احتلال القرية - الرامة / من قرى الجليل الأعلى - قضاء عكا

رواية  إلياس قسيس  رئيس مجلس محلي سابق للدكتور عراف  عما عانته الرامة  في وقت احتلالها

إن الرامة كان فيها حمولتان رئيستان متصارعتان:- آل نخلة، وآل حنا، ويتزعم الأخيرة  الخوري يعقوب حنا. وعلى ما يظهر كانت للخوري ميولٌ وطنيةٌ قوية، وكذلك عائلته، فانصبت النقمة عليهم، وتدارك الأمر الخوري بأن قبل دعوة أديب الشيشكلي للسفر معه إلى لبنان مع جميع آل بيته،  قبل السقوط النهائي للجليل.
 
بعد ثلاثة أيام من احتلال الرامة دار الجيش الإسرائيلي  بمكبرات الصوت، يدعو الناس إلى الاجتماع في ساحة بيت جميل نخلة، حيث أمروا بأخذ ما يريدون من مؤن وثياب، والرحيل إلى لبنان. واختار الجيش 40 شاباً من الجمهور المتجمع، وأعطيت الأوامر لقتلهم، ولكن تصادف أن مرت دورية  من الشرطة العسكرية، فأبطلت الأمر.
 
وبقي الغضب مسلطاً على آل حنا، إذ جُمعوا بعد أربعة أشهر من احتلال الرامة، مع بعض اللاجئين من إقرت، وحملوا بسيارات كبـّتـهم عند حدود الضفة الغربية، وأمروهم بالتوجه إليها، مع إطلاق الرصاص فوق الرؤوس، تحت المطر، وبين أوحال مرج ابن عامر.
 
ألقى  رجل من أل البهو ( غير مذكور اسمه ) ضوءاً آخر على ما حصل لأهل الرامة:
 
” في ساحة بيت جميل نخلة أنذروا مسيحيي الرامة أن  يتركوها خلال ساعتين، وأن يتجهوا شمالاً إلى لبنان، وفتحوا اتجاهاُ واحداً إلى لبنان، وهو الصعود على طريق بيت جن والبقيعة. خرج السكان المسيحيون، ومعهم الزعيم جميل نخلة يحمل عباءته على كتفيه، ووصلوا ” السهلة ” وهناك قرر، وقرر الكل أن يمضوا ليلتهم في هذا الموقع. إلا أن البعض استمر بالسير إلى البقيعة
 
” علم أهل بيت جن بوجود الراميين في السهلة، فجاؤوا ودعوا الناس إلى بيوتهم، فذهبت مجموعة إلى آل الأسعد، ومجموعة أخرى إلى آل قبلان. مكثنا في بيت جن خمسة أيام، وجاء خبرٌ بالسماح برجوع أهالي الرامة. كان بيتنا بعيداً عن مركز الرامة، وكان لجدي دكانٌ، فوجدنا الدكان فارغة. وما أن علم الشيخ يوسف التوبة وإخوته برجوعنا حتى جاءنا وأخبرنا أنهم قد نقلوا البضاعة من الدكان إلى بيوتهم خوفاً عليها من السرقة.”
 
وذكر المتحدث حادثة حصلت لزعيم سخنين إبراهيم عبد الله خلايلة، حين أتى به جيش الإنقاذ مكبلاً، ومعه الضابط محمد صفا، الذي كان نائباً لأديب الشيشكلي، والذي قرر أن  تكون الرامة مركزاً لقيادته. أدخلوا الرجل المقيد إلى دكان يوسف عوض، وتصادف أن يمر الخوري يعقوب حنا ( وطني الاتجاه. مني الشرح ) ورأى الرجل مكبلاً، فثارت ثائرته، وأنقذ هذا الرجل من الهوان، بعد أن ” رفش” الجندي الذي كان يحرسه، وذهب إلى القيادة، وطلب منهم أن يفكوا إسار الرجل، فعاد الشيخ إبراهيم إلى سخنين معززاً مكرماً. في اليوم التالي كان على مائدته كل من شكيب وهاب ( راجع موضوع هوشه )، وخليل كلاس، وفايز القدسي، وأديب الشيشكلي.
 
ونقل عن سميح القاسم أن أحد عمومته قعد ليتناول طعام الغذاء الذي أعدته زوجته، وكانت قد طبخت مجدرة، وما أن جلس ليتناول أول لقمة حتى سأل زوجته: من أين لك بالعدس، ونحن لا عدس عندنا، على علمي ؟ ولما علم أن العدس جلب من بيت أحد الجيران المسيحيين التي طرد أصحابها من قبل الجيش، أمرها أن تكب الطبخة، وتعيد العدس إلى بيت الجيران.
 
أما ناصر غندور من الرامة، فقال للدكتور عرا ف أنه عندما قصفت الطائرات الإسرائيلية الرامة، لجأ المسيحيون إلى حقول زيتونهم، وقضوا في العراء أسبوعاً. وعندما دخلت القوات الإسرائيلية في نهاية تشرين الأول الرامة، جمعوا السكان في ساحة بيت جميل نخلة، وأمروا المسيحيين والمسلمين بتحضير أنفسهم للرحيل. واختاروا 40 مسيحياً و4 من المسلمين، وكانوا على وشك إطلاق النار عليهم لولا تدخل خوري  اللاتين، ويوسف الحنا، فساقوهم إلى الشارع الرئيس، بحراسة  سيلرت ” جيب “، واحدة أمام القافلة، والأخرى خلفها،  وعندما ابتعدوا  قليلا عن الأهالي،  في أطراف القرية، وجهوا أسلحتهم الرشاشة للقتل، لولا أن وصلت في تلك اللحظة دوريةٌ من الشرطة العسكرية، فأوقفتهم. فسيقوا سيراً على الأقدام إلى المغار، ونقلوا في اليوم التالي إلى معتقل نهلال. حُـــقق معهم، واختاروا أربعين شخصاً وكبّوهم في اتجاه اللجون، والضفة. واختاروا 49 شخصاً آخر، المتحدث منهم،  ونقلوهم إلى معتقل عتليت.
 
في المعتقل رسموا خطاً أبيض يفصل بين المجموعات، ولما تعدى الخط أحد سكان كفر عنان، أطلق الجندي عليه النار من برج الحراسة وقتله.
 
أُخذ في استخدام الأسرى، الذين بلغ عددهم في عتليت الخمس مئة  بأعمال السخرة. فكــّوا معسكر الجيش البريطاني في اللد، وبنوا براكسات قرب مخيم عتليت، للمزيد من الأسرى. ثم نُـقلوا إلى معسكر صرفند للعمل، ووجدوا الكثيرين من جيرانهم من دير الأسد والبعنة. وأثناء رجوع الطابور من العمل آخر النهار كان يُسمح لهم بالتقاط الثمار الناضجة من الحقول، فيتغذوا عليها.
 
بعد ذلك أخذوا يدفعون لهم أجرة العمل ” بالمياومة “، ويسمحوا لهم بالشراء من دكان المعتقل. وأُعطوا إعاشة ملعقةً كبيرةً من السكر لكل أسير، وأخذوا يتجمعون مجموعات لتحسين الأكل والشرب.
 
كل بضعة أيام يستجوبون الأسرى، لعل  أحدهم يوافق على الرحيل إلى إحدى الدول العربية، فيرفضون. وقال أنهم قد استشيروا عشرين مرة.
 
في 18 تشرين أول 1949 أُطلق سراحهم، ووصلوا الرامة في ساعات  المساء، واحتفل بهم عدة ليالي بالسهرات، والأغاني، والدبكات.
 
وقد أيد ما جاء في مقال فراس غنادري عن طوشة الزيت في الحارة الشرقية، وأضاف أن الجيش ساق 44  معتقلاً إلى مجد الكروم، إثر الطوشة، وحوكموا أمام محاكم عسكرية، وصدرت ضدهم أحكام مختلفة، أقصاها ستة أشهر.

المرجع

صحيفة صوت العروبة arabvoice.com