الحياة الاقتصادية - النهر - قضاء عكا

قرية النهر نموذج صادق للحياة حيث تعاون الرجال والنساء على القيام بالأعمال الزراعية التي كانت المصدر الرئيسي لسكان هذه القرية. كانت بيوت الفلاحين عبارة عن غرفة كبيرة لها مصطبة ينام عليها أهل البيت وأيضاً إسطبل ينخفض عن المصطبة الأولى وهو مجهز بمعلف "طوالة" لوضع الأكل والتبن للحيوانات التي تبقى مقيدة في الإسطبل من قرونها أو رقابها. يعيش أهالي القرية على الزراعة وخاصة زراعة الحمضيات وجميع أنواع الخضراوات والفواكه كالتين والزيتون والعنب والخوخ والرمان والأكي دنيا والتفاح والسفرجل والد راق الخ...

في القرية كثير من الطواحين المقامة على مياه الينابيع تقوم بطحن سائر أنواع الحبوب كالقمح والذرة الصفراء والذرة البيضاء. وكانت هذه الطواحين المائية مصدر رزق كثير من العائلات في القرية.

  كما يعمل قسم كبير من أهالي القرية في معسكرات الجيش البريطاني (الكمب) كعمال وطباخين وما شاكل من الخدمات التي يحتاجها الجيش في هذه المعسكرات.

عند قطاف الحمضيات كان يقوم بهذه المهمة الرجال والنساء على حد سواء فتجد الجميع يغادرون بيوتهم إلى البساتين المحيطة بالقرية ويقومون بقطف الحمضيات المتنوعة مثل اليافاوي، والختملي، والموردي، وأبو صرة، والكريب فروت، والبوملي، واليوسف أفندي، والليمون الحلو، والليمون الحامض.

كان الحمضيات تعبأ في صناديق خشبية حيث توضع الحبات ذوات الحجم الوسط في أسفل الصندوق والحجم الكبير في الأعلى ثم يغطى بالحشيش الأخضر ويوضع عليه غطاء خشبي أو من الجنفيص. عند المساء تحضر الشاحنة الموكل إليها نقل البضاعة ويقوم كل مالك بتحميل بضاعته وشحنها.

يرافق كل صاحب بضاعة بضاعته ليشرف على بيعها، ثم يعود في اليوم نفسه بعد الظهر حاملاً فاتورة بقيمة ما باعه صاحب الحسبة (البياع) ثمناً للبضاعة ويحضر بضاعة جديدة لليوم التالي وهكذا دواليك.
كانت السوق الرئيسية لهذه الحمضيات هي مدينة حيفا في الدرجة الأولى وتأتي بعدها مدينتي عكا وصفد.

ذكرت في مطلع الكتاب أن في قرية النهر بساتين كثيرة مغروسة بأشجار الزيتون. أثناء موسم الزيتون يتعاون الرجال والنساء لقطفه ثم نقله إلى المعصرة لاستخراج الزيت. في القرية معصرة على النمط القديم حيث يقوم حصان بإدارة الرحى "حجر الطاحون"، وبعد عصر الزيتون يعبأ في أواني ليصبح معداً للبيع أو الاستهلاك المحلي لأنه المعروف في ذلك الوقت حيث كان المادة الرئيسية للطبخ لعدم معرفة الناس في ذلك الوقت بالزيوت النباتية الأخرى. الخضار والفواكه الأخرى بجميع أنواعها كانت تزرع في القرية. وكانت الحبوب تزرع على نطاق واسع مثل القمح والذرة الصفراء والذرة البيضاء والشعير والعدس والحمص والفول وغيرها.

كانت هذه المحاصيل تحصد ثم يتم نقلها على الجمال إلى البيدر حيث يجرى درسها بواسطة نورج "لوح دراس" يجره حصان أو ثوران ويقوم الدراس بالوقوف على اللوح "النورج". ويستمر هذا العمل حوالي شهر تقريباً. يقوم أهل القرية بعد ذلك بتذريته بالمذراة "مذراة مصنوعة من الخشب على هيئة شوكة طعام" لفصل الحب عن القش الناعم (التبن). يعبأ القمح أو الذرة في أكياس متناسقة من الجنفيص ويصبح معداً للبيع أو الخزن كمؤونة. أما التبن فكان يستعمل غذاءً للماشية كالبقر والغنم والماعز. الأعمال التي كان يزاولها أهالي قرية النهر هي:
  الأعمال الزراعية:

  1. زراعة الأشجار المثمرة وأهمها البرتقال والفواكه الأخرى كالمشمش والدراق والخوخ والتين والعنب والزيتون.
  2. زراعة الخضراوات كالبندورة، والخيار، والباذنجان، والفلفل، والفاصوليا، والقرنبيط، وقصب السكر، والقلقاس، الخ.
  3. زراعة الحبوب كالقمح، والشعير، والذرة، والكر سنة، والعدس، والفول، والحمص.
  4. تربية المواشي كالبقر، والغنم، والماعز، والخيل، والحمير، والجمال.
  5. البناء
  6. التجارة: في القرية ثلاثة دكاكين، موسى، يوسف، والبيومي، وهي عبارة عن غرفة صغيرة تحوي أكثر الحاجات الضرورية للمنازل. 

تقام السهرات أثناء الليل بشكل عائلي حيث يجتمع الجيران في بيت معين وخاصة في فصل الشتاء حيث يقوم أحد الشبان المتعلمين "الذي يتقن القراءة" قصصاً أمثال عنترة، والزير سالم، وأبو زيد الهلالي، والمولد النبوي الشريف، وسيرة سيف بن ذي يزن، وتغريبة بني هلال وغيرها، والجميع يجلسون حوله ويتناولون القهوة والشاي ويأكلون فراطيش الذرة والحلوى مثل العصيدة الخ... وتستمر السهرة إلى منتصف الليل.

 أما الضوء المستعمل فكان سراجاً مملوءاً بمادة الكاز، السراج له فتيل وتركب عليه زجاجة لإنارة البيت أثناء الليل. البيوت عامة كانت عبارة عن غرفة نوم للعائلة بأكملها ومخزن للمؤن وحمام للغسيل ومكان لتناول الطعام وصالون للسهرات العائلية. من الألعاب التي كان يقوم بها الصغار أثناء أوقات الفراغ هي الكورة، الكرة بالطابة، الغميضة، السباق، والمفاقسة في البيض.