الموقوف أعلاه المعمور بذكر ربّه تعالى لا يُشاركه فيه مشارك، ولا يُنازعه فيه منازع، فلا يتأول عليه متأول بل يستمر بالاستقرار والتمكين أبد الآبدين ودهر الداهرين إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين؛ وشرط الواقف المذكور، تقبّل الله منه ثواب النظر والتولية، في أمر وقفه هذا وصدقته هذه مع الإمامة بالمسجد المذكور أعلاه إلى الشيخ الإمام والليث الهمام سيد تتحاشد عليه الأعصار والباع وتتشرف بوصفه الأسماع وتشنف بأخباره الأسماع وتخشى لمواعظه القلوب وتطرق لمهابته الأبصار وتستحق أن تُكتب كرامته بماء الذهب آناء الليل وأطراف النهار، مربي المريدين، وقدوة السالكين، عين أعيان أولياء الله العارفين، العمدة، العلامة والحجة الفهّامة، العالم العامل، القانت الإرادة، العارف بالله، مرجع السادة الصوفية، وكبيرهم، شمس الملّة ابن عبد الله الأسدي، الأسد المشهور نسبه الكريم بابن أميرهم نفعنا الله والمسلمين أجمعين آمين مدّة حياته أبدًا ما عاش ودائمًا ما بقي لا يشاركه في النظر والتولية والإمامة مُشارك، ولا يُنازعه فيما ذكر منازع، ثم من بعده على أولاده الذكور دون الإناث، ثم على أولاد أولاده مثل ذلك، ثم على أولادهم وأولاد أولادهم نظير ذلك ، ثم على أنسابهم كذلك أبدًا ما عاشوا وأيًّا ما بقوا، فإذا انقرضوا بأجمعهم وأبلاهم الموت عن آخرهم وخلت الأرض منهم، ولم يبق نسل ولا عقب ولا ذرية صُرِفت غلّة ذلك جميعها بتمامها وكمالها على الدير والمسجد الموقوف عليهما، وإن تعذر الصرف والعياذ بالله تعالى على المسجد والدير المشار إليهما صُرِفت غلّة ذلك جميعه على الفقراء والمساكين من المسلمين القاطنين بمحروسة صفد، وإن أمكن العود عاد بجزيل ذلك كذلك أبد الآبدين ودهر الداهرين إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين.
وشَرَطَ مولانا الواقف المذكور المشار إليه أعلاه تقبّل الله تعالى من النظر وأمر وقفه هذا للشيخ المذكور أعلاه، ثم بعده الذرية يُقدّم في ذلك الأرشد فالأرشد من ذرية الشيخ الموقوف عليه الذكور وأولادهم دون الإناث وأولادهم ما شُرِحَ وبُيّنَ أعلاه، وعندما ألغته فللمسجد والدير فللناظر عليهما، وإن تعذر ذلك فللفقراء والمساكين فلحاكم المسلمين الشرعي بمدينة صفد المرقومة؛
وشَرَطَ الواقف المذكور أن يُصرف جميع متحصل ريع الأرض المذكورة على صالح المسجد والدير المرقومين من تصليح وترميم وغير ذلك، وإن فَضُلَ شيء من ذلك من العمارة الضرورية يؤخذ في كل يوم ستة دراهم نقرة فضية في نظير مباشرة الإمامة، والفاضل عن الستة دراهم المذكورة يُصرف على ساكني الدير من الشيخ وذريته ما شُرِحَ وسُطّر وبُيّنَ أعلاه؛
ومن شرط هذا الواقف أيضًا أن لا يؤجر أكثر من سنة واحدة إن أمكن التأجر واحتاج (احتيج) إليه، ولا يُؤجر بدون أُجرة المثل، ولا يُؤجر لمتحوج ولا ذو شوكة ولا يستأنف على عقد حتى ينقض العقد الأول؛
ومن شروطه على مَنْ سكن هذا الدير من الشيخ وذريته والمذكورين قراءة ما تيسر من القرآن الكريم بعد كل صلاة من الصلوات الخمس وأن يهدي ثواب ذلك إلى مولانا الواقف ووالديه، وشرط السكن للشيخ وذريته المذكور في الدير المذكور وعليه بذلك بتقوى الله بالسر والعلانية.
وجعل الواقف المذكور للشيخ وذريته المرقومين الإخراج والإدخال في السكن بالدير المذكور يُسكن من يشاء ويخرج من يشاء.
وأخرج مولانا الواقف المذكور وقفه هذا من ملكه وأبانه عن حيازه وجعله وقفًا صحيحًا شرعيًا على الوجه المشروح المبين أعلاه وقفًا منجزًا مسلّمًا وهو يستدعي إلى الله تعالى فيما (على) من يروم نقض هذا الوقف بنقص، أو فساد وتغيير، أو تغيير شيء منه، أو إحداث ظلمة على ساكن الدير المذكور، أو أخذ حاجة من سكن الدير فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. فمن رام هذا الوقف بذلك أو بشيء منه فيخاصمه العزيز الجبار ويحاكمه الواحد القهار يوم التناد. يوم عطش الأكباد، ويكون القرآن الكريم خصمه يوم يكون الله تعالى الحاكم بين العباد. يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. قال الله تعالى- بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم- :"فمن بَدّله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه إن الله سميع عليم".
وثبت ما نُسِبَ إلى مولانا الواقف المذكور المتشرف بذكره عاليه، ما برحت سعيدة أيامه، منيرة لياليه بشهادة مقبول آخره، وبصريح الاعتراف بديوانه الشريف بذلك أو نفاذ سامره الشريف بتسليم ذلك ثبوتًا شرعيًا وإنفاذه وإبرامه وتنجيزه وتسليمه حكمًا شرعيًا.... فيه واعتبار ما وجب أعتباره شرعًا.
جرى ذلك وحرر في عشرين من ذي القعدة الحرام من شهور سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة من هجرة من له العز والشرف
والله خير الشاهدين
من اليمين:
-عُرِض لي هذا الكتاب فالفيته على سنن الصواب وصادفته رضي المدلول،
فأجريت عليه قلم القبول حرره أذل عباد الله عز وجل من آل محمد،
محمد بن عبد الأول القاضي بدار العبادة دمشق المحمية، غفر الله له
كل معصية/ قاضي دمشق.
-صح ما نُسِبَ فيه من التنفيذ والإشهاد بعد ما عُرِضَ علي وتحققته
على سبيل الرشاد. حرره أفقر الأنام إلى الله العلاّم أحمد المولى بدمشق
الشام/ أحمد المولى من دمشق
-هو ذا الشيخ جمال الدين يوسف العدوي دام فضله.
-هو ذا الشيخ الصالح البركة شمس الدين محمد ابن المرحوم الشيخ صالح البكري.
-وبه أشهد أنك لله تعالى فعليه أشهد: محمد أبو علي.
-فخر الأعيان جمال الدين يوسف بن أيوب.
-السيد أحمد عمر الإسطواني.
من اليسار:
-وبه أشهدني سيدنا الحاكم المشار إليه أيده الله تعالى فشهدت على
ذلك في تاريخه. عبد الكريم عمري أيوب.
-وبه أشهدني مولانا أيّده الله تعالى فشهدت عليه/عبدالرحمن بن عثمان اللحام.
-وبه اشهدني عليه مولانا أيّده الله تعالى وشهدت عليه/ عبد العزيز بن دسوق بن هلال.
-صح ما نسب إلي فيه، وأنا أفقر العباد إلى الله الودود محمد بن مولانا مصطفى بن مولانا
داود ابن مولانا الجمال الشهير بداود القاضي يومئذ بدمشق.
-فخر الأعيان محضر باشي/ محمد آغا.
-فخر الأعيان/ إبراهيم حلبي.
-فخر السادة/ يوسف علي البحري.
-السيد/مصطفى أبو الفضل.
-شيخ رجب جعمان
-السيد أحمد ابن أبو عزم
ملاحظات:
1. الحسن بن محمد البوريني، تراجم الأعيان من أبناء الزمان، ج1، دمشق، 1959، ص 178-179؛
2. محمد أمين فضل الله المحبي، خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر، 1284 هجرية/1867 ميلادية، ج1، ص 177؛
3. مصطفى عباسي، صفد في عهد الانتداب، دراسة للدكتوراة(بالعبرية)، جامعة حيفا، 1999، ص 169-170؛
4. البوريني، مصدر سبق ذكره، المحبي، مصدر سبق ذكره؛
5. انظر ترجمة بالعبرية لكتاب الوقف لدى أهارون لايش، وقف واستيطان الدراويش في بداية العهد العثماني.
قرى الجليل الأعلى
من قرى الجليل الأعلى
الجليل الأعلى
هو الجزء الشمالي لمنطقة الجليل شمال فلسطين، تلتحم مرتفعاته شمالا مع كتلة جبل عامل في لبنان ويعد حدها شمالاً نهر الليطاني ويفصل بين كتلة جبال الجليل الأعلى والجليل الأسفل الواقع جنوبًا مجرى سيل الشاغور، ومجرى سيل مجد الكروم وسهل الرامة، وأحد الروافد الغربية لوادي عمود في الشرق، أما غربًا فتنحدر المرتفعات تدريجيا لتصل للسهل الساحلي للبحر الأبيض المتوسط أما في الشرق والجنوب الشرقي فجروفه وسفوحه شديدة الانحدار بإتجاه وادي الحولة ووادي الأردن.
الجليل الأعلى: هو عبارة عن كتلة جبلية عالية مبتورة بواسطة الوديان والمنحدرات الشديدة. فيه قمم عالية، منها قمة جبل الجرمق وميرون التي ترتفع إلى (1,208)م، وهي الأعلى في الجليل.
حدود الجليل الأعلى
يحد الجليل الأعلى من الجنوب سهل مجد الكروم يمر فيه شارع عكا صفد، ومن الشرق يحدّه غور الأردن، ومن الشمال تحدّه الحدوداللبنانية أما في الجهة الغربية فتنحدر سلاسل جبال الجليل الأعلى حتى شاطئ البحر فتبقي شاطئ ضيقًا.
روايات أهل القرية
ميسون أسدي
ما الذي يحدّدُ، الهُويّةَ الوطنيّةَ، والموروثَ الثقافيَّ لأهلِ قريةِ دَيْرِ الأسدِ في منْطقةِ الجليلِ الأعلى؟ هل هوَ نوعُ التجربةِ الحياتيّةِ التي سَنَرْويها للقراءِ، أم الفكرةُ التي تخترعُها ملكاتُ الْمُخَيِّلَةِ والحَدْسُ والفهمُ معًا؟ أَهُوَ طبيعةُ القريةِ، المكانُ وموقعُها الجغرافيُّ، وملامحُ الناسِ هي الّتي تُحمّلُ النصَّ لونَه، ونبضَ أشيائِه، وتفاصيل حياةِ الناسِ الذين يولدونَ ويعيشونَ ويموتونَ فيه؟ إنّه المكانُ الواحدُ الذي صدرَ منه وعنه عددٌ من الأدباءِ والشعراءِ والمطربين والفنانينَ بأوْصافِهِمْ، وكلّ مبدعٍ له نصوصٌ أدبيةٌ متطابقةٌ مَعَ نِتاجِ الآخَرينَ، أو أنّ لكلّ شخص تجربةً خاصّةً ومخيّلةً متفرّدةَ وحَدْسًا ذاتيَّا مختلفًا، له قدرتُهُ المتميّزةُ على خلقِ فضاءاتٍ، تضافُ إلى ذلك المكانِ وتصبغُهُ بلونٍ له فَرادهُ؟
قريةُ ديرِ الأسدِ هي الرباطُ المقدّسُ لهذِهِ العَلاقاتِ كلِّها، بينَ بواطنِ الإنسانِ الداخليةِ بكلِّ ما يَخْتَلِجُها منْ صراعاتٍ نفسيّةٍ وفكريّةٍ واجتماعيّةٍ.
طمأنينة المنازل في حياة الطفولة:
منذُ نعومةِ أظفاري وأنا أسمعُ من الآباءِ والأجدادِ يُردّدونَ بفخرٍ أنّنا أحفادُ عبدِ القادرِ الجيلاني ويعتزّونَ بذلكَ في كلِّ مناسباتِهم ويُظْهِرونَ لهُ الكثيرَ من ضُروبِ المودّةِ. وَسمعت من والدي أنّ عمّي صالح طه الأسديّ... الذي هَرَبَ عامَ 1948 إلى مخيمِ عَيْنِ الْحُلْوَةِ في لبنانَ، ومنها سارَ إلى بيروتَ... عندما سُمِحَ له بزيارةِ قريتِه دَيِرِ الأسدِ عامَ 1965، ذهبَ لزيارةِ الشاعرِ أبي سُعودٍ الأسديّ، طلبَ منه صورةً لشجرةِ العائلةِ الأسديَّةِ، ليُظهرَ لأهلِنا في لبنانَ ارتباطَ العائلةِ بالعالمِ الكبيرِ، والمربي الشهيرِ الشيخِ عبدِ القادرِ الجيلانيِّ، فمدحوه وأطروا شمائلَهُ وأوصافَهُ، وحدَّثوا بلا حرجٍ عن حسنِ طلعتِه، وأناقةِ مظهرِهِ، وقد توجَّهَ عمّي صالح محمد طه الأسدي آنَذاكَ إلى الشاعرِ أبي سعودٍ الأسديّ الذي احتفظَ بصورةٍ لشجرةِ العائلةِ عَنْ أسْلافِه... وحينَ أُتيحَتْ لي مشاهدةُ شجرةِ العائلةِ المنسوخةِ أبًا عنْ جدٍّ، أدركتُ لماذا يعتزّونَ بِنَسَبِهِمْ وفَصْلِهم.
حتَّى هذهِ اللحظةِ ما زِلْتُ أسمعُ أُمِّي - ابنة السِّتَّةِ وثمانينَ عامًا - تُغنِّي بصوتٍ جميلٍ حنونٍ وَتُمَجِّدُ بَلَدَها بضروبِ الحفاوَةِ والسرورِ، في بِيئَتِنا الفلّاحية الهادئةِ وطبيعتِها ذاتِ المناظرِ الخلابةِ وَتَقولُ:
ديرُ الأسدْ بلا حسدْ شبابْها كلن جُدْعانِ
وبها الخيرْ ممدودْ للجوعانْ والشَّبْعان
يا ربّ تِحْمِيها من عكَا لْصَفَدْ ورجالْها غزلان
يا ربّ تِحْميها بِبَرْكَةْ سِيدْنا اْلِجيلاني
كنتُ وصديقاتي زهرات اكتملَ طالَعُها، وسطعَ عبيرُها، نَصْعَدُ إلى قمةِ "جَبَلْ الْمُغُر" قاصدات مَقرّ الْخَضِرِ في أعالي الجبلِ لِنُغَنِّي ونرقصُ، كُنّا نستريحُ بقربِ صَخْرَةِ "دَعْسَةِ بنتِ النَّبِي"، حُفرَتْ عليها صُورَةُ قدمِ امْرَأَة، ظَهَرَ مِنْهَا الاخمصُ والكعبُ، الصَّخْرَةُ ملساءُ مثلُ الرُّخامِ. وكنّا نتباركُ بهذهِ القَدَمِ، لأنها قدمُ فاطمةَ ابنةِ النبيِّ (ص)، وهاك صخرةٌ أخرى لَها المواصفاتُ نَفْسها بالطريق إلى قريةِ مجدِ الكرومِ. كنّا نضعُ كفَّاتِ أقدامِنا الصغيرةِ عليها فباتَتِ الدَّعْسَةُ ناعمَةً، وكنّا نسمعُ منْ جَدّاتِنا أن مَن تَدْعَس القدمِ تُباركْ بِالخيراتِ من مالٍ وصحَّةٍ وزواجٍ وأبناءٍ، وكلُّ ما تشتهيهِ، وما زالتْ هذهِ القصَّة والذاكرة ترافقني كما رافَقَتْ أمِّي وجدّاتِنا في القريةِ، لأنّها كانت تُسْعِدُنا ونخشعُ حينَ نقتربُ منها، وبعدَها نَعودُ إلى شَقاوتِنا الطفولية، نقطفُ الزعرورَ والْميرامِيَّةَ وَالْبُطُمَ. ونركبُ على لوح دَرْسِ الْحُبوبِ وراءَ جَدِّي ونسمعُ الأغانِيَ وتَبادُلَ الأشعارِ:
يا بدياح يا بدياح... وين خبيت الرياح؟
بين علمة وسلمى... وبين عروق السيسبان
سيسبان ما سيسبان... سيسبان خيل الموالي
وانقطع حزم الحصان... من ورا ومن قدام
سردية ما سردية... سردية بنت السلطان
حاجبها بفرط رمان... بفرط مد وربعية
زغرديله يا بنية... كل زغرودة قوية
الأدباءُ والشعراءُ منَ القريةِ وجوارِها كَثيرونَ، مِمَّنْ تَأثّروا بِالمكانِ وطبيعتِهِ وتاريخِهِ وجَمالِهِ. كانَ ارتباطُهم بالمكانِ وتأثّرُهم به وَصِلته بمثابة القَصَبَةَ الهوائيّةَ التي كانوا يتنفسونَ منها. وَامتازتِ القريةُ برواجِ الشعرِ في مجالِسِها، فَقَدْ أنشدَ الشاعرُ أبو سُعودٍ الأسديُّ يغني لدير الأسد:
نحنُ بدَيرِ الأسدِ شيَّدنا دارْ
عُنْوانُها مِنَ الزجَلِ والأشعارْ
صارتْ بَلَدُنا ِللشِّعْرِ كَعْبَةً
يَقْصِدُ إلَيْها سائِرُ الزُّوّارْ
إن أهالي قريةِ ديرِ الأسدِ يَغْلِبُ عَلَيْهِم المَيْلُ إلَى الْغِناءِ وَالطَّرَبِ وَالموسيقا. وأَكْثَرَ من يمارس هذه الألوانَ هم من كبار السنِّ. وقد توارثتْها الأجيال جيلًا بعدَ جيلٍ. وَجذورُ هذه الظاهرةِ تَعُودُ إلَى الْجَدِّ الأكبرِ لهم، الشيخ عبدِ القادرِ الجيلانيّ، الذي حضرَ من العراقِ، وكان عالمًا مُتَبَصّرًا يتكلّمُ في ثلاثةَ عشرَ علمًا من علومِ اللغةِ والشريعةِ، وهو من المتصوّفينَ، وقدِ امْتازتِ الصوفيّةُ بالدروشة بِالتَّواشيحِ في مدحِ الرسولِ والأولياءِ، وهذا ما ميَّزهم عن باقي المذاهبِ الدينيَّةِ الإسلاميَّةِ.
الصوفيةُ، وهي أحدُ مراتبِ الدينِ الثلاثةِ (الإسلامِ، الإيمانِ، الإحسانِ)، فمثلَما اهتمَّ الفِقْهُ بتعاليمِ شريعةِ الإسلامِ، وعلم العقيدةِ بالإيمانِ، فإنَّ التصوُّفَ اهتمَّ بتحقيقِ مقامِ الإحسانِ، وَمقامِ التربيةِ والسلوكِ، وَمقامِ تربيةِ النفسِ والقلبِ وتطهيرِهِما منَ الرذائلِ وتَحْلِيَتِهِما بالفضائلِ.
كانَ التصوّفُ الحقيقيُّ، في الصدرِ الأوَّلِ من عصرِ الصحابةِ رضيَ اللهُ عنهم، فالخلفاءُ الأربعةُ الراشدونَ كانوا مُتَصَوِّفينَ، التاريخُ الإسلاميُّ زاخرٌ بعلماء مسلمينَ انتسبوا للتصوّفِ مثل: الْجُنَيْدِ البغداديِّ، وأحمد الرِّفاعِي، وعبد القادرِ الْجِيلانِي، وأبو الحسنِ الشاذليِّ، وأبو مدين الغوث، ومحيي الدين بن عربي، وشمس التبريزي، وجلال الدين الرومي، والنووي، والغزاليِّ، والْعِزِّ بنِ عبدِ السّلامِ، وَالقادةُ مثل: صلاح الدينِ الأيوبيِّ، ومحمد الفاتحِ، والأمير عبدِ القادرِ الْجزائِريِّ، وعمرَ المختارِ، وعزِّ الدينِ القَسّامِ.
روائحُ الدير
روائحُ المكانِ تهبّى أنوفِنا فنشتَمُّ روائحَ العراقةِ والأصالةِ ممزوجة بروائحِ العَطّارةِ المميزةِ لهذا المكانِ، على مدارِ الزمنِ.
تَقَعُ قريةَ ديرِ الأسدِ في شماليِّ البلادِ، قريبةٌ من جنوبِ لبنانَ، تتكئ بيوتُها على سفحِ "جبلِ المغرِ" في الجليلِ الأعلَى، تبعدُ ما يقاربُ 22 كيلومترًا منْ عكا شرقًا، شماليّ طريقِ المواصلاتِ الذي يربِطُ عكا بمدينةِ صفد. قبل 500 عامٍ، لم تكنْ قريةُ ديرِ الأسدِ موجودةً على الْخَرِيطَةِ الجغرافيةِ في منْطقَةِ الجليلِ الأعْلَى، كانتْ "بيتْ عناة" الكنعانيةُ مَكانَها وَحُرِّفَتْ فيما بعدُ إلى كلمةِ "بعنة".
ويقالُ إنَّ القريةَ كانتْ تُسمّى أيضًا بـ "دير الخضر" نسبةً إلى "السيّدِ الخَضِر" (يُعْرَفُ في الأوساطِ المسيحيّةْ بـ "مار الياس" وفي اليهوديّةِ النبيُّ "الياهو" الذي كان قد بُنِيَ له مقامٌ على "جبلِ المغر" الذي تقعُ عليْهِ القريةُ).
ويقالُ إنَّ القريةَ كانتْ تُدعى "دير البعنة" وذلكَ نسبةً إلى قريةِ البعنةِ المجاورةِ التي تحوي طائفةً مسيحيّةً. تَضاريسُ الْقَرْيَةِ جَبَلِيَّةٌ صعبةٌ، وفيها حارةُ السِّباطِ، وهي أقدمُ أحياءِ القريةِ. وفيها أهمُّ آثارِ القريةِ، وهو الخانُ الذي بُنِيَ في الِعَصْرِ الْعُثْمانيِّ واستخدمَ لاستراحةِ القوافلِ والمسافرينَ، وتعتبُر القريةُ كنزًا أثرِيًّا، فيها بقايا جدرانٍ ومِعصرةٌ وكنيسةُ وحارة السباطِ.
كانتْ تُعرفَ القريةُ في القِدَمِ بدَيْرِ الرهبانِ أو دَيْرِ الْبِعْنَةِ، وكان ذلكَ قبلَ مجيءِ أحدِ أحفادِ محمد الْقادِر الْجِيلاني شيخِ الطريقةِ القادريَّةِ، وهو إمامٌ صوفيٌّ وفقيهٌ، والمعروفُ حاليًّا بالشيخِ محمد الأسدِ، وهو من أحفادِ الشيخِ القُطْبِ صالحِ ابنِ الشيخِ مُحْيي الدينِ عبدِ القادرِ الجيلاني. أَصْلُهُ من قريةِ "الحمّارا" الواقعةِ بالشامِ، وقد خرجَ منها إلى دمشقَ لطلبِ العلمِ، ومن ثمّ انتَقَلَ إلى صفدَ ومنها إلى دَيْرِ الْبِعْنَةِ في عهدِ السلطانِ سليمان القانونيّ.
تأسّست ديرُ الأسدِ، بِقُدومِ هذا الشيخِ إلى أراضي قريةِ البعنة، وَهِيَ اِلأراضي التي تعرفُ باسمِ "بابِ الوطاقِ" و"الجزماتِ" و"خلةَ خازنْ" وغيرِها وهي للبعنةِ.
سيفُ السلطانِ
كلّفَ السلطانُ التركيُّ سليمان القانونِيّ - صاحبُ القوانينِ والتشريعاتِ آنَذاكَ الشيخَ محمد الأسد، أنْ يأتيَ ويسكنَ في مِنْطقةِ ديرِ البعنةِ، وقد كلّفه بهذه المهمةِ لِأَنَّ شارعَ عكّا – صفد عسكريٌّ فتحه الأتراكُ لخدمةِ مصالحهم ولِتَتَحَرُّكِ مَرْكباتِهم بين عكّا وصفد، وعندما فتحوا الشارعَ كانتِ الإمبراطوريةُ العثمانيةُ واسعةً جدًّا، ونِبَت هنا وهناكَ ثوراتٌ وعراكٌ ضدّ الحكمِ التركيَ. وبما أن اَّلشارعَ هو خطٌ عسكريٌّ مُهِمٌّ للأتراكِ تتحرك به عساكِرُهم، فقدْ تَحَوَّلَ هذا الشارعُ إلى هدف للمتمردينَ الّذِينَ يأتونَ ويهاجمونَ العسكرَ التركيَّ الذي يتحرَّكُ بينَ عكّا وصفدَ، في النهار، ويختبؤونَ في اللَّيل في دَيْرٍ قربَ البعنةِ، وبه رهبانٌ لطفاءُ يَعْطِفونَ على المساكينِ، وكانَ المتمردون يَدَّعُونَ أنّهم فقراءُ، فكانَ الرهبانُ يطعمونَهم ويؤوونهم في اللَّيلِ.
أدركَ السلطانُ ما يَجري في الْمِنطقةِ بمعونة عيونِهِ ومُساعديهِ، فَطلب منَ الشيخِ الأسدِ أن يأتيَ ويقيم في هذه المنطقَةِ. اقتطعَ السلطانُ التركيُّ الشَّيْخَ محمدَ الأسدَ قطعةَ أرضٍ كبيرة ليقيمَ عليها محمد الأسد، اسمُها أرضُ الوقفِ وفيها محاجرُ، ووضعَ تحتَ تصرّفِه أرضَ دَيْرِ البعنةِ. حُدودُها من مِنْطقةِ الجلسةِ - وهيَ خطُّ الماءِ للشتاءِ- حتّى وادي العريضِ الحمايدةِ إلَى بيتِ دارِ حربٍ، وهي حدودُ الدَّيْرِ، وأرضٍ أُخْرى في منطقة كرمئيل حاليًّا.
كان َمنَ المعروفِ في ذلكَ الزمانِ أنَّ كلَّ واحدٍ يختارُهُ السلطانَ سليمانُ القانونيّ، وَيُكَلِّفُهُ بِمهمَّةٍ يَصْبِحُ من جماعتِهِ ومنَ الضاربينَ بسيفهِ.
تلازُم بينَ المكانِ والزمانِ
هناكَ تلازُمٌ بينَ المكانِ والزمانِ، وأنَّهُ لا زمانَ بلا مكانٍ، فالزمانُ هوُ قريةُ المكانِ، وعلى مستوى الإبداعِ كلُّ زمانٍ يتحرَّكُ فيه شخصٌ ما في مكان ما. إذًا فالمكانُ شرطٌ إبداعيٌّ. القصّةُ المتداوَلَةُ للشيخ محمد الأسد والتي تعدُّ جزءًا من الفولكلورِ المحلّيِّ، بدأتْ بخروجِ شيخٍ اسمُهُ محمد القادرِيّ أبُو عبدِاللهِ ابن اميرِهم، من دمشقَ العاصمةِ السوريةِ حاليًا، مُتّجهًا إلى الغربِ الجنوبيِّ في ِفلسطينَ، وعندَ وصولِهِ عَيْنَ الأسدِ (قرية درزيّة تقعُ في شماليِّ البلادِ أَيْ شرقيِ الشاغورِ)، وقد حانَ وقتُ الصلاةِ آنذاكَ، أخذَ يتوضأُ منْ ماء تلكَ العينِ، وَفَجْأَةً خرجَ له أسدٌ وافترسَ حمارَهُ. بعدَ أنِ انْتهى الشيخُ من صلاتِهِ، توجَّهَ إلى الأسدِ وسارَ به وكأنَّه نَسِيَ غريزةَ الِافْتراسِ. كانَ الشيخُ قويًا جسمانيًّا، وَرِعًا وفَقيهًا وتَقِيًّا، ويفهمُ طبائعَ الحيواناتِ، وقد علمَ انَّ الأسدَ إذا أكلَ وشَبِعَ يُصبحُ وديعًا مثلَ النَّعْجَةِ، لا يَكِشُّ ولا يَنِشٌّ فطوّعَه.
يُقالُ انَّ الشيخَ اقتربَ منَ الأسدِ وَرَبَّتَ على جسدِهِ وحملَ عدته عليْهِ من زادٍ وأَزوادٍ وتعجبَ الناسُ عندَما رأَوْهُ يقودُ الأسدَ، مستشعرًا بِاِلِانْشراحِ، وشَعَّتْ عيناه بِنورِ الْحُبورِ وَبَسَطَ أمامَه طريقَ السعادةِ وَالسَّلامِ.
ولمّا بلغَ صفد ذُهِلَ أهلُها منْ هذا المشهدِ، واستحالتْ وَجوهُهُم، بِلَمحِ البَصَرِ منَ الدَّعَةِ إلى الامتقاعِ والاحتدامِ. وحينَها كانَ الخليفةُ العثمانيّ سليم الأَوَّل قد وصلَ معَ جيشِهِ حدود فِلَسطين، عندَ مدينةِ صفدَ، وقد شَهِدَ هذه الحادثةَ، ممّا جعلَ السلطانَ يُلَقِّبُهُ بالشيخِ الأسدِ. وقدْ أقرَّ له بِإمارةِ الطريقةِ الجيلانِيَّةِ أوِ الْكِيلانِيَةِ بفلسطين. وأمرَ أيضًا بِوَقْفِ جَبَلِ كَنْعانَ "الكائنِ بِصفد" على زاويةِ الصَّدْرِ أوَن تكونَ وَقْفِيَّةً له ولذرِّيَّتِهِ مِنَ الذُّكُورِ دونَ الإناثِ وأنْ تُوَرَّثَ لِلْأرَشَدِ ومِنْ ثَمَّ لِلْأرْشَدِ إلَى أن يرثَ اللهُ الأرضَ وَمَنْ عَلَيْها. وكان تاريخُ حادثةِ الصكِّ العثمانيِّ لجبلِ كنعانَ المسجلةِ لزاويةِ محمد القادريِّ الأسديّ (وقد سُّمِّيَتْ لاحقًا بزاويةِ الأسدِيَّةِ أوْ أبي ذيابٍ الأسديِّ" حَسْبَ سجلاتِ المجلسِ الأعلى الإسلاميِّ بالقدسِ) عام 1516 م تحتَ اسمِ محمد أَبِيِ عبدِ اللَّهِ الأسدِ والمشهورِ بِنَسَبِهِ ابنِ "اميرِهم الجدِّ الثالثِ للشَّيخِ أَسَد".
ينتمي الشيخُ محمد الأسَدُ في نسبِهِ الشريفِ إلى الشيخِ الشهيرِ عبدِ القادرِ الجيلانيِّ (ت 1166 م)، وكانَ إمامًا زاهدًا يعدُّ من كبارِ الصوفيينَ في العالَمَيْنِ العربيِّ والإسلاميِّ. وهوَ مؤسِسُ الطريقةِ القادريَّةِ عاشَ في بغدادَ وله مؤلَّفاتٌ منها "الفتحُ الربّانيُّ" و"فتوح الغيبِ".
بعدَ وفاةِ السلطانِ سليم الأوَّلِ أمرَ السلطانُ سليمانُ القانونيّ الشيخَ بالرَّحيلِ لِدَيْرِ الْبِعْنَةِ وهو دَيرُ الأسَدِ الْيَوْمَ "بلدةٌ صغيرةٌ" فَأَخْرَجَ منها أهلها أَصْحابَ الديانةِ المسيحيةِ والأصولِ الْفِرَنْجِيَّةِ، ومُمَلّكًا الشيخَ الديارَ كلَّها ولِعَشيرَتِهِ واتباعِهِ، وتُوُفِّيَ ودُفِنَ فيها، وسُمّيتْ بدَيْرِ الأسدِ نسبةً للشيخِ محمد الأسد.
وَمِنَ الرِّواياتِ أيضًا ان السلطانَ سليمانَ القانونيّ قدْ صكَّ للشيخِ الأسدِ وَقْفِيّاتٍ بِقريتيْ فراده وشعب في قضاءِ عكّا. كانَ الشيخُ الأسدُ له نفوذٌ وسَطوةٌ، وَحَضَرَ قبل 500 سنةٍ وإلى جانِبِهِ 200 شخصٍ من بينهم أولادُهُ الخمسةُ، وخدمٌ وَمُرافِقُونَ، وَحامِلُو الأعلامِ والعِدّة من عائلةِ حربٍ، الذين رافقوا حضورَ الشيخِ محمدٍ الأسدِ، وقدْ سكنوا في الْمِنطقةِ حَسْبَ تعليماتِ السلطانِ.
العدَّةُ والاعلامُ
وهي عبارةٌ عن قُماشٌ منَ حريرٍ زُيِّنَتْ باسمِ النبيِّ والخلفاءِ الراشدينَ والشهادتينِ وآياتٍ قُرآنيةٍ. و"الْعُدَّةُ" عبارة عنْ آلاتٍ موسيقيةٍ إيقاعَيَّةٍ: دُفوفٌ، طُبولٌ، صُنوجٌ، يرافقُها رفعُ أعلامِ الأسدِ. وهذه الأعلامُ (الراياتُ) هي من الحريرِ أخضر اللَّوْنِ.
وفي بابِ هذا الذِّكْرِ والتسابيحِ والرقصِ والغناءِ الدينيِّ الصوفيِّ، كثيرًا كان يَحْدُثُ الانفعالُ لدى بَعْض الْمُشاركين فَتَأْخُذّهُم "الحال" على النغماتِ والايقاعِ المتكرِّرِ لِلْعِباراتِ: الله حي، الله حي و "شي لله يا جيلاني" يُقْصِدُ به الشيخ محمد الأسد، وهو - كما أسلفنا - من سلالةِ الشيخِ عبدِ القادرِ الجيلانيِّ صاحبِ الطريقةِ الصوفيّةِ القادريّةِ التي لها مقاماتٌ كثيرةٌ في أماكنَ مختلفةٍ في العالَمَيْنِ العربيِّ والاسلاميِّ، وأشهرُها الْمَقامُ الذي في بغدادَ. والمقصودُ بكلمةِ "حال" أنّها تعبِّرُ عن حالةِ انفعالٍ وجْدانِيٍّ شديدٍ. وهي معروفةٌ في الطرقِ الصوفيةِ القادريَّةِ، ولقد رأيتُ بِعَيْنَيّ، وأنا طفلةٌ صغيرةٌ في المرحلةِ الابتدائيّةِ، بعضَ رجالِ القريةِ، وهم في قمةِ نَشْوَتِهم الروحيّةِ في حالةِ انفعالٍ وجدانيٍّ شديدٍ، ووصلوا إلى درجةِ فِقدان الوعيِ، والدخول في غَيبوبَةٍ. وهذه الحالةُ من الانفعالِ الْوجدانيِّ الشديدِ معروفةٌ في الطرقِ الصوفيّةِ.
ولا زالتِ الْعُدَّةُ هذه تُسْتَعْمَلُ حتّى يومِنا هذا، وخاصَّةً في الجنائز، وعلى ايقاعِها يُهَلَّلُ في موكبِ الجنازةِ في دَعَةٍ وسكونٍ "لا إلَهَ الا اللَّهُ محمدٌ رسولُ اللَّهِ"، وتَتَخلُّلها موجة عارمةُ منَ الحزنِ والاشفاقِ. وهي من الناحيةِ الغنائيّةِ تُؤَدَّى على مَقامِ "الْبياتِ" الموسيقيِّ المعروف.
ومن العاداتِ المتّبعةِ في القريةِ زيارةُ العريسِ يومَ زفافِهِ مقامَ الشيخِ محمد الأسد طلبًا لِلتَّبَرُّكِ والتوفيقِ. والفتاةُ التي تتزوجُ خارجَ القريةِ تُعَرّجُ على الْمقامِ يومَ تأتي "الفاردة" لأخْذِها إلَى بَيْتِ الزَّوْجِيَّةِ، فتودّعُ جدَّها الأسدَ لِيُعْطِيَها رضاه وَبَرَكَتَهُ والتوفيقَ لها ولنسلِها في غُرْبَتِها.
كانتْ وما زالتْ دَيْرِ الاسدِ بنتَ فِكْرِي وروحِي وجسدِي، ومَكانَتُها تذهب إلى أبعدَ من ذلكَ، وهي أكثرُ تحديدًا. فَالدّلالاتُ العميقةُ للمكانِ وتأثيرِهِ تتمثّلُ مجتمعةً في تشكيلِ الْهُوِيّةِ الإبداعيَّةِ والانسانيَّةِ لأيِّ مبدعٍ، وفي بناءِ قسماتِ الشخصيةِ لحضارةٍ معيَّنَةٍ ومزاجِ الشعوبِ أيضًا، عَبْرَ ملامحَ قوميّةٍ بارزةٍ.
مقامُ الشيخِ الأسدِ وعوامِلُهُ الدَّلاليَّةُ
في صِغري، كنتُ وابنُ عَمَّتي عليٌّ، نزورُ مقامَ الشيخِ الأسدِ كلّما اقْتَرَفْنا خطأً بحقِّ أحدٍ، خاصَّةً العجائزَ اللّاتي كنّا نُضايقُهم باستمرارٍ، أمُّ راغب، وأمُّ عارف، حتّى نُكَفِّرَ عنْ ذُنوبِنا، كنّا نعتَقدُ أنّ الشيخَ الأسدَ "يتباصرُ" فيعاقِبُنا على افعالِنا السَّيِّئَةِ. فأهلُ القريةِ يُقْسِمونَ في حديثِهم و"حياة الأسد" ويخشى الناسُ القَسَمَ الكاذبَ، حتّى لا يعاقِبَهُ أو يُنْزِلُ به مصيبَةً، كنّا نزورُ المقامَ ونجلسُ بقربِ الضريحِ لِنطلبَ العفوَ والمغفرةَ. وكانتْ أمّي وخالاتي يزرْنَ المقامَ لإيفاءِ النُّذورِ والتَّبَرّكِ أو ِللدُّعاءِ بِالتوفيقِ.
للمقامِ قدسيةٌ وهيبةٌ واحترامٌ في نفوسِ أهلِ القريةِ، وبعضٌ من خارجِها على اختلافِ دياناتِهم، وقد تمكّنا منَ العثورِ على أبياتٍ منَ الشعرِ كانَ أرسَلَها الشيخُ كمال معدّي من قريةِ يَرْكا وبِخطِّهِ الرائعِ إلى أصدقائِهِ في دَيْرِ الأسدِ ومنهم الشيخُ محمد سعيد الخطيبُ الأسديُّ، والشاعرُ محمَّدٌ أبو سعود الأسديُّ، في الثلاثينيَات منَ القرنِ الماضي، جاءَ فيها: من بَحْرِ البسيط
عليكَ منِّي سلامَ اللَّهِ يا أسدُ - يا مَنْ أضاءَتْ بِهِ الارْجاءُ والْبَلَدُ
إن حُصْحِصَت الحقُّ انتَ الْحَقُّ معجزةٌ -والانْسُ في سِرِّكُمْ والِجِنُّ تعتقدُ
يا مَنْ ركبتَ علَى لَيِثٍ فشاهَدَهُ - سلطانُ تُرْكٍ فَأضْحَى منْه يَرْتَعِدُ
انتَ الْهُمامُ وَنِعْمَ الْجَدُّ جدُّكُمُ - مَنْ مِثْلُكَمْ في رِضا الرَّحْمانِ يَجْتَهِدُ
أنتَ الْحُسامُ ولا امْضَي وَضَرْبَتِكُمْ - بِها تُقَدُّ تُروسُ الْخَصْمِ وَالزَّرَدُ
أنتَ الْغمامُ وَنِعْمَ الْفَيْضُ فيْضُكُمُ - وَالنّاسُ ظَمْأَى على شُطْآنِكُمِ تَرِدُ
أعْظِمْ بِكُمْ سَيِّدِي أَعْظِمْ بِحَضْرَتِكُمْ - نُورُ التُّقَى نورُكُمْ ما زالَ يَتَّقِدُ
التَقيَّةُ
لا يدعي أحفاد الشيخ محمد الأسد بأنهم يعودون بالنسب الجيلاني لفاطمة ابنة النبي محمد وفي الأسس ينتمون للمذهب الشيعي ولم يعترفوا بشيعتهم حينها، لأنّ الأغلبية في هذه البلاد هم سنّة ولأن الشيخ محمد الأسد عالم وفقيه مثقف وذكي، ولم يرد أن يجهر بشيعته بل تأقلم مع الجو السائد ومع الساكنين في المنطقة، فكلّ فلسطين هم سنّة وهناك سلوك كان متبّع في حينه، اسمه التقيّة وهو سلوك تسلكه الأقلية لتأمن من شر الأكثرية، يعرف أنه يتعمّد هذا السلوك عن قصد.
شجرةُ العائلةِ:
كانَ للشيخِ خمسةُ أبناءٍ، وكلُّ اسمٍ منْ ابنائِهِ يُضافُ إليه اسمُ محمّدٍ للتبرُّكِ، وأبناؤُهُ هم: محمّد حافظ، محمّد محفوظ، محمّد الصَّفِيُّ، محمّد نِعْمَةٌ، وأحمدُ رجا، والأخيرُ لم يُرزقْ بأبناءٍ.
كلُّ الحارةِ الشرقيَّةِ في دَيْرِ الأسدِ هم من ذُريَّةِ محمَّد محفوظ: عائلةُ طَهَ أعمر عثمان أبو جمعة وهو أكبرُ فرعِ بعائلةِ الأسديَّةِ، محمّد حافظ جَدُّ عائِلَةِ صنعِ اللَّهِ، لذلكَ شاعَ بَيْنَهُمْ اسم حافظ، أمّا جدُّ عائِلَةِ نعمةَ فهو محمَّد نعمة محمد الحسين أبو علي هداية، ومحمّدُ الصفيُّ جد عائلةِ الصفيِّ.
يرقُدُ ضريحُ الشيخِ محمَّدٌ القادريُّ "الشيخ الأسد" في دَيْرِ الأسدِ. وبالتحديدِ في الطابقِ السفليِّ من جامعِ "محمّد الأسد" الذي سُمِّيَ باسمِهِ. وينتشرُ أولادُهُ وذريَّتُهُ بالمدنِ الفلسطينيَّةِ الشماليَّةِ: صفد، والناصرة، وعكا، وقرية ديرِ الأسدِ نفسِها، وبعضِ القرى والبلداتِ الشماليَّةِ لفلسطينَ. وفي عامِ 1948 هُجِّروا من صَفَدَ، والمدنِ والبلداتِ الأخرى، ومنهم صفديّةُ آلِ الأسَدِيِّ اللذينَ استوطنوا سوريا، وبالتحديدِ في دمشقَ.
يوجدُ شجرةٌ للعائلةِ توارثَها الأبناءُ عن الآباءِ. وفي عام 1960قامَ كلٌّ منْ مأمون أسدي، وياسين قاسم الحسين، بنسخِها عنِ الشجرةِ القديمَةِ، بإشرافِ أبي سعودٍ الأسديِّ.
عائلة الأسدية تشكل نحو 50% من سكان دير الأسد، ومنذ 200 سنة تقريبًا، أتت إلى الدير عائلات أخرى وسكنت بها: ذباح موسى، أمّون، حوراني وعكاوي ورافع، وأما عائلة حرب فقد كانت من الأوائل، حيث كانوا من مرافقي الشيخ محمد الأسد لدى قدومه إلى دير الأسد. ولم تغل عائلة حرب نسلا في الماضي، أي لم ينجبوا الأبناء، في بداية استيطانهم وكل واحد منهم كان يخلف واحد أو اثنين لا أكثر، على عكس الدارج في تلك الأيام
دُورهم دلت عليهم:
تشعرُ بِأُلْفَةِ البيتِ كلّما دخلَ فصل الشتاءِ، وتشعرُ بكلِّ تلكَ الحيواتِ بينَ جُدرانِها، والتي تُحيلُنا دومًا إلى الصمتِ والتأمُّلِ، هذا الشُّعورِ يؤكِّدُ على أنَّ المكانَ يُعَرِّفُنا على أشيائِه، وينتهي عند أرواحِنا.
تضمُّ القريةُ مسجدَ محمّدٍ الأسدِ وَضَريحَهُ، تَأَسَّسَ مسجَد الشيخِ محمد الأسد عامَ 1565 للميلادِ، الجامعُ مهمٌّ لأنًّه يرمُزُ للقدِّيسينَ والمشايخِ والأولياءِ الذينَ لهم قيمةٌ اجتماعيَّةٌ، الجامعُ في قريةِ دَيْرِ الأسدِ الذي بني قبلَ 500 عام، ٍيدلُّ على عظمةِ الشيخِ الأسدِ، له قُبَّتانِ في الوقتِ الذي كانتْ فيه الجوامِعُ بسيطةً ومتواضِعَةً في القرى المجاورةِ، وجامعٌ بقبَّتَيْنِ يرمُزُ إلى الفخامةِ، وإلى أهمّيَّةِ الشيخِ، وقد بَنَى هذا الجامعَ أولادُ الشيخِ الأسدِ، وقد كُتِبَ على بلاطةٍ: "شادَهُ خالصًا لِلَّهِ أبناءُ محمَّدٍ الأسدِ" ومعَ الوقتِ سقطتْ هذه البلاطةُ.
في البدايةِ كانوا يَدْفِنون أمواتَهم بقربِ الجامعِ. وجميعُ أولادِ الشيخِ الأسدِ دُفِنوا هناكَ. ويوجدُ في الجامعِ بئرٌ كبيرةٌ، وقد زُرِعَ حولَ الجامعِ وردٌ جوريٌّ، وهذا كان نادِرٌ في بلادٍ تفتقرُ للماءِ.
هذا الجامعُ المعروفُ بالجامعِ القديمِ، وكانَ لدَى انشائِهِ يقعُ في الطَّرَفِ الجنوبيِّ من قريةِ دير الأسد، وامّا موقِعُهُ اليومَ فهو أقربُ إلى مركزِ القريةِ، وذلكَ بعدَ توسيعِها على مُرورِ الزمنِ. يتألَّفُ الجامعُ منْ قسمينِ، تعلُو كلَّ قسمٍ منْه قُبَّةٌ متقنَةُ البناءِ. يَبْلُغُ قُطْرُ الْقًبَّةِ الشماليَّةِ خَمْسَةَ أَمْتارٍ وهي الأصغرُ حجمًا، وتحتَها الضريحُ الذي يضمُّ رُفاتَ الشيخِ محمّدٍ الأسدِ جدِّ عائلَةِ الأسَدِيَّةِ. هناكَ مَسْجِدٌ تَحْتَ القبَّةِ الجنوبيَّةِ وقطرها (6 م) وهي الكبرى، فيهِ تقامُ الصلواتُ وفيه المِنْبَرُ والْمِحْراب. يفصلُ بينَ قِسمَيِ المسجدِ فاصلٌ خشبيٌّ به بابٌ يُؤدّي إلى ضريحِ الشيخِ الأسدِ. وَيُصْعَدُ إلَى سطحِ المسجدِ بِدرجٍ داخليٍّ (26 درجة) لرفعِ الآذانِ، قبلَ استعمالِ مُكِّبراتِ الصوتِ. في وسط هُناكَ بِئرُ ماءٍ في ساحةِ المسجدِ، من الشرقِ، تمتلئ خلالَ فصلِ الشتاءِ من الماءِ النازلِ عن سطحِ المسجدِ، ويستفادُ منه للوضوءِ والشُّربِ. وكانتْ في هذه الباحةِ نخلةٌ باسقةٌ جدًّا صمدَتْ إلى فترةٍ قريبةٍ، وورودٌ جُوريّةٌ جُلِبَتْ من صَفَدَ بالإضافةِ إلى شُجيراتِ سَرْوٍ ازيلَتْ مؤخّرًا بسببِ بناءِ المسجدِ الجديدِ. وهنالكَ ساحَةٌ تُحاذيِ المسجدَ مِنَ الْجِهَةِ الشماليَّةِ تُسَمَّى محليًّا بِالْمِصَفَّةِ منَ (الصَّفِّ وَالِاصْطِفافِ) وكانتْ كلتا الساحتَيْنِ تُسْتَخْدَمَانِ للمناسباتِ، إذْ يجتمع الناسُ ويصطفُّونَ لِزَفَّةِ الْعَريسِ.
وعليّةُ بناءِ المسجدِ التي كانتْ قبلَ (250) عامًا تقريبًا، - وفْقًا لما سمعناهُ منَ الآباءِ والأجدادِ وخاصّةً منَ المرحومِ أَبي سعودٍ الأسديِّ - فقد تمَّ عَلَى يَدِ بنائينَ أَتَوْا منْ مدينةِ صفدَ، وهم منْ عائلةِ الأسديّةِ الذينَ سكنوها حتّى عامْ (1948).وفي مدينةِ صفدَ أرضُ وَقْفٍ للشيخِ محمّدٍ الأسدِ، تشملُ جبلَ كنعانَ بكامِلِهِ وَتغطِّيهِ اليومَ ابنيةٌ كثيرةٌ وكذلكَ الحالُ في وَقْفِيَّةِ الشيخِ الأسدِ تَقَعُ الأراضي التي صُودِرَتْ في أوائلِ الستينيّاتِ من القرنِ الماضي لبناءِ كرمئيل.
وعلى قطعةٍ منَ الرُّخامِ مُثْبَتَةٌ فوقَ مَدخلِ المسجدِ نُقِشَتْ الأبياتُ التاليةُ. وهي من قصيدةٍ للشَّيْخِ فَهْدٍ شُرَيْحٍ منْ ترشيحا، كانَ قد زارَ القريةَ عامَ (1324ه) وأهْداها إلى الشَّيخِ:
يا لَهُ مِنْ مَسْجِدٍ قَدْ شادَهُ - خالِصًا لِلَّهِ أَوْلادُ الْأَسَدْ
وَعَلَى التَّقْوَى بَنَوْا أساسَهُ - جاوَزَ الجوْزاءَ بِالْحُسْنِ انْفَرَدْ
عَمَرُوا بِالذِّكْرِ أَرْكانًا لَهُ- وَخُلوصِ الْقَلْبِ لِلْفَرْدِ انْصَمَدْ
أحْكَمُوا الْقُبّاتِ غَطَّتْ مَرْقَدً -قدْ حَوَى جَدَّهُمْ الشَّيْخَ الْأَسَدْ
فَإذا مَا زُرْتَهُ فَادْعُ وَقُلْ - يا وَلِيَّ اللَّهِ عَوْنًا وَمَدَدْ
وَقْرَأِ السَّبْعَ الْمِثانِيَ َواهْدِها - رُوحَهُ مَعْ قُلْ هَوَ اللَّهُ أَحَدْ
معَ قُدومِ الشيخِ محمّدٍ الأسدِ إلى قريةِ دَيْرِ الأسدِ التي أصبحتْ تحملُ اسْمَهُ، ويعتبرُ مؤسِّسَها. أشارَ المؤرِّخُ السّوريُّ محمّدُ الكردِ عَلِيٌّ إلَى ذلكَ في كتابِه "خِطَطُ الشامِ". وممّا أوردَهُ: كثيرًا ما كانَ الولاةُ في العهدِ العثمانيِّ يُوجِسونَ خِيفَةً منِ الدِّياراتِ والْبِيَعِ إذا كانتْ مستحكمةَ البناءِ. فقد اخرجَ السلطانُ سليمانُ 1520-1566 النصارَى منْ دَيْرهم في سَفْحِ جبلٍ بٍالقربِ من قريةِ الْبِعْنَةِ، وكانَ قديمًا يُعْرَفُ بِدَيْرِ الْخَضِرِ، وأمرَ أحمدَ بنَ أسدٍ البِقاعِيَّ - وهو محمّدٌ الأسدُ - الذي يُقيمُ في سهلِ البقاعِ منَ الصوفيّةِ الإقامَةَ معَ أولادِهِ" (خطط الشام: ج3 ص 10). وقد تمَّ نقلُ الرهبانِ لِلسَّكَنِ في دَيْرِ الْمُخَلِّصِ الموجودِ في لبنانَ الذي بناهُ لهمُ السلطانُ سليمٌ الأوّلُ. وما زالَ قائمًا حتّى يومِنا هذا.
محمود درويش
العمليةُ الابداعيةُ عمليةٌ مكانيةٌ تلاحقُ المبدعَ، وتؤثرُ فيه مِنْ خلالِ استحضارِ الأحداثِ والوقائعِ التي تُهَيِّئُها القراءةُ الذاتيةُ لِلْوشمِ الذي يَسِمُ الذاكرةَ، التي تسترجعُ هذه الأحداثَ والوقائعَ في إطارِ اللغةِ المحتملةِ والأدبِ المبدعِ، كقصَّةٍ أو شِعرٍ أو روايةٍ، الخ... وهنا في هذه القريةِ عاشِ الشاعرُ الفلسطينيُّ محمود درويش في دَيْرِ الأسدِ، وتَلَقَّى تعليمَهُ الِابتدائيَّ فيها حتّى المرحلةِ الثانويّةِ.
وفي صغرِهِ شاركَ وحضرَ الأفراحَ وسمعَ الشِّعرَ والزجلَ منِ أهلِ القريةِ، وهذا أثّرَ به، وحينَ كانَ في الصفِّ السابعِ أَلْقَى قصيدتَهُ الأولى. تأثرَ كثيرًا بقريةِ دير الأسد وطبيعتِها وأهلِها ومُناخِها. لا يوجدُ بيتٌ في دَيْرِ الأسدِ إلا وربّةُ البيتِ تَغَنِّي بدع، وزوجُها يغني بدع، والكثيرُ من الشعراءِ أصحابِ الكلمةِ.
انتقلتْ عائلةُ محمود درويش في بدايةْ الستينيّاتِ إلى قريةِ جديدةَ، وقصيدتُهُ الأولى كَتَبَها وهو في دَيْرِ الأسدِ، عملَ والِدُهُ في المحجر والمحاجر التي كانتْ مِنْطقةً صخريّةً قريبةً، حيثُ عملَ أهلُ الدَّيْرِ والقرى المجاورةُ فيها. وكان هذا مصدرَ رزقِهم. اشتهرتِ القريةُ بشعرائِها كالشاعرينِ أبو غازي وأبو سعود، وعاشَ بها الكثيرُ من المناضلينَ الفلسطينيينَ، ونبتَتْ بها قصصٌ طافِحَةٌ بالحكاياتِ والأساطيرِ.
في أواخرِ الخمسينيّاتِ وبدايةِ الستينيّات، صودرتْ بعضُ أراضي دَيْرِ الأسدِ، وبُنِيَتْ عليها مدينةُ "كرمئيل"، وكانتِ المظاهراتُ والمعارضاتُ ضِدَّ المصادرةِ، وكانتْ مقاومةٌ للمصادرِةِ ولكنَّ مخططَ تهويدِ الجليلِ كانَ أقوى.
نكبة عام 1948
من هنا نستنتجُ أنّ المكانَ يأخذُ صِيغَتَهُ المكانِيّةَ والأدبيَّةَ منَ التأثيرِ الذي يُحدثُهُ في النَّفْسِ، من خلالِ القيمةِ المعنويّةِ التي يرثُها الإنسانُ نتيجةَ الثقافةِ التي يتلقّاها، ووِفْقَ العاداتِ والتقاليدِ التي تشرَّبَها بفعلِ احتكاكِهِ بالمكانِ، وبفعلِ احتكاكِ مَنْ سبقوهُ به. لهذا فالأدبُ والمكانُ متلازمانِ، لا يمكنُ أنْ يحيا أحدُهما خارجَ روحِ الآخرِ.
فالفلسطينيُّ مثلا هو فلسطينيٌّ نتيجةَ المكانِ، وتضامُنِ المُسلمِ أو العربيِّ معَه هو تضامنٌ مع المكانِ، قبلَ أنْ يكونَ تضامُنًا معً الشخصِ لاعتباراتٍ شَتّي، لهذا نرى أنَّ الأدبَ الفلسطينيَّ هو أدبُ المكانِ بامتيازٍ، لأنَّ المكانَ هنا مُثيرٌ ومَهَيْمِنٌ بفعلِ الحوادثِ والوقائعِ التي تقعُ فيه، فهناكَ احتلالٌ، وهناك مُقاومةٌ وهناكَ انتباهٌ لما يقعُ في المكانِ.
يقولُ احمد علي طه أبو علي، وهو من مواليدِ 1934: كان عمرَه 14 سنةً، حين دخلَ الجيشُ الإسرائيليُّ إلى القريةِ، وطلبُوا من الناطورِ سعيد بكرية أنْ يدورَ في البلدِ ويُنادي أهلَ البلدِ أنْ ينزِلُوا ويتجمعوا عندَ الكراجِ، قربَ أرضٍ لأحمد حجازي، وأنْ تأتِيَ البلدُ كُلُّها نساءً وَأَطْفالًا، فدارَ ولفَّ سعيد بكرية في البلدِ وهو ينادي:
"يا سامعين الصوت، أولكم محمد وثانيكم علي وثالثكم فاطمة بنت النبي، تجمعوا بأمرٍ مِنَ الجيشِ الاسرائيليِّ عندَ الكراجِ. نزلَ معظمُ أهالي البلدِ، وَبَعْضُهُمْ فرّ على غير هُدًى، ولكنَّ الأغلبَ تجمعوا خوفًا من بطشِ الجيشِ، الذي أخافَ الناسَ وطلبوا منهم الرحيلَ إلى لبنانَ وسوريا، واقتادوا عشراتٍ من الشبابِ إلى المعتقلِ، وقتلُوا أمامَ الْمَلَإ اثنينِ من شبابِ دَيْرِ الأسدِ، واثنينِ مِنْ قريةِ الِبِعْنَةِ المجاورَةِ، فارتَعبُوا وخافوا الموتَ فهربَوا شمالًا باتجاهِ لبنانَ وقسمٌ منهمْ قِيدَ إلى المعتقلِ".
يضيفُ أبو علي: "بعضُ العائلاتِ، مثلِ عائلَةِ رافع وموسى والذباح وطه، عسكرْنا في مِنْطقةِ البيارةِ ومِنطقةِ السُكنِ، وقعدنا عدةَ أيّامٍ في البرّيّةِ، فرغتِ البلدُ من أهلِها، وخلالَ هذه الفترةِ فجّرَ الجيشُ بيتَ محمود السعيد مختارِ البلدِ بالألغامِ، وهذا أخافَ الناسَ أكثرَ وأكثرَ. عندَها توجَّه المرحومانِ قاسم الحسين وأبو سعود الأسديُّ لقريةِ يركا، وطلبُوا منهم المساعدةَ بالعودةِ إلَى القريةِ، وَأُعْطِيَ أمرٌ لناطورِ القريةِ سعيد بكرية أنْ يناديَ: كلُّ مَنْ لَجَأَ في الِوُعورِ يُمْكِنُهَ العودةُ إلَى البلدِ وعليهِ الأمانُ. قِسْمٌ منهم خَشِيَ وهربَ إلى لبنانَ وسوريا، والأكثريةُ عادوا إلى البلدِ.
وَعندَ تسجيلِ عددِ سكّانِ البلدِ كانَ الشاعرُ الكبيرُ حنا إبراهيم يُسَجِّلُ النفوسَ، وبَعَثَ حوالي (20) ورقةَ نفوسٍ لعائلاتٍ فرّتْ إلى لبنانَ، على أنّهم ما زالوا هنا، حتّى يتيحَ لهم العودةَ دونَ عائقٍ، ٍولكنَّ أغلبَهم خافُوا وبقُوا في لبنانَ. والعائلاتُ التي نزحَتْ إلى لبنانَ هي العائلاتُ الغنيَّةُ مِنْ أمثالِ محمود السعيد، وعلي الخطيب، وحسين الخطيب، واحمد علي الخطيب ابنِ سعيدٍ، ويونس فتح الله وغيرِهم، أمّا الفقراءُ فقدْ بَقُوا في أرضِهم، وخَدَمَنا الحَظُّ، فَبقينا أسبوعًا، وقد بَقينا بعهدةِ جبر الداهش وخاله ملحم، من قرية يركا".
معَ انتهاءِ سنواتِ الـ 40 منَ القرنِ الماضي حصلَ التغييرُ الذي قَلَبَ كلَّ موازينِ الفلسطينيِّ، وأعطى أهميةً كبيرةً للمكانِ الذي عزّزَ الارتباطَ بينَ حياةِ الأنسانِ وتاريخهِ بالمكانِ، التغييرُ الذي حصَلَ هو النكبةُ، نكبة اُلشعبِ الفلسطينيِّ. بعدَ تجاوَزِ هذا التغييرِ أصبحَ المكانُ نفسيّا وَشُعُورِيًّا له رموزُهُ وجماليّاتُهُ الخاصَّةُ في الكتابَةِ الشِّعريَّةِ أو الروائيَّةِ، رغمَ ظروفِ التغييرِ الصعبةِ، وكذلكَ دلالاتُها وارتباطاتُها النفسيَّةُ التي تَتَشَكَّلُ عندَما نذكُرُها أو نقرأُها.
همسة أخيرة:
إذا كانَ الفضاءُ شرطًا ضروريًّا كيْ تشتغلَ الحساسيَّةُ والحدْسُ، وبالتالي لقيامِ المعرفةِ الإنسانيّةِ فإنَّه شرطٌ جوهريٌّ أيضًا لبناءِ صروحٍ أدبيّةٍ أَعْنِي الأدبَ الإنسانيَّ الملتصقَ بالتربةِ التي تشربُ منها جذورُهُ وفروعُهُ لتتوغَّلَ وتمتَدَّ في الآفاقِ الرَّحْبَةِ باتجاهِ الكونِ الذي لا حدودَ له أبدً وكانت دير الأسد في ماضيها وحاضرها ومستقبلها فضاءً لهذا الحدس الأدبي والفني.
الباحث والمراجع
أعدت المادة الباحثة أسيل عرار / الأردن
المراجع
1- مدونة فلسطين https://mohammadhamdan64.wordpress.com
2- المرجع: كي لا ننسى / وليد الخالدي
3-ميسون أسدي، كل العرب https://www.alarab.com/Article/1007048
5- لاجئ نت