احتلال القرية - بيت صفافا - قضاء القدس

تقسيم القرية بين الاحتلال والأردن

     قدّمت بيت صفافا الشّهداء على أرضها وأراضي القطمون والقسطل، فحفظت أرضها من دخول العصابات الصهيونيّة، بينما بدأ الأهالي بالعودة إلى بيوتهم واستكمال حياتهم. وقد خلّدت نساء القرية ذلك الإنجاز بالأهازيج فقلن: "بلدنا احاطوها من كلّ الجهات اجوها، صدق لو دخلوها لنسفوا الدور مع الطوابين، اجونا بليل وهي عتمة وقمنا عضو النّجمة، هجمنا عليهم هجمة وراحوا منّا مكسورين".

         غير أن "النّصر" لم يكتمل، فبعد توقيع اتفاقيّة الهدنة "رودس" في أبريل/نيسان من عام 1949 ما بين الأردن ودولة الاحتلال، سلّمت القوات الأردنيّة ما لم يخسره الصفافيون في الحرب، سلّمت لدولة الاحتلال أراضي من بيت صفافا تقع في الجهة الشماليّة، حيث تمرّ سكّة الحديد العثمانيّة الواصلة بين القدس ويافا، والّتي لم يكن الإسرائيليّون مستعدّين لخسارتها كوسيلة نقل مهمة في بداية تأسيس كيانهم المغتصب. وقد شملت هذه الاتفاقيّة تسليم منطقة "المثلّث" أي قرى وادي عارة، في مقابل أن يحصل الأردنيّون على أراضٍ جنوبي الخليل.

       يخبرنا أبو عبد الله عن ذلك اليوم، ويقول "جاء ضابط أردني، فأخبر أهالي القرية والسودانييّن أنّ القرية ستقسم لتصبح المنطقة الّتي تمرّ بها سكّة الحديد ومسافة 30 متراً جنوبها تحت السيطرة الإسرائيليّة". يضيف "جن جنون السودانييّن، صاح أحدهم واسمه محمد علي: "تروح من هنا أحسنلك.. انتو ما تخافون الله.. احنا دمنا كله هنا.. تسلموه لليهود كدة!".

     لم يملك أهالي بيت صفافا، أو المقاتلون السودانيّون من أمرهم شيئاً، وفي محاولة لفرض الاتفاقيّة وتهجير أهالي القرية، بدأت المدفعيّة الإسرائيليّة بإطلاق قنابلها باتجاه القرية بشكل عشوائي. وبينما اضطر السودانيّون للرحيل في نهاية الأمر، وجد الصفافيّون أنفسهم في قرية مجزأة بشريط حدودي ودوريات مراقبة، يعيش ما يقارب الألف منهم في القسم الشّرقي الجنوبي من القرية تحت السيطرة الأردنيّة، بينما يعيش ما يقارب 450 منهم في الجزء الشّمالي الّذي سُلّم لدولة الاحتلال، والّذي عرفه أهالي القرية باسم "منطقة الزون" وفقاً للكلمة الإنكليزية zone.

      ومن المفارقة السّاخرة أنّ تقسيم القرية وتفريق أهلها بعد نكبة عام 1948 قد انتهى بنكسة عام 1967، حيث استكملت دولة الاحتلال السيطرة على ما تبقى من أرض فلسطين، وما تبقى من أرض بيت صفافا. أزيل الشّريط الحدودي من وسط القرية، وسُمّي الشارع الّذي كان يمرّ منه الشريط في ما بعد بـ "شارع توحيد القرية". 

      "ست الأخوة عليّان"، إحدى سيّدات بيت صفافا الشاهدات على النّكبة والنّكسة، تقول: "لم نكن ندري بم نشعر، من جهة لم شملنا مع أهلنا، ومن جهة أخرى لم يحصل لم الشّمل هذا إلا بعد هزيمة ثانية، بينما كنّا نتوقّع نصراً يعيد ما فقدناه من أرض".