معلومات عامة عن ترشيحا - قضاء عكا
معلومات عامة عن قرية ترشيحا
كانت القرية تقع في رقعة مستوية من الأرض فوق مرتفع يعلو بالتدريج نحو الغرب، وكانت شبكة من الطرق الفرعية تربطها برأس الناقورة وببعض القرى الحدودية في لبنان وكان سكانها جميعهم من المسلمين ولهم فيها مسجدان ومدرسة ومركز للجمارك والشرطة لمراقبة الحدود مع لبنان .
كانت أراضي القرية جبلية تتخللها أودية عديدة.كان سكانها يتزودون بالمياه للاستعمال المنزلي من عدة ينابيع وبرك وآبار، وكان معظم الأراضي يستخدم للرعي غير أن السكان كانوا أيضا يزرعون الحبوب والزيتون.
كان في ترشيحا عام 1922 نحو 1.880 نسمة، وازداد عددهم في عام 1931 إلى 2.522 نسمة كانوا يقيمون في 584 بيتاً. وفي عام 1945 قدر عددهم بنحو 4460 نسمة. ولكن عددهم انكمش إلى 639 نسمة في عام 1949 نتيجة لهجرة غالبية السكان اثر العدوان الصهيوني عام 1948.
كان يقام بها سوق اسبوعي يحضره أهالي قرى شمال فلسطين وجنوب لبنان.
بعد الانتهاء من عملية حيرام، اندفعت الوحدات "الإسرائيلية" نحو عدد من القرى قرب الحدود اللبنانية وطردت سكانها وكانت ترشيحا من أوائل القرى التي سقطت وأغلب سكانها يتوزعون في مخيمات لبنان.
أنشأت مستعمرة إيفن مناحم سنة 1960 قرب موقع القرية، كما إن مستعمرة كفار روزنفائد -التي أنشئت سنة 1967-ومستعمرة شتولا -التي أسست سنة 1969- تقعان أيضا على أراضي القرية وقد احتل عدد من المهاجرين اليهود اليوم عشرين منزلاً من منازل القرية التي أطلقوا عليها اسم موشاف شومرا.
سبب التسمية
ترشيحا: ثلاث روايات حول أصل الاسم
لا بد من التعريج بداية حول أصل التسمية، إذ تختلف الروايات حول اسم عروس الجليل: ترشيحا.
تتحدث الرواية الأولى عن أن الاسم الأصلي هو "طرشيحا"، ويتألف من جزئين: "طور" بمعنى الجبل، و"شيحا" نسبة لنبات الشيح الموجود بكثرة فيها، أي أن الاسم تحوير لـ "جبل الشيح".
ولكن ثمة رواية تاريخية أخرى، يتناقلها أهالي القرية، وتقول بأن الاسم يعود إلى كلمتي "طار شيحا"، ويُقصد بها القائد في جيش صلاح الدين الأيوبي، شيحا جمال الدين، والذي، حسبما تقول الرواية، أنه حينما قُتل، طار رأسه وهبط حيث تقوم ترشيحا اليوم، فقال الناس: "طار شيحا".
آخر الروايات، وهي الأقل تداولاً، تذكر أن شاعراً ظمآناً مر يوماً بترشيحا، فطلب الماء من فتاة في القرية، وحينما روي قال: "رشحتني الفتاة بمائها ترشيحا".
أراضي القرية
سهل الكابري وترشيحا
كان هذا السهل يسمى بسهل عكا الشمالي على عهد ولاة عكا في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. يترامى هذا السهل من شرقه الى غربه ومن شماله الى جنوبه على شكل مساحات واسعة تحيط به مجاري المياه من الشمال ومن الجنوب ومن الشرق وتتنوع فيه الزراعة ككروم الزيتون وبساتين الحمضيات والزراعة الموسمية كالقمح والشعير والعدس والحمص والفول والذرة البيضاء والصفراء والسمسم ثم انتشرت زراعة التبغ.
حصل مشايخ الزاوية الشاذلية على سند تمليك الأراضي من السلطنة العثمانية وتشمل من (مكب الماء الى مكب الماء) أي من نبع الهردويل الى قناة أبو لزيق. وبذلك استردت الزاوية الأراضي من آل سرحان ومن أهالي معليا ومن آل حيدر من ترشيحا ومن أرض المنوات لآل السعدي من الزيب.
تملك الزاوية الشاذلية قسما واسعا من الأراضي في السهل، كما يملك آل سرحان قدرا كبيرا منه، ولهما حصة الأسد، يملك أهل الكابري وأهالي ترشيحا البقية منه. سكنت بعض عائلات ترشيحا قرية الكابري وبعضهم ظل محافظا على ممتلكاته في السهل يهبط اليها ايام المواسم يحرثها ويزرعها ثم يحصد غلالها، ومنهم من باع أو أجّر أرضه لبعض أهل القرية يشجّرها أو يزرعها موسميا، ومنهم من كان يؤجرها لبعض أهالي القرى المجاورة كالنهر والتل وام الفرج والغابسية.
يروي السيد مصطفى بلقيس أن أحمد سكيني كان يعرف دقائق وحدود أملاك أهالي ترشيحا وأهالي الكابري في السهل واصحاب قطع الاراضي. وقد أفادني الحاج أبو نمر حمّاد بقوله :" أن ترشيحا والكابري توأمان وشركاء في الماء والهواء والتراب، وأنسباء في المصاهرة وأقارب من أرومة واحدة كآل سرحان، وآل قدورة، وآل جشي، وآل سكيني، وآل الناصر، وآل عركي وآل آغا. ولأسباب يصعب حصرها باعوا مساحات واسعة لأهالي ام الفرج والزيب وآل الشامي وبدر العاص من عكا وللألمان، ولا يزيد نسبة المالكين منهم في السهل أكثر من ثمانية بالمئة من مساحته قبل التشريد.
كان لفلاحي ترشيحا قديما بيدر خاصة تقع شرق الكابري وكانت تسمى بيدر ترشيحا. وفي السنوات الأخيرة لم تنشغل هذه البيدر لأنهم انشغلوا بزراعة التبغ في أراضيهم الجبلية المحيطة ببلدتهم وفي أراضيهم الخاصة في السهل بمشاركة اناس من الكابري.
وقد حاولت جاهدا أن أكون أكثر دقة في تسجيل أصحاب أراضي السهل كما هو الحال في مرتفعات الكروم أو المرتفعات الشمالية. وبعد بحث طويل مع المسنين استطاعوا أن يفيدوني بأسماء المواقع وهي كثيرة ومتعددة مع بعض أسماء مالكيها. يعود الفضل الكبير للحاج خالد الزعزوع والحاج عبد الله الجشي والسيد مصطفى بلقيس والحاج ابراهيم قدورة.
يبدأ السهل من غرب بستاني الزاوية الشاذلية ويتجه غربا حتى بساتين الزيب. يبدأ غربا شمالا من وادي الصعاليك ووادي القرن وقناة أبو لزيق، ومن خربة العمود والشقف شمالا غربا حتى أراضي البصة، ويتجه جنوبا حتى أراضي ام الفرج ومجرى المفشوخ ( التل) وبركة النهر (الفوّارة)، وغربا جنوبا حتى أراضي الحميمة.
تخترق أراضي السهل طرق رئيسة وعدة مسالك فرعية.
1- كرم العنب الازرق للزاوية الشاذلية . تحاذيها ارض احمد محمود ياسين تزرع حبوب تجاورها خمس دونمات كرم زيتون للشيخ شاكر الجشي.
2- منطقة يسير للسيد مصطفى ابو سعيد القاضي من ترشيحا بنى بيتاً في الكابري ثم عاد الى ترشيحا واجر منزله: الطابق العلوي استأجره عبد الكريم ابو زنط ( ابو الطيب) من نابلس وسكن في السفلي ابراهيم ابو اسعيد واولاده من شعب.
3- بجوار يسير تقع ارضٍ القطرانه لآل السلعوس وخليل الحاج حسن ولآل صبيح من الكابري واراض زراعية لاهالي ترشيحا.
4- أرض المطوط للزاوية الشاذلية وتقدر باكثر من ثلاثين دونماً وهبها الشيخ على نور الدين اليشرطي الشاذلي للمتجرد جوهر وابنائه ثم استعادها الشيخ محمد الهادي اليشرطي وتقع شمال غرب السهل وبمحاذاتها احراج ام الهروش للزاوية الشاذلية .
5- ارض ابو عش الواسعة شمال شرق السهل يملكها الشيخ شاكر احمد خالد الجشي وابن عمه محمد خالد الجشي ( ابو علي) من الكابري.
6- ارض الخلة تحد بلاط جوهر غرب الكرم الازرق، وارض الخلة لآل سرحان وتزرع الحبوب وهي قرب زيتون يوسف الزهر بلقيس.
7-بلاطة الزيت والشومرة وقناة ابو لزيق الاراضي لال ركاد الجشي من الكابري ولآل جوهر من الكابري، ولأهالي ترشيحا زرعها بدوي الشبطي من الكابري زرعها زيتون مشاركة ، واراض لآل جوهر، واراض لابو الفضل عبودة (عبد الله) بلقيس، وزيتون ليوسف الزهر بلقيس.
8- ارض الطويري للسيد سليم مصطفى ابو صبري من ترشيحا يستثمرها آل قدورة من الكابري تزرع حبوب وتبغ. وقسم من الارض للسيد ركاد الجشي من الكابري قرب بيارة فارس سرحان من الكابري.
9- ارض الشُّعّف بين الطويري والمنوات تقدر بعشرين دونماً لآل سرحان وفيها معالم اثرية ومنازل مهدمة قديمة: خربة الشقف وخربة العمود على حدود بساتين الزيب قرب قناة ابو لزيق. وخربة العمود وفيها عامود قديم واسوار مهدمة يملكها صالح الصفدي تقدر بعشرين دونماً وهي ارض زراعية.
10- ارض الراس قرب المنوات وهي لعائلة ارشيد من ترشيحا تقدر بعشر دونمات
11- ابو كزبرة : اراضي شاسعة لأهالي ترشيحا منهم آل جشي، ابو صبري سليم مصطفى، الاغوات وآل قبلاوي وبجوار القطع من الاراضي لاهالي الكابري ومنهم غالباً آل بلقيس وآل الجشي (الكابري).
12- وجنوب ابو كزبرة الاراضي التي تقدر باربعماية دونماً لال الكابري ومنهم آل شاكر السلعوس، احمد محمود ياسين، آل حسين علي، عثمان دغيم، علي واحمد ومصطفى قدورة، سليمان وعلي العويتي، صالح وفضل بلقيس، محمود بلقيس، احمد سكيني، وصالح واحمد الدباجة.
13- ارض الغلينات: وسط السهل الى الغرب وتقع شمال بيارة فارس سرحان والشقيري وتقدر بعشرين دونماً، وفيها الاراضي الشاسعة لآل شاكر الجشي من الكابري،
14- معسكر جبال اللوز وهي ارض مشاع كانت مليئة بزراعة اللوز تسكنها قبيلة الهيب مريدات من اقرباء ديب اسعيّد واخيه حميدي شيخة، وعندما اتخذت قوات الانتداب البريطاني هذه المرتفعات غرب السهل انتقلت هذه القبيلة الى شمال بيارة لاهل الزيب شمال جبال اللوز.
16- مارس الجمل يقع غرب الطويري ارض واسعة للزاوية الشاذلية وبمحاذاتها الاراضي لآل شاكر الجشي من الكابري ولآل الشيخ عيسى ولآل بلقيس من الكابري.
17- قطعة الجامع لال سرحان، غرب السهل. وتقدر باربعين دونماً تبدأ من وادي الصعاليك الى خلال ابو سعد لال السعدي من الزيب وهي مليئة باشجار الخرنوب وزراعةالحبوب وكروم الزيتون. نصب بجوارها في الحرائق زيتوناً للزاوية الشاذلية .
18- اراضي القطرانه: لال السلعوس وخليل الحاج حسن وآل صبيح زرعوا زيتوناً ولآل الجشي كلهم من الكابري وبعض قطع زراعية صغيرة لآل عرّاف من معليا،
19- ارض القطعة: تحد قطعة الجامع حتى بساتين الزيب، وتقع شمال القطرانة وتقدر مئتا وخمسون دونما، كانت مشاعاً تمّ استصلاحها وصارت تستثمر لزراعة التبغ والحبوب. يساهم في استثمارها فلاحو ترشيحا والكابري ومن يرغب من القرى المجاورة، يوزع ريعها لبلدية ترشيحا وبلدية الكابري مناصفة، يرئس بلدية الكابري احمد افندي سرحان ابو غازي. وبجوارها كرم زيتون للسيد شاكر السلعوس وعثمان محمد قاسم ياسين وآل عرّاف من معليا.
20- ارض البلاط : ويقع شمال الموارس ويملكها عبد الرزاق بلقيس ( العبودة ) وعبد اللطيف جوهر، ويوسف الزهر بلقيس كرم زيتون، ويقع غرب البلاط ابو اللبن لآل سرحان.
21- الموارس: تقع الاراضي جنوب السهل قرب المفشوخ ( التل) وفيها كرم زيتون لآل سرحان وكرم لآل الزعزوع وكرم للسيد حسن ياسين من الشيخ داود وأرض للسيد علي شاكر حسين الجشي.
22- غرب الموارس: أرض واسعة لآل عركي (صالح واسماعيل)، كرم زيتون ليوسف الزهر بلقيس، كرم لآل الشيخ عيسى، وكرم للشيخ شاكر الجشي، وكرم لأبناء محمد خالد الجشي (أبو علي)، وكرم لركاد درويش الجشي.
23- منطقة أبو زعرورة: تقع جنوب السهل على حدود ام الفرج وهي لآل بلقيس (حسين وعبد مصطفى واخوته).
24- أبو دندانة: قرب بيارة آل صبيح وبيارة بدر العاص من عكا وتقع أراضي واسعة لآل قدورة من الكابري ومعسكر جبال اللوز.
25- جورعون: أرض فلاحة لآل سرحان وكرم زيتون للزاوية الشاذلية ، وأراض للشيخ شاكر الجشي وركاد الجشي وأبناء محمد خالد الجشي (ابو علي).
26- بستان جورعون: للسيد مصطفى أبو ريشة من حلب ( انسباء آل اليشرطي وبجواره كرم زيتون). يشرف على البستان خليل الريمي.
27- أراضي ابو اللبن : تقع جنوب بيارة فارس سرحان، اشترى منها الأراضي الواسعة أبو أحمد النابلسي من نابلس، اشتراها من أهالي ترشيحا، كما اشترى أهالي ام الفرج الأراضي من أهالي ترشيحا. باع آل شريح (ترشيحا) ارضاً في موقع ابواللبن لآل القط من ام الفرج وزرعوا بيارة.
28- اشترت شركة المانية الأراضي من أهالي ترشيحا وأنشأت بيارتين: الأولى ملك أبينر يشرف عليها ابو عبد الله من البصة وفيها خنازير، بقر، دجاج، وماشية ، تنازل عنها أبنر لأبو عبد الله بعد الحرب العالمية الثانية. والبيارة الثانية اسسها شتورن، استولت عليها المنظمات الصهيونية بعد الحرب العالمية الثانية بمساعدة المندوب السامي البريطاني تعويضا لهم عن ( المحرقة اليهودية في المانيا) كما يدعون زورا. تقع البيارتان جنوب بيارة الحاج بدر العاص .
29- اشترى الحاج بدر العاص من أهالي ترشيحا في موقع ابو عرنوس الاراضي وأنشأ بيارته. ويقع شمالها موقع ابو دندانة حيث أنشأ يوسف صبيح ( الكابري) بيارته.
30- أرض الطيونة في السهل للسيد أحمد محود ياسين وأخيه ياسين.
31- موقع أبو الذهب : وتقع غرب تون الكلس للزاوية حتى أراضي البصة ويملك هذه الأراضي الواسعة عثمان محمد قاسم ياسين وعثمان ابراهيم دغيم وأخيه علي وفؤاد الجشي من ترشيحا وآل عرّاف من قرية معليا وبجوارها كرم زيتون للسيد شاكر السلعوس.
32- أرض ابو الزلط : أراضي واسعة جدا للشيخ شاكر الجشي لزراعة الحبوب.
33- ارض ابو نبعة : تبدأ من شمال الدهرات حتى المنوات، وهي قطع اراضي لاهالي الكابري حصراً تزرع زيتون وكرمة وحبوب وتبغ.
وعـــر القرية وأحراشها
يمتد وعر الكابري وأحراشه شرق الشبايك وشرق القرية وشمالها ووعر ام الهروش شمال السهل. تنتشر الأشجار البرية وتتشابك أغصانها حيث يصعب على المرء عبور جوفه دون أن يستعمل البلطة الحادة أو المنجل. تنمو في الوعر أشجار السنديان والملول والقندول والسويّد والبطم والزيتون البري والخروب البري وشجر الغار.
كان الأنسان منذ القدم يستعمل جذوع السنديان في أسقف البيوت كما كان يستعمل خشبه لنير الحراثة وأجزائه، ويصنع منها الشبابيك والأبواب. كان يقطع جذوع وأغصان الأشجار يستعملها مشاحر الفحم النباتي وهو أفضل نوع من الفحم. كانت النسوة يحتطبن أغصان الأشجار البرية وجذورها للتدفئة ايام الشتاء حيث يحلو السهر.
كان الأهالي يشوون البلوط الشديد الحلاوة، كما كانت تستعمل النسوة أوراق الغار مع الغسيل لطيب رائحته. كانوا يستخرجون زيت الغار يستعملونه علاجا طبيعيا لأمراض الروماتيزم، كانوا ينقعون ورق الغار ويستعملون ماءه في صناعة الصابون .
كانت الأحراش مرعى لماشية القرية، فكانت النباتات وأوراق الشجر الخضراء واليابسة غذاء لها. صار الفلاحون يطعِّمون شجر الخروب البري ويقطفون ثماره ليستخرجوا منه الدبس اللذيذ، كانوا يحتفظون به غذاء لأيام الشتاء، وكان يستعمل لصناعة الحلويات البيتية وشرابا منعشا في الصيف. كانوا يطعِّمون شجر الزيتون البري. كانت ازهار اشجار الوعر هدفا غذائيا للنحل، كان يمتص رحيقه ليمد الإنسان بالعسل اللذيذ، اعتبره النحّالون أشهى وأرقى انواع الشهد ، فكان يستعمل في تركيب الأدوية العربية التقليدية.
كانت تنمو في الوعر نباتات كثيرة يصعب حصرها: البلاّن والصّعتر والمرميّة (القصعين – الجعساس ) والبِصًيل ذات الزهر الليلكي والعكّوب، والقرصعني، والعلت، والخبيزة، والدردار، والسنيبعة، والقرينة، والّلّوف، ومن هذه النباتات كانت تدخل في أطباق موائدهم، ومنها ما كان يؤكل نيئا، ومنها ما يحفظ كالصعتر ، كانوا يستعملونه مناقيش في الصباح، وقلّما يفتقده منزل من منازل القرية. كانوا يتخذون من أوراق المرّمية الجافة بخورا، وكان يستعمل كعلاج ضد النفخة، كانوا يغمسون بعض أوراقه الخضراء في اباريق الشرب فتصبح مياه الشفة لذيذة منعشة تساعد على الهضم.
كانت تنبت في الأراضي الزراعية وفي هضاب الوعر حيث تجردت من الأشجار الكثيفة نباتات استغلها الأهالي في موائدهم الشعبية مثل العلت والخبيزة ولسان الثور والهليون. كان النعنع البري ينبت على حواف مجاري المياه يستعمل مع الثوم والحامض وزيت الزيتون سلطة شهية.
لقد نثر رعاة الأبقار والماعز أعمارهم في مجالات الوعر الفسيح، كانوا يعبرون دروبها الشائكة ترافقهم كلابهم الأمينة حراسا من الوحوش الضارية وقلوبهم تطفح بالسعادة، كانت تترجّع اصداء الميجانا والزلف والعتابا برندحة الاغاني المشهورة بين الفلوات والوهاد تثير الشجون والحنين على أنغام الشّبابة والمجوز،
هيهات يا بو الزلف
حبِّ الرّمُان استوى
ارض بلادي ما أحلاها
هيهات يا بو الزلف
زلفى يا لبنيّا
والكحل بعينيها
ومحلا سواقيها
عيني يا موليّا
كانت القرية أيام الربيع تبدو من أعالي الوعر ساكنة هادئة، وشمس الإصباح تنفرش فوق سطوح المنازل، كانت تنير البساتين وتحمل العافية والافرح، وحيثما كانوا يلتفتون يتمتعون بالطبيعة فاتحة ذراعيها تستقبلهم بذرَّ العطر ورشق الزهور وحلل العرائس الفضية، كانت تغطي الأشجار وتغمر البقاع بسجاجيد الحشائش. كانوا ينعمون بتراتيل الطيور على افنان الدوح حيث حفيف أوراقها كانت تدغدغ الأحاسيس في غمرات هبوب النسائم. كان السهل المنبسط ككف العذراء يبدو مشعشعا بالأزاهير ، مطرزا بالحشائش، ملونا بألوان تبهر الابصار ومشرقا باسما كأرض الجنان .
كانت الأحراج موئلا لضواري الحيوان كالضبع والذئب وابن آوى والنمس وغيرها من الحيوانات البرية كالنّيص والخلد والأرنب البري والحردون والحرباء والجرذ والفار والسلحفاة ورضاعة الغنم. كان الأهلون يستعملون الشراك الحديدية الكبيرة لأصطيادها.
اشتهر ابو علي قاسم خطار باصطياد النيص والغزلان النادرة من الوعر والاحراش وذلك باستعمال العصي واستخدام الكلاب. للنيص ريش مُدبّب االراس يبلغ طول الواحدة المستديرة ثلاثين سنتمترا، وهي مخططة بالوان سوداء وبنية وبيضاء. كانت النسوة تستعملنها في صناعة الأطباق والسلال مع قش القمح المصبوغ بعدة ألوان. كان يصطاد كذلك الافاعي السّامة، كان يسلخ جلدها ويقطع منها شبرا ما بعد رأسها ثم يقلي لحمها.
البنية المعمارية
من المقدسات الإسلامية
"جامع الحمولة" بني في حارة الحمولة في اواسط القرن الثامن عشر .
"مزار الشيخ مجاهد" الذي يقع على جبل المجاهد اعلى القرية .
"الجامع الجديد" الذي بُني في زمن عبدالله باشا والي عكا حوالي سنة 1840. وقد بني بنفس فتره بناء جامع الجزار وله نفس الطريقة الهندسية
"الزاوية الشاذلية" بناها الشيخ علي اليشطري وبقيت تخدم اغراض الطريقة الشاذلية، وكانت محط الزوار الداخلين في ترشيحا وهي اول زاويه بنيت في فلسطين.
من المقدسات المسيحية
"كنيسة الروم الكاثوليك" التي بنيت قرابة سنة 1865 وهي من اكبر الكنائس في الجليل مساحة وعمارة.
"كنيسة الروم الاورثوذكس" اقيمت بديلاً للكنيسة القديمة، ابتدأ بنائها عام 1905 وانتهى عام 1913. حيث عقد قداس المزايحة من الكنيسه القديمة الى الجديدة.
"كنيسة الروم الاورثوذكس" القديمة (غير صالحة للاستعمال) يرجع تاريخها إلى ما قبل 550 عام.
السكان
التعداد السكاني، فقد كان عدد القاطنين في ترشيحا عام 1922 نحو 1880 نسمة، ووصل سنة 1948 إلى 5700 نسمة، وهو أكبر من عدد سكان البلدة اليوم البالغ 4500 نسمة.
سكانها من المسلمين والمسيحيين
عائلات القرية وعشائرها
عائلات و عشائر قرية ترشيحا
- عائلة يوسف
- عائلة معتصم
- عائلة منصورة
- الجشي
- البدوي
-عائلة دقاق أو الدقاق
- عائلة الفوط
- عائلة طرطير
- عائلة كاحلي
- عائلة غرغوزي
- عائلة فندي
- عائلة رافع
- عائلة صباغ
- عائلة صبحية
- عائلة صفية
- عائلة عبليني
- عائلة عرعرة
- عائلة عركة
- عائلة هود
- عائلة خير
- عائلة حسنة
- عائلة حنينو
- عائلة الخليلي
- عائلة قبلاوي
- عائلة شطارة
- عائلة سوداح
- عائلة ابو حميدة
عائلة سرحان
أوردت شبكة بيت الذاكرة الفلسطينية ذكرا لعائلات ترشيحا وما تفرع منها ولم يتسنى لنا التاكد منها فنذكرها هنا كما جاءت وننتظر من العارفين من ابناء القرية والمختصين تاكيد ذلك:
ا
عائلات الاغا
عائلات القبلاوي
عائلات المعتصم
عائلات القاضي
عائلات شريح
عائلاتالجشي
عائلات سرحان
عائلات الهواري
عائلات سمارة
عائلات مصطفى
عائلات قدورة
عائلات درويش
عائلات خير
عائلات فاعور
عائلات ابو هاشم
عائلات ابو حميدة
عائلات رافع
عائلات حيدر
عائلات الصالح
عائلات دغيم
عائلات الشولي
عائلات حميدة
عائلات (يوسف -يوسف احمد – قاسم )
عائلات السباعي
عائلات السعدي
عائلات عكاشة
عائلات فتح الله
عائلات الدربي
عائلات عبد الحليم
عائلات ابو خريبة
عائلات صبحية
عائلات حليمة
عائلات ارشيد
عائلات خورشيد
عائلات الشناتي
عائلات ملحم
عائلات عبد الرزاق نجيب
عائلات (صالح – صالح حسنة )
عائلات سوداح
عائلات الفوط
عائلات جمعة
عائلات عرار
عائلات الناصر
عائلات عبد الحميد اسعد
عائلات حمود
عائلات حمدان
عائلات (علي ليلى على حسن )
عائلة احمد عيدة
عائلة عبد ربه
عائلة البدوي
عائلة حسن بدوي
عائلة ابو يوسف
عائلة الخليلي
عائلة الحفيظ
عائلة الشيخ هود
عائلة على العيساوي
عائلة ابو دورية
عائلة العلماني
عائلات ابو طه – العقلى ابو طه
عائلة البيك
عائلة الكبه
عائلة الدوغمان
عائلة ابو طاقة
عائلات ابو حسان
عائلات الحاج محمود العمر
عائلة الشيخ صالح الخطيب المؤذن
عائلات الامين
عائلة الشيخ يوسف
عائلة يوسف الشيخ احمد
عائلة طه
عائلة الخطيب
عائلة حنينو
عائلة اسماعيل الحاج
عائلات الحايك
عائلة عبد الله عودة
عائلة احمد الشيخ علي الحكيم
عائلة علاء الدين
عائلة الداهودي
عائلة الشيخ عبد حسين
عائلة منصورة
عائلو المصري
عائلة حسين بدر
عائلة الصفدي
عائلة سليمان عبد الرحمن
عائلة عبد الرحمن
عائلة كامل بركات
عائلة خليل عثمان
عائلة كيوان
عائلة سمور
عائلة مصطفى عبيد
عائلة العبد
عائلة محمود الزرعي
عائلة عبد الهادي ناصر
عائلة الترشيحاني
عائلة الحانوتي
عائلة الريفي
عائلة احسان
عائلة عمر بوباح
عائلة حمادي
عائلة علوة
عائلة ربيع
عائلة احمد
عائلة محمود سعدية
عائلة على كرم رضوان
عائلة فراج
عائلة فانوس
عائلة ابو على الترشيحي
عائلة احمد اليونس
عائلة حمد الطه
عائلة امين النجاد
عائلة محمد سعد الطاهر
عائلة خليل عرعرة
عائلة حميد احمد موسى
عائلة صالح الدباجة وعائلة محمود الدباجة
عائلة الشتا
عائلة مرزوق
عائلة شاهين
عائلة حمزة
عائلة صفية
عائلة اسعد مراد
عائلة محمد الشيخ قاسم
عائلة فيصل خيرات
عائلة شطارة
عائلة حسن ندوة
عائلة حسن زعتر
عائلة رتغب مسعود
عائلة عركة
عائلةالشيخ احمد برهان المصري
عائلة يوسف العيسى ابو رجا
عائلة ابو غانم
عائلة مرشد سليمان
عائلة محمد الديرانية
عائلة احمد خديجة النعسان
عائلة توفيق ايوب
عائلة عبد الهادي ذياب
عائلة محمود موسى عبد الله واخوه
عائلات باقية في ترشيحا
كامل محمود الهواري
محمد شاكر الهواري
احمد شاكر الهواري
موسى عبدو الهواري
عبدو محمد شريح
محمد احمد ابو حسان
على دغيم
على ابو هاشم
منيب عبودة عبد القادر
عثمان يونس خورشيد
محمد شفيق قبلاوي
احمد شناتي
يوسف الدربي
الحافظ فراج واخوته
ابراهيم محمود البيك
حسن علي ابو حميدة واخوه وليد
عائلات كانت اقامتها في بيروت ولايو جد معلومات عنهم
اولاد فارس سرحان
احمد نايف سرحان
توفيق عاطف سرحان
علي عاطف سرحان
محمد كامل السعيد
محمود احمد اغا
منيب فهد شريح
جمال حاج حميد
احمد اعا
محمود كمال محي الدين
محمود درويش
شاكر شريح في الارجنتين
التعليم
كان الإقبال على التعليم في ترشيحا شديداً، إذ وصل عدد طلاب المدرسة سنة 1937 إلى 350 طالباً، وبلغت نسبة الذين يقرؤون ويكتبون من الرجال إلى أكثر من 70% في نهاية الثلاثينيات.
أما بالنسبة للتعليم فقد كان اعلى صف في مدرسة ترشيحا للبنين عام 1944و 1945 هو الصف السابع الابتدائي وفي مدرسة البنات السادس الابتدائي.
وفي احد المصادر ذكِر بان "كامل القاضي" كان قد بدأ في التعليم المدرسي الحديث وكان مقر المدرسة الأول الذي اختاره في بيت "عبد الوهاب القاضي" ، الذي فجره اليهود بعد الاحتلال وقتلت جراء التفجير احدى مواطنات القرية من حجر طار نتيجه التفجير، وعندما اعتلى كامل القاضي رئيساً للبلدة، بادر ببناء المدرسة الحديثة والمعروفة لنا اليوم ببناية المركز الجماهيري. وبدأت الدراسة الرسمية فيها عام 1924، وقد بلغ عدد الصفوف في البداية سبعة صفوف، ثم الحق الصف الأول الثانوي سنة 1946. وكانت المرحلة الثانوية بعد الصف السابع وتضم أربعة صفوف يتخرج الطالب منها بشهادة "الماتركس" وكانت في المدن الكبيرة فقط.
في نهاية الثلاثينات اصبح عدد الذين يقرؤون ويكتبون اكثر من %70 من الرجال. أما مدرسة البنات فقد بدأت في نهاية العشرينات وكان عدد الصفوف فيها ثلاثة ثم زاد الى خمسة في نهاية الثلاثينات.
أول معلمة من ترشيحا كانت "عليا علي ابو حميدة" والتي درست في معهد المعلمات في رام الله. اما المعلمون الأوائل من ترشيحا في المدرسة الحديثة وأولهم وهو مؤسسها كامل القاضي بالإضافة لعبد الوهاب القاضي، عبد الله عودة، خالد شكري القاضي، فوزي محمد، حنا بشارة، يوسف مغيزل، كرم حبيب خوري وجورج فاخوري.
أما من ناحية كان أعلى صف في مدرسة ترشيحا للبنين عام 1945 هو السابع الإبتدائي، فيما كان السادس الإبتدائي هو الأعلى في مدرسة البنات.
التاريخ النضالي والفدائيون
كان نصيب ترشيحا من جيش الإنقاذ العربي هو فوج "أجنادين" والسرية اليمنيّة وفصيل مدفعية 105 ملم. وأنيطت قيادة هذه المنطقة بالمقدم مهدي صالح، آمر فوج "أجنادين"، الذي سلم له أيضاً مسؤولية الدفاع عن منطقة مجد الكروم والبروة.
وصلت الكتيبة إلى ترشيحا في 18 كانون الثاني/يناير عام 1948، وتمركزت حول التلال المحيطة بالقرية، وشاركت الكتيبة مع أهالي القرية في معركة "جدين" في 20 كانون الثاني/يناير 1948، ومعركة "الكابري" في 28 آذار/مارس 1948 إلى جانب معركة "تين أو شريتح" في 11 حزيران/يونيو من العام نفسه.
في أواخر أيلول/سبتمبر عام 1948، كان الجزء الأكبر من شمال فلسطين قد احتل من قبل العصابات الصهيونية، ولم يبق إلا جيباً مقاوماً وحيداً: الجليل الأعلى.
مع بداية الشهر التالي، شرعت قيادة العصابات الصهيونية بوضع خطط للتخلص من "مصدر الإزعاج" هذا، لتكتمل بذلك خطة للسيطرة على الجليل الأعلى وتثبيت خط عسكري على طول الحدود الشمالية، وعرفت بـ "عملية حيرام"، بتوجيه وقيادة الإرهابي موشيه كرمل.
وفي تفاصيل الخطة، تقوم وحدات اللواء "جولاني" بهجوم تضليلي على قوات جيش الإنقاذ في الجنوب والجنوب الغربي لجذب انتباهها هناك، بينما تقوم القوة الرئيسية المُشكَّلة من اللواء السابع بكتائبه الثلاثة وسرية الشركسي واللواء "عوديد" بالإطباق على قوات جيش الإنقاذ بشكل "حركة كماشة".
وضمن هذه العملية، ارتكبت العصابات الصهيونية مجازر فظيعة في قرى فلسطينية ولبنانية، في الصفصاف، وسعسع، والبعنة، ونحف، ودير الأسد وعيلبون، والمالكية، وصلحة، وحولا.. وترشيحا.
الهجوم الكبير وسقوط آخر معقل مقاوم
كان حقد الصهاينة على ترشيحا كبيراً، كيف لا، وقد فعلت ما فعلت من المعارك.
بعد ظهر يوم الخميس، الواقع في 28 تشرين الأول/أكتوبر عام 1948، حلقت الطائرات الصهيونية، بقيادة الإرهابي إيبي ناتان، في الجهة الشمالية الغربية للقرية، ظن الأهالي أن طائرات سورية أتت دعماً لهم، إلى أن ألقت تلك الطائرات المُهاجِمة قنابلها قرب مركز السرية ومرابص المدفعية، وبعد ساعة بدأت قذائف المدفعية تسقط على ترشيحا.
كانت المدفعية تطلق من خمسة مواقع: جدين وتين أبو شريتح ومن مستعمرة "جليل" ومن تل الوقية ومن البحر، وقدّر مجموع القذائف في تلك الساعة بنحو خمسين قذيفة.
استمر القصف طوال الليل، وكان رد جيش الإنقاذ هزيلاً لدرجة أنه أطلق عشرين قذيفة دون توجيه، لتسقط كلها في مناطق بعيدة عن وجود المهاجمين الصهاينة.
في اليوم التالي، وعند الخامسة صباحاً تقريباً، ألقت ثلاث طائرات قادمة من شمال البلدة براميلها المتفجرة على القرية، حاول الأهالي ببنادقهم المتواضعة إطلاق الرصاص على الطائرات، ولكن دون جدوى.
كان وقع الدماء والدمار المهول كبيراً على أهالي القرية الذين شرعوا بالتوجه شمالاً عبر وادي المسقي إلى دير القاسي وفسوطة، ثم عبروا الحدود وتجمعوا على بركة بنت جبيل، ونقلوا بعدها إلى البص في صور، وحمّلوا بالقطارات وتم توزيعهم في مخيم برج البراجنة بالعاصمة بيروت، ومخيم النيرب في حلب، وقسم منهم في حمص وحماة ودمشق.
لم يدخل المحتلون القرية إلا بعد ثلاثة أيام من رحيل أهلها والمقاتلين فيها – كانت السرية اليمنيّة آخر وحدات جيش الإنقاذ خروجاً من ترشيحا – وكان الصهاينة لا يدخلون بيتاً إلا قذفوا داخله عشرات الطلقات خوفاً من وجود المقاومين.
ترشيحا عام النكبة
بدء الحرب ودور اهل ترشيحا وجيش الانقاذ:
بعد صدور قرار التقسيم من الجمعية العامة لهيئة الامم المتحدة ورفض الهيئه العربية العليا والقيادة الفلسطينية به، بدأت المناوشات بين العرب واليهود وتطورت الى حرب حقيقية حيث كان الشعب الفلسطيني اعزل من السلاح لأن الحكومة البريطانية فرضت قانونًا يقضي بأعدام من لديه قطعة سلاح من العرب في حين تكوّن الجيش لدى اليهود الذي دُرّب وأعطي كل انواع السلاح حتى الطائرة والدبابة والمدفع.
استيقظ الشعب الفلسطيني واخذ يبحث عن السلاح، وتدفق السلاح من سورية ولبنان يباع للشعب الفلسطيني والذي كان من مخلّفات الحرب العالمية الأولى والثانية. جاء السلاح ولا خبرة باستعماله ولا تدريب عسكري إنما العمل كان فطريا إلى أن تطوّر الأمر فيما بعد حيث جمّعت الخبرات العسكرية من رجال بوليس وبوليس اضافي ومن كان في قوة الحدود في مجموعة قوامها مائة رجل سميت سرية ترشيحا وكان على رأسها الوكيل ضابط سابقاً في الجيش البريطاني "محمد كمال السعيد".
جيش الانقاذ:
كان نصيب ترشيحا من جيش الانقاذ الذي شكلته جامعة الدول العربية هو فوج اجنادين والسرية اليمنيّة وفصيل مدفعية 105 ملم. وأنيطت قيادة هذه المنطقة بالمقدم "مهدي صالح" آمر فوج اجنادين الذي انيطت له ايضا منطقة مجد الكروم والبروة. وكان تحت امرته الضابط السوري "اديب الشيشكلي " قائد كتيبة اليرموك الثاني، وعدد افراد الكتيبة 330 جنديا وضابطاً.
كان وصول الكتيبة الى ترشيحا في 48/1/18 وبدأت الكتيبة بالتمركز حول التلال المحيطة بترشيحا ومسح المنطقة مسحاً طوبوغرافياً بالتعاون مع رجال ترشيحا ممن كان لهم سابقة في الحروب وخاصة ثورة 1936. وبعد ان تم المسح اتخِذ قرار بمهاجمة قلعة جدين.
المعارك التي جرت في ارض ترشيحا:
معركة جدين (48/1/20)، كانت اول معركة في منطقة ترشيحا وهي تبعد عن القرية 5 كم الى الجنوب الغربي. كانت المستعمرة محصنة باسلاك شائكة ملغمة، وقد جرى تفجير الالغام بربط الاسلاك بحبل وهزّ الحبل. انتصر المهاجمون وكان من بينهم من لا يحمل السلاح. ارتفعت الرايات البيضاء على المستعمرة ألا ان الحكومة البريطانية ارسلت قوات من جيشها لفك الحصار عن المستعمرة ولمنع سقوطها. وكي لا يخوض المهاجمون معركة مع الجيش البريطاني اعطيت اوامر للمهاجمين بالانسحاب ولكن المستعمرة بقيت محاصرة حتى ان اليهود كانوا يرسلون المؤن الى المستعمرة بالطائرات.
لقد شارك بالمعركة كتيبة اليرموك وسرية ترشيحا وجمع غير محدود العدد من رجال قرية ترشيحا. والروايات اليهودية تذكر ان عدد المهاجمين كان ما بين 400-500 مقاتل.
معركة الكابري :(1948/3/28) قيادة جيش الإنقاذ قررت قطع الإمدادات عن قلعة جدين بضرب قوافل الإمداد التي تأتيه، وتجمّع عدد كبير من المقاومين من ترشيحا والكابري والقرى المجاورة للكابري وقرروا مهاجمة القوافل التي تخرج من نهريا وكانت الاستعدادات لذلك بخطة تقضي بوضع سد من الحجارة في مكان متعرج ضيّق أمام القافلة. وفي 48/3/27 كانت القافلة من نهريا باتجاه قلعة جدين وما أن وصلت القافلة إلى السد حتى انهال عليها المقاتلون بالرصاص وكان السد بالقرب من بستان "أبوعلي توسيس" فلم تستطع القافلة التقدم ولا الرجوع إلى الخلف وذهل من في القافلة من يهود واستمرت المعركة كما ذكرت روايات اليهود عشر ساعات وكانت القافلة مجموعة من الباصات المصفحة تتقدمها مصفحة عسكرية، وطلب المقاتلون من اليهود الاستسلام فرفضوا وعندها قرروا إحراق الباصات وأشعلوا النيران فيها فاضطر اليهود للخروج منها فكانت بنادق المقاتلين تحاصرهم حتى آخرهم. قد حاولت فتاة يهودية التظاهر بالاستسلام ورفعت المنديل الأبيض وكانت تخفي تحته قنبلة يدوية قذفت بها المقاتلين فأخطأت الهدف وخلال لحظات كانت في عداد القتلى اليهود وقد قاد المعركة من غير الفلسطينيين من العرب "خليل كلاس"(سوري)، "وأميل جميعان" (أردني) وتعترف المصادر اليهودية بمقتل 46 من ركاب القافلة بمن فيهم قائد الكتيبة "بن عامي بحتر" ولم يستطع الانكليز إنقاذ القافلة لان كميناً آخر قد نصب على الطريق. لاحقاً اطلق اسم بن عامي على مستوطنة بجانب مستشفى نهاريا والتي اقيمت على انقاض بلدة ام الفرج.
معركة تين أبو شريتح: (11.6.1948)، بعد أن سقطت قرية الكابري بأيدي اليهود تقدم اليهود إلى تلة مزروعة بالتين وأشجار الزيتون وبنوا فيها استحكامات لهم وبالمقابل أقام المقاتلون وجيش الإنقاذ وأهالي ترشيحا تحصينات حول ترشيحا وكان أقواها في مكان قرب قرية معليا على الشارع الرئيسي الذي يربط ترشيحا بالكابري وعكا يقال له المطلّه. أراد اليهود اختراق دفاعات ترشيحا وتقدمت مصفّحاتهم على الشارع الرئيسي ولم يكن يدور في خلد اليهود ان العرب قد نزعوا الألغام التي زرعوها هم ووضعوها في طريقهم وعندما تقدم اليهود بالشارع انفجرت الألغام وتوقف الزحف اليهودي من الغرب حيث كان هذا المحور الأول للهجوم، أما المحور الثاني فكان من جهة الشفية وحقول زهير، وعلى طريق جعثون وقد كان هجوما صاعقاً من قبل اليهود لكنّ النجدات من أهل القرية والحماس أدى إلى معركة حامية بين الطرفين
قتل فيها قائد الحملة يعقوب برصاصة اخترقت عينه، ووضعت جثته على حمار وطافوا بها في شوارع القرية.
لاحقا سمّيت مستعمرة "عين يعقوب" على اسم قائد الحملة، واطلق على المعركة اسم معركة "ديكل".
هجوم معاكس: بعد أيام قليلة من انتهاء معركة تين أبو شريتح نادى المقدم مهدي صالح الثاني أهل القرية إلى هجوم على استحكامات اليهود قائلا: "اليوم يا رجال ترشيحا الهجوم حتى عكا" فتحمس أهل البلد وسار مقاتلوا البلدة رجالاً ونساء كلٌ له دوره، وقد فوجئ اليهود في هذا الهجوم غير المتوقع لأنهم كانوا قد خففوا الحراسات في الخطوط الأمامية، استمرت المعركة حامية واندحر اليهود ولأمر لا نعرفه توقفت مدافع الميدان عن الضرب وانسحب المقاتلون وجاءت النجدات بالمصفحات لليهود، واستشهد في هذه المعركة من أبناء البلد احمد حمودي ورشدي جمعه.
معركة التل الأحمر: إلى الغرب من معليا يقع مرتفع يشرف على استحكامات اليهود في تين أبو شريتح، يرابط فيه اليمنيون وهو سرية كاملة تتولى التمركز في هذا التل، لم يختلطوا في جهادهم بأي من رجال جيش الإنقاذ أو مجاهدي بلدة ترشيحا، تضايق اليهود منهم فقرروا مهاجمتهم في الليل، كمن اليمنيون لهم حتى ما إذا أصبح اليهود على بعد أمتار منهم هجموا عليهم وقاتلوهم.
الهجوم الكبير لليهود وسقوط البلدة:
ترشيحا كانت مصدر رعب وقد فعلت ما فعلت من المعارك، فكان الحقد عليها يملأ القلوب. اعترف اليهود في تقاريرهم العسكرية عن متانة التحصينات في ترشيحا واستبسال أهل البلدة وجيش الإنقاذ المدافعين عنها وقد سمى اليهود عملية احتلال ترشيحا والجزء الباقي من لواء الجليل الغربي بعملية "حيرام"، وكما تذكر مصادرهم اعدوا للهجوم تحت قيادة اللواء "شيفع" كتيبة مدرّعة وكتيبتي مشاه وسرية من الشركس لواء "عوديد" وضمنه أيضا سريّة دروز جزء من لواء "غولاني" وجزء من لواء "كرميلي" هذه الألوية كلِفت تنفيذ العملية.
والذي لم يذكره اليهود انه كانت هنالك بارجة راجمة الغام بريطانية وقفت قبالة نهاريا تصب حمولها على ترشيحا وقد كشف امر هذه البارجه في احدى اللقاءات السياسيه التي كانت تتم بين السفراء وأركان الحكم البناني عندما قال الامير مجيد ارسلان: "ألم ترجم راجمة الالغام البريطانية ترشيحا بالالغام؟؟" فسكت السفير البريطاني.
أيضا استعملت طائرات من صنع بريطاني ذات المحركات الأربع الضخمة والتي ألقت ببراميل سعة 200 لتر وهي معبأة بالديناميت وقطع الحديد التي دمّرت قسماً كبيرا من ترشيحا.
بعد ظهر يوم الخميس 48/10/28، أقبلت الطائرات من الجهة الشمالية الغربية وحلّقت فوق ترشيحا وظن الناس أنها طائرات سورية قادمة لمواجهة العدو لأنها قبل أسبوع كانت قد هاجمت نهاريا، ولكنها لم تكن كذلك فقد ألقت القنابل قرب مركز السرية ومرابص المدفعية، وبعد ساعة بدأت قذائف المدفعية تسقط على ترشيحا. كانت مدفعية العدو تطلق من خمسة مواقع، من جدين وتين أبو شريتح ومن مستعمرة جليل ومن تل الوقيه ومن البحر. وقد قدّر مجموع القذائف في الساعة بحدود خمسين قذيفة واستمر القصف طوال الليل وأما مدفعية جيش الإنقاذ أطلقت حوالي عشرين قذيفة دون توجيه وكانت تسقط بعيدة عن مراكز العدو.
اما في اليوم 48/10/29 صباحاً حوالي الساعة الخامسة شوهدت ثلاث طائرات قادمة من شمال البلدة وإذ بها تقذف حملها على البلدة، أسقطت أول برميل في كرم زيتون أبو رأسين والقنبلة الثانية ألقيت في حاكورة "الرغب"، وألقت الطائرة برميلها الثالث في (مركز النقطة) مركز بوليس ترشيحا القديم والعائد ملكيته للمختار شفيق المحمود، والبرميل الرابع القي على دار العبد عمر والبرميل الخامس وقع على زقاق دار حيدر والبرميل السادس وقع في بيوت دار الهواري.
لقد أطلق أهل البلدة الرصاص على الطائرة ولكن رصاصهم من بنادقهم الخفيفة لم يؤثر بها. وللتاريخ نقول إن ترشيحا صمدت وكانت آخر بلدة سقطت في فلسطين كلها والفضل بذلك يعود إلى صمود أهلها صموداً يسجله التاريخ لهم ولكن الدمار الهائل الذي أحدثه القصف جعل أهل البلدة يرحلون، فبدأ الرحيل بعد الغارة. واخذ الكل يجمع ما استطاع وتوجه الناس شمالا عبر وادي المسقي إلى دير القاسي وفسوطة ثم عبروا الحدود وتجمعوا على بركة بنت جبيل ثم نقلوا إلى (البص) في صور وحمّلوا بالقطارات وتم توزيعهم في برج البراجنه قرب بيروت وفي حمص وحماه وقسم منهم في مدينة حلب كما توجه قسم إلى دمشق.
إن سقوط ترشيحا بأيدي اليهود في 48/10/30 كسقوط سواها من المدن والبلدان الفلسطينية ولكن ترشيحا كانت أخر حصن اقتحمه اليهود. حيث رفض أهلها الذل والاستسلام عن طريق المفاوضات، فقد أرسل اليهود رسالة إلى "سليم مصطفى" زعيم البلدة مع راعي من بيت علاء الدين، تضمنت الرسالة دعوة أهل ترشيحا إلى البقاء في بلدتهم بشرط أن يخرجوا جيش الإنقاذ أو يرفضوا التعاون معه، جمع سليم مصطفى رجال البلدة في مقهى "المختار شفيق" في حارة البياعين وقال لأحدهم أن يقرأ الرسالة على أهالي البلدة وسألهم الرأي فكان رأي أهل البلدة رفض التعاون مع اليهود والاستمرار في القتال، وكان لسليم مصطفى رأي أخر لأنه أدرك إن المعركة خاسرة مع اليهود فقرر الرحيل إلى برج البراجنة.
دخول اليهود للقرية كان في 30.10.1948 ولم يدخلوا إلى البلدة إلا بعد ثلاثة أيام من رحيل أهلها والمقاتلين فيها وكانوا لا يدخلون بيتا إلا قذفوا بداخله عشرات الطلقات خشية أن يكون في البيت مقاتلون. أما السرية اليمنية فقد غادرت ترشيحا وكانت آخر وحدات جيش الإنقاذ خروجاً من ترشيحا بعد أن أعطت الأوامر بالإنسحاب من قيادة الجيش.
تاريخ القرية
ترشيحا قبل النكبة
على جبل المجاهد شمال فلسطين في الجليل الغربي، تقع قرية ترشيحا.
تبعد 16 كم عن شاطئ البحر المتوسط شرقاً، و25 كم عن الحدود اللبنانية جنوباً، و27 كم عن عكا.
ولارتفاعها نحو 600 متر عن سطح البحر، تتميز القرية بمناخ فريد.
تعتبر ترشيحا منطقة مواصلات هامة إذ تمر بها جميع الطرق الواصلة بين القرى المحيطة بها، ما جعلها مركزاً للكثير من الأعمال والخدمات، وخصوصاً "سوق البلد"، الذي كان يقام في شوارع البلدة القديمة والذي لا يزال يقام اليوم في شارع السوق في مدخل البلدة.
روايات أهل القرية
الحاج الثمانيني (أبوبسام) حميدة، الذي مازالت صور بيته وأرضه حاضرة في ذاكرته، لم تغب على مر السنين.
ويروي حميدة ذكرياته في قريته ترشيحا، قائلاً إن «ترشيحا كانت مركز الثوار، فرئيس الثوار اسمه أحمد علي إبراهيم، كان الثوار يسبقون الجيش الإنجليزي، ويخربون الشوارع التي يمر بها الإنجليز، وذات مرة أمسكوا بجندي إنجليزي، وجابوه إلى ترشيحا، كان اسمه جيمس، أمسكوه ورشقوه بالمياه».
ويضيف «كان الإنجليز عندما يحضرون إلى البلد تقول الناس (غيمت يا شباب)، ويختبئ الناس والثوار، ويخفون أسلحتهم».
وفيما يتعلق بالحياة اليومية في ترشيحا سابقاً، يقول «كل يوم خميس كانت بترشيحا سوق كبيرة يقبل عليها سكان من بنت جبيل والقرى المجاورة لها في جنوب لبنان، ويتسوقون فيها، كما كانوا يأتون من الأردن لبيع الدواب والجمال والحبوب والأقمشة وغيرها».
ويضيف «أما الأفراح الإسلامية فما كانت تختلف عن المسيحية، كلها (دربكة وزقفة)، وكان الفرق الوحيد كنيسة وشيخاً، وكانوا يجلسون مجموعة واحدة قبل العرس، يعجنون ويخبزون، وكل البلد تشارك بعضها بعضاً، وكانت النساء تردد الأغاني التراثية، مثل أم جورج، وأم موسى صبحي، التي كانت تدق العود وتغني، ولما تحضر يقولون (إجت لميا)».
ويتابع حميدة قوله «كانت سيدة اسمها (أم مصباح) تقف خلف العريس وتغني له، وكان الرجال يمشون أمامه، وكانت الأغاني تختلف من بلد إلى آخر، فمثلاً في ترشيحا يغنون: ترشيحا يا ركن الجبل ومزينة برجالها واللي يحاربنا نحاربه وبالسيف نقطع شاربه».
الحاج حميدة ليس وحده من لم تخنه ذاكرته، فقد التقت «الإمارات اليوم» بالمسن أبوزكي الهواري، وهو من السكان الأصليين لترشيحا، حيث يروي لنا ذكرياته فيها قائلاً: «كان يوجد مقهى لـ(الختيارية)، مثل مقهى أبوشريف، وكل فلسطيني يبلغ عمره 60 عاماً يتقاعد ويتردد على هذا المقهى، وكان يوجد أيضاً مقهى علي حمود، الذي يقع في أسفل كراج منزلنا».
ويضيف: «كنت أذهب أنا مع جدي إلى القهوة، ويوجد راديو كبير في البوفيه، والناس يجلسون يسمعون الأخبار أيام الحرب العالمية الثانية، حيث كنا نسمع أخباراً من برلين، وكان اسم المذيع يونس البحري، وفي سنة 1946- 1947 كانت محطة لفلسطين تذيع من رام الله».
حلم العودة
أما الحاج رشيد شريح، الذي يبلغ من العمر 98 عاماً، فمازال يحلم بالعودة إلى قريته الأصلية ترشيحا، على الرغم من أنه يعيش في مخيمات اللجوء في لبنان، أما بقية أفراد عائلته فيعيشون مشتتين داخل فلسطين، وكان قد هجّر من قريته في النكبة المشؤومة عام 1948، وعلى الرغم من تقدمه في السن، إلا أنه يحلم بالعودة إلى قريته ووطنه.
ويقول الحاج شريح: «صمدت ترشيحا أمام العصابات الصهيونية حتى شهر أكتوبر من عام 1948، عندها وبسبب الدفاع المستميت عن القرية من قبل المقاومين، قام الصهاينة بقصف القرية بالطائرات، الأمر الذي أدى إلى سقوط عدد كبير من الشهداء، وبدأت رحلة التشريد والتهجير من فلسطين إلى سورية».
وعن الحياة في مخيم الشتات يقول، إن «حياتنا أمر من الصبر، عشنا في المخيم عند وصولنا إلى لبنان في ازدحام شديد، حيث كنا 16 عائلة في (براكس) واحد، وتحملنا ذلك كله بهدف تنشئة أطفالنا على محبة فلسطين، والتمسك بها، والنضال من أجلها، فكان الجيل الذي نشأ أكثر منا حباً لفلسطين، وأكثر وطنية، فاليوم توفي معظم كبار السن الذين عاشوا في فلسطين، ولم تبق إلا الأجيال اللاحقة».
ويتابع الفلسطيني المهجر قوله: «ليت هناك مجال للعودة إلى فلسطين، فالناس التي ولدت في المخيم تتوق شوقاً إلى العودة، وتموت في سبيلها، فما بالك بنا نحن الذين ولدنا فيها، وعشنا شبابنا فيها بكرامتنا وعزتنا، وفي بيوتنا وعلى أرضنا، لكن هذا الأمر محسوم من عند الله عز وجل، ولا نملك إلا أن نتمنى أن يكون ذلك في الوقت الذي نعيش فيه، وليس في الجيل الذي يلينا والذي لن نعيشه
حكايات ترشيحا - عروس الجليل
في ذلك المساء البارد من كل عام يحيي ابناء وبنات ترشيحا ذكرى سقوط عروسهم، ذكرى دموع لم تنبض بعد، انه الحنين يضيء سماء القرية ومسيرة مشاعلٍ تنير درب النجوم، انه "يوم ترشيحا"، صرخة دامية من رحم الارض... تناجي الحرية وعودة الحق، صرخة الزيتون وغارسه وابتسامة اطفال تلهو فوق راحتيها...
على انغام مسيرة ابناءك واشواق عيونك في المهجر اكتب ترشيحا، عروسٌ باقية فينا ما دامت الشمس تعبر في السماء.
ترشيحا "عروس الجليل"
هنالك عدة روايات تروى حول اسم القرية، احداها تعود الى "شيحا جمال الدين" قائد عربي مسلم كان في جيش صلاح الدين، عندما قتل طار رأسه من اعلى جبل المجاهد وهبط حيث تقوم ترشيحا فقال الناس "طار شيحا".
تقع قرية ترشيحا على جبل المجاهد شمال فلسطين في الجليل وتحديداً في قسم الجليل الغربي، تبعد 16 كم عن شاطئ البحر المتوسط شرقاً، و25 كم عن الحدود اللبنانية جنوباً، و27 كم عن عكا باتجاه شمال شرق.
عن عروسه حدثني صفوة عوده (1931):
"كان عدد سكان ترشيحا قبل سنة 1948 حوالي 4000 نسمة، لما سقطت الكابري ونزحوا عن الغابسية وام الفرج والنهر وأجو لهون صار عدد سكانها حوالي 5000 نسمة.
ترشيحا اداريا تتبع لقضاء عكا وفيها قائمقام كان اسمه بدر بك فاهوم هو اللي مضى على هويتي بالأنجليزية سنة 1946.
ترشيحا كانت مركز تجاري هام، وخاصة انها واقعة بين عكا وصفد. وبما انها كانت مركز الجليل سموها "عروس الجليل". كانت مركز الصنايعيين، النجارين، الحدادين والميكانيكيين.
كان اللي بدو يصلح بريموس يجي على ترشيحا واللي بدو يصلح لوكس يجي على ترشيحا.
كل يوم خميس كان بترشيحا سوق كبير ييجوا عليه من بنت جبيل والقرى اللي جنبها ويتسوقوا فيه. كانوا ييجوا من الأردن لبيع الدواب والجمال والحبوب والأقمشة وغيرها."
الحياه المدرسية
كان الإقبال على التعليم في ترشيحا شديداً اذ كان عدد طلاب المدرسة سنة 1937، 350 طالباً. الصف الأول كان يضم اكثر من 60 طالباً وعدد طلاب الصف السابع اكثر من 40 طالباً.
في نهاية الثلاثينات اصبح عدد الذين يقرؤون ويكتبون اكثر من %70 من الرجال. أما مدرسة البنات فقد بدأت في نهاية العشرينات وكان عدد الصفوف فيها ثلاثة ثم زاد الى خمسة في نهاية الثلاثينات.
من ذكريات المدرسة روت لنا غوسطه دكور (1930):
"كان في مديرة أسمها نصرة، وفي عبلة عزّام من عكّا، ومعلمة أسمها منوّر، يعني كان في عنّا تقريبا 5 معلمات.. أوّل معلمة طلعت بترشيحا هي بنت علي أبو حميدي، اسمها عليا، ولما تخرجت عملوا إحتفال كبير.. بس كان في معلمين أغراب، مثل كرم حبيب من الرامّه معلّم الانكليزي والاستاذ إسكندر من الخليل اللي سكن في البلد لأنّه ما كان معه سيّاره. كل معلم كانوا ينقلوه من ترشيحا كان يبكي من قد ما كان مبسوط، أنا درست لصف سادس ابتدائي، لو كان على زماننا تعليم كنّا تعلّمنا.. كنت دايما أنا وبنت اسمها رسميّة أبو خريبي نحارب على الأولى في الصف، وآخر شهادة أخذتها كنت الأولى وكانت المعلمة تمدحني وتكتبلي ذكيّة ومفكّرة أهنّئكِ.."
دور نساء القرية في الانتاج والزراعة
عن هذا حدثتني غوسطه دكور:
"كانت النساوين تروح على الوعور، وكنت ألحق أمي وأنا صغيرة، هيّي تحطّب وأنا أجمع الحطب، نسوان الاسلام كانوا يجيبو الحطب على الحمير.. بس المسيحيات ما كان عندهم حمير... كل شغلنا كان على الحطب، خبز، تسخين مي، طبيخ، لا كان غاز ولا إشي.
قبل ال48 كنت من الصبح أقوم أطلع على كرم التين حتى أجيب سلّة تين لأبوي، كان يوكل تين قبل ما يطلع على الشغل، بتذكر كان يفيّقني ويقولّي يللا يابا، بعرفني أنا نشيطه.. ما تصير الساعة ستة إللا أنا جايبي تين... بعدين ابدأ أعجن وأخبز، كان عمري حولي 15 سنه... اولاد أخوي كانوا صغار، وانا كنت مسؤوله عنهم."
اما المعلمة وفية ابو حسان (1928) حدثتني فقالت:
"أنا كنت أشتغل بالزراعه، كانت كل عيلة تنزل وتزرع دخّان وتعشّب وتحوّش صبر وتين وبندوره وخيار، أمّا النسوان الحبالى ما كانوا ينزلو، من زمان ما كان في مستشفيات كان في ثلاث دايات: أم أحمد البدوي وأم عبدو الشريح وأم صعد الله.. وكل داية إلها العائلات اللي تخلّفها.
بالنسبة للعناية بالاطفال الصغار، الشغل كان يتقسم بين الحماه والام.. يعني اذا كانت الحماة قويّة بتروح تشتغل بالارض، وإذا مش قويّة، تقعد بالبيت وتدير بالها على الاولاد لحد ما امهم ترجع من الارض..بس اللي ما في عندها حماه كانت تاخذ ابنها معها على الأرض، يحطّو اكياس على الارض تحت الشجرة وينام. النسوان كانت تشتغل وتزرع دخّان وخضرة وتساعد زوجها وتشتغل كمان بالبيت."
المقاهي
حدثني صفوة عوده وقال:
"كان في مقهى للختياريه مثل مقهى أبو شريف، يعني اللي يصير عمره 60 سنه يتقاعد ويروح على هذا المقهى. كان في كمان مقهى علي حمود تحتنا في الكراج وكانوا يجيبوا عليه وحده من نهاريا ترقص فيه وكانت الشباب تروح عليه. أنا كنت اروح مع سيدي على القهوه، وكان فيه راديو كبير زي البوفيه يقعدوا الناس يسمعوا الأخبار ايام الحرب العالميه الثانية كنا نسمع اخبار من برلين، كان اسم المذيع يونس البحري، ما كان حدا يفهم عليه. بعدها يطفوا الراديو ويسمعوا لتفسير واحد اسمه فهد الشريح الشاعر وبعد ما يفهموا الأخبار يطلبوا الشاي والقهوه. وقتها كانت أخبار الشرق الأدنى وأخبار مصر وفي سنة 1946- 1947 كانت محطة لفلسطين تذيع من رام الله."
كوسا ليّا كوسا ليّا غيّروا اسمك عليّا
روت لي غوسطه دكور ضاحكة:
"بترشيحا كان في شركة باصات لنعيم مسعود، وهو كان شوفير.. وكان في كمان شوفير أسمه محمّد الدقّاق كان دمُّه خفيف، بتذكر مره كان سايق الباص من عكّا لنهريّا لترشيحا ولفسّوطة، كان معه واحد من فسّوطه، لما وصله على فسوطه صار الزلمه بدّو يعزموا على العشاء .. قاللو الشوفير بدّي أروّح صارت الدنيا ليل.. قاللو بدّي أطعميك أكله ما في أطيب منها أسمها كوسا لَيّا.. حطّو الاكلة على الطاولة واللا هي كبّة حيله مزقلطه بعدس.. قاللو شو هاي الاكلة، قاللوا ذوقها ما اطيبها بتحرق.. ومن فسّوطه لترشيحا وهو يقول: كوسا ليّا وكوسا ليّا غيّرو اسمك عليّا، وبترشيحا كبّة حيله وبفسّوطه كوسا ليّا.."
ترشيحا يا ركن الجبل ومزيّنة برجالها...
عن روعة العرس في ترشيحا حدثتني غوسطه دكور
"الاعراس المسلمه ما كانت تفرق عن الاعراس ألمسيحييه، كلهم دُربكّه وزقفة، بس كان الفرق الوحيد كنيسة وشيخ.. كانوا يقعدو جمعه قبل العرس، يعجنو ويخبزو، وكل البلد تشارك .. كان في نسوان صوتها حلو تصير تغني، مثل أم جورج وأم موسى صبحي اللي كانت تدق عود وتغنّي ولمّا تيجي يقولو إجت لميا.... عند الإسلام كانت وحدة يقولولها أم مصباح كانت تسحج وراء العريس وتغنّي.. كان الرجال يمشوا من قدّام والنسوان وراء. كانت الاغاني تختلف من بلد لبلد، مثلا بترشيحا يغنوا: ترشيحا يا ركن الجبل ومزيّنة برجالها واللي يحاربنا نحاربه وبالسيف نقطع شاربه."
عن الانتداب وثوره 1936
حدثني ميخائيل حداد (1926) قائلاً:
"بال 1936 كنا اولاد بالمدرسه، بتذكر النشيد الوطني اللي كنا نغنيه "بلاد العرب اوطاني، من الشام لبغدان، ومن نجد الى يمن الى مصر فتطوان"، وكنا بالمدرسة نطلع مظاهرات، مره تظاهرنا وين مركز البوليس ومره عند دائره القائمقام، هاي المظاهرات عملناها ضد وعد بلفور.
ترشيحا كانت مركز الثوار، رئيس الثوار اسمه احمد علي ابراهيم، كان الثوار يسبقوا للجيش الانجليزي ويخربوا الشوارع اللي يفوتو فيها الانجليز. مره مسكوا جندي انجليزي وجابوه على ترشيحا، كان اسمه جيمس، مسكوه ورموه بالمي."
وعن همجية الانتداب حدثتني غوسطه دكور :
"كان الانجليز لما ييجو على البلد تصير الناس تقول "غيّمت يا شباب"، وتصير الناس والثوار تتخبّا، واللي عنده برودي يخبّيها.
الانجليز كانوا يأمروا كل الرجال تنزل على البركة تحت، وين الملعب اليوم بأوّل ترشيحا، هاي البركة نشّفتها إسرائيل. كانت الرجال تنزل تحت ويضلّوا هناك كل النهار، يمنعوهم يطلعو ويوكلو ويشربو... بتذكّر مرّة أبو سامي بشارة دعسوله على إيده وكسروله إيّاها وهنّي يدفشو عند البوّابة، عشان يسألوا إذا في ثوّار واللا لأ... كمان كانوا يدخلوا على البيوت ويصيروا يخربوا ويحرقوا ..
كنت اسمع واحنا صغار عن ناس كانوا يتهموها بالخيانة، كانوا يجيبوهم من عكا ومن حيفا على ترشيحا، ويحبسوهن بالدّبشه.. يحطّوهم بالبير ويصيروا ينزلولهم الأكل.. بتذكّر مرّه إتّهموا واحد أسمه ركاد الجشّي إنّو بدّو يبيع أرضه لليهود، وأخذوه وقتلوه.."
احتلال القرية
صباح يوم الخميس 48/10/28، حوالي الساعة الخامسة شوهدت ثلاث طائرات قادمة من شمال البلدة وإذ بها تقذف حملها على البلدة. لقد أطلق أهل البلدة الرصاص على الطائرة ولكن رصاصهم من بنادقهم الخفيفة لم يؤثر بها، وبعد ساعة بدأت قذائف المدفعية تسقط على ترشيحا. وقد قدّر مجموع القذائف في الساعة بحدود خمسين قذيفة.
عن احتلال القرية حدثتني غوسطه دكور:
"لمّا قصفوا ترشيحا، ضربوا على الجامع قنبلة ومات حوالي 18 واحد منهم...طلبوا من أبوي ييجي على الجامع عشان يدفن الجثث قبل ما تطلع الريحة، راح ابوي وكام واحد وصاروا يحفروا جوَر بالجامع ودفنوهم...
لما طلعنا من ترشيحا ما كنّا واعيين لإشي، لمّا صارت اول غاره على البلد على الساعة 5 الصبح، كنت أنا قايمه عشان أعجن شويّة عجين لحتى نوخذ خبز معنا، وأبوي قاعد بشرب قهوة... ما حسينا واللا فات عنا أبو محمود الهوّاري... يركض ويصيّح ويقول بيتنا راح.. طلعوا يشوفوا شو صار وأنا لحقتهم.. كان إله أخت اسمها فوزيّة كانت بصفّي... هيّ أوّل وحدة طلّعوها بس ما كانت محروقة، بس لمّا طلّعوا زوجه كامل وإبنه كانوا محروقين.. مات كثير ناس بهاي الغاره، حوالي 18... في بنت عمرها 13 سنة كانت حامل، نطّت من الشبّاك، وإجو لفّوها بحرام وحمّلوها..ما لحقوا يدفنوا كل الجثث لانه اجت كمان غارة وحطوهم بعقد... انا كتير شفت بهاي الحرب... فاطمة الهواري أكلت هوايتين وبالتنتين سلمت، أوّل ضربة إجت بظهرها وأخدوها على بنت جبيل وصحّت، وتاني ضربة كانت تحت الرّدم، كنا نسمعها تقول اللي عم بقيم الرّدم أنا تحت شوي شوي.
لما اجت الغارة الثانية احنا كنا عند مرج سحماتا، في ناس ماتت وهم بسحماتا وهم هربانين هناك كان في واد منشّف، ضربت الطيّارة هناك وتخبّينا تحت الزيتون، كان عمي يقلنا حطّوا الزيتون بفمكو(كان الزتون صار أسود) بتلاقوا ريقكم فايض وما بتعطشو... وضلينا ماشيين لحتى وصلنا عند أختي على البقيعه.. اليهود كانو يقصفوا عشوائي.. الناس كانت تموت عالطريق.. إخوتي هربوا على لبنان، الشباب كانت تروح على لبنان أكثر.."
احنا تحت الردم طلعونا... احنا تحت االردم طلعونا...
"بترشيحا ماتوا ناس"، حدثتني سعاد حداد، " لما قصفوا البيوت كانت النسوان تنادي احنا تحت الردم طلعونا... احنا تحت الردم طلعونا... لما الناس ماتت تحت الردم وما لاقت حدا يقيمها خافت الناس وطلعت.
الجرحى ولا حدا عالجها..اللي قدر يطلع وهو مجروح طلع.. اللي ماتوا تحت الردم كانوا يحكوا.. الطيارات صارت تضرب والناس خافت.. احنا ما شفنا اليهود الطيارات هي اللي هججتنا.
احنا هربنا بعد اول غاره على ترشيحا، لما قررنا نطلع كان عندي جهاز كبير، ومش عارفي شو بدي اخذ معي، بالاخر ما اخذنا اشي، اهم اشي نسلم بروحنا، امي عملتلنا اكل، اخذت معها كيس لبنه ومرطبان الجبنة حطته بكيس، واخذت زعتر وخبز، واحنا حملنا شراشف ومخدات، البلد كلها طلعت. لما طلعنا اللي كان يدير باله على الاطفال بس النسوان، الزلمي ما كان يعمل اشي، المرا تقوم بمهمة البيت اكثر من طاقتها، يوم بعد يوم تعجن وتخبز وتغسل على ايدها... تعبنا كتير."
العودة تسللاً
عندما دخل الجيش الإسرائيلي القرية في 30.10.1948 وجد فيها فقط حوالي خمسين شخصا من الشيوخ والعجائز جمعتهم الراهبة ماري لويس حداد التي كانت تقيم في ترشيحا في كنيسة الكاثوليك.
أما باقي السكان فقد نزحوا عن القرية لاجئين إلى لبنان وقسم منهم التجأ إلى القرى المجاورة، واخذ هؤلاء بعد أن هدأت حدّة الاحتلال بالعودة إلى بيوتهم تسللاً وكذلك أخذ بعض الذين ظلوا في منطقة الحدود اللبنانية بالتسلل عائدين إلى القرية تحت جنح الظلام حتى انه لم تنته سنة 1948 إلا وبلغ عدد السكان الذين عادوا إلى بيوتهم حوالي 700 نسمة من مسلمين ومسيحيين، ويقدّر عدد سكانها المهجرين اليوم نحو 60,000 نسمة.
عن العودة روت لي سعاد حداد (1931)
"ستي ام امي من الختياريه اللي بقيو بترشيحا، وكانت تيجي تحامي على بيت ابنها وبنتها، وحكت انه فاتت على البيت وشافت البيت مكسر.
في الي اخ اسمه صبحي وكان مثل النمر، كان عمره 10سنين، قال لإمي بدي اروح ع ترشيحا اشوف البيت، قالتله امي اسا بقتلوك اليهود، ما رد عليها وراح على البيت وشاف ستي، ولما رجع على البقيعه قال لامي ارجعوا ع ترشيحا.
اخوي صبحي قال لإمي بتقولك ستي ناس كتير رجعوا وقاعدين بالكنيسه، بعد شي شهر رجعنا... رجعنا تهريب... تسللنا بالعتمه لانه بالليل ما كان يكون يهود.. كل البلد تسللت بهاي الطريقه، واحد يقول للثاني وهيك رجعت الناس..."
ام ركاد تعيد شباب ترشيحا
روت لي غوسطه دكور:
"لمّا رجعنا من البقيعه على ترشيحا كانت البلد خربانه، كانت الجثث بعدها بالأرض والكلاب توكل فيهم.. البلد كانت فاضي مع إنّو كان في ختياريّه كثير اللي بقيوا بس ما كانوا يحكو معهم لأنّه بعرفو انه راح يموتوا عن قريب.
اخوتي على لبنان..هذا قبل ما يعملوا القسايم، وراحت خالتي مع واحده اسمها إم ركاد وجابتهم بليلة واحده، عملولهم تحقيق وبعدين اعطوهم القسايم.
هاي ام ركاد كانت تروح على لبنان تجيب رز وسكّر وعرق تهريب وعاشت من ورا هالشغلة، وكانت توخد مصاري وتروح تجيب الشباب من لبنان... كثير ناس كانت تموت من الألغام.. كانت النسوان هي اللي تطلع ع لبنان وتجيب الشباب، كانوا يروحو مشي من فسوطه لرميش.. ما كانو يبعتو الرجال لانه يخافو يقتلوهم..."
دخول الرومانية الى ترشيحا
في مارس\فبراير 1949 أحضرت السلطات الإسرائيلية عائلات من القادمين الجدد من رومانيا وأسكنتهم في بيوت ترشيحا الخالية التي هُجّرَ أهلها وتم تركيز العائلات العربية في منطقة واحد.
وعن هذا روت لي غوسطه دكور:
"أوّل ما فات الرومانية على البلد كانوا يطلّعو شخص من داره ويسكنو محله.
بحارتنا ما كان في رومانية بس بحارة الدكاوري طلّعوهم كلّهم وأعطوها للرومانيّه وحاصرو اهل البلد بمنطقه وحده، كان ممنوع نكون قراب على الرومانية.
دار فارس مصطفى عملوها مدرسة لليهود... لما طلعو اليهود باعوا دورهم، احنا اشترينا دار بحارة الدكاوري.. وكان الكنيس جنبنا، صاروا وقتها ييجو اليهود على بيتنا ويطلبوا منا نفوت نضوي ونطفي الكهرباء بالكنيس.. لانه أيام ألجمعه والسبت ممنوع يضووا الكهرباء.
الرومانية طلعوا من ترشيحا لمّا بنوا الهم المستوطنات، طبعا بنوا معلوت ومعونا على اراضينا، مثلا كرم التفاح وارض الزتون تبعنا بنوا عليه جزء من الموشاف. في ناس رجعت على بيوتها ولاقت الرومانيه ببيوتهم، مثلا دار معين... ضحكوا عليهم وقالولهم هاي البلاد فيها ذهب بس تعالوا..."
ان سقوط ترشيحا بأيدي اليهود في 48/10/30 كان كسقوط سواها من المدن والبلدان الفلسطينية، ولكن ترشيحا كانت أخر حصن اقتحمته الحركة الصهيونية، وللتاريخ نقول إن ترشيحا صمدت وكانت آخر بلدة سقطت في فلسطين والفضل بذلك يعود إلى صمود أهلها صموداً يسجله التاريخ لهم.
المرجع
موقع راخروت
أجرت المقابلات: رنين جريس
أسعد شاهين.. الحياة على حدّ السكين
أسماء عودة الله نشر بتاريخ 2019/01/03 باب الواد
“إحكيلي عن بلدي”؛ زاويتنا المصوّرة الجديدة على باب الواد، نروي فيها حكايا الناس والأمكنة وسيرة الأشياء في بلادنا فلسطين، في نصوصٍ قصيرةٍ مُعشّقة بالصورٍ، وبلغةٍ مُتقشّفةٍ. وأولُ نصوص هذه الزاوية نصٌّ لأسماء عودة الله تروي لنا فيه حكاية الحدّاد وصانع السكاكين أسعد شاهين، من ترشيحا.
“إحكيلي عن بلدي”؛ زاويتنا المصوّرة الجديدة على باب الواد، نروي فيها حكايا الناس والأمكنة وسيرة الأشياء في بلادنا فلسطين، في نصوصٍ قصيرةٍ مُعشّقةٍ بالصور، وبلغةٍ مُتقشّفةٍ. وأولُ نصوص هذه الزاوية نصُّ لأسماء عودة الله تروي لنا فيه حكاية “أبو عماد”، الحدّاد وصانع السكاكين أسعد شاهين، من قرية ترشيحا.
****
في حارة الحدّادين في بلدة ترشيحا*، لا يزال أسعد شاهين “أبو عماد”، من مواليد 1926، يصنع السكاكين بالطريقة التقليدية التي ورثها عن أبيه منذ سبعين عاماً. “هاي السكاكين من قرن الخروف، وهاد اللون نادر، هذا الشغل ما بتلاقيه، ما عاد حدا بشتغله”، يقول “أبو عماد”.
بفخرٍ ملحوظٍ، بدأ “أبو عماد” بعرض إنتاجه من السكاكين متعدّدة الأشكال والأحجام أمامي، شارحاً لنا أنَّ معظم زبائنه من الفلّاحين ورعاة “المِعزه”، وسارداً برنامجه اليومي: “بقوم الصبح الساعة 5، وبفطر على فنجان زيت زيتون مع شقفة خبز، والساعة سبعة بكون في المشغل”.
يروي “أبو عماد” أنّه عمل في نهايات الاستعمار البريطاني في فلسطين في “تجليس” سيارات الجيش الإنجليزي وتصليح “مقصّاتها” في مشاغل الصيانة البريطانية في معسكر “كردانة” البريطاني قرب عكا، مُشيراً إلى أنّ الإنجليز كانوا يرسلون العُمّال في هذه المشاغل إلى مشاغلَ مماثلةٍ في أثيوبيا. ويضيف أنّه حين حان موعد نقله مع الفرقة الثانية، وقعت “مناوشاتٌ” بين العمال العرب واليهود في تلك المشاغل وأُغلقت، وسُلِّمت لليهود فيما بعد.
” أنا تعذّبت كتير بالاحتلال الإسرائيلي”
بعد احتلال قرية ترشيحا على أيدي العصابات الصهيونية في النكبة عام 1948، يقول “أبو عماد”: “حيّدنا عن الحرب، ورُحِت على لبنان، لجأنا إلى بلدتي رميش وبنت جبيل الحدودية، ومنها إلى إقليم التفاح قضاء صيدا، ومكثنا في قرية الصالحية”.
في حديثه معنا، يمرّ أمام “أبو عماد” شريطُ ذكرياته الطويل، متذكّراً محاولات عودته إلى ترشيحا خلسةً في الليل، وكيف كان الجيش الصهيوني يلاحقهم عبر الحدود.
ويستذكر “أبو عماد”: “أقاموا محكمةً من هيئةٍ من الضباط في القرية للبحث عن الأسلحة، وكانت هناك فرقةٌ لقتل من يكذب ويخفي الأسلحة. حين نادى الضابط باسمي، وقال:
“يا مختار شو في عنده أسعد شاهين؟”
ردّ المختار: “في عنده بارودة طليانية وجفت خلع نمرة 12 بلجيكي”.
قال الضابط: “وين البارودة؟”، ردَّ المختار: “سلَّمها البارودة”.
“جفت الخلع وينه؟”
ويُكمل شاهين حكايته هذه بالقول: “كان قد فُرض علينا في تلك الفترة -قُبيل النكبة- أن يمتلكَ كلُّ شخصٍ بارودةً. وحين سألني الضابط عن “جفت الخلع”، أجبته أنه حين اندلعت الحرب ولجأنا إلى لبنان، مَرِض والدي، فقمت ببيعها مقابل مبلغٍ من المال. ثمّ أرسلوا برفقتي جندياً إلى البيت لإحضار ما أريد حمله معي قبل طردي من ترشيحا”.
“يالله، يَمّا قومي”
جلبتُ أمي وأختي التي لم تتجاوز الثالثة من العمر، وكانت الحافلات في انتظارنا في ساحة القرية، حيث تجمّع ما يُقارِب المائة فردٍ من القرية. وتمّ نقلنا إلى قرية اللجون التي كانت تحت سيطرة الجيش الأردني، ثمّ سلَّمها الأردن “لإسرائيل” لاحقاً، مستعيداً “أبو عماد” ذكرياتِ الرحيل القسري عن مسقط رأسه ترشيحا.
وصل شاهين خربةَ المنسيّ قضاء الناصرة، إذ كانت مدمَّرةً على يد عصابة “البالماخ”، عدا بيتٍ واحدٍ كبيرٍ بات فيه مع باقي أفراد قريته. ويضيف “أبو عماد”: “في صباح اليوم التالي، استكملنا رحلة لجوئِنا، حتى وصلنا طريق وادي عارة الواقع تحت سيطرة الجيش العراقي. وتمّ نقلنا في اليوم التالي إلى النادي الإسلامي في جنين، ومن ثمّ إلى مخيم بلاطة في نابلس. ما قدرت أتحمل عيشة المخيم… موت”.
في أوائل عام 1949، ذهب “أبو عماد” لمقابلة قائد الجيش العراقي في نابلس، وأخبره أنّه يريد الذهاب إلى لبنان من أجل جمع شمل العائلة، فقد كان والده لا يزال في لبنان، ولم يَعُدْ معهم.
“أصدر لي الضابط حينها “هويةً” وقال لي “الله معاك”. سافرتُ إلى الزرقاء في الأردن، حيث علمتُ بوجود لاجئين من ترشيحا، استضافتنا عائلةٌ من جيراننا من البقيعة. ومن الزرقاء، عدتُ إلى عمان، وقابلتُ القنصل اللبناني الذي كان ردّه: “معنا أوامر مُشدّدةٌ.. ممنوع أي واحد فلسطيني يفوت على لبنان”.
آنذاك، استطاع صديقه الحيفاويّ، زكي الجدع، التوسّط لـ”أبو عماد” عند المطران “ميخائيل عساف” في جبل اللويبدة، وكان مُقرَّباً من الحكومة الأردنية، فأصدر له بطاقةَ مغادرةٍ من خلال الصليب الأحمر. قطع أبو عماد الحدود السورية الأردنية عند بلدة الرمثا الحدودية، متوجِّهاً إلى درعا، ومنها إلى ساحة المرجة في دمشق، لينام ليلتين في فندقٍ اسمه “أوتيل الروضة”.
يُكمِل “أبو عماد” قائلاً: “طلعنا الساعة 8 الصبح من دمشق، وصلنا الساعة 8 المسا بيروت”، كانت ثلوج كانون تكسو جبال الشام، وتُغلق الطرقات الواصلة بين دمشق وبيروت.
ويروي “أبو عماد” كيف اضطرّوا إلى السفر شمالاً إلى حمص وحماة، والرجوع إلى بيروت، مروراً بطرابلس: “قضينا تلك الليلة في ساحة البرج التي تُسمَّى اليوم ساحة الشهداء، ونمنا في أوتيل الشرق الكبير”، مضيفاً: “في صباح اليوم التالي، انطلقنا إلى بلدة الصالحية في صيدا، حيث اجتمعنا بوالدي الذي كان يحسِبُنا في عداد الأموات… تنقّلتُ بعد ذلك في لبنان بين الصالحية وحي الأشرفية والمية ومية، لا شغل ولا مصاري، فقلت بدي أرجع على ترشيحا”.
“عدتُ إلى فلسطين سرّاً، مشياً على الأقدام في الوعر، كلّما شعرنا بتعقّب الجيش الصهيوني لنا، اختبأنا. وبعد ذلك، كفِلنا مطرانٌ من حيفا يُدعى حكيم بيطار. ولدى عودتنا إلى ترشيحا، منحتنا سلطة الحكم العسكري هوياتٍ حمراءَ اللون، وقالوا لي أنت غائبٌ حاضرٌ، قلت :
“شو غايب حاضر، فش غير الله غايب حاضر… وهَينا”…
****
*ترشيحا، أيّ جبلُ الشيح، والشيح نباتٌ شجريٌّ عطريٌّ. وقيل إنّ أصل الإسم “طارَ شيحا” نسبةً إلى “شيحا جمال الدين”؛ وهو قائدٌ في جيش صلاح الدين الأيوبي. حين استشهد، طارت رأسه من أعلى جبل المجاهد وهبطت، حيث تقوم ترشيحا، فقال الناس “طار شيحا”.
وترشيحا بلدةٌ جبليةٌ تقع في الشمال الشرقي من عكا على بعد 27 كم منها، بارتفاع 500 مترٍ عن سطح البحر. وتحدُّها قرى معليا وسحماتا. في الثورة العربية الكبرى (1936)، وقعت معركة ترشيحا في صباح التاسع من أيلول 1936، وأدّت إلى مقتل العشرات من الجنود الإنجليز، وتبعتها معركةٌ أخرى في كانون الأول 1937، إضافةً إلى عدّة عملياتٍ أخرى ضدّ مقار الجيش الإنجليزي في العام 1938.
احتلّ الصهاينة ترشيحا في 30 تشرين الأول 1948، بعد أن شكلت كابوساً للقوات الصهيونية خلال معارك النكبة في جدين والكابري وتين أبو شريتح، وأقام الصهاينة على أراضيها مستوطنات “معونا، معلوت، كفار فرديم، وعين يعقوب”. وشهدت ترشيحا واحدًة من أكثر العمليات الفدائية في شمال فلسطين بسالةً؛ وهي “عملية ترشحيا” في 15 أيار 1974 في الذكرى السادسة والعشرين للنكبة، والتي أدّت إلى مقتل 24 صهيونياً، تبعتها عمليةُ ترشيحا الثانية في العام 1979.
أعلام من القرية
من أعلام القرية
المعلمة عليا علي ابو حميدة خريجة معهد المعلمات في رام الله
كامل القاضي مؤسس مدرسة ترشيحا
عبد الوهاب القاضي معلم في القرية
عبد الله عود معلم في القرية
خالد شكري القاضي معلم في القرية
فوزي محمد، حنا بشارة معلم في القرية
يوسف مغيزل معلم في القرية
كرم حبيب خوري معلم في القرية
جورج فاخوري معلم في القرية
فهد شريح مختار القرية
القرية اليوم
ترشيحا بعد الاحتلال وإسكان القادمين الجدد فيها عندما دخل الجيش "الإسرائيلي" القرية في 30.10.1948 وجد فيها فقط حوالي خمسين شخصا من الشيوخ والعجائز جمعتهم الراهبة ماري لويس حداد التي كانت تقيم في ترشيحا في كنيسة الكاثوليك. أخذت القوات "الإسرائيلية" بتفتيش البيوت والإستيلاء على محتوياتها ونقلها إلى مخازن خاصة واستولت على ما كان الأهالي قد خزنوه من مؤن وحبوب وما كان لهم من أثاث ودخان. أما باقي السكان فقد نزحوا عن القرية لاجئين إلى لبنان وقسم منهم التجأ إلى القرى المجاورة مثل يانوح وكفرسميع والبقيعة وفسوطة، واخذ هؤلاء بعد أن هدأت حدّة الاحتلال وزال الخوف من الحرب بالعودة إلى بيوتهم تسللاً وكذلك أخذ بعض الذين ظلوا في منطقة الحدود اللبنانية بالتسلل عائدين إلى القرية تحت جنح الظلام حتى انه لم تنته سنة 1948 إلا وبلغ عدد السكان الذين عادوا إلى بيوتهم حوالي 700 نسمة من مسلمين ومسيحيين، ويقدّر عدد سكانها المهجرين اليوم نحو 60,000 نسمة. فرض على القرية مثل باقي القرى حكم عسكري وكان الناس لا يستطيعون مغادرة القرية حتى إلى قرية معليا المجاورة إلا بتصريح من الحاكم العسكري وكانت مكاتب الحكم العسكري في ترشيحا أولا ولكنها نقلت إلى معليا ثم عادوا فنقلوها إلى ترشيحا. ما انفك الاحتلال يطالب بإخلاء منطقة الحزام الأمني على طول الحدود الشمالية من الفلسطينيين وتوطينها باليهود قدر الإمكان وذلك منعاً لعودة اهالي القرى الى بيوتهم. وانصب جلّ اهتمامه على ترشيحا، أكبر قرى المنطقة. حيث سعت المؤسسات الاستيطانية إلى إسكان "قادمين يهود جدد" في البيوت المتروكة، وقد رأت بالاستيطان اليهودي في القرية " ذا أهمية كبرى"، إذ شكل اليهود حينئذ فقط 12% من سكان الجليل. عاش أهالي ترشيحا المتبقون في حالة خوف دائم خشية الطرد، وأوعزوا ببعثة إلى أوساط يهودية طالبين البقاء في مكانهم. إلا أن الجيش، غزا مرة تلو الأخرى، ترشيحا والقرى العربية المأهولة والمأهولة جزئياً حتى يطرد منها المتسللين ( أي أولئك السكان الذين هربوا حينها وتسللوا فيما بعد عائدين إلى قريتهم ولم يسجلوا في إحصاء السكان في نوفمبر 1948). دخل الاحتلال إلى قريتي ترشيحا ومعليا في 16/1/1949، طوّق القرية بالسلاسل وفرض منع التجول. وركـّـز كل الرجال المتجاوزة أعمارهم ستة عشر عاماً في ساحة القرية وتم التحقيق معهم هناك من قبل ثمانية محتلين. 33 من وجهاء العائلات و 101 من أقربائهم تم اعتقالهم وترحيلهم. دون بيرتس وراي هارتسو، مندوبا "لجنة الخدمة من الأصدقاء الأمريكيين" ( الكويكرس AFSC) في الجليل، قاموا بزيارة ترشيحا بعد ذلك بوقت قصير. واستنتجوا أن الحملة "المدروسة" من قبل الاحتلال ضد المتسللين وضد من آواهم، هدفها كما يظهر، "تفريغ بيوت من أجل قادمين يهود. وهما يؤمنان أن اليهود قرروا تحويل ترشيحا إلى مدينة يهودية خالصة". كل سلطات الدولة كانت على رأي واحد وهو اقتلاع عرب ترشيحا من قريتهم. ففي 21/1/1949 اقترح العميد أفنر نقلهم إلى معليا، إلاّ أن الأمر لم يتسنّ لإعتبارات سياسية. وفي آذار كان من فكـّـر في تفريغ البلدة من ساكنيها لتوطين ألف عائلة يهودية فيها. إلاّ أن الأمر لم يكن ممكناً، كما يشرح ذلك زلمان ليفشيتس، أحد مساعدي بن غوريون: "رأي رئيس الحكومة هو ألآّ نمارس الترحيل في هذه اللحظة، وذلك من وجهة نظر عالمية"، وبدلا من ذلك اقترح " محاولة إقناعهم بالرحيل". في الخامس من حزيران التقى موظفون يهود مع رؤساء سكان القرية وقالوا لهم، حسب ما قاله مندوبي AFSC، أنه لن يكون خيار أمام العرب سوى مغادرة قريتهم، إلاّ أن "العرب رفضوا". في أعقاب ذلك قال الموظفون اليهود أن ال- 115 شخصاً غير القانونيين الذين تسللوا إلى المدينة انهم سيطردون من البلاد وأن المواطنين القانونيين ال- 600 لن يسمح لهم تلقائياً التنقل إلى قرى عربية أخرى. الا ان سكان ترشيحا مكثوا في قريتهم ولم يغادروها. في مارس\فبراير 1949 أحضرت قوات الاحتلال عائلات من القادمين الجدد من رومانيا وأسكنتهم في بيوت ترشيحا الخالية التي هُجّرَ أهلها وتم تركيز العائلات العربية في منطقة واحد، اخذ القادمين الجدد باستغلال الأراضي حتى التي يملكها الذين ظلوا في القرية وكذلك فقد مدّت السلطة لهم أنابيب ماء للشرب وأقامت مشروع كهرباء محليا ولم ينعم العرب بهذه المشاريع إلا في فترة متأخرة وبعد دفع مبالغ كبيرة نسبيا في تكاليف مد الأنابيب والأسلاك وخلافها. قامت سلطات الحكم العسكري بتعيين ثلاثة مخاتير للقرية حسب الطوائف وتجاهلت المختارين المعينين زمن الانتداب (المرحوم بشارة والمرحوم فهد شريح) كما وصادرت أوراق المجلس المحلي. نشأت بين السكان العرب والسكان اليهود الجدد علاقات جوار لا بأس بها رغم استيلاء الآخرين على الأراضي ورغم الحكم العسكري، ولكن هؤلاء القادمين من رومانيا لم يلبثوا أن غادروا القرية إلى المدن وانتقل قسم منهم ليعيش في قرية تعاونية جديدة أقيمت في مرج ترشيحا الغربي ودعيت معونا. أحضرت السلطات اثر ذلك قادمين جدد من شمال أفريقيا عاشوا في القرية حتى أواخر الخمسينات حين أقيمت بلدة معلوت فانتقلوا إليها. عند خروج اليهود من ترشيحا سمحت السلطات لعائلات عربية من اللاجئين في الداخل بالانتقال إلى ترشيحا والتوطن فيها فجاءتها عائلات من عمقا وسحماتا ومن الدير القاسي واقرث، ثم انتقلت عائلات من عرب النعيم وعرب السويطات وفاعور الذين كانوا يقيمون بجوار كيبوتس ايلون وغيرهم، حيث صودرت اراضيهم وبدّل قسم منها بتبادل غير متكافيء من اراضي ترشيحا وارغموا على السكن في ترشحا، فزاد عدد السكان حتى بلغ اليوم حوالي 4500 نسمة. في سنة 1963 اعلن عن اعاده تشغيل مجلس ترشيحا تحت اسم مجلس معلوت ترشيحا حيث اقيمت بلدة معلوت الجديده وضمّت السلطة ترشيحا إلى معلوت في إطار مجلس محلي مشترك في محاولة لمنع إقامة مجلس محلي منفرد لترشيحا وخوفا من أن إقامة مثل هذه المجلس قد تؤدي إلى المطالبة بتوسيع مسطح القرية فيحد ذلك من توسع معلوت ومعونا والمطالبة بإعادة أراضٍ عائدة للقرية وكانت ضمن أملاك المجلس البلدي ما قبل عام 1948 وقدرت بحوالي 17,000 دونماً اضافة الى اموال لم يكن بالامكان تقديرها بعد الاحتلال بسبب ضياع المستندات والوثائق، وقد صودرت. عندها فقدت ترشيحا مركزها الإداري المتميز وأصبحت تابعة لمعلوت ومعتمدة عليها بدل أن تكون في قائدة المنطقة كما كانت في السابق . .
الباحث والمراجع
المرجع
1- ترشيحا عروس الجليل الغربي- عبد الوهاب احمد مصطفى.
2- ترشيحا: زهرة على صدر الجليل- محمد ناصر. (1996)
3- ترشيحا الماضي والحاضر و....- سليم كامل نحاس. (1995)
4- بوابة اللاجئين https://refugeesps.net/
5- موع الذاكرة https://alzakera.yoo7.com/t1724-topi
6- صحيفة افمارات اليوم https://www.emaratalyoum.com/life/four-sides/2016-08-27-1.924926
7- موقع ذاكروت https://www.zochrot.org/