معلومات عامة عن المنشية/ حي من يافا ولا يعتبر قرية - قضاء يافا
معلومات عامة عن قرية المنشية/ حي من يافا ولا يعتبر قرية
حي عربي في مدينة يافا المحتلة ولا يعتبر قرية، وذكرناه هنا للتوضيح لأن بعض الناس يعتبره قرية من قرى يافا
المنشية هي إحدى اكبر احياء شمال مدينة يافا، أقامتها على شاطئ البحر في سبعينيات القرن التاسع عشر بعض العائلات المصرية التي هاجرت الى مدينة يافا في الثلاثينيات من نفس القرن. مع مرور الوقت أحيطت المنشية بالأحياء اليهودية كأحياء أحوزات بايت، نافي شالوم، نفي تسيديك، يافي نوف وغيرها لتمتد شمالاً وتصبح فيما بعد مدينة تل أبيب.
بني حي المنشية في آخر سنوات السبعين من القرن التاسع عشر، على شاطيء البحر، وأصبح أحد أكبر الأحياء العربية في يافا. في تلك السنوات أقيمت وبنيت أيضاً الأحياء اليهودية الأولى حول المنشية، حيّ نفيه تسيدق الذي بني عام 1885، وحي نفيه شلوم في عام 1890. شجـّعت إقامة هذين الحيـّين شراء أراض وبناء أحياء يهودية إضافية في المنطقة، فهكذا أقيمت الأحياء اليهودية يفيه نوف، أحفه، محنيه يهوده، محنيه يوسف، أوهل موشيه وكيرم هتيمنيم بين السنوات 1896 – 1906. الحيّ الأخير، تل أبيب، تم بناؤه بعد ذلك ببضع سنين، عام 1909. إن اتساع هذه الأحياء لم يكن باتجاه نفيه تسيدق ونفيه شلوم، كما يمكن الافتراض، وإنما بمحيط حي المنشية العربي وغربه وغرب البحر.
كان أول يهودي يبني في المنشية، قرب البحر، قبل بناء الحي اليهودي، هو حييم شمرلينج. ليس بعيداً عنه بنى صديقه حخام موشه بيتاً آخر، وقج كان عضواً في لجنة الطائفة اليهودية. وبنى بالإضافة إلى بيته كنيساً وبركة تطهّر (مِقـفـِه) لاستخدامهما للطقوس الدينية من قبل هاتين العائلتين. استمر بعض اليهود بالسكن في المنشية حتى بعد بناء أحياء يهودية جاورة، بعضهم بنى بيوتاً والبعض الآخر كان مستأجراً لدى السكان الفلسطينيين. تميـّز البناء في الحي بمنازل ذات طابق واحد أو اثنين على طول شاطيء البحر.
العمران
كان في الحي 12 مخبزاً، 20 مقهى، 14 منجرة، 3 محالّ لتصليح الدراجات الهوائية، 5 أطباء، 7 مصانع، 7 محال للمجوهرات والصياغة، 6 فنادق، 10 مغاسل، 3 صيدليات، 3 دور للطباعة، 6 مطاعم، محطة كهرباء والعديد من المشاغل والمحال التجارية. أقيمت أغلب هذه المحالّ في شارع المحطة، سوق اليهود، شارع العالم وشارع حسن بك.
البنية المعمارية
شارع المحطة وحيّ الرشيد
بدأ شارع المحطة من نقطة التقاء شارع بسطرس وشارع جمال باشا شمالي يافا القديمة. في هذه النقطة بدأ حي الرشيد اليافيّ، الذي كان فاصلاً بين يافا والمنشية وبني في نفس الفترة.
بنى حيّ المنشية، خارج أسوار مدينة يافا، جنود مصريون كان أصلهم من قرية الرشيد الواقعة على ضفاف نهر النيل، والذين بقوا في يافا بعد انسحاب قائدهم ابراهيم باشا الذي احتل يافا بين السنين 1831 – 1834. سكن هؤلاء الجنود أيضاً في أحياء يافيـّة أخرى مثل سكنة درويش، أبو كبير وتل الريش. الأثر الوحيد الذي بقي من الحي، و"حظي بترميم وصيانة" ببداية سنوات الثمانين من القرن الماضي، هو البيت الذي أصبح بعد ترميمه عام 1983 متحف "الإيتسل" على اسم عميحاي جيدي، ضابط العمليات في منظمة "الإيتسل"، تخليداً لذكرى محتلـّي الحي.
كان شارع المحطة في المنشية شارعاً ضيقاً ومكتظاً، مليئاً بالدكاكين والبيوت السكنية والتجار والمشاة والحافلات التابعة لشكة الباصات المتحدة والحناطير. أعطي الشارع اسم المحطة نسبة إلى محطة القطار يافا – القدس التي كانت في الشارع والتي أقيمت عام 1892 بواسطة شركة فرنسية. مع الوقت، بنيت في المحطة بنايات كثيرة منها ضيعة عائلة ويلند، التيمفلرية (جماعة الهيكل: حركة بروتستانية دينية أسست في ألمانيا). استعملت منظمة "الإيتسل" مبنى المحطة خلال الحرب كمقر قيادة خلفي وقاعدة تجنيد. اليوم، تجرى أعمال ترميم وصيانة في المحطة لتحويلها إلى موقع ثقافي وترفيهي.
قرب المحطة كان مقر منظمة النجادة (1945 – 1947)، التي انبثقت من جمعية الشبان المسلمين، لتكون نواة تنظيم عسكري فلسطيني. إلا أن أحداث 1947 – 1948 تفجرت قبل أن تتبلور المنظمة مما أدى إلى تفكيكها. في تلك المنطقة كان أيضاً مقر الحركة الكشفية الإسلامية. يستمر الشارع شمالاً إلى مكان كان يسمى "سوق اليهود". كان في السوق حتى عام 1947 عدد من الدكاكين بملكية يهودية وكان أيضاً عدد غير قليل من التجار العرب. السيد صالح مصري، لاجيء من المنشية ويسكن اليوم في يافا، يقول في شهادته عن مصدر اسم السوق: سمعت قصتين عن اسم سوق اليهود. الأولى أنهم سموه كذلك بسبب التجار اليهود الذين عملوا فيه، والثانية تقول أنهم سموه بهذا الاسم لأن بائعات هوى يهوديات كات تقف قرب السوق في المنطقة الواقعة بين المنشية ونفيه تسيدق. لذلك سموه سوق اليهود".
في مدخل حي المنشبة، غربي شارع المحطة، في شارع كان اسمه الجازلي، أقيم أحد أكبر المقاهي وأكثرها شهرة في المنطقة وهو "مقهى الانشراح". في هذا المقهى التقى القادة والشخصيات المعروفة والتجار المهمون. مقابل المقهى كان مخبز صغير لمهاجرين ألمانيون. في الجهة الثانية من الشارع أقيم مقهى آخر، كان أقل شهرة من سلبقه وهو " مقهى مِدها" نسبة إلى اسم صاحب المحل حسين مِدها، كان هذا مقهى شعبياً ورخيصاً وارتاده بشكل خاص كبار السن من المنشية.
في جزئه الشمالي، أصبح شارع المحطة شارع العالم. في بداية الشارع أقيم "مقهى اللمداني"، الذي كان في ذلك الوقت مقهى شعبياً مشهوراً. شمالي شارع العالم أقيم سوق الكرمل، الموجود حتى اليوم، الذي عمل به تجار فلسطينيون ويهود، ومنه تطورت حينئذ تل أبيب.
منطقة جامع حسن بك
جامع حسن بك، واسمه أيضاً الجامع الجديد، بني عام 1914 في الطرف الشمالي لحي المنشية، بأمر الحاكم التركي حسن بك الجابي، عشية الحرب العالمية الأولى. في فترة حكمه، عمل حسن بك الكثير من أجل تطوير يافا وأحيائها. المسجد هو المبنى الوحيد الباقي من حي المنشية، بالإضافة إلى منطقة محطة القطار وبعض البيوت القريبة من حي شابازي، ولا يزال عشرات المصلين يؤمـّونه حتى يومنا هذا، خاصة من مدينة يافا.
في كتابه، "قصص من يافا" يكتب المؤلف خيري أبو الجبين عن أسباب بقاء المسجد وعدم هدمه من قبل السلطات أن "أحد الأصدقاء، وحيد الجعبري، ابن الشيخ محمد علي الجعبري، الذي كان رئيس بلدية الخليل ووزيراً أردنياً سابقاً، حكى لي أن والده طلب من صديقته جولده مئير – رئيسة حكومة إسرائيل بين السنوات 1969 – 1973، ألا تهدم المسجد فوافقت على طلبه وأبقت على المسجد".
في رواية أخرى حول سبب بقاء المسجد رواها لنا صالح المصري:
" بعد سقوط المنشية، مُنعنا من زيارة المسجد والصلاة به، وبقي مهملاً لسنوات طويلة بعد أن هدموا به المأذنه وحاولوا تحويله الى متحف. في أواخر الستينات، اجتمعنا بعض الرجال من يافا وقررنا أقامه لجنة يافا للدفاع عن المقدسات وخاصة مسجد حسن بك. مع بداية السبعينات نجحنا في الحصول على موافقة البلدية في إعادة ترميم المأذنه وتنظيف المسجد من بقايا أوساخ الدواب التي عاشت به. أحضرنا مقاول من الناصرة لترميم المأذنه المدمّرة وقمنا بفتحه للمصلين مع حراسة مكثفة لان بعض اليهود من الأحياء اليهودية المجاورة رفضوا ذلك وحاولوا الاعتداء علينا"
أقيمت بجانب المسجد المدرسة المروانية للبنين التي كان في مكتبتها 1608 كتب. قرب المسجد كانت تلة صغيرة اسمها "تلة بيدس"، إذ بني عليها قصر كبير لعائلة بيدس الثرية. مع مرور الزمن، أصبحت هذه التلة رمزاً هاماً في الحي. جنوبي المسجد كان شارع المنشية، وعلى جانبه الغربي كان مدرستان، "الأموية" التي كانت مدرسة مختلطة للبنين والبنات، ومدرسة "العباسية". قرب المدرستين كانت جمعية الشبان المسلمين التي أقيمت عام 1924 وكان لها دور هام في رفع الوعي الوطني بين الشبان العرب وكذلك في العمل الجماهيري مثل بناء مدارس وعيادت طبية.
1936 – 1948
في سنوات ال 30 وال 40 اتسعت تل أبيب بشكل سريع وأصبحت محاطة بأحياء عربية. في الشمال الشيخ مونـّس وجماسين وصمـّيل، وفي الجنوب سلمة ويافا والمنشية. في الخرائط من تلك الفترة تظهر المنشية كقطاع طويل يفصل بيت تل أبيب والبحر.
عام 1936 بدأت الثورة العربية الكبرى، حيث تمرد العرب ضد سياسة الانتداب البريطاني وضد الصهيونية وهجرة آلاف اليهود إلى البلاد. حتى الثورة، كان حي المنشية في طريقه ليصبح جسراً بين المدينتين، خطاً واصلاً بين تل أبيب ويافا. إلا أنه مع بداية الثورة وحتى 1948 اعتبر السكان اليهود حي المنشية مبعث القلق الأمني الأكبر لتل أبيب وللأحياء اليهودية المحيطة. من المحتمل، أن يكون هذا هو السبب لاختفائها من رسومات نحوم جوطمن، الرسام من تل أبيب، حين رسم تل أبيب الصغيرة في سنوات الثلاثين والأحياء اليهودية الأخرى، لم ير المنشية.
قبل عملية "حميتس" بأيام قليلة، عملية تطويق مدينة يافا وعزلها عن القرى العربية المحيطة بها، بدأت منظمة "الإيتسل" بهجوم مباشر على حي المنشية. لأول مرة، جمع "الإيتسل" وحدات عسكرية من أنحاء متعددة في البلاد من أجل هذه العملية، وحسب مصادر "الإيتسل" وصل عدد مقاتليه حوالي 600 مقاتل مدججين بالسلاح والقنابل اليدوية التي سرق قسم منها قبل ذلك من قطار عسكي بريطاني في منطقة "فردس حنه". كان هدف هجوم الإيستل هو عزل المنشية عن باقي أحياء يافا، ثم السيطرة عليها واحتلالها.
بسبب عطل فني، أجلت ساعة الصفر. والهجوم الذي كان مخططاً لساعات الليل بدأ فجر يوم 25 نيسان، بدون أن يكون للمهاجمين سلاح احتياطي كاف. لم تنجز المهمة في 25 نيسان ولا في الليلة التي تلته. في هذه الثناء وصلت قوات من الجيش البريطاني الذي أصدر إنذاراً صارماً لوقف هذا الهجوم. بالرغم من ذلك جدد "الإيتسل" هجومه في 27 نيسان، وخلال تكبده خسائر بشرية كبيرة وصل إلى البحر.
حاول سكان المنشية والقرى الخرى محاربة "الإيتسل". قاموا بالتجمع حول مسجد حسن بك وحاولوا المقاومة، رغم عددهم القليل ورغم النقص الكبير بالسلاح. خلال أيام المعارك، أخذ عدد القتلى والجرحى يتزايد حتى سقوط المنشية نهائياً يوم 28 نيسان 1948 وعزلها عن يافا. بعد ذلك قامت "الهجناه" بعملية "حميتس" لاحتلال يافا وقراها الجنوبية والشرقية.
طالب البريطانيون من "الإيتسل" أن يسلموا لهم بناية الشرطة بالمنشية وفتح شارع حسن بك من يافا إلى تل أبيب، في الجزء الجنوبي من المنشية، لحركة السير وللحراس من الجيش البريطاني. في اليوم التالي فجـّر عناصر "الإيستل" مبنى شرطة المنشية، ورفعوا العلم العبري على ركام المبنى. هكذا حولوا الجزء الجنوبي من الحي إلى خراب. فجـّرت المنازل من جانبي شارع حسن بك، ومنعت حركة المركبات البريطانية من يافا إلى داخل المنشية. في شوارع المنشية تجولت مكبرات الصوت تنادي المقاتلين الفلسطينيين بإلقاء السلاح والاستسلام. وقع قسم منهم بالأسر.
مع تمام احتلال المنشية سلـّم "الإيتسل" بشكل رسمي كل منطقة الحي المحتل إلى قوات "الهجناه" حتى يثبت خط الاحتلال على الحد الجنوبي للمنشية. في نفس اليوم صدر هذا البيان: " مع فجر يوم السبت 22 من شهر نيسان العبري سنة "تشاح" 1948، أصبح جزؤها الجنوبي من المنشية المحررة إلى خراب. شرطة المنشية زالت من الوجود".
طرد قسم من أهل المنشية إلى الأردن، والقسم الآخر طرد إلى غزة ومصر عن طريق البحر. عدد قليل منهم طرد إلى يافا وعاشوا بعد ذلك مع لاجءي يافا والقرى المجاورة في "جيتو" العجمي. في 28 نيسان وصفت صحيفة "همشقيف" (المراقب) المنشية هكذا: " تلال من الخراب أينما نتوجه، ثقوب مفتوحة في الحيطان، شظايا أثاث، جداول ماء تمشي من الحنفيات المفتوحة في البيوت المهدومة و... سكون موت. هذه هي مناظر المنشية اليوم. يشوش الهدوء بين الحين والآخر طلقة نارية منفردة... "هذه طلقات فحص من رجالنا"، يشرح لنا القائد جدعون الذي أدار المعارك الضارية ضد العرب، وأن المهاجمين رُشـّت عليهم نيران "شفنداو" و"برِن". في أغلب هذه الحالات تلقى رجال "الإيتسل" مساعدة بواسطة أعمال هندسية كانت تقدح في الحيطان بين المنازل وتفجرها، وهكذا تقدموا إلى قلب المنشية... في حالات أخرى، عندما احتل المهاجمون موقعاً، جروا معهم أكياس الرمل من الموقع المحتل ليستعملوها في تقدمهم كساتر واق أمام النيران التي أطلقت عليهم. عندما وصل المهاجمون شارع العالم في مركز المنشية، واجهوا موقعين صعبين من جهتي الشارع فتوقفت كل أفواج المتقدمين بالمعركة. عندها فجر الشباب المنازل من جهتي الشارع، انهار الموقعان وأكوام الركام غطت الشارع".
منذ احتلاله بيد "الإيتسل" مرّ حي المنشية عدة موجات من التدمير. في الواقع، خططت بلدية تل أبيب هدم الحي مع انتهاء المعارك، لكن هذه الخطة فشلت بعد دخل مهاجرون يهود في شهر حزيران 1948 وسكنوا في البيوت المهجورة. بشكل سريع، تحولت المنشية إلى حي يهودي فقير جنوبي تل أبيب.
المختار والمخترة
كان بالمنشية ثلاثة مخاتير عرب، الحاج خميس العمري الذي سكن في شارع العالم والحاج حسن الذي سكن في شارع حسن بك، وأبو احمد الشرقاوي، وكان أيضا مختار يهودي مسؤولاً عن اليهود الذين سكنوا في المنشية اسمه موشه ليفي، ولكن سكان المنشية كانوا يسمونه موشه الفول.
السكان
سكن في المنشية عام 1944 حوالي 12 ألف فلسطين وحوالي 1000 يهودي. امتدت أراضي القرية على مساحة 2400 دونم.
تفاصيل أخرى
من حيّ إلى عشب أخضر
تدريجياً تحولت المنشية إلى حقل تجارب للهندسة المعمارية "الإسرائيلية" ونقلت إلى الملكية العامة. في سنوات ال 50 بدأت تنسج مخططات حول مستقبل مسطح الحيّ. أبرز هذه المخططات كان مخطط "سيتي"(المدينة). كان من المفروض، حسب هذه الخطة، أن يقام في الحيّ المركز الجديد للمدينة العصرية. "مسطح المنشية"، كتب المهندسون، "كأنه أُعدّ منذ البداية ليكون مركزاً جديداً للمدينة". إلا أن بعض المواطنين الذين ما زالوا يسكنون في الحي المهمل لم يعلموا بأمر المخطط واستصعبوا فراق بيوتهم الصغيرة قبالة البحر.
إن قرار البلدية بتجميد البناء كلياً كان بداية مشوار آخره محو الحي بشكل مطلق، وخلاله توقفت البلدية عن صيانة المباني وسمحت بتحويل الحي إلى ساحة خردة.
إن التجاهل المتعمد من قبل السلطات لوضع الحي أدى إلى رحيل معظم سكانه وبقي فيه ذوو الأوضاع الاقتصادية والصحية السيئة. هذا الإهمال عزز في ذهن الجمهور، أن الحي هو مكان بائس يعيش فيه من الناس من يعتبر عبئاً اجتماعياً.
في عام 1963 اتـُخذ قرار ببدء البناء في المنشية وتحويله إلى مركز تجاري عصري، فأقيمت لذلك شركة حكومية – بلدية، اسمها "أحوزات هحوف"(ضيعة الشاطيء)، وأعلن عن مسابقة دولية لتخطيط المكان. شملت الخطة مباني عامة وإدارية، منطقة تجارة وتسوّق، أبراج للمكاتب وآلاف الوحدات السكنية، مواقف للسيارات، فنادق ومرافق ترفيهية، مع استغلال أقصى لشاطيء البحر من أجل راحة الجمهور. هدم حي المنشية كلياً ما عدا مسجد حسن بك. مقابل المسجد أنشيء متنزه لتخليد ذكرى محتلي يافا وفيه مواقف سيارات ومحطات للحافلات.
تـُوّج المشروع بمتنزه على اسم تشارلز كلور، متبرع يهودي بريطاني، وقام بتخطيطه مصمم المناظر والشاعر ع. هيلل، حيث أقيم المتنزه على الجزء الأساسي للحيّ. صـُمم المتنزه على شكل "كثبان رملية" تغطي ركام الحي الذي جـُمّع على شاطئ البحر. وكما تعمل الصهيونية، التي تحيي القفر، تم تغطية الكثبان بالعشب وأصبحت خضراء اللون.
كما هو الحال في أماكن أخرى في يافا، فإن مشروع المنشية يمثـّل مشوار التدمير الذي بدأ بهجوم على الحي، ما زال مستمراً حتى اليوم، وبالذات تحت عنوان "تخطيط" وتطوير". عملياً، تصميم المنشية يشبه أكثر من أي شيء، رؤى ناحوم جوطمان.
احتلال القرية
قامت عصابات الايتسل الصهيونية باحتلال المنشية وهدم بيوتها في شهري نيسان وأيار عام 1948، بعد أسابيع قليلة من احتلالها لقرية دير ياسين وقتل العشرات من سكانها. كان هدف الهجوم على المنشية هو إخماد الثورة فيه،ا وتمهيد الطريق أمام القوات الصهيونية للدخول الى مدينة يافا واحتلالها، وقد تم تهجيرّ جميع سكانها الى غزة والأردن والقليل منهم الى المدن المجاورة. بعد شهرين من طرد سكانها، توافدت الى المنشية بعض العائلات اليهودية المهاجرة وسكنت في بيوتها الفارغة لبضع سنوات.
روايات أهل القرية
إحنا تهجّرنا من المنشية 6 مرّات:
افتخار ترك مواليد المنشية سنة 1936
"لما صارت حرب ال 48، صار السلك اللي يفصل بين العرب واليهود بالمنشية كبير، وصارت الناس تنظر لليهودي كيهودي والعربي كعربي، وبدأت الكراهية وبدأت الحرب وصار في مقاومين وثوار. العرب ما كان عندهم جيش منظم، كان بس مقاومه شعبيّة. اليهود كان عندهم جميع الاسلحه، وصاروا يضربوا علينا قنابل من سوق الكرمل ومن تل أبيب، الضرب علينا كان ليل نهار مثل زخ المطر، واللي بالعجمي كانوا يضربوا عليهم من مصنع البيرا من بات يام.
أهل المنشية الفقراء هربوا على البحر، سمعوا انه المصريين بتجيب سفن وبتحمّل الناس على مصر ببلاش، كتير ناس نزلت ع البحر. انا كنت أشوف الناس كيف تحط أغراضها بالسفن وبعدين يرموهم بالبحر لأنه الحِمل كان ثقيل. ستي تتطلّع علي وتقول لي: " شايفي يا ستي اللي بطلع من داره بقلّ مقداره".
أهلي بالمنشية ما كان بدهن يهاجروا وكان كل ما يضرب اليهود علينا قنبلة نتنقل لبيت تاني بداخل المنشية. مرّه أجا مدفع على حيط الجنينية عند دار سيدي، كانت دار من طابقين، المدفع هدّ الحائط بس ثاني يوم خالي صلّحه ونقلنا على بيت تاني... بنفس المنشية إحنا تهجرنا 6 مرات، وما بدنا نطلع منها."
اطلعوا من الدور... اليهود وصلوا فرن خلف!!
"إحنا آخر ناس طلعت من المنشية"، استمرت افتخار في حديثها:
" الناس هجّت ع البحر وعلى اللد والرملة والأردن، خصوصاً بعد ما سمعوا بمجزرة دير ياسين. كانوا يقولوا انه بشقوا بطن الحبلى وبيطلعوا الجنين من بطنها وهذا اللي خوف الناس اكثر واكثر.
بقينا إحنا وأربع عائلات بالمنشية. بشي يوم بساعات الصبح دخل ع المنشية واحد من المناضلين، وصار ينادي، يا ناس يا عالم، اطلعوا من الدور، اليهود وصلوا فرن خلف. أمي طلعت من الدار واللا هو واقف على باب الدار. قاللها بسرعة اليهود صاروا بفرن خلف، طلعنا من البيت وقلت له انه ستّي كبيره وبما بتقدر تطلع، قال لي بحملها. كان هو حامل شنطة وسلاح بدون فشك. أعطاني احملهم وهوي حمل ستّي على ظهره وطعلنا على يافا بالاطومبيلات (السيارات).
من المنشية ركبت معنا مرا كبيره اسمها سعدية شقير ومعها بنت بنتها، كانت بصفي بالمدرسة. بعد ما البنت ركبت بالاوطومبيل، قالت لنا سعدية انها نسيت المصاري بالدار، وصارت بدها ترجع، النسوان قالولها ما تروحي أحسن ما يقتلوك، قالت لهم ما بقتلوني أنا مرا كبيره، ما ردت عليهم وراحت، اليهود مسكوها وقتلوها، وضلت ثلاث أيام بالدار ميته وما حدا قدر يروح يجيبها. بس بعدين راح ناس من يافا سحبوها بحبال وجابوها على يافا."
عجمي
تستمر افتخار ترك في حديثها قائلة:
الاوطومبيل نزلنا بشارع بشديروت (شارع النزهة سابقاً) بنص الشارع، البلد كانت فاضية من الناس وكل منطقة كان فيها ثلاث أو أربع عائلات، اجو اليهود أطلعوهم من دورهم وجمعوا الناس في حي العجمي. بعدها بمدّه مدّوا سلك على البلد من عند السبيطار (المستشفى) الفرنسي لعند عمارة السفير الفرنسي، إحنا جوا واليهود برا، همّ بروحو وين ما بدهم وإحنا بالسجن.
لما وصلنا شارع النزهة لا كان معنا أواعي ولا شي، وين بدنا نروح؟ كان معنا مرأة كبيرة من دار الشيخ عوده وبنتها، رحنا معهم عند أقاربهم بالنزهة، وصلنا لهناك، دقينا على الباب، بس طلعوا أهل الدار مهاجرين والدار فاضي. دفعنا الباب وقعدنا بالبيت من الصبح للمغرب، كنت معهم أنا واخوي ابن ال 9 سنين. اخدت مصاري من ستّي ونزلت اشتريت خبز وجبنه وزيتون أسمر وحلاوة وأكلنا. ستّي قالت خلينا نروح عند دار عمتي أم صالح السمنهودي لأنه هون ما في فراش ولا أواعي.
نزلت ع الشارع ولاقيت داليجانس (عربه يجرها حصان)، ما كان في تكسيات لأنه كل التكسيات كانت تنقل الناس برا يافا. وقّفت الزلمة وقلت له "يا عم الله يخليك إحنا هجرنا من المنشية وما في مطرح ننام فيه وبدنا نروح عند أقاربنا، ومنعطيك مصاري". اطلعنا معه وجينا عند دار أم صالح، استقبلتنا بميت مرحبا وضلينا عندها. قعدنا عندها شهرين وجينا بعدها هون ع بيتنا اللي إحنا ساكنين فيه لليوم. شو بدي احكيلك... تمرمرنا إحنا وكل الناس، كان عذاب وكان خوف. قسم من الشباب أخذوها ع الأسر وقسم أخذوهم على شط البحر وطخوهم واللي هاجروا كسبوها.
قعدنا اشهر بالعجمي بدون أكل ولا شغل وأولاد كتير معنا. كان واحد اسمه الحاج احمد أبو لبن وأخوه عبد الرزّاق، كانوا تجار قماش بشارع بسطرس، صاروا ينادوا على أهل العجمي واخذوا الشباب وراحوا ع الميناء حتى يجيبوا مؤن للناس، الميناء كان مليان خيرات، حبوب، رز وحمص وفول. راحت الشباب ونقلوا كل المونه ع الحمير على شارع الأقباط. وفتحوا فرنين، واحد بشارع الحلوة وين بوظة اندري اليوم والثاني ورا السوق قريب ع دار السمنهودي.
القرية اليوم
المنشية اليوم
بناء على قانون أملاك الغائبين، تمت مصادرة جميع بيوت وأراضي المنشية والتي بلغت حوالي 2,400 دونم، الى ملكية الدولة للتصرف بها. وكونها تقع في مكان استراتيجي يربط تل أبيب بمدينة يافا، قررت الحكومة الإسرائيلية عام 1963، إعادة بناء المنشية وتحويلها الى مركز تجاري، مقاهي، فنادق، الى جانب آلاف الوحدات السكنية والحدائق العامة التي تخدم سكان تل أبيب والمناطق المجاورة وتستقطب السائحين اليها، ولهذا الهدف أقيمت لجنة حكومية-بلدية خاصة باسم "احوزات هحوف" والتي أعلنت عن مناقصة دولية لتخطيط وبناء الحي من جديد.
كما هو الحال اليوم في مدينة يافا، يعكس "مشروع المنشية" الذي تبنته مدينة تل أبيب والحكومة الإسرائيلية، سيرورة هدم هذا الحي، التي بدأت منذ عام 1948 وحتى يومنا هذا وتشريع الهدم وتغيير معالم المكان من خلال تعريفه كمشروع "تخطيط" أو "تطوير" على مدار كل تلك السنين.
"بالأول موت وهلأ تعذيب..."
ممنوع نبني وممنوع نشتري بيوت شهادة افتخار ترك :
"المنشية اليوم هدّوها وعملوها طاييلت (كلمة بالعبرية معناها متنزه)، هدّوا البيوت ورموهم بالبحر. هدّوا بيوت أمي وستي. بعد سنين رجعت أشوف شو صار بالمنشيّة، ما ضل أشي...أنا لليوم معي كواشين وأوراق الدور اللي كانت باسم ستّي وأمي.
خالي خليل اللمداني، كان اله بيارتين بيازور، اخذوهم وقلعوا البرتقال كله ورحّلوه على غزة. خالي إبراهيم، كان عند قهوة اسمها قهوة الحج ابراهيم اللمداني، وقهوة ريانه وين الجامع الكبير، وقهوة بالميناء. كل عائلتي كانت ملاكين ومتعلمين.
بس اليوم عنا مشكله اكبر من اللي فاتت. وهي انه بدهم يهدوا قسم من بيتنا اللي إحنا ساكنين فيه اليوم. الدولة ما رضيت تعطينا رخص عشان نبني لأنه ما بدهم انه العرب يبنوا ويتوسعوا، إحنا بنينا غرفة صغيرة واليوم في امر هدم الها. وقّفنا محامي بس ما في نتيجة بعد. لليوم لاحقينا، صارت الدولة مهدمة حوالي 100 دار بالعجمي، وكلهم لناس فقرا. ما بدهم عربي لا بيافا ولا بغير يافا، شو نعمل؟؟ ممنوع نبني وممنوع نشتري بيوت!!...عيشتنا كانت صعبة وإحنا بالمنشية واليوم أصعب... بالأول موت وهلأ تعذيب.
الباحث والمراجع
المرجع
1- موفع زاخروت
2- وليد الخالدي كي لا ننسى
3- موقع بديل مقال الباحثة رنين جريس https://www.badil.org/ar/publications/haq-al-awda/issues/items/2283.html