- معلومات عامة عن قرية عرب الشَمَالنَة/ قرى المناطق المجردة من السلاح
- الحدود
- أهمية موقع القرية
- مصادر المياه
- سبب التسمية
- البنية المعمارية
- معالم القرية
- الآثار
- السكان
- عائلات القرية وعشائرها
- الحياة الاقتصادية
- الاستيطان في القرية
- الخرب في القرية
- الثروة الزراعية
- التعليم
- المساجد والمقامات
- الطرق والمواصلات
- القرية بين عامي 1948-1956
- تربية الحيوانات
- القرية والمناطق المجردة من السلاح
- الوضع الصحي في القرية
- مؤلفات عن القرية
- احتلال القرية
- روايات أهل القرية
- أعلام من القرية
- أهالي القرية اليوم
- القرية اليوم
- الباحث والمراجع
خارطة المدن الفلسطينية
اشترك بالقائمة البريدية
معلومات عامة عن قرية عرب الشَمَالنَة/ قرى المناطق المجردة من السلاح
روايات أهل القرية - عرب الشَمَالنَة/ قرى المناطق المجردة من السلاح - قضاء صفد
الأسير المحرر الحاج شحادة حسين صالح الشملوني:
إن لم يكن أسري من أجل حق العودة فلماذا أسرت إذاً ؟!
جمع الحاج شحادة الشملوني بين الأسر والإصابة واللجوء في تغريبات متعددة عاشها في أكثر من ثمانين سنة، فهو من مواليد عام 1928 في قرية خربة أبو زينة؛ إحدى القرى التي كان يعيش فيها أهالي عرب الشمالنة حيث انتشرت هذه القرى على مسافات متفرقة من أراضيهم الواقعة جنوب شرق مدينة صفد، على الحدود الفلسطينية – السورية في قضاء صفد.
عن القرية والعشيرة
يقول الحاج أبو حسين: تبعد خربة أبو زينة 29 كم عن مدينة صفد، منها 23 كم معبّدة، و6 كم غير معبدة، وهي عبارة عن تلال ترتفع في بعض المناطق لتشكل مرتفعات جبلية ومن ثم تنتهي بأراض سهلية وهي ذات مناخ معتدل صيفاً شتاء وأرضها خصبة. يرويها نهر الأردن الذي يخترق أقصى الطرف الشرقي لأراضي القرية من الشمال إلى الجنوب توجد في هذه الأراضي عدة أودية، يصبّ قسم منها في نهر الأردن، كوادي أبو لوزة ووادي أم العقارب. ويصبّ القسم الآخر في بحيرة طبرية وهي من الشرق إلى الغرب. ووادي المسلّخة، ويعرف أيضاً بوادي العُسّة وبأسماء أخرى في أجزائه المختلفة، ووادي الغلاي، وتكثر الينابيع في أراضي عرب الشمالنة، منها عين أبو زينة على بعد 3 كم من خربة أبو زينة، وعين الهادي، وعين عقيم، وعين الصفصافة، وكلها تقع في شمالها الشرقي. وتتوزع فيث باقي الجهات عيون لبؤة وأم قارة، وعين أبو لوزة.
ويتابع الحاج أبو حسين: لم يكن يُقدم لعرب الشمالنة أي نوع من الخدمات، وكان هناك مركز للشرطة على الحدود يبعد نحو نصف كم شرق خربة أبو زينة. وقد اعتمد السكان في معيشتهم بدرجة رئيسية على تربية المواشي إلى جانب مزاولة بعض أشكال الزراعة، وخاصة زراعة الحبوب.
أما عن العشيرة فيقول الحاج أبو حسين: تضم الشمالنة والسوالمة، ولهم مختار واحد هو مصطفى الصالح، وبعد أن توفي، أصبح المختار هو مزعل إسماعيل ومن ثم أحمد الشرقي. كانت هناك وجوه للعشيرة أبرزهم بركات العلي وصالح وقاسم المعتوق وحمد الحسين شيخ الشمالنة.
ويضيف الحاج أبو حسين بيوت العشيرة كانت عبارة عن بيوت شعر، وكان المقتدر يعمر بيت حجر ومنهم أحمد الشرقي.
لا توجد مدرسة في أراضي عشيرة الشمالنة، وقد تعلمنا القراءة والكتابة على يد شيخين أحدهم من قرية الشجرة، والآخر من سورية من قرية العال.
وبالنسبة إلى الصلاة كان أهالي العشيرة يصلون في بيوتهم فلم يكن هناك مسجد، وتقام صلاة الجماعة فقط في العيد.
ولا تختلف عن عادات أهل العشيرة عن عادات قرى شمال فلسطين، ولا سيما البدو والعشائر منهم.
معركة الشمالنة
لقد أصبحت أراضي عرب الشمالنة بموجب اتفاقية الهدنة عام 1948 منطقة منزوعة السلاح تحت إشراف الصهاينة، بالإضافة إلى المنطقة الممتدة شمالها حتى جنوب الدرباشية، شاملة جسر بنات يعقوب، وكراد البقارة وكراد الغنامة ومزرعة الخوري. وفي عام 1951 طرد الصهاينة سكان هذه المنطقة من أراضيهم، واستولوا عليها بعد معركة استمرت لمدة أسبوع. يحدثنا الحاج أبو حسين عن هذه المعركة بتواضع، فهو مستعد أن يتحدث عن الآخرين ويترك الحديث عن نفسه لغيره، فيقول: في الشهر السادس من عام 1951 قدم لنا الصهاينة ما كان يسمى الإعاشة (مؤن ومواد غذائية)، فقرر أهالي القرية عدم تسلّمها في حركة احتجاجية على العدو، فردّ الصهاينة على هذه الحركة بهجوم كبير على القرية من جهة الزنغرية والسمكية، لا سيما أنه كان يفكر بعد انتهاء حرب الإنقاذ وتوقيع اتفاق الهدنة بالتوسع في المناطق المجردة واحتلال مواقع جديدة لتحصين مواقعه الدفاعية في مواجهة القوات السورية المرابطة على الشاطئ الشرقي لبحيرة طبرية، واستمر هذا الهجوم سبعة أيام مع لياليها، استبسل فيها أبناء القرية من المجاهدين الذين تراوح عددهم بين خمسين إلى ستين مقاتل. ويذكر الحاج الشملوني أنه في اليوم الأول من المعركة قتلنا من الصهاينة ستة وهرب الآخرون، واستشهد واحد من العشيرة هو شحادة علي العوض وجرح البعض منهم محمود حمد الحسين ومحمد قاسم معتوق وشحادة أحمد الشرقي.
ومن باب نسب الفضل لأهله يقول الحاج أبو حسين: «لم نكن لوحدنا في هذه المعركة فقد ساعدتنا قوة سورية وقدمت لنا السلاح والمعونة وقضى عدد من أبناء سورية شهداء في هذه المعركة».
بعد هذه المعركة التي لم تكن متكافئة حيث استخدم العدو فيها الطائرات وسلاح المدفعية ورشاشات العوزي، خرجنا من البلد، وأذكر أن ذلك كان حوالى الساعة 12 ظهراً متوجهين إلى منطقة البطيحة السورية، ومنها إلى تل عامر حيث ظل أهلي هناك حتى عام 1967، لينتقلوا بعد النكسة إلى مخيم اليرموك، ومن ثم إلى مخيم السيدة زينب.
أما أنا فقد تطوعت لأكون مقاتلاً في معظم التشكيلات التي أُحدثت بين النكبة والنكسة، وتنقلت بين أماكن متعددة في هذه الفترة، إلى أن انضممت إلى حركة فتح عام 1965.
في الأسر
كلفت في عام 1967 مع مجموعة من المقاتلين في الحركة من سورية والأردن بدخول الضفة الغربية لغايات تنظيمية وتدريبية قتالية، وكنا ثاني أو ثالث مجموعة تدخل الضفة، وفي صباح 24/9/1967، وبينما نحن بمنطقة حوارة قضاء نابلس هاجمتنا قوة صهيونية وحاصرت المنطقة التي نحن فيها، وقطعت الإمداد عنا، واستمرت المعركة حتى نفدت ذخيرتنا، فجُرح بعضنا وكنت بين الجرحى، حيث أصبت في قدمي اليسرى وأُسرت مع ثمانية من رفاقي.
أول سجن كان في الرملة، ومنه إلى الصرفند، وقد حكمت بمؤبد وعشرين سنة، وتنقلت خلال فترة أسري بين سجون عدة منها عسقلان وبئر السبع، وخضت إضرابات كثيرة إلى أن تم تحريري من الأسر في عملية النورس بين القيادة العامة والعدو الصهيوني، بعد 13 سنة و8 أشهر و6 أيام.
لقد تعلمت من الأسر الكثير، ولكن الدرس الذي لا أنساه وأطلب من الجميع أن يضعوه نصب أعينهم، ولا سيما قيادتنا، وفي هذه الأيام بالذات، هو أن العدوّ لا يفرق بين إبن فصيل فلسطيني وآخر، فالتعذيب والقتل للجميع.
نصيحة وعتب
يكمل الحاج أبو حسين نصيحته مع بعض العتب، فيقول: عندما انتميت لفتح كان الدافع وطنياً بحتاً، وكنا ندفع من جيوبنا حتى أجرة السيارة التي كانت تقلّنا في الطريق إلى العمليات الفدائية، وأنا لست نادماً، ولا أقول ذلك لأمنّن على أحد، ولكنها والله الحقيقة التي يجب أن تعرفها أجيالنا والأجيال التي تلينا.
أما لبعض القيادات فأقول هذه حرب طويلة الأمد، فلا تحصروها بأنفسكم وزمانكم وافتحوا الباب للأجيال التي تليكم، ولا تتشبثوا بمواقعكم.
أما لأبناء تنظيمي فأقول: «عتبي عليكم كبير، فقد قضيت زهرة شبابي معكم وعندما عدت من الأسر زارني كل أبناء التنظيمات، وبعضهم زارني أكثر من مرة، وكُرّمت من العديد منهم، في حين لم تزوروني ولو لمرة واحدة».
ولدى سؤالنا للحاج عن حقه في العودة قال: إن لم يكن أسري من أجل حق العودة، فلماذا أسرت إذاً؟! قريتي هي أمي، وإذا عادت كل فلسطين ما عدا خربة أبو زينة فإنني أقول بأن حق العودة لم يتحقق.
المرجع: مقابلة مع الصحفي ماهر شاويش
مقابلة أجرتها ردينة معتوق مع السيد محمود معتوق ابو اسعد الشمالنة
سؤال لطالما طرح علينا في الصغر على مقاعد الدراسة وتسابقت الأيدي الصغيرة بأناملها الناعمة تتعالى لتحظى بالجواب فيكون لكل طفل إجابته المختلفة تماما ً ربما عن باقي زملائه لتكون جميعها في النهاية صحيحة ماهي قريتك في فلسطين المحتلة ؟ حفظنا الإجابة عن ظهر قلب ولكنا لم نكن لندرك ما تحمله الكلمة في طياتها من ملامح وبعد أن كبرنا تسائلنا تخيلنا بحثنا عن تفاصيل الإجابة ليكون لكل منا في مخيلته رسم جميل لوطن بعيد خربة أبو زينة كانت إحدى تلك الإجابات لكنها اليوم بحلة مختلفة سنروي تفاصيلها من أفواهٍ حقيقية عايشتها لعبت في بساتينها وتنقلت بين بيوتها وداست على ذرات ترابها فخربة أبو زينة كما رآها وحفظها واستذكرها الحاج محمود معتوق أبو أسعد ذو ثلاثة وسبعين خريفاً
حدثنا عنها قائلاً :
_ خربة أبو زينة هي قرية صغيرة تقع على شاطئ بحيرة طبريا وعلى الضفة الغربية لنهر الأردن قبل أن يصب في بحيرة طبريا في جنوب شرق مدينة صفد وهي إحدى قرى الحدود الفلسطينية السورية سكنت فيها عشيرة السوالمة وعشيرة الشمالنة الذي كان منهم المختار لأنهم الأكثر وسكنوا الخربة قبل السوالمة عاشوا معاً في القرية وتناسبوا وترابطوا مع بعضهم البعض .
_ أما عن حدود القرية التي يعرفها الحاج أبو أسعد فقد كانت كما يقول:
_ قرية السمكية تحدها من الغرب مع وادي تلحوم ومن الشمال تحدها قرية الزنغرية ومن الشمال الشرقي طوبة وهي أرض ملك للشمالنة وجانبها مزار يسمى مزار أبو لوزة " وهو قبر لرجل صالح أما من الشرق قرية الدكة التي كانت تابعة لفلسطين وبعد ال"48" أصبحت تابعة للحكومة السورية.
_ سألت العم أبو أسعد عن ملامح القرية الجغرافية وتضاريسها فكان أول ما أخبرني به بعد ابتسامة ربما يشوبها شيءٌ من الألم فأجابني :
_ رأس العين , نبعة في طرف القرية وسميت القرية باسمها فكان الاسم الثاني لقرية أبو زينة رأس العين أما الجبال و التلال فكان جبل المطلة و الدبة العالية وقطر الجابر الذي يطل على البحر وتلة أم العقارب التي تقع بين الخربة و الزنغرية و زمزوم قاسم و تلة أم نياص التي يعيش فيها حيوان كثير الشوك اسمه ( النيص) وهو بحجم الكلب حيث كان الأهالي يصطادوه ثم يعدوه للأكل ونسبة إليه سميت التلة بأم نياص وهي كثيرة المغر حيث يوجد فيها عدد من المغارات المكان الذي يعيش فيه عدد كبير من هذا الحيوان
أما الوديان فكان هناك أربعة وديان :
وادي أبو لوزة – وادي القلاعي – وادي المصلّخ – وادي تركي وجميعها وديان جافة يكثر فيها الماء أيام المطر , أما وادي القلاعي فكان يضم مزارين بجانب بعض ( مزار الشيخ محمد ومزار الشيخ حسين ) وهما قبرين للرجلين صالحين , ومنطقة الهوى التي تحوي عين اسمها عين الدوقة حيث كثرت البساتين حولها إضافة إلى منطقة العشة والتي تضم عدد واسع من البساتين وجميعها تابع للقرية ( خربة أبو زينة )
_ بعد حديث طويل ممتع ومؤلم , ومشاعر اختلطت بين الشوق و الحسرة تنهدت أنا الآن وسألته سؤالاً حيرني كثيراً وقهرني أكثر جدي كيف تم الرحيل ولماذا ؟؟ وكيف حصل اللجوء ؟؟؟
_ طويلة هي النظرة التي رمقني بها جدٌ وعمٌ وأبٌ ورائحة وطن , اهتز صوته وخفت , ألم واضح شوق أكبر بدا جلياً في تلك التجاعيد العميقة التي رسمت وجهاً أحلم بأن يبقى طويلاً كتذكار ثمين من أرض مقدسة , وبصوت مرتجف ضعيف أخبرني :
_ بـ 1984 (طلعنا ) من فلسطين ( هجت الناس ) وقطعنا إلى سوريا وعشنا في البطيحة على أرض الجولان , قضينا 84 و 89 و 50 وبالخمسين أعادتنا هيئة الأمم المتحدة إلى فلسطين إلى خربة أبو زينة (النقطة المحرّمة ) اسم أطلقوه على الخربة بعد العودة يعني ممنوع التدخل فيها من قبل الجيش السوري أو الجيش الإسرائيلي , عدنا نزرع و نفلح ونرعى كما كنا , في الواحد و الخمسين حدثت معركة بين إسرائيل و المجاهدين و المقاتلين من السوالمة و الشمالنة الذين كانوا في الجبال في جبال الخربة لمراقبة إسرائيل التي كانت قد استطلعت الخربة بالمناظير و الطيران وغير ذلك , وقتها كنا نرعى الماعز أنا ومجموعة شباب بعمر 13 -14 سنة في هذه الأثناء و اللحظات جاء حوالي 200 عسكري إسرائيلي لسرقة الماعز و الغنم و البقر ( الطرش ) يعني بقصد السرقة و النهب وليس الاحتلال , كان اليهود مركزين سلاح ورشاشات على تلة أم العقارب وفتحوا النار مثل رش المطر علينا نحن الرعيان فقتل حوالي 12 راس بقر لأصحاب القرية فقمنا نحن الرعيان بأخذ ( الطرش) إلى القرية ولما سمع المجاهدين صوت الرصاص أخذوا سلاحهم وخرجوا للقتال , فوجدوا اليهود صاروا بين البقر وكان عددهم ستة و الباقي من العساكر الإسرائيليين يحرسوهم فأطلق المجاهدون النار عليهم فقتلوا منهم خمسة ونجا السادس لكن المجاهدين كانوا مكشوفين فتعرضوا لإطلاق النار من اليهود وحدثت إصابات , بعد غياب الشمس أخذت ( 12 بطارية هاون ) تضرب بدون انقطاع على جبال الخربة مكان تواجد المجاهدين الذين كان من بينهم جنود سورين لبسوا لباس السوالمة و الشمالنة وقاتلوا معهم على أساس أنهم من سكان الخربة وذلك بأمر من الجيش السوري ولكن بالخفاء من أجر قرار الأمم المتحدة ( النقطة المحرّمة ) واستمرت المعركة لمدة سبع أيام بلياليها دون انقطاع وأخذت النساء تحمل الماء و الخبز و اللبن و الحليب إلى المجاهدين في الجبال وكان الرصاص يصيب ( التنك ) فوق رؤوسهم ويسدّ مكان الرصاص بأصابعهم وأيديهم حتى تصل الماء للجبهة دون خوف حتى أنهم كانوا يغنوا ويطلقوا الزغاريد للتشجيع الرجال وبث الحماسة فيهم وخلال المعركة التي دامت سبع أيام وسبع ليالي استشهد عدد من المجاهدين فاستشهد ( شحادة العلي – عبد الحميد – علي بركات – هاني بركات – محمد محمود الإبراهيم – محمد حسين السودي ) أما من النساء استشهدت ( حسنة حصيدة – حمدة الشرقي و ابنتها الطفلة منوى ) أما الجرحة و المصابين فكان( شحادة أحمد الشرقي " الذي طارت عينه " – عطية يوسف سليمان – محمد قاسم معتوق " الذي أصيب في رجله وظل ينزف حتى حل المساء وجاء المجاهدين وسحبوه " بعد أن اختبأ وراء جحر كبير " )
في هذه الأثناء قدما إسرائيل شكوى إلى هيئة الأمم المتحدة تتهم سوريا بإدارة المعركة وليس عرب الشمالنة و السوالمة أي أهالي خربة أبو زينة وحدهم غير قادرين على خوض " هيك معركة " فجاء مراقبين دوليين لتأكد فقام قائد المعركة السوري و السري الملازم ( شهير الدريعي ) وللآن أذكر اسمه جيداً لتخويفهم من عرب الخربة بأنهم عرب ( لا يفهمون ) قد يقتلوكم فتراجعوا إلى سوريا إلى البطيحة واتصلوا بالأمم المتحدة و إسرائيل وأخبروهم " إذا ما طلعتوا طيران فلسطين راحت أخذتها العرب "
فخرجت أربع طائرات إسرائيلية وبدأت بالقصف فأعطى الملازم أمر للعرب وجنوده المزروعين بينهم بالانسحاب من جبال الخربة فاشتعلت الحجارة و الأرض فالمقاتلين كان معهم رشاشات و بواريد وقنابل يدوية هذا هو سلاحهم إضافة إلى هاون صغير يملكه الجيش السوري الذي أطلق " قذيفتين " وتوقف لعدم صدور أوامر من سوريا الملتزمة بالتعهد من أيام فرنسا بعدم خوض الحرب .
_ بعد معركة الـ51 وهي معركة الشمالنة هكذا سميت بقينا فترة ثم رحلنا إلى سوريا قطعنا " الشريعة " إلى البطيحة قرية في الجولان لأن اليهود بدؤوا " بالتحركش "من وقت لأخر بأهالي القرية وبعد هجوم إسرائيل " كراد البقارة " وقلتهم وتشريدهم خافت عرب خربة أبو زينة من تكرار ما فعلوه بالأكراد معهم فلم يأمنوا جنب اليهود فقطعوا إلى البطيحة وسكنوا فيها وظلوا يستعملوا الأرض و البساتين في خربة أبو زينة بالزراعة الفلاحة في النهار ومع حلول المساء يعودوا إلى البطيحة حيث كان يوجد مخفر للجيش السوري فيقوموا بوضع هوياتهم عنده و العبور ذهاباً وعودةً .
_ بقينا على هذه الحال نزرع ونفلح ونستخدم الأراضي في الخربة إلى أن لأنزلت إسرائيل جيش وجرافات على النقطة المحرمة وقلعوا شجر البرتقال و قلعوا شجر الليمون واستحلوا البساتين وأخذوا الأراضي وتمركزوا فيها
_ فأرسلت هيئة الأمم المتحدة مراقبين اثنين إلى الخربة بعد احتلال ليهود للبساتين والأراضي وذهب معهم عدد من أبناء الخربة وفي هذه الأثناء كانت إسرائيل تعتزم قتلهم أو أسرهم ومن معهم ( ضربت بقرار النقطة المحرّمة عرض الحائط ) فقام ضابط إسرائيلي أسمر يتكلم العربية بإيقاف الجنود الإسرائيليين و سحب المراقبين مع أبناء الخربة المرافقين لهم وإخبارهم بنيّة إسرائيل " جاء أمر بقتلكم أو أسركم " وطلب منهم المغادرة فوراً وقام بتهريبهم .
_ وهكذا تم اللجوء الأول إلى البطيحة في الجولان و الاستقرار فيها بشكل كامل " وهيك راحـــت خربـة أبو زينــة ....... "
_ بقينا في البطيحة إلى عام 1967 بعدها عادت إسرائيل واحتلت الجولان وشردتنا وقمنا باللجوء للمرة الثانية ومازلنا لاجئين حتى هذه اللحظة .
_ أدهشني التنوع الجغرافي في هذه القرية الصغيرة التي ضمت على الرغم من تواضعها مزيجاً طبيعياً غنياً الأمر الذي دفعني للسؤال عن أهم مزروعاتها فكان جواب العم أبو أسعد مكملاً لتساؤلي قائلاً :
_ نتيجة الأراضي السهلة الواسعة و الينابيع التي ذكرتها و التربة الخصبة كثرة البساتين و المحاصيل وتنوعت الثمار ففي فصل الربيع كان العشب يغطي رؤوسنا ونحن أولاد في سن العاشرة.
_ زرعنا كل أنواع الخضراوات : من بندورة – فليفلة – باذنجان – خيار – إضافة إلى أشجار الزيتون – بساتين الحمضيات من برتقال و ليمون وطرنجة " مثل الليمون لكنه حلو الطعم وقشرته ناعمة الملمس " – قمح - ذرة – شعير – بطيخ – شمام – فاصوليا – سمسم- خوخ – تين حتى أطراف البحيرة عندما تجف كنا نزع فيها الفجل و النعنع و البقدونس وغيره " فالبلاد " كانت غنية بالماء لذلك كانت غنية بالزراعة , وأيضاً كنا نصطاد السمك من بحيرة طبرية فكانت غنية "بالسمك المشط " بالإضافة إلى صيده من الشريعة.
_ الشريعة .....؟؟؟؟ لفتت انتباهي كثيراً هذه الكلمة فلم أجد لها معنى أو تفسير في مفرداتي أو قاموسي فاستوقفتني لأتساءل مرة أخرى ما هي الشريعة يا عم ؟؟؟؟؟؟
_ ضحك العم و ضحكت السنون الطويلة في ملامح وجهه الحنون مستمداً حنانه من عبق الوطن و أجاب:
_ " الشريعة هي جدول ماء , نهر قادم من لبنان وأنهاره يصب في بحيرة طبرية ليس عريضاً عرضه عدة أمتار يفصل بين فلسطين و سوريا بين أو زينة و البطيحة في الجولان كنا نقطعه سيراً على الأقدام أو سباحة مرتين في اليوم ذهاباً وعودة وهو يتفاوت العمق من مكان لآخر بدءاً من الركبة وحتى تغمر الرؤوس وأكثر .
_ أخبرني يا جدي بماذا عملتم أيضاً غير الزراعة وهل كانت عندكم صناعة معينة أو تجارة ؟
_فأجابني كنا نمتلك الأبقار والماعز و الغنم و الجاموس ,كان عندنا ( طرش ) كثير فالبعض يشتغل بالزراعة و البعض الأخر يشتغل بالرعي و تربية المواشي أما الصناعة كانت يدوية بسيطة تقتصر على نسج السجاد و نسج " الشقّة " وهي الأقمشة التي تصنع منها بيوت الشعر وتنسج الشقّة من شعر الماعز وكانت تتميز بقوتها و متانتها وعدم تسريبها للماء أو البلل حتى لو أمطرت الدنيا ليلاً نهاراً وكنا نغزله وننسجه باستخدام المغازل اليدوية التي تعمل باليد أو على الفخذ أما التجارة فلم يكن عندنا تجارة الأساس هو الزراعة الرعي .
_ أخبرتني يا عم عن الشقّة فهل يعني هذا أن بيوت الشعر كانت بيوتكم ؟ فأجابني :
_ خربة أبو زينة كان فيها حوالي خمسين بيت كلها مصنوعة من اللّبن ماعدا ثلاثة بيوت كانت مصنوعة من الجحر لغمتها إسرائيل ودمرتها بعد الاحتلال أما باقي بيوت القرية كانت بيوت شعر وذلك بسبب امتلاك " الطرش " الكثير و العمل بالرعي .
_ جدي ماهي العائلات التي كانت تسكن الخربة من السوالمة و الشمالنة ؟ وكم بلغ عدد السكان تقريباً في تلك الأيام ؟
_ أجابني الجد : كنا حوالي 1000 نسمة تقريباً أو أقل أما العائلات فهي : بيت معتوق , بيت شرقي , بيت فلاح , بيت علي , بيت حسين , بيت خليل , بيت إبراهيم , بيت أبو التسعات , بيت أبو حميد و الريّات إضافة إلى بيت نايف الخوري ( عائلة مسيحية ) كان يعيش مع السوالمة و الشمالنة لأنه كان لديه مجموعة صيادة لصيد السمك من بحيرة طبرية .
_ مع توفر هذا الكم الهائل من الخضروات و الحمضيات ومنتجات الحيوانات ماهي الأكلات التي تميزت بها قرية " أبو زينة " ؟ فقال :
_ أكلات اللبن بشكل عام مثل الباذنجان باللبن وكان هناك أكلات أخرى مثل " المتشتشة " وهي أكلة الحراق بإصبعو اليوم وأكلة " المنسوفة " وهي سميد يعجن مثل الكبة على شكل أقراص و تطبخ بالماء أو اللبن إضافة إلى صنع الشعيرية التي كانت تصنعها النساء من العجين ويطبخوها مع الرز و البرغل , أما الحلويات مثل الـ " غوينة " وهي مصنوعة من الطحين و القشطة و الحليب و تطبخ مع السمن العربي و " اللزيقية " وهي طحين و زيت ولاتزال تصنع للآن في بيوتنا .
_ الدبكة تراث قديم جديد ملتصق بعاداتنا و تقاليدنا أتقنها صغارنا قبل كبارنا و طالما التصقت و اقترنت بالعرس , عمي أبو أسعد ماذا تخبرنا عن العرس الفلسطيني في ذلك العرس الجميل أيام " خربة أبو زينة " ؟
_ تنهد العم أبو أسعد تنهيدة طويلة وصمت لبرهة ثم ابتسم قائلاً : كنا نطلب يد العروس في تلك الأيام و " البلاد " لمدة معينة ليست طويلة و "نجهز حالنا " الجهاز كان مؤلف من تنورتين أول ثلاثة للعروس و " شرش" أو اثنين ( هو ثوب طويل للنساء مفتوح من عند الصدر) ودامر نصية أو اثنين ( جاكيت مخمل مطرز له خطين على الجانبين أحمر أو أزرق أو ..... ) " البونش " هو جاكيت جوخ طويل أو مخمل غير مطرز وله خطين حمر على الجانبين وتوضع هذه الثياب كلها في صندوق خشبي مزخرف يسمى صندوق " الجهاز " .
أما الحفلة أي حفلة العرس فكانت الدبكات و التعاليل ( الحفلات الليلية ) كانت تستمر أسبوع قبل العرس وأسبوع بعد العرس وتذبح الذبائح من بقر وماعز وغنم في يوم العرس ويحضر اللحم مع البرغل وتدعى جميع العشائر للغداء ,أما إحضار العروس فكان يتم على الجمال فتأتي العروس على الجمل بين اثنتين من النساء ويكون الجمل مزين و مزركش وتحاط بالزغاريد و الغناء وكانت تحمل هذه النساء معها بيرق ( العلم ) وتأتي مجموعة من الشباب الخيالة ويحاولوا خطف البيرق من " الفاردة " عملية إحضار العروس وزفها فإذا نجح الشباب بخطف البيرق يفوزا " بالذبيحة " من أهل العرس وفي يوم العرس بالذات كان يقام سباق خيل يشترك به كل من لديه فرس أما بعد انتهاء حفلة العرس وغياب الشمس كان يأخذ العريس مجموعة الشباب يحمله اثنين على الأكتاف و يدوروا به سبع دورات حول " البُرْزة " ثم يلقى إلى الداخل حيث تقف العروس وهي متجهة إلى الداخل فيضع يده على كتفها فتجلس والبرزة هي غرفة من غير سقف مصنوعة من القصّيب المضفور مع بعضه بخيطان و يترك لها باب و يوجد بداخلها " فرشة وغطا " فقط و يبقى بعد ذهاب الجميع حراس حول البرزة عن بعد حتى لا يتم خطف العريس أو العروس أو غير ذلك يقضي فيها العريس و العروس سبعة أيام بعدها يأخذ عروسته إلى بيت أهله ليسكن معهم .
وفي الصباح يقوم شيخ الشباب وهو رجل محترم بمثابة " زعيم الشباب " كلمته مطاعة بصنع الغداء و يقوم بدعوة العرسان و ذلك في بيت شعر يتم نصبه لهذا الغرض بالذات و تتناوب أهالي الخربة بدعوة العرسان إلى الغداء و العشاء لمدة أسبوع و تتم خلال هذا الأسبوع مجموعة ألعاب كلعبة القاضي و شيخ الشباب وارتداء أحد الشباب لزي نساء و التمثيل و غيره و بعد أسبوع تعود الحياة كما كانت عليه .
خربة أبو زينة قصة قرية عانت اللجوء مرتين , ضاعت ملامحها بالاحتلال لكنها بقيت مرسومة على جدران ذاكرة أهلها فهل من لقاء قريب يجمعهم بها أم ستظل العودة مجرد حلم يراودهم .
المرجع
منتديات عشيرة الشماملة https://shmalnh.yoo7.com/