روايات أهل القرية - الجِيَّة - قضاء غزة

 

الشنطي يروي تفاصيل تهجيره من "الجية" قبل 64 سنة

 

تمر في هذه الأيام الذكرى الرابعة والستين للنكبة، والتي على إثرها هاجر العديد من سكان المدن والقرى الفلسطينية منها قصراً، بعد مذابح ارتكبها الاحتلال الصهيوني بحقهم، وبمساندة بريطانية أمريكية وبمباركة من قيادة الجيوش العربية، ولازالت تلك الأيام محفوظة في أذهان من عايشوها، تراها في عيونهم، وتلمسها وهي محفورة على وجوههم، ويتحدثون عنها وقلوبهم تعتصر ألماً، وعيونهم تفيض بالدمع، معبرين عن مدى اشتياقهم وحبهم إلى حفنة تراب من أرضهم، ويدعون الله في كل صباح ومع كل مساء أن يروا أرضهم قبل أن يموتوا.
 
مراسل "المركز الفلسطيني للإعلام" التقى بأحد هؤلاء الشيوخ، الذين عايشوا النكبة وأجرى معه المقابلة التالية:

 * 
نتعرف عليك وما هي بلدتك الأصلية ؟
 - 
أنا أحمد عبد الفتاح الشنطي مواليد عام 1928، من قرية الجية التي تقع شمال قطاع غزة من قضاء المجدل وتبلغ مساحة 12 ألف دونم.
 
صف لنا الحياة .. كيف كانت داخل القرية؟
 
كنا فلاحين نزرع ونحرث وكانت حياتنا طيبة، وكان هناك التواد بين الناس وكل منهم يساعد الآخر، وكانوا يجاملون بعضهم في الأفراح، ويواسون بعضهم في الأتراح، وكان الرجال لهم لبس يسمى "القمباز" ولازالت محتفظ فيه حتى اليوم، وكانت النساء تلبس الثوب الفلسطيني المطرز وكان يسمى "الجلجلة"و"أبومتين"و"جنة ونار"، وكانت أعراسنا أجمل الأعراس، وأنا أتذكرها كإنها اليوم، كنا نغني فيها السامر والسيادة، ونلعب الدبكة على صوت اليرغول والشبابة.

 * 
كم كان عمرك وقت النكبة وحدثنا عن تلك الفترة؟
 - 
عمري كان 20 سنة وأذكرها كأني أراها أمامي، في بداية النكبة كنت محاربًا مع الثوار، وكنا متفائلين بالنصر، لأن الثوار كانوا يقاتلوا بقوة وشراسة وكانت العصابات الصهيونية تتراجع أمام تقدم الثوار، إلا أن الدعم البريطاني والأمريكي ساندهم، فهدموا جسر بيت حانون وجسر باب سنيد، وقاموا بتطويق الجيش المصري وانقطع عن وصول الإمداد إليه في الفالوجا وعراق المنشية، حتى استعادوا قوتهم وهجموا عليهم مره أخرى، وبعدها تم القبول بهدنة بموجب اتفاقية مع دول عربية ومن الجانب الفلسطيني.
 
ولكن بعد الهدنة ازدادت قوة اليهود وعددهم وعدتهم وبدأو في الذبح في الفلسطينيين في اللد ودير ياسين، وألقوا مناشير تقول إنه انقطع طريق الجيش المصري، وحذروا من إيواء الجنود المصريين في منازل الفلسطينيين ... بدأنا نهاجر بلد تلحق أخرى، وكانت الأخبار تصل من دير ياسين ومن اللد والرملة عن المجازر التي ارتكبتها العصابات الصهيونية، وهذا الذي جعلنا نسرع في الهجرة، الكل هاجر في عشرين يوم من طريق هربيا ومنها للرمل ومنها على بيت لاهيا حتى وصلنا غزة، وما أخدنا معنا إلا حاجات بسيطة، حيث كانوا يقولون لنا أنها أيام قليلة وسنعود. أنا وكل عائلتي لا زلنا نحتفظ بالأوراق التي تثبت أننا أصحاب تلك الأرض.

 * 
بعد الهجرة أين سكنتم وكيف كانت الحياة؟
 - 
أول ما وصلنا غزة، ونحن نقول كل يوم غدًا أبو بعد غد نرجع، وكنا ساكنين بالمخيمات وكانت السكنة فيها صعبة، وكان الفقر مسيطر على أغلب الناس، وكان الجميع يعيش على ما تقدمه الاونروا من مساعدات، وكنا نعيش في الخيام، وعندما وجدنا أن العودة تأخرت بدأنا نتوسع ونبني بيوتاً من الطين وثم اسمنت، ولكن كانوا الناس طيبين في تعاملهم مع بعضهم، وكانوا يساعدوا بعض ويتقاسمون اللقمة، وحتى بعدها بفترة طويلة كنت أريد أن أشتري قطعة أرض ونسكن فيها ونستقر، ولكن والدي لم يقبل وكان يقول لي لماذا نشتري هنا ولنا أرض، وغدًا سنرجع إلها.

 * 
هل تقص لأولادك وأحفادك عن قريتك؟
 - 
أنا أعلم أولادي ومن بعدهم أحفادي، إنه لنا أرض سلبها منا الاحتلال، وأوصف لهم إياها وكم فيها من النعيم، وأتكلم معهم عن جمال العيش في تلك الأرض، وكيف كانت أعراسنا وأفراحنا، وأيضاً عن مواسم الحج وكيف كنا نودع الحجاج وكيف نستقبلهم عند عودتهم، وأيضاً أتحدث معهم عن ملابسنا وأزيائنا وتراثنا القديم، وهم متمسكون بتلك العادات والتقاليد حتى اليوم، ومتمسكون بحقهم في أرضهم، وحتى إذا لم نعود نحن إليها سيعودوا هم أو يعود أبنائهم وهكذا، هذا حقنا ولن نتخلى عنه، وأنا لو لي قصر هنا وقالو لي اتركه وارجع، سأفعل دون تردد.

 * 
هل تعتقد أنكم ستعودون يوماً إلى بلادكم؟
 - 
أنا من يوم ما هجرت لليوم وغدًا، وأنا واثق أننا سوف نعود يومًا لبلادنا، هذا وعد من ربنا وبشرنا فيه رسولنا أنه سننتصر على اليهود، وسنرجع على بلادنا، إن لم نعد نحن فأولادنا وأحفادنا، ولكن أنا واثق أن هذا اليوم قريب إن شاء الله، وكل الأمور هي بأمر الله، ونتمنى من الله أن يعجل رجوعنا لبلادنا قبل ما أموت.

 * 
ماذا عن الوضع السياسي الآن هل تتأمل فيه أن يرجعك إلى قريتك؟
 - 
إن العودة بأمر الله، من أيام النكبة وتعودنا على قيادة الجيوش العربية الخيانة، وأنا لا أريد أن أتحدث عن هذه الأمور، ولكن حتى في هذا العصر كثير من السياسيين هم يبحثوا عن كراسي ومناصب فقط، والعودة ستحدث عندما يحين الموعد الذي حدده الله.

المرجع: المركز الفلسطيني للإعلام