التعليم - النهر - قضاء عكا

لا توجد في القرية مدرسة حكومية بل كانت هناك مدرسة خاصة كان يقوم بالتدريس فيها ثلاثة معلمين. في عام 1947 أخذ أهالي القرية بالسعي لبناء مدرسة حكومية وجلبوا الحجارة وجهزوا قطعة أرض مناسبة يجري نهر الفوارة في أحد جوانبها وكانت تسمى هذه القطعة بجنينة "السيد البدوي". وافقت الدولة آنذاك على بنائها ولكن الحرب كانت سبباً في عدم إقامتها.

كانت المدرسة عبارة عن غرفة واحدة كبيرة تقع عند الطرف الشرقي في نهاية القرية. ويقوم بالتدريس فيها معلم واحد هو الأستاذ قاسم محمد الفرماوي "أبو إسماعيل" وهو ذو علم متواضع يقتصر على قراءة القرآن والحساب ولا يتعدى ذلك القواعد الأربعة واللغة العربية وقسم من التاريخ وعلم الصحة.

كانت هذه الغرفة مجهزة بمقاعد خشبية حيث يقوم كل تلميذ بإحضار مقعده بنفسه وهو من صنع نجار القرية وكان اسمه "أبو علي الزيني". وكان الزيني يقوم بصنع جميع لوازم بيوت القرية في ذلك الوقت من صناديق للملابس وخزائن وكراسي وأعواد لحراثة البساتين ونوافذ وأبواب للبيوت وما شاكل من جميع ما يحتاجه سكان القرية.

كانت بداية الدراسه بحفظ القرآن و عند ختم قراءة القرآن حيث كان المعلم عند هذه المرحلة يتقاضى خمسة ليرات فلسطينية جائزة له عن كل تلميذ يختم القرآن ويقوم أهل التلميذ بالاحتفال بهذه المناسبة. يلبس التلميذ مريولاً أبيض، ويدعى إلى هذا الاحتفال جميع تلاميذ المدرسة حيث يتناولون الطعام والشراب والفواكه والحلوى وينشدون برفقة المعلم بعض الأناشيد الدينية "كالمولد النبوي" وبعض الأناشيد التي تعلموها في المدرسة.

ينتقل الطالب بعدها إلى المرحلة الأعلى في المدرسة حيث يبدأ بتعليم الطلاب الذين هم أصغر منه سناً حيث يترتب على كل طالب ختم القرآن التسميع لطالب أصغر منه وإعطائه درساً جديداً أو إعادة الدرس القديم حسب ما يراه مناسباً.

بعد الانتهاء من هذه المهمة الموكلة إلى الطلاب يقوم المعلم بتدريسهم بعضاً من المسائل الحسابية. يوجد لدى المعلم كتاب لمادة الحساب مدونة فيه الأسئلة والأجوبة. من تنطبق حلوله على الحلول الموجودة في الكتاب يقوم بحل المسألة على اللوح أمام الطلاب. وحسب اعتقادي فإن المعلم لم يكن باستطاعته حل جميع المسائل المدونة في الكتاب فهو يجهل حل الكثير من هذه المسائل.

كذلك يقوم المدرس بتدريس الطلاب بعض القراءات في اللغة العربية حيث كان بحوزة كل طالب كتاب للمطالعة "كليلة ودمنة" حيث يقوم المعلم بقراءة قصة من هذا الكتاب ثم يقرأها الطلاب قراءة صامتة، بعدها يباشر المعلم بطرح أسئلة عن القصة ويطلب من الطلاب كتابتها على دفاترهم خطيا.

ثم يطلب منهم كتابة موضوع إنشائي مع إعطائهم التوجيهات اللازمة لكي يستطيعوا تكملة الموضوع في منازلهم وإحضاره في اليوم التالي حيث يقوم المعلم بتصحيح هذه الفروض ويضع عليها علامات وعبارات مدح أو قدح مثل: امتياز، جيد، وسط، مقبول، ضعيف، الخ...

ينتقل بعدها لإعطاء قطع من المحفوظات لمشاهير الشعراء كالمتنبي، والبحتري، وأبو العلاء، وابن الرومي، وأبو العتاهية، وعنترة، وأمرؤ القيس، والفرزدق، وجرير، والأخطل، وأحمد شوقي، وحافظ إبراهيم وغيرهم.

وأخيراً تأتي حصة كتابة الخط، حيث يقوم بكتابة سطر من الخط على اللوح ويقوم الطلاب بكتابته كل على طريقته، يقوم بعدها المعلم بجمع الكراسات وتصحيحها ووضع علامات عليها، وبذلك ينتهي اليوم الدراسي.

اليوم الدراسي عبارة عن فترتين، الأولى من الثامنة صباحاً حتى الثانية عشر ظهرا،ً حيث يقوم الطلاب بالوضوء من قناة الماء المجاورة للمدرسة والصلاة، ينصرفون بعدها كل إلى بيته لتناول الغذاء. أمـا الطلاب القادمين من القرى المجاورة (الغابسية والشيخ داوود ودنون والكابري وأم الفرج) فكانوا يحضرون معهم زوادة الغذاء.

تبدأ الفترة الثانية عند الساعة الثانية بعد الظهر حين يصفر المعلم بصافرته مؤذناً بدخول الطلاب إلى صفوفهم لمتابعة دراستهم في التاريخ وعلم الصحة والخط، ثم ينصرفون إلى بيوتهم عند الثالثة والنصف مساءاً.

كانت طريقة التعامل مع الطلاب في ذلك الوقت تختلف عنها اليوم، فقد كان المعلم يضرب التلاميذ ضرباً مبرحاً بمباركة من الأهل حيث يقول الأب للمعلم عند إحضار ولده إلى المدرسة بعض العبارات التي تشجع المعلم على ذلك مثل: "لك اللحم ولنا العظم" و"لا ترحمه بل أدبه" وتعطيه ضوءاً أخضر وتحرره من المسؤولية.

لقد كان القصاص يتمثل بالفلقة على الرجلين بالخيزرانة وقضبان الرمان حيث يتم إمساكه من شعره وإلقاءه على الأرض ووضع الفلقة في رجليه، يمسكه طالبان ويرفع رجليه طالبان آخران ويقوم المعلم بضربه دون رحمة أو شفقة. وأحياناً يتمادى المعلم في الشتائم مثل "ابن الكلب، ابن الجزمة، وابن الزفت، الخ...). وكانت هذه المعاملة سبباً في فرار الكثير من الطلاب من المدرسة.

كانت الدراسة تتعطل يوم الجمعة حينها نرافق والدينا وأخوتنا في الذهاب إلى البستان الذي كان يبعد عن القرية حوالي خمسة كيلومترات، نأخذ معنا غذاءنا ونقوم أثناء النهار بمساعدة الأهل بقطف الليمون وتعبئته في صناديق خشبية أو بجمع الخضراوات وتوضيبها.

كنا أيضاً نقوم بنزع الحشائش اليابسة وسقاية البساتين ونكش الخضراوات وترتيبها وتعد هذه الأشياء من عمل الكبار ولكننا كنا نساعدهم حسب اقتدارنا. نعود عند المساء إلى القرية حاملين بعض الخضراوات والفواكه كالبرتقال والتين والعنب والرمان حيث تبدأ السهرة ونقوم بتناول هذه الفواكه مع أخوتنا الصغار.

  ولكن المدرسة في قرية النهر أغلقت وانتقل المدرس قاسم الفرماوي بعد أن شح عدد الطلاب إلى مدرسة في قرية أم الفرج المجاورة والتي تبعد عن قريتنا حوالي خمسة كيلومترات واشترك مع معلمين آخرين وهما الأستاذ عبده عبد الرحمن المصري والثاني يسمى "جمال" وهو أستاذ اللغة الإنجليزية وكانت ثقافته تفوق ثقافة الأستاذين الآخرين.