خارطة المدن الفلسطينية
اشترك بالقائمة البريدية
معلومات عامة عن قرية بيت صفافا
التاريخ النضالي والفدائيون - بيت صفافا - قضاء القدس
دور مميّز لمقاتلي السودان:
يعود أبو عبد الله بالذّاكرة إلى الوراء ليشير إلى دور المقاتلين السودانييّن بشكل خاص في تحصين قرية بيت صفافا وبناء الاستحكامات والخنادق حولها لصد الهجمات الصهيونيّة عليها، يقول: "السودانيون جاءونا من الله، كان لديهم إيمان غير طبيعي، لا يخافون شيئاً، كانوا يضعون أنفسهم في الصّفوف الأولى للقتال، ويحاولون تشجيعنا، يقولون: كيف تريد أن تُحسب شهيداً وأنت خائف أو متردّد، يجب أن تذهب للقتال لا يهمك شيء حتّى تنال الشهادة عن جدارة وصدق".
يقاطعه خليل صالح عليّان، ليخبرنا ما سمعه من أبيه ورفاقه عن قوة السودانييّن، فيما يشبه نسج الأساطير: "كان السودانيون يقولون لشباب القرية اقرأوا آية الكرسي والرصاص لن يصيبكم، إحنا الرصاص يجي فينا وما يقتلنا". ولدى سؤال الشّيخ موسى خليل عثمان، والّذي كان يبلغ من العمر 16 عاماً في عام 1948، عن السودانييّن يكرّر الوصف نفسه مضيفاً: "كانوا مقاتلين أشدّاء يقاتلون عن عقيدة، يقاتلون بقلب ورب".
لقد كان هذا الإيمان العميق الّذي يحمله السودانيّون بضرورة الدّفاع عن فلسطين يستلزم منهم في كثير من الأحيان صرامة لم يعتدها أهالي بيت صفافا. كما يخبرنا الشّيخ موسى بإحدى قصص هذه الصّرامة، ويقول "رآني أحد المقاتلين السودانييّن وقد ذهبت برفقة بقرة العائلة لترعى في الوادي القريب من بيت صفافا. كانت هناك مساحة من الأرض يعتقد اليهود أنّها ملغومة". يبتسم الشّيخ موسى ويقول: "غضب مني السودانيّون يومها، خافوا أن يكون أحد اليهود قد رآني فيكتشف أن الأرض ليست ملغومة، وضربوني يومها".
لا يغيب عن إبراهيم وموسى أن يذكرا الضعف العربي ورداءة السّلاح الّذي أضاع من العرب غالبيّة مساحة فلسطين في عام 1948. يقول أبو عبد الله متحسّراً: "أذكر يوماً أغار السودانيّون على مستوطنة ميكور حاييم وطردوا المستوطنين منها، لكن ما كانوا يحملونه من سلاح ويملكونه من قوة لا يمكّنهم من البقاء هناك، فرجعوا إلى بيت صفافا".
صورة من النضال القانوني لأهل القرية
الشيخ موسى عثمان
كان بيت الشيخ موسى عثمان يقع في منطقة "الزون"، أي تحت الاحتلال "الإسرائيلي". بعد تقسيم القرية بأيّام، عاد موسى الّذي كان حينها يبلغ من العمر 16 عاماً، إلى البيت ليجد أن قوات الاحتلال "الإسرائيلي" قد طردت أمّه وأباه وأخاه إلى القسم الآخر من بيت صفافا، الواقع تحت السيطرة الأردنيّة، فيما بقي هو وأخته البالغة من العمر 10 سنوات في بيتهم. يقول الشيخ موسى: "كان يخشى من بروز والدي كقائد في منطقة "الزون"، خصوصاً أنّه كان يملك الكثير من الأراضي، عدا عن رفض أخي المتكرر التعاون مع جيش الاحتلال".
يُقبل الشيخ موسى على الحديث عن تلك الذكريات بصعوبة، فقد تركته هذه الحادثة أمام مسؤولية العناية بنفسه وبأخته وببيته في سنّ صغيرة، واقتطعته من رعاية والديه. ومنذ ذلك العام وحتّى عام 2006 خاض الشّيخ موسى معركة قانونيّة أمام "دائرة أراضي إسرائيل" الّتي ادعت بعد طرد والده في عام 1949 أن بيته أصبح الآن "أملاك غائبين"، وهو بالتّالي من أملاك "الدولة". يستخدم الشّيخ موسى وصف "التحرر" ليصف تثبيت ملكيته على بيت والده، ويقول "في عام 2006 فقط تحرر البيت وانتزعت من المحكمة قراراً بملكّيته وسجل على اسمي".
وقد تركت هذه التّجربة بصماتها على أهالي بيت صفافا، وبدا تأثيرها واضحاً في تفاصيل حياتهم الاجتماعيّة والاقتصاديّة. فيما بقي أهالي بيت صفافا الأردنية على تواصل مع أشقائهم العرب، وتمكنوا من الالتحاق بالثانويات والجامعات العربية، لم يكن أمام أهالي "الزون" سوى المدارس اليهودية أو المدارس العربية البعيدة جداً في النّاصرة مثلاً، لاستكمال تعليمهم. وبينما توجّه عدد من شبّاب المنطقة الأردنيّة إلى الكويت، كغيرهم من الفلسطينييّن، للعمل، لم يكن أمام أهالي "الزون" مصدر للزرق سوى العمل كعمّال وموظّفين في المستعمرات اليهوديّة القريبة. وقد كان أبناء العائلة الواحدة من قرية بيت صفافا يلتقون في المناسبات والأعياد عند الشريط الحدودي ليتبادلوا التهاني والأخبار، بينما لا يسمح لهم بذلك في الأيام العادية.