معلومات عامة عن البصة - قضاء عكا
معلومات عامة عن قرية البصة
البصة هي قرية فلسطينية مهجرة، تعرف في العبرية باسم "بتست" (בצת) كانت تابعة لقضاء عكا أثناء الانتداب البريطاني على فلسطين، وتقع قرب الحدود اللبنانية، على بعد 19 كيلومتراً (12 ميلاً) شمال مدينة عكا، على ارتفاع 65 متراً من سطح البحر. كانت القرية تقع على سفوح تل صخري إلى الشمال من وادي البصة وتواجه الغرب أي نحو الساحل البحر الأبيض المتوسط. وكانت طريق فرعية تربطها بالطريق العام الساحلي بين عكا وبيروت ولعل اسمها مشتق من اللفظة الكنعانية (بصاة)، وتعني المستنقع وكان اسمها بيزيث في الفترة الرومانية وأشار إليها عماد الدين الاصفهاني (توفي سنة 1201) وهو مؤرخ كان مقربا من السلطان صلاح الدين الأيوبي في كتاباته باسم عين البصة . قرية تابعة لناحية تبنين (لواء صفد)، وعدد من الغلال كالقمح والشعير والزيتون والقطن والفاكهة، بالإضافة إلى عناصر أخرى من الإنتاج والمستغلات كالماعز وخلايا النحل والمراعي وكانت البصة تقع في منطقة مدار نزاع ما بين ظاهر العمر الذي أصبح الحاكم الفعلي لشمال فلسطين لزمن قصير في النصف الثاني من القرن الثامن عشر وبين زعماء جبل عامل . أما خليفة ظاهر العمر، احمد باشا الجزار فقد جعل البصة الناحية. في أواخر السبعينات من القرن التاسع عشر، كانت البصة مبنية بالحجارة ويسكنها 1050 نسمة تقريبا وكانت تقع على طرف سهل وتحيط بها بساتين الزيتون والرمان والتين والتفاح وكانت القرية جزءا من لبنان قبل الحرب العالمية الأولى غير أنها ألحقت بفلسطين بعد الحرب عندما رسمت بريطانيا وفرنسا الحدود بين هذين البلدين.
الموقع والمساحة
البلدات المجاورة
يحدها من الشمال، الحدود اللبنانية (مزرعة لبونة وعلما الشعب)، ومن الغرب البحر المتوسط، ومن الجنوب الغربي قرية الزيب، ومن الجنوب قرية الكابري، ومن الشرق كيبوتس متسوبا (اشترى اليهود الأرض من نقولا البنا وهو من أهالي صور)، وقرية معليا وكيبوتس حنيتا (اشترى اليهود هذه الأراضي من عائلة زعرب اللبنانية)، وعرب العرامشة وعرب السمنية.
العمران
كان في القرية مدرسة ابتدائية رسمية للبنين شيدتها الدولة العثمانية في سنة 1882 ومدرسة ثانوية خاصة ومدرسة ابتدائية رسمية للبنات. وانشأ سكان القرية أنفسهم ناديين رياضيين ومسجدين وكنيستين وأضرحة ومقامات عدة بعضها للمسلمين وبعضها للمسيحيين وكان مقامان منها مقدسين لدى الطائفيين معا وكان العمال في البصة أسسوا فرعًا محليًا لاتحاد العمال الوطني الفلسطيني. وكان هذا الاتحاد يدافع عن مصالح العمال، وقد أسس متاجر تعاوينة في القرية. وكان في البصة ما يزيد على عشرين متجرًا تلبي حاجات القرى ولأخرى أيضا كما كان فيها(حسبة) ( سوق مفتوحة للمنتوجات بالجملة والمفرق) قائمة وسط القرية. وكانت (الحسبه) تقام أيام الآحاد. وكان سكان القرية يعملون أيضا في مهن أخرى كالحرف وصناعة الصابون فضلا عن العمل إجراء في القواعد العسكرية البريطانية
الآثار
عثر على أثريات داخل القرية وخارجها. وكان في داخلها بقايا قرية قديمة وأجزاء أرضيات من الفسيفساء وبعض الآبار والقبور المنحوتة في الصخر. كما كشفت دائرة الآثار الفلسطينية سنة 1932 مقبرة مسيحية عثر فيها على نقود وزجاجيات تعود إلى القرن الرابع للميلاد وعلاوة على ذلك كان إلى جوار القرية ما يفوق 18 خربة.
السكان
سكان هذه القرية وسكان خربة معصوب المجاورة فقد ضمنوا معا في إحصاءات السكان لفترة 1944 1945، كان عددهم آنئذ 1590 مسيحيا و1360 مسلما في سنة 1948 كان عدد السكان يقدر بنحو 4000 نسمة لكن من دون تحديد للانتماء الديني. وكانت هذه الزيادة في عدد السكان تعزى إلى فيض من المهاجرين من مناطق أخرى (وجدوا لأنفسهم أعمالا في القواعد العسكرية البريطانية القريبة)، وإلى انخفاض نسبة الهجرة من القرية.
كانت البصة ثانية كبرى القرى في المنطقة من حيث عدد السكان. وقد أنشئ مجلس فيها سنة 1922، بلغ دخله 121 جنيها فلسطينيا سنة 1929، 1407 جنيهات سنة 1944 أما نفقاته فبلغت نحو نصف دخله السنوي في كلتا السنتين بعيد سنة 1946 بدأت ميزانية المجلس تعاني عجزا بسبب إنشاء شبكة من قنوات المياه التي مدت منازل القرية بمياه الشرب.(وقبل إنشاء هذه الشكبة كان منزل يحصل على مياه الشرب من أبار تتجمع مياه الأمطار فيها خلال الشتاء ومن نبع داخل محيط القرية ومن بئر ارتوازية حفرت في الأربعينات على بعد نحو 1،5 كلم غربي القرية). كما ساعد المجلس القرويين في الشؤون الزراعية كاستئجار النواطير للحقول( وكان الفلاحون يدفعون رواتبهم) واراشاد سكان القرية في شؤون الزراعة وتوقيت مواسم الحصاد لشتى المزروعات
الاستيطان في القرية
انشأ الإسرائيليون مستعمرة بيتست سنة 1949 في موقع القرية واسكنوا فيها مهاجرين يهودا من رومانيا ويوغسلافيا . وفي السنة ذاته أسس أفراد من لواء يفتاح، هذه المستعمرة. وفي السنة ذاتها أسس أفراد من لواء يفتاح التابع للبلماح، مستعمرة كفار روش هنكرا على أراضي القرية. وفي سنة 1949 أيضا أنشئت مستعمرة ليمان في البدء قاعدة عسكرية تدعى تساهال، ثم دعيت لمان بعد أن زارها عضو مجلس الشيوخ الاميركي هربرت ليمان في سنة 1959. وأنشئت شلومي وهي إحدى مدن التطوير في سنة 1950 على أراضي القرية إلى الجنوب قليلا من موقعها الأصلي. ويبلغ عدد سكانها الآن 2200 تقريبا. أما مستعمرة متسوفا ، التي أسست في سنة 1940، فقد توسعت ويقع بعض أبنيتها الآن على أراضي القرية.
الثروة الزراعية
أثناء فترة الانتداب، كان بعض سكان القرية يعنى بتربية الحيوانات، بما فيها البقر. كانت عشر عائلات على الأقل تعتاش من قطعان الماعز والضأن. وكانت المزروعات في القرية تسقى من قنوات الري ومياه الأمطار. في أوائل الأربعينات كان في القرية جمعية تعاونية للفلاحين تملك الأدوات الزراعية وشاحنة وآلة للحصاد.
كان مجمل مساحة أراضي البصة هو 25,258 دونماً. ومع أن المزروعات الأساسية كانت القمح وغيره من الحبوب فقد كانت الأرض تزرع أيضاً خضروات وفاكهة وحبوب المكسّرات. في 1944\ 1945 كان ما مجموعه 614 دونماً من أراضي البصة وخربة معصوب مخصصاً للحمضيات والموز، و10437 دونماً للحبوب و 4699 دونماً مروياً أو مستخدما للبساتين.
الرياضة والألعاب في القرية
بيان المدرسة الوطنية الاسقفية في البصّة _ فلسطين ، للذكور والاناث ، لسنة 1938_1938 ، على لسان مدير المدرسة سليم عطالله ذياب في معرض حديثه عن الرياضة :
تهتم المدرسة اهتماما كبيرا بالرياضة لانها اصبحت من الامور الضرورية التي لا يُستغنى عنها في المدارس ولانّ تمرين العضلات وتقوية الاجسام وتعريضها لحرارة الشمس والهواء الطلق والقيام بالالعاب المنظمه بالكيفية التي اقرّتها النظريات الصحية ، جميعها وسائل صالحة لاعداد شباب وثّاب نشيط الجسم والروح يصلح لخدمة الوطن في جميع نواحي الحياة ..العقل الصحيح في الجسم الصحيح ولقد عززت المدرسة الرياضة وشجّعت الطلاب الراغبين فيها وانشأت فرقا لها يتمرّن افرادها تحت اشراف معلم الرياضة على كافة الالعاب المختلفة وحبّا بايجاد روح التنافس والغيرة بين الطلاب فقد قُسّم تلامذة المدرسة الى فئتين متعادلتين هما فرقة النسر وفرقة الاسد وبينهما تجري المباريات في كرة القدم وكرة السلّة والبنج بنج والركض والقفز والجري ..:
وتضمّن البيان تفاصيل وقائع المهرجان الرياضي الكبير ، كما يلي
اقامت المدرسة مهرجانا في 1938\6\26 ، حضره سكان البلدة والقرى المجاوره واولياء امور الطلبة ، حتى اكتظّت الساحات بالمدعويين من رجال ونساء ، ولبست ساحات الالعاب حلّة قشيبة من الزينة وكانت الاعلام العربية ترفرف فوق سماء الملعب فتبعث في نفوس الشباب روحا وحماسا ، وكان اللاعبون يرتدون لباسا خاصّا لهذه الحفلة وتلوح على محيّا جميعهم امارات النشاط والقوّة وحسن الاستعداد والانتظام للقيام بالالعاب الرياضيّة ، وكان يشرف على الحفلة لجنة مؤلّفة من مدير المدرسة واساتذة المدرسة مع لجنة الحكم المؤلّفة من وجوه البلدة واعيانها واشخاص آخرون لاعطاء الاشارة وبعضهم لاعلان النتائج وآخرون لتسجيل وقائع الحفلة واعلان اسماء الفائزين بواسطة البوق ، وفي الوقت المعيّن ابتدأت الحفلة بين تصفيق الاكفّ وهتاف الجمهور وتعاقب التلاميذ على القيام بمختلف الالعاب الرياضية والحركات التمرينية مما ادهش الحضور واثار اعجابهم ، وكانت نتيجة الحفلة ان تغلّبت فرقة النسر على فرقة الاسد ب 98 علامة ضد 97 ، فاحرزت كأس الالعاب الذي تفضّل بتقديمه لهذه الغاية الاستاذ رشيد الخوري سكرتير المجلس البلدي بحيفا ..وعند انتهاء الحفلة وزعت الجوائز على الفائزين الاوّل والثاني في كلّ لعبة وقام بتوزيعها السيّد الفاضل امين افندي الديب ضابط مكّوس منطقة الساحل في البصّة وهذه اسماء الممتازين :
.
- سباق 100 متر للكبار _ الفائز الاول : عبدالله سليمان ( نسر ) والثاني يوسف مالك (اسد ) .
- القفز العالي للمتوسطين _ الفائز الاول : جرجس جدعون (نسر ) والثاني موسى اسعد (اسد ) .
- سباق البطاطا للصغار _ الفائز الاول : جميل روبين (نسر ) والثاني سامي خليل (اسد ) .
- القفز العالي للكبار _ الفائز الاوّل : عفيف بربر (اسد ) والثاني ابراهيم اسعد (نسر ) .
- سباق 100 متر للصغار _ الفائز الاوّل : نمر الجمل (نسر ) والثاني سامي خليل (اسد ) .
- القفز الافقي للمتوسطين _ الفائز الاول الياس واكيم (نسر ) والثاني جرجس داود (اسد ) .
- سباق البطاطا للاطفال _ الفائز الاول : انترانيك بربريان (اسد ) والثاني جورج الشاعر (نسر ) .
- سباق المواصلات للكبار _ الفرقة الفائزة (الاسد ) .
- سباق 400 متر للصغار _ الفائز الاول : بطرس فايز(اسد ) والثاني جميل روبين (نسر ) .
- ضرب الكله للكبار _ الفائز الاول : عبدالله سليمان (نسر ) والثاني ابراهيم اسعد (نسر ) .
- الركض الخلفي للكبار _ الفائز الاول عفيف بربر (اسد ) والثاني يوسف مالك (اسد ) .
- سباق 100 متر للمتوسطين _ الفائز الاول : الياس واكيم (نسر ) والثاني بطرس عياط (اسد ) .
- سباق الاكياس للصغار _ الفائز الاول : الياس الخوري (اسد ) والثاني بطرس فايز (اسد ) .
- سباق 800 متر للكبار _ الفائز الاول : عفيف بربر (اسد ) والثاني ابراهيم اسعد (نسر ) .
- سباق الثلاث الارجل للمتوسطين _ الفائزان الاولان : مخايل فضلو وبطرس عياط والفائزان الآخران : ابراهيم جمعه وجريس داود .
- سباق 200 متر للصغار _ الفائز الاول : جميل روبين (نسر ) والثاني نمر الجمل (نسر ) .
- القفز الافقي للكبار _ الفائز الاوّل : عبدالله سليمان (نسر ) والثاني يوسف مالك (اسد ) .
- سباق المواصلات للصغار _ الفرقة الفائزه (النسر ) .
- سباق 400 متر للمتوسطين _ الفائز الاول : الياس واكيم (نسر ) والثاني خليل بولس (نسر ) .
- سباق 400 متر للكبار _ الفائز الاول : عفيف بربر (ا ) والثاني يوسف مالك (اسد ) ..
- شدّ الحبل للكبار _ الفرقة المنتصره (النسر ) ..
صفحة جمعية احياء تراث البصة
تاريخ القرية
توسعت البصة خلال الانتداب البريطاني لتشمل تلة مجاورة كانت تعرف بالجبيل وبحلول سنة 1948، كان عدد منازل البصة يفوق 700 منزل وكان كل منزل من المنازل القديمة يشتمل في العادة على غرفة واحدة واسعة، وذات سقف عال. وكان لكل منزل حوش كبير ينشرالغسيل فيه، وحفظ الحيوانات فيه أيضا. كما كان الحوش يشمل غرفا لحفظ الحبوب وعلف الحيوانات، وبئرا تجمع مياه الأمطار فيها. وكانت البئر تكفي أصحاب المنزل حاجتهم من المياه وكانت تلك المنازل القديمة مبنية بالحجارة ومتقاربة بعضها من بعض، ويفصل بعضها عن بعض بعض شوارع وأزقة مرصوفة حجارة. أما المنازل الجديدة التي بنيت بعد الحرب العالمية الأولى. فغالبا كانت مكونة من طبقتين. أما الحوش في هذه المنازل الجديدة فكان في الغالب يشتمل على حدائق منزلية فيها أنواع من أشجار الفاكهة والخضروات
تاريخ القرية
أثناء فترة الانتداب كان بعض سكان القرية يعنى بتربية الحيوانات بم فيها البقر. كانت عشر عائلات على الأقل تعتاش من قطعان الماعز والضأن وكانت المزروعات في القرية تسقى من قنوات الري ومياه الأمطار. وكان الري محصورا في العادة بأشجار الفاكهة والخضروات التي كان معظمها مزروعا على بعد نحو 2كلم غربي القرية، في منطقة كانت فيها أيضا منتزهات ومقاه . في أوائل الأربعينات كان في القرية تعاونية للفلاحين تملك الأدوات الزراعية وشاحنة وآلة للحصاد. ومع إن المزروعات الأساسية كانت القمح وغيره من الحبوب فقد كانت الأرض تزرع أيضا خضروات وفاكهة وحبوب المكسرات. في 1944 1945 كان ما مجموعه 614 دونما من أراضي البصة وخربة معصوب مخصصا للحمضيات والموز و 10437 دونما للحبوب و 4699 دونما مرويا أو مستخدما للبساتين
المجازر في القرية
مجزرة البصة 1938
تعرضت القرية سنة 1938 (خلال حروب الثورة العربية 1936 ـ 1939) لمجزرة ارتكبتها القوات البريطانية، ففي 6 سبتمبر 1938 قتل 4 من الجنود البريطانيين لدى مرور عربتهم المدرعة على لغم أرضي قرب القرية، فقامت القوات البريطانية بالانتقام بحرق القرية بأكملها، وبعد عدة أيام اعتقلت القوات البريطانية 50 عربياً من أبناء القرية، وأطلقت النار على من حاول الفرار منهم، ووفقاً لشهادة بريطانية وضع الباقون في حافلة أجبرت على السير فوق لغم أرضي زرعه الجنود البريطانيون، مما أدى إلى تدمير الحافلة ومصرع العديد من ركابه، وكانت الحصيلة حوالي 20شهيدا .
احتلال القرية
احتلت البصة ضمن عملية بن عامي في 14 أيار مايو 1948. لكن عارف العارف يؤرخ سقوطها قبل ذلك بثلاثة أيام، في 11 أيار مايو. يستذكر سكان القرية أن قوات الاحتلال أمرت جميع من تبقى، ومعظمهم من الشيوخ، بالتجمع في كنيسة القرية. وهناك أخذوا بعض الشبان، ومن جملتهم امرأة واحدة على الأقل، وأعدموهم رمياً بالرصاص خارج الكنيسة، وأمروا الباقين بان يدفنوهم.
لجأ غالبية أهالي البصة الى لبنان، وتشتت من بقي في قرية المزرعة وكفرياسيف ومعليا وغيرها من قرى الجليل. ويذكر المؤرخ نافذ نزّال، قتل بعض سكان القرية لاحقاً حين حاولوا العودة إلى القرية لاستعادة ما تبقى من ممتلكاتهم.
العادات والتقاليد في القرية
المجتمع
لقد أنشئ فيها مجلس محلي سنة 1922، وشرع المجلس سنة 1946 بإنشاء شبكة من قنوات المياه التي مدت منازل القرية بمياه الشرب. كما ساعد المجلس القرويين في الشؤون الزراعية، كاستئجار النواطير للحقول، وكان الفلاحون يدفعون رواتبهم، وإرشاد سكان القرية في شؤون الزراعة، وتوقعت مواسم الحصاد لشتى المزروعات. فكان في القرية رئيس للمجلس، وكان توفيق جبران أخر رئيس للمجلس في 1948، بالإضافة إلى ثلاثة مخاتير، مختار مسلم، وكان خضر أحمد أخر مختار عام النكبة، ومختاران مسيحيان جبور صباغ عن الكاثوليك ووديع عزام عن الروم.
وكان في القرية مدرسة ابتدائية رسمية للبنين شيدتها الدولة العثمانية في سنة 1882، ومدرسة ابتدائية حكومية للبنات، ومدرسة شاملة خاصة هي مدرسة المطران أو المدرسة الأسقفية الوطنية والتي غير اسمها مؤخراً إلى كلية الرابطة الوطنية، ومدرسة ابتدائية تابعة للإرسالية الانجيلية الألمانية. تشكّل بالبصة ناديان للفعاليات الاجتماعية والرياضية هما نادي اتحاد الشبيبة ونادي الإخاء البصي. وكان لأهل البصة ثلاث كنائس ومسجد وأضرحة ومقامات عدة، بعضها للمسلمين وبعضها للمسيحيين، وكان مقام منها مقدساً لدى الطائفتين معاً. وكان العمال في البصة أسسوا فرعاً محلياً لاتحاد العمال الوطني الفلسطيني، وقد أسس هذا الاتحاد متاجر تعاونية في القرية. وكان في البصة ما يزيد على عشرين متجراً تلبي حاجات القرى الأخرى أيضاً، كما كان فيها حسبة أي سوق مفتوحة للمنتوجات بالجملة والمفرق، قائمة وسط القرية. وكانت الحسبة تقام أيام الآحاد. وكان سكان القرية يعملون أيضاً في مهن أخرى، كالحرف وصناعة الصابون، فضلاً عن العمل أجراء في القواعد العسكرية البريطانية. كما كان في البصة فندق ومحطة باصات وسيارات أجرة ومنتزه معروف في منطقة المشيرفة القريبة من البحر. كما كان فيها مركز للشرطة ومكتب جمارك لوقوعها على الحدود.
روايات أهل القرية
أنا حسن نمر فرحات، فلسطيني من البصة قضاء عكا، البصة فيها إسلام ومسيحيين الغالبية العظمى إسلام، فهم اكثر من المسيحيين.
العائلات الكبيرة في البصة، عائلة دار الجمل وأنا منها، وعائلة دار كنعان، والشقران، وهناك عائلات صغيرة، ولكن الأساس هذه العائلات الكبيرة.
عائلة دار الجمل موجودة في فلسطين ولها إسم في لبنان وكانت في قرية لبّونة وإنتقلت الى الناقورة ثم إستقرت في البصة، وبعد النكبة عادت غالبية العائلة الى لبنان وجزء كبير ترك لبنان وهاجر الى الخارج طلباً للمعيشة.
ولعائلة الجمل شجرة عائلة قدمناها لمؤسسة هوية. البصة هي اقرب بلد الى حدود لبنان، لها أرض مشتركة مع الناقورة، عند وصولك للناقورة، وتطلع الى الجبل، ترى البصة تحتها، البصة هي بلدة ساحلية تبعد عن البحر الأبيض المتوسط من 7 – 10 كلم.
البصة مشهورة بحقول الزيتون والبرتقال والخضار، وأنا طلعت من البصة عمري 10 سنوات، أنا مواليد 1938، وأذكر بعض الأشياء عن البصة.
كنا ساكنين بالبصة وأذكر الشارع الرئيسي للبصة وكان مبلط بلاط وكان جميلا، هناك حارة للإسلام وحارة للمسيحيين.. والزيب من أقرب القرى على البصة في الساحل.. وفيها طريق يذهب الى أم الفرج والنهر والكابري وكفر ياسين.
بجانب البصة كان هناك مستعمرات لليهود وهي مستعمرة إسمها جانوتة وأخرى إسمها معصوبة، والآن بنوا مستعمرة على بيادر البصة إسمها بصّين.
من عائلات البصة، بيت الجمل، كنعان، الحاج، الشقران (بيت الأشقر)، بيت وحيد. حوالي 5 أو 6 عائلات موجودة بشكل اساسي.
كان هناك مدارس إبتدائية، وثانوية. أما من يريد أن يكمل دراسات عليا، فكان يذهب الى عكا وحيفا. أنا لم أدرس بالصة، بل درست بلبنان عندما خرجنا من فلسطين.
كان هناك مقاه، مقهى لبيت كنعان كبير، وكان في باص يذهب الى عكا، وهناك سيارات صغيرة تذهب على عكا لأخذ ركاب.
كان في بالبصة مسجد وكنيسة، ولكني لا أذكر شكلهم.. لأنني كنت صغيراً عندما خرجنا.
بلدنا هضبة فيها أشجار وسنديان.. عند الطبابة، كان الناس يذهبون الى عكا، ونهاريا، نهاريا كانت قريبة على البصة والزيب.
كان عندنا بئر نبع إسمه كفر نبيت، كان عليه سطل كبير ويصب في بركة صغيرة.
كنا نضيء الكاز والفتيلة، ولم يكن يوجد كهرباء. كان يوجد دكاكين كثيرة.. كنا نذهب ونشتري شاي وسكر، ويوجد ملحمة.
كان هناك أيضاً فرن ولكن معظم الناس تخبز على الصاج.. وأيضاً يوجد حلاقين.. كنا نلعب غميضة وعالي وواطي، ولعبة الشكّة والجلل.
وبالنسبة للزيتون، كنا نعصره بالبلد، يوجد معصرة بالبلد.. فبلدنا كلها حقول زيتون.. كان ثمن العصر يكون زيت.
كنت أذهب مع أخي لرعي البقر والسخول.
بيتنا كان فيه قنطرلاتين، منه إسطبل للحيوانات والبيت أعلى بدرجتين وتخت فيه جملين وبقر.. بيتنا كان واسعاً..
أبي كان عنده أوراق وأشياء من فلسطين ولكن عندما ذهبنا الى ليبيا، لم أعد أعرف أين ذهبت هذه الأشياء.
من الشخصيات المشهورة ببلدنا، ناس من بيت الحاج، أغنياء عندهم أرض كثيرة، وكذلك ناس من بيت كنعان والجمل..
أنا زرت مجد الكروم، وكفر ياسين، والدير والبانية، والبقيعة، البقيعة هي بلدي الأساسي، بلد أبو أبوي وكان عنا أرض فيها، وعمتي كانت هناك. وزرت حيفا ونهاريا.. عند المشاكل، كان عندنا مخفر بريطاني فكانت تحل هناك..
شهر رمضان كان جميل في البصة، كانت الناس تصوم وتهلل لرمضان.. وهناك مسحراتي ويُضرب المدفع للإفطار..
بالنسبة للأعراس، عند العرس، يبدأ الفرح قبل أسبوع، ويتم ذبح الذبائح، وتقام بالبيوت والساحات العامة، وتنصب الدبكات ويغنوا الدلعونة وزريف الطول والدبكة الشمالية.
عندنا مقبرة بالبصة، واحدة للمسلمين والأخرى للمسيحيين.
المسلمون والمسيحيون كانوا كثيرا على علاقة طيبة مع بعضهم البعض، وكنا نشارك بعضنا بالأفراح والأحزان.
أذكر ناس كثر كانت تذهب الى الحج..
أبي كان بثورة 1936، ومن الثوار.. بعد إنتهاء الإنتداب البريطاني تم التمهيد لليهود للإحتلال البلد.. عند إنسحاب بريطانيا من معسكر كانت تسلمه لليهود..
كان هناك مواجهات بين الفلسطنيين واليهود.. ولكن ليس هناك تكافؤ، واليهود كانوا يحضرون يهود آخرين من الخارج.. وإشتروا بعض الأراضي من ضعفاء النفوس الفلسطنيين..
لم يكن هناك وعي كاف عند البعض.. أي أنه من يبيع أرضه وبيته يبيع عرضه وشرفه ووطنه..
وعندما يرفض أي شخص بيع أرضه وبيته كانوا يقتلوه ويجبروه إن استطاعوا.. ظل شعبنا يقاتل ويقاوم ولكن من خرّب علينا هو جيش الإنقاذ (أي الدول العربية المرتبطة مع الإستعمار) هي من قالت لنا أخرجوا ونحن ننزل الجيش ونحارب وثم ترجعوا، ولكن للأسف تم بسليم أراضينا دون قتال وحرب...
أهالي البصة، كانوا يبيعون ذهب زوجاتهم ليشتروا البندقية، ولكن إن وجد السلاح لم يوجد له الخرطوش.. يذهبون الى الأردن ولبنان وسوريا للبحث عن الأسلحة والذخيرة.. وبعض الذخائر منزوعة وخربانة وتؤذي الشخص نفسه.
في 1936، كان هناك مجموعة قيادات مثل أصبح، وأبو إبراهيم الكبير، وأبو إبراهيم الصغير، يعني كل بلد لها فصيل ومسؤول فصيل، وكانت القيادة تجتمع وتنسق مع بعضها.. وبالنسبة للسلاح كان أكثر شي يأتي من الأردن.. وكان صعب وصوله إلينا..
عندما كانت بريطانيا ترحل كان الفلسطيين يأخذون البيوت الجاهزة البريطانية ويضعونها عنا بالقرية، ولكن للأسف.. لم يكن الأهالي يعملوا تحصينات وخنادق للإستعداد للمعارك مع البريطانيين واليهود..
متشرد الناس واليهود إحتلت البلد..
كانت تأتي نجدات من قرية الى قرية.. مثلاً عندما تسقط قرية كان أهلها يذهبون الى قرية مجاورة لم تسقط بعد.. وكان رجالها يدافعون عن هذه القرية التي لم تسقط.. وهكذا.. حتى خرج معظمهم الى لبنان..
أذكر من بلدنا من إستشهد، مثل ديب رشيد الجمل..
وأذكر عندما خرجنا، أخذوا أبي، وكان يضع الصغار على الدواب ومن يستطيع المشي كان يمشي والمسافة ليست بعيدة الى الناقورة، وثم يتم الإنتقال من بلد الى بلد حتى الصرفند.
أنا بالستينات جئت على مخيم البص وبقينا حتى 1965 ثم جئنا الى الراشيدية، في ناس بالحرب كانت تترك القرية قبل وصول اليهود. وهناك من هاجر الى بلاد بعيدة، مثلاث، مرة جدي قال لأبي: يا با دوّر على عمك، فلك عم بالجزائر إسمه أحمد حسين فرحات.. ولكن ابي لم يبحث عنه.. وجدي رجع على فلسطين لم يستطع البقاء بلبنان.. ومات بفلسطين..
وسمعنا بمجزرة دير ياسين، اكيد لها تأثير على الأهالي الكبار.. لكنني كنت صغير.. وعندما خرجنا من البصة، لم يكن هناك هجوم أو لم نر الهجوم بأعيننا، ولكن عندما سمع الأهالي أن اليهود دخلت البصة، بدأت الناس بالخروج منها وطلعنا جيش الإنقاذ.
خرجنا بالضبط بـ 15 أيار 1948، في بداية موسم الحصيدة، وأخذ أبي معه جملين و15 رأس بقر، وبقي الجملين حتى الخمسينات ثم بعناهما..
أخذنا معنا مفاتيح وأوراق البيوت على اساس مدة قصيرة ونرجع. أول ما خرجنا من فلسطين ذهبنا الى الناقورة لنا بيت هناك وأرض.
قبل الوصول للناقورة وفي الطريق لم يكن هناك حواجز ولا يهود ولا أحد. ولكن كنا نسمع قذائق وإطلاق نار.
لم نحاول العودة الى البلد، على اساس أننا سنخرج لفترة قصيرة ونرجع ومن بعد الناقورة ذهبنا الى إسكندرونا تحت الشجر.. والناس كلها ذهبت هناك.. وصار مثل المخيم. بقينا حتى بداية الشتاء، ثم ذهبنا الى قرية إسمها بيوت السيد (عند المنصورة) وبقينا فيها حتى سنة 1950، ثم ذهبنا الى البرغلية (بنينا غرفة من حجارة) وبقينا فيه حتى سنة 1951. وفي عام 1951 تحولنا الى الصرفند وبقينا في بستان من 51-1961.
تزوجت أنا بالصرفند، وعند ولادة زوجتي لإبني أخذتها الى البص عند أهلها.. ثم نقلت على البص وسكنت هناك من 1961 – 1965. في البص كان هناك مدارس وعيادات ومستشفى..
إشتريت أرض بالبص وبنيت (فوق الأثار) بيت..
وبعد فترة، رحّلوا كل من كان يسكن فوق الآثار الى الراشيدية في 1965 وأخذنا نمرة (بيت) وكل شيء كان مشترك الماء والحمامات.. ومن بعدها صار كل واحد يعمّر وينفصل لوحده ببيته..
إذا خيّروني بين العودة الى فلسطين أو أخذ تعويض، فأقول لك: الأولاد الذين ولدوا خارج فلسطين لا يقبلون التعويض فكيف أنا ولدت وعشت بفلسطين ورأيتها..
فلسطين جنة الله على الأرض.. حلوة جداً..
رسالتي الى أولادي وأحفادي، أنه مثل ما شرّبنا أولادنا مياه فلسطين بالتثقيف، أولادي إن شاء الله سيُشرّبون أولادهم فلسطين بالتثقيف.. وحب فلسطين والحفاظ على حقوقهم.
أعلام من القرية
معالم وأعلام من فلسطين: البصّة عروس الجليل ومدرستها الأسقفية الوطنية تاجها الذهبي
نتورط أحيانا في التركيز المفرط على النكبة وما شهدته من مجازر وجرائم وتهجير الخ ..على حساب ذاكرة فلسطين قبل 1948 بمدنها وأريافها: ثقافة ومجتمع واقتصاد وغيره. لذا هنا زاوية جديدة (حكاية عن بلدي).. هي جولة بين البحر والنهر بحثا عن ملامح وطن.. اعتلته طبقات من غبار الأيام ولا تزال الصهيونية تسعى بمنهجية لطمسها، وتشويه سمعتها بمزاعم « القفار والصحارى والمستنقعات».. ونحن أحيانا نساهم في هذا الغياب والتغييب، ولذا فالزاوية مفتوحة لمقترحات ولمن يرغب في المساهمة بصور وكلمات قليلة مجددة تنعش الذاكرة وتثريها.
في الطريق إلى رأس الناقورة في أقصى الجليل الغربي يستقبلك بكامل وقاره وشموخه جبل يفصل جغرافيا بين فلسطين ولبنان، هو جبل «المّشقح» الممتد من الشرق نحو الغرب- الشمالي ويلتقي البحر الأبيض بلقاء مدهش، لقاء البحار والجبال أو لقاء العمالقة.
على واحد من سفوح «المّشقح» قامت البّصة، القرية المميزة بأهلها وعلمها واقتصادها وطبيعتها. المفارقة أن البصّة، أغنى أرياف فلسطين وأكثرها ازدهارا صارت تدعى مستوطنة «بيتست»، وعلى الكثير من أراضيها قامت بلدة شلومي التي تصدرت قائمة البلدات الإسرائيلية الأكثر فقرا طيلة سنوات كثيرة، وهذا مثال حيّ على اختلال مزاعم « الصحارى والمستنقعات».
ضربت البصة مثالا بالتآخي واللحمة الوطنية بين أهاليها المسلمين والمسيحيين وتميزت بازدهار ثقافتها، كما نرى في وفرة مدارسها ونواديها ومقاهيها ومطاعمها وفندقها في منطقة المشيرفة المدهشة بإطلالتها على البحر وعلى الطريق المارة من قبالة القرية بين حيفا وعكا.
المطران حجار
من أجمل تجليات ازدهار البصة المدرسة الوطنية الأسقفية، وهي واحدة من أهم المدارس الوطنية التي اعتبرها مفتي فلسطين الراحل أمين الحسيني «أساس كيان الأمة ونواة وحدتها واستقلالها». وكان في القرية مدرسة ابتدائية رسمية للبنين شيدتها الدولة العثمانية في سنة 1882، ومدرسة ابتدائية حكومية للبنات، ومدرسة شاملة خاصة هي مدرسة المطران أو المدرسة الأسقفية الوطنية (من البستان للثاني عشر مع قسم داخلية درس فيها تلاميذ من كافة أرجاء فلسطين) ولاحقا عرفت بكلية الرابطة الوطنية، ومدرسة ابتدائية تابعة للإرسالية الإنجيلية الألمانية (مدرسة السيدات الألمانيات). ويرتبط اسم الأسقفية الوطنية، هذه المنارة التعليمية البارزة صاحبة الفضل على مثقفين فلسطينيين كثر نهلوا من مواردها، بسيادة المطران الوطني بشارة غريغوريوس حجار الملقب تقديرا لنصرته قضية فلسطين بـ «مطران العرب» صاحب المدرسة ومؤسسها الذي توفي في حادثة سير في حيفا عام 1940 وهو عائد من زيارة للحرم القدسي الشريف في القدس.
ولد بشارة حجّار في قرية روم جنوب لبنان عام 1875، وتتلمذ في دير المخلص في صيدا ثم في القاهرة. ولما بلغ الـ22 من عمره سمي شماساً في كاتدرائية نيقولا بصيدا. «والمطران حجار الذي نقل مقر كرسي أبرشيته من عكا إلى حيفا عام 1926 وحافظ على اسمها وهو «أبرشية عكا وحيفا والناصرة وسائر الجليل»، قرن نشاطه الديني بالعمل الاجتماعي لتعزيز اللحمة بين المسيحيين والمسلمين في وجه المخاطر الصهيونية المحدقة بالبلاد.
ويشمل كتاب «رؤية معاصرة لحياة وأعمال المطران حجّار» للمؤرخ دكتور جوني منصور تفاصيل كثيرة حول مسيرة هذا الأب اللبناني المولد والفلسطيني الهوا والهوية. ويوضح الكتاب الذي يستند في دراسته إلى أرشيف الكنيسة والروايات الشفوية، أن بشارة حجار عيّن رغم صغر سنه أسقفاً على أبرشية عكا عام 1899 بناء على طلب أهلها، وما لبث أن عُيِّن مطراناً لها. كما تجلت غيرته على فلسطين في مذكرة بعثها إلى الجالية العربية في الولايات المتحدة عام 1938 يحثهم فيها على مناصرة الفلسطينيين وفلسطين التي تتعرض لما سماه «التخريب والتدمير». ويؤكد الكاتب إلياس جبور ابن شفا عمرو على تميز المطران الراحل الذي تجلى في جمعه بين الدين والدنيا عبر التشديد على النصرانية والعروبة والتدين الصادق. وردا على سؤال «القدس العربي» يشير جبور إلى الدور المهم لحجار في نشر الثقافة وحماية اللغة العربية، ويقول إنه «أجاد لغة الضاد وأحبها وتغنى بها، وكان كثيرون ممن سمعوه يبلغونه: أنت أخطب من سمعت».
أحمد الشقيري وخليل السكاكيني
استقطبت الأسقفية الوطنية التلاميذ من مختلف المناطق الفلسطينية والأردنية واللبنانية بفضل مستوى التعليم العالي فيها. في واحدة من سجلاتها تجد طلابا من: طبريا، وعكا، والقدس ونابلس والحصن، وكفر شيما، وبيروت، وحيفا. ومن أبرز القائمين على هذه المدرسة المربي الراحل سليم عطا الله دياب من قرية عين إبل اللبنانية، وهو أستاذ العربية والفرنسية في المدرسة والتاريخ قبل تسلمه إدارتها في نهاية ثلاثينيات القرن الماضي.
ويستذكر المربي حنا مخول ( والد الإخوة عصام وأمير وكميل مخول) أستاذ العربية (حتى 1948) ازدهار العلم والتعليم في القرية. ويوضح نجله دكتور كميل مخول أنه لطالما سمع والده يلفت لاهتمام المدرسة باللغة العربية بشكل خاص ولدور خليل السكاكيني مفتش موضوع لغة الضاد وقتها. وردا على ملاحظة «القدس العربي» يستعيد كميل ما سمعه من والده يوم توجه الأخير بعد عطلة عيد الفصح عام 1948 للمدرسة في البصة لاستئناف التدريس فيها فلم يجد أحدا من أهل البلدة والبيوت قد سرقت حتى نوافذها.
لم تكن الأسقفية منارة للعلم فحسب بل دفئية وطنية ترعرعت فيها أجيال من المثقفين الوطنيين وهكذا أساتذتهم، وهذا ما يبرر قول الأستاذ حبيب أفندي خوري في مقالة عنوانها «المدارس الوطنية» (نشرت في رسالة صدرت بشكل دوري عن المدرسة الأسقفية الوطنية ودأب على نشر مقالات فيها مثقفون ورجال تربية أمثال خليل السكاكيني وأحمد الشقيري الذي حل ضيفا عليها في فعالياتها اللامنهجية)»: إن حق لي أن أشير إلى طابع للحركة الفكرية في فلسطين، قلت غير متردد إن طابعها للمدارس والتهذيب، ففلسطين الآن في طريقها إلى المدرسة..إن لم تكن قد أصبحت فيها».
يقول المربي الراحل نعيم يوسف مخول في «ملحق مصور لبيان المدرسة» (-19391940
) إن الأسقفية الوطنية في البصة تميزت بكونها مدرسة وطنية تعنى عناية خاصة باللغة العربية وبنشر المبادئ الطيبة بين تلامذتها وتقويم أخلاقهم وتهذيب نفوسهم وتربيتهم تربية وطنية صحيحة علاوة على عنايتها بصحتهم وترويض أجسامهم بتشجيع الرياضة البدنية والحركة الكشفية وكذلك بالرسوم الزهيدة التي تتقاضاها مقارنة بمدارس تماثلها». كما جاء في دستور المدرسة عن أهداف المدرسة: «وغاية المدرسة الرئيسية تربية التلامذة تربية صالحة وطنية تكفل لهم أن يكونوا في الحياة رجالًا يعتمد عليهم في كل الأعمال». ومن بين ما يدلل على رقي المدرسة توثيقها لذاتها سنويا مما يتيح الإحاطة بكل ما كان يدور فيها من شكل ومضمون.
في الملحق المذكور يصف الراحل نعيم مخول كل شيء فيها ومنها ما يتعلق بالرؤية الإدارية والتربوية وكثير منها ما زال صالحا لليوم. يقول على سبيل المثال «يلتزم الطالب الجديد بتقديم امتحان مرضٍ أمام إدارة المدرسة لتعيينه في صفه وهذا لا يتوقف على استحسان ذويه بل على أهليته كما يظهر للإدارة والامتحان يكون خطّا وشفاهاّ». كذلك يشير هنا «يجري امتحان اختباري في منتصف شهر اكتوبر/تشرين أول لتحقيق أهلية كل تلميذ في صفه. فمن ظهر من التلامذة الجدد أهلا لصف أعلى يرقى إليه ومن وجد عاجزا عن السير في صفه ينزل. ليس هذا فحسب: «من يرسب في درسين أو أقل عليه تقديم امتحان إكمالي في افتتاح السنة المدرسية فإذا جازه يرقى لصف أعلى أما الراسب في أكثر من فرعين مهمين لا يقبل امتحانه قطعا وعليه أن يراجع صفه حتما مع أن علاوة الاجتياز ستون».
العفو عند المقدرة
وهكذا تتجلى نظرية «أمر مبكياتك لا مضحكاتك» في أنظمة المدرسة فـ»إذا تغيب طالب عن المدرسة بدون عذر شرعي ينال صفرا في موضوع الدرس أو الامتحان الذي يتغيب فيه». وعلى مستوى التربية بادرت المدرسة لتأسيس بعض الجمعيات من تلامذتها وغايتها أن تنمي فيهم روح الإخوة وترابطهم برابطة المحبة فيتمرنون على أفضل طرق الحياة الاجتماعية. كما تم تأسيس الجمعية الانكليزية وغايتها التمرن على التكلم باللغة الانكليزية مع بعضهم البعض تحت مراقبة أستاذها. كذلك جمعية التمثيل وغايتها القيام بتمثيل الروايات الأدبية على مسرحها نظرا لما لهذا الفن من التأثير في نهضة الشعوب (من هذه المسرحيات: العفو عند المقدرة، والخليفة المأمون وعمه إبراهيم بن المهدي للأب الأديب اللبناني (بلدة أم الشوف) نقولا أبو هنا المخلصي الذي كان من المقرر أن يحضر تمثيل روايته لولا شواغل حالت دون قدومه كما يستدل من رسالة بعث بها الى مدير المدرسة الأستاذ الأديب سليم عطا الله دياب. قال نقولا أبو هنا في رسالته الجوابية: «تلقيت رسالتكم بكل عاطفة طيبة … وقد طلبتم إلي إجازة بتمثيل روايتي (العفو عند المقدرة) في الحفلة التي تقيمونها كالمألوف في ختام السنة المدرسية…ولا شك أنكم قرأتم في سريرة نفسي فأطلعتم على حبي للبصة ولمدرستها العزيزة… حبا وكرامة للبصة المحبوبة ومدرستها العزيزة ولعمدة هذا المعهد الأدبي الفضلاء….».
تنمية الخطابة
كما اهتمت المدرسة بتنمية الخطابة ونشر قائمة بأسماء «الممتازين في الخطابة» إضافة لـ «الممتازين في الدروس» و «الممتازين في التربية».
في ختام كل سنة دأبت المدرسة كما تبين وثائقها على إرسال رسالة وافية لكل الأهالي وأولياء أمور تلامذتها عن الأعمال والمشاريع الأدبية والعلمية فيها. كذلك أنشأت مكتبة المطالعة لتشجيع القراءة في أوقات معينة زاد عدد كتبها يوميا بفضل تبرعات الأهالي وخريجيها. وهذا ما يؤكده لنا رئيس مجلس فسوطة الأسبق شوقي خوري (88 عاما) الذي درس في الصفوف الدنيا فيها، منوها لدور مديرها في الثلاثينات الراحل سليم عطا الله دياب الذي أدارها بكفاءة رغم أنه أنهى الصف الرابع ابتدائي فحسب، فما لبث أن طورّها وحولها لثانوية وبني قسما داخليا فيها. ويستذكر بعض من علموه ومنهم عازف العود ومعلم الموسيقى إبراهيم بركات من بلدة علما اللبنانية، وذيب سعيد من أبو سنان وإبراهيم خوري من البصة ونجيب نقولا من كفر ياسيف.
وكانت البصة تقع على طرف سهل وتحيط بها بساتين الزيتون والرمان والتين والتفاح. وبحلول سنة 1948، كان عددهم حوالى 4000 نسمة وعدد منازلهم يفوق 700 منزل. كما يعبّر عن الحنين المتقد للبصّة الفنان البصّي جمال الياس بأغنية حزينة مطلعها «أنا فلسطيني العنوان، ودمي وروحي فدا الأوطان» وجاء فيها: باب نايم ومخزق .. من قلبه طل الزنبق… دايره مكسور وريحته بخور.. ومن قلبه شع النور.. وبتراب الأرض تعلق». وفي أغنية ثانية يقول جمال الياس «خدني على البصة مشوار واحكيلي شو بأهلك صار.. لمن أدور على الحارة.. وغطتها الحجارة.. سمع الجامع يبكي محوّط سياج يشكي.. مع تكبير وصوت جراس».
من الأعلام في قرية البصة
مدير المدرسة الوطنيه الاسقفيه الثانويه في البصّه ، المرحوم سليم عطالله ذياب من قرية عين ابل
من الأعلام في الشتات
الأستاذ المدرب حسن يوسف يقيم في لبنان، وفي مدينة صيدا تحديدا، خبير في التخطيط الاستراتي وفي التنمية المستدامة، ومدرب في العديد من المجالات وصاحب كتاب قيم تم تداوله بكثرة بعنوان: كيف تختار تخصصك الجامعي
القرية اليوم
شواهد باقية
بقي في البصة بعض المباني وأكوام الركام بين شوارعها القديمة. الكنيسة الأرثوذكسية. ومقام الخضر. وبين المبنيين منزل لعائلة الخوري ما زالت قناطره المميزة في طابقه الثاني سليمة. ومبنى من طابقين يسمى بيت السِتّات الألمان وهو منزل وكنيسة انجيلية وعيادة ومدرسة ابتدائية كانت تابعة للإرسالية التبشيرية الألمانية. ومسجد القرية، الذي تم هدم مئذنته، والكنيسة الكاثوليكية التي يصعب الوصول إليها بسبب اكوام الركام. وتقع مقبرتا البصة الإسلامية والمسيحية غربي القرية وكلاهما منتهكتان ومهملتان، يحيط بهما منطقة صناعية حديثة لمدينة شلومي.
القرية اليوم
لم يبق من القرية اليوم سوى اثنين من أبنيتها الكبرى، هما كنيسة الروم الكاثوليك ومزار إسلامي: الكنيسة وهي مبنية بالحجارة غنية بالمعالم المعمارية بما في ذلك نافذة عالية تعلوها قنطرة دائرية الشكل وإلى جانبها نافذتان اصغر منها تعلوها قنطرتان. أما المنطقة التي تتضمن منبر الوعظ وهي في احد أجزاء البناء فلها شكل نصف دائري ولها أيضا نوافذ عالية ذات قناطر أما برج الجرس فيرتفع عن سقف متدرج مغطى بالقرميد وهذه الكنيسة متداعية الآن من احد جوانبها كما إن حيطانها مشققة.
الباحث والمراجع
المراجع
ac-ap.org المركز العربي للتخطيط البديل
https://www.palestineremembered.com/
عائد نت http://7sad.net/
صفحة جمعية احياء تراث البصة
موقع هوية