- معلومات عامة عن قرية بَرْقَة
- الحدود
- أراضي القرية
- البنية المعمارية
- المختار والمخترة
- السكان
- عائلات القرية وعشائرها
- الاستيطان في القرية
- المهن والحرف والصناعة في القرية
- المساجد والمقامات
- الطرق والمواصلات
- المؤسسات والخدمات
- التاريخ النضالي والفدائيون
- احتلال القرية
- العادات والتقاليد في القرية
- أهالي القرية اليوم
- الباحث والمراجع
خارطة المدن الفلسطينية
اشترك بالقائمة البريدية
معلومات عامة عن قرية بَرْقَة
أراضي القرية - بَرْقَة - قضاء غزة
أراضي قرية بَرْقَة:
تتألف معظم أراضي بَرْقَة من تربة طفلية حمراء تصلح لزراعة الحمضيات. غرس أهالي بَرْقَة في أواخر فترة الانتداب أنواعاً مختلفة من الأشجار المثمرة حول القرية، وكانت الحمضيات أهم هذه الأشجار، وقد بلغت المساحة المزروعة بها في عام 1945 نحو 667 دونماً. وتعتمد الزراعة على الأمطار، التي يبلغ متوسط كمياتها السنوية نحو 400 مم، وحفر بعض الأهالي الآبار لري بساتينهم، وكانت أراضي بَرْقَة ذات إنتاج عالِ؛ لخصوبتها. وفي هذا المحور سوف نتناول ملكية تلك الأراضي، وأنواع الزراعة فيها، والكيفية التي تسربت بها تلك الأراضي من أيدي أصحابها، ثم نضال أهل القرية لاستردادها.
أولاً: الأراضي الزراعية التابعة للقرية وملكيتها:
اعتاد أهالي القرية – كعادة الفلاحين في جميع القرى- على إطلاق أسماء خاصة على الأراضي الزراعية في قراهم، ليسهل التعرف عليها، وبعض هذه الأسماء تعود إلى نوع التربة، أو موقعها الجغرافي، أو ما يزرع فيها، أو نسبة إلى شخص محدد، أو حادث وقع فيها. وكانت تنقسم الأراضي التابعة لأهل القرية لعدة تقسيمات، هي:
- في الجنوب: أرض حيلة الرهوان، وأرض السبعة، والوسط، وأبو واوي في الجنوب الغربي.
- في الغرب: أرض الروب، وادي العسل، والمنطرة.
- في الشمال: أبو خشيبة (بها حصى طين). وتقع في شمال القرية، ويحدها من الغرب عرب سُكرير، ومن الجنوب مارس السدرة، وأرض حيلة العجلة، ومارس السدرة في الشمال الغربي، ووادي الخب (وهي أرض بها مستنقع)
- في الشرق: شعفة الحجر، وتل الرمل، والشقيف، وتل الريح (على حدود يسور)، والسلاقة.
- في الوسط: أرض المرمالة (أو الرمالة)، والعقولة.
1) بيارات القرية: كانت زراعة الحمضيات تشكل المحصول الرئيسي في السهل الساحلي، منذ أواخر القرن التاسع عشر، بسبب تصديره للخارج خاصة أوروبا. وقد اشتهر البرتقال اليافاوي، وكان من أجود الأنواع الصالحة للتصدير. ولا شك أن حُمى تأسيس بيارات البرتقال، التي انتشرت بشكل مُذهل، قد تركت أثراً على اقتصاديات القرية وأحوالها الاجتماعية وكانت البيارة تزرع بالحمضيات، مثل: البرتقال، الكرفوت، الكلمنتينا، المندلينا، الفرنساوي.
جدول رقم (1) مالكي البيارات في قرية بَرْقَة(*)
# | اسم مالك البيارة | موقعها |
1 | أحمد أحمد خليل أبو شاويش وإخوته | شمال شرق القرية |
2 | مسلم محمد أبو شاويش | شرق القرية |
3 | الشيخ محمد فتوح | غرب القرية |
4 | رباح رشيد أبو خضرة | في أرض وادي العسل |
5 | فوزي رشيد أبو خضرة | غرب جنوب القرية |
6 | باقر رشيد أبو خضرة | شمال غرب القرية |
7 | محمود رشيد أبو خضرة | شمال القرية |
8 | حلمي رشيد أبو خضرة | شمال شرق القرية |
9 | فهمي رشيد أبو خضرة (اشتراها من عبد الرؤوف البيطار) | شرق البلد |
10 | توفيق رشيد أبو خضرة | شمال القرية |
11 | مكرم أبو خضرة | شمال القرية |
2) موراس القرية: المارس هو عبارة عن أرض زراعية خارج حدود القرية تزرع بالحبوب، ولا يقل المارس عن 20 دونم، وكانت موارس القرية موزعة بالشكل التالي:
جدول رقم (2) مالكي الموارس في قرية بَرْقَة(*)
# | اسم مالك المارس | موقع المارس |
1 | أولاد جبر أحمد خليل أبو شاويش | أرض أبو واوي |
2 | إسماعيل حسن أبو شاويش | في أرض الروب، وفي أرض أبو واوي |
3 | عبد المجيد أحمد أبو شاويش | في أرض الروب، وفي أرض أبو واوي |
4 | أحمد أحمد خليل أبو شاويش | في أرض الروب، وفي أرض أبو واوي |
5 | محمد إبراهيم أبو شاويش | في أرض الروب، وفي أرض أبو واوي |
6 | عبد الحميد أحمد أبو شاويش | في أرض الروب |
7 | مسلم محمد مسلم أبو شاويش | في أرض الروب، وفي أرض أبو خشيبة |
8 | عبد الله مسلم أبو شاويش | في أرض الروب، وفي أرض أبو خشيبة |
9 | فارس مسلم أبو شاويش | في أرض الروب، وفي أرض أبو خشيبة |
10 | سليمان مسلم أبو شاويش | في أرض الروب، وفي أرض أبو خشيبة |
11 | حسن مسلم أبو شاويش | في أرض الروب، وفي أرض أبو خشيبة |
12 | عبد العزيز عبد الحميد أبو شاويش | في أرض الروب، وفي أرض أبو خشيبة |
13 | أحمد وعبد المجيد وإبراهيم أبو شاويش | في أرض أبو خشيبة ووادي سكرير |
14 | عبد الحميد أحمد خليل أبو شاويش | في أرض أبو خشيبة ووادي سكرير |
15 | جابر أحمد خليل أبو شاويش | في أرض أبو خشيبة ووادي سكرير |
16 | فالح أحمد أبو شاويش | في أرض أبو خشيبة ووادي سكرير |
17 | عبد الله احمد أبو شاويش | في أرض أبو خشيبة ووادي سكرير |
18 | حسين أحمد خليل أبو شاويش | في أرض أبو خشيبة ووادي سكرير |
19 | طلب الدهودي (أبو الخير) | في أرض أبو خشيبة، وفي أرض السبعة |
20 | الشيخ على الطهراوي (الأعرج) | في أرض أبو خشيبة، وفي أرض الوسطة |
21 | الحاج محمد الطهراوي | في أرض أبو خشيبة، وفي أرض الوسطة |
22 | علي ومحمد الطهراوي (أبو شنب) | في أرض أبو خشيبة، وفي أرض الوسطة |
23 | يوسف الطهراوي (الزقط) | في أرض أبو خشيبة، وفي أرض الوسطة |
24 | الشيخ خليل الطهراوي (المحمدية) | في أرض أبو خشيبة، وفي أرض الوسطة |
25 | يوسف الطهراوي (هرقل) | في أرض أبو خشيبة، وفي أرض الوسطة |
26 | محمد عبد الله الطهراوي (العمريطي) | في أرض أبو خشيبة، وفي أرض الوسطة |
27 | عطية وعبد الله خليل الطهراوي | في أرض أبو خشيبة، وفي أرض الوسطة |
28 | محمد البلبيسي (محمد لطيفة) | في أرض الوسطة |
29 | العبد عبد الرحيم البلبيسي | في أرض الوطسة |
30 | حسن وحسين عواجة | في أرض السبعة |
31 | أحمد عقيل الدهودي | في أرض السبعة |
32 | حسين وحسن خليل الدهودي | في أرض السبعة وأبو خشيبة |
33 | محمود يوسف الدهودي (الهبيجي) | في أرض السبعة |
34 | محمد عبد الحميد الدهودي | في أرض السبعة |
35 | أحمد وحسين مصطفى الخطيب | في أرض أبو خشيبة، وفي أرض السبعة |
3) حواكير القرية:
الحاكورة هي عبارة عن قطعة أرض صغيرة (من 3-4 دونمات) محاطة بشجرة الصبر لتحديد الأرض، وتزرع فيها حاجيات الدار من عدس، وبصل، وتين، وعنب، وفجل، وتوم، والخضروات بأنواعها، ولوز، ومشمش، ورمان. وكانت الحواكير موزعة على طرف القرية، وهي بالشكل التالي:
جدول رقم (3) مالكي الحواكير في قرية بَرْقَة(*)
# | اسم صاحب الحكورة | موقعها من القرية |
1 | عبد العزيز أبو شاويش وأولاده | جنوب البلدة (الشارع الأول) |
2 | سليمان مسلم أبو شاويش | جنوب البلد |
3 | فارس مسلم أبو شاويش | جنوب البلد الشارع الأول |
4 | حسن أحمد النجار | جنوب شرق البلد |
5 | حسن أحمد السردي | جنوب البلد |
6 | الحاج محمد صبح | شرق البلد |
7 | هنية صبح (هنية عساف) | شرق البلد |
8 | الحاجة لطيفة صبح (لطيفة أم عساف) | شرق البلد |
9 | علي عبد القادر صبح | شرق البلد |
10 | محمد العمودي (محمد دودة) | شمال شرق البلد |
11 | عبد الهادي وعايش وحسن العفيفي | شرق البلد |
12 | أحمد الخضور (شروط) | شرق البلد |
13 | جبر أبو شاويش | شرق البلد |
14 | دار أبو علي | شرق البلد |
15 | عبد الحميد حسن صبح مع دار وقهوة | وسط شرق البلد |
16 | محمد مثقال أبو سرايا | شرق البلد |
17 | الشيخ خليل الطهراوي | غرب شمال البلد |
18 | دار حسنين | غرب شمال البلد |
19 | موسى البلبيسي | غرب البلد |
20 | مصطفى محمد البلبيسي | غرب البلد |
21 | محمد محمد البلبيسي | غرب البلد |
22 | دار أبو علي | غرب البلد |
23 | محمد لطيفة البلبيسي | غرب البلد |
24 | اسماعيل حسن أبو شاويش | شمال البلد |
25 | طلب الدهودي (أبو الخير) | جنوب البلد على طريق البطاني- أسدود |
26 | محمد العبد الدهودي | غرب البلد |
27 | إسماعيل العمودي | غرب البلد |
28 | دار الحملاوي (أبو ربعي) | غرب البلد |
29 | العبد عبد الرحيم البلبيسي | غرب البلد |
30 | عبد الحميد البلبيسي | غرب البلد |
31 | حسين البلبيسي | غرب البلد |
32 | إبراهيم شحادة منصور | غرب البلد |
33 | كرم الشيخ خليل الطهراوي | غرب البلد |
34 | كرم حسن وحسين الدهودي (عواجة أو الهرش) | غرب البلد |
35 | سليمان ومحمد حسين العمودي (زعمط) | شرق البلد، قرب دار حسين منصور |
| محمود يوسف الدهودي (أبو الخير) | غرب البلد |
| ابراهيم الدهودي (أبو الخير) | غرب البلد |
4) جرون البلد:
الجرن هو عبارة عن مساحة واسعة من الأرض تستخدم لدرس القش، ولكل عائلة أو حمولة جرنها الخاص حسب حاجتها، ومساحة الأرض الزراعية التي تملكها. وكان يوجد في القرية عدد من الجرون موزعة على أهالي القرية، أهمها جرن أبو خضرة، وجرن أحمد خليل أبو شاويش، جرون آل الطهراوي، جرن حسن عبد الهادي وعايش العفيفي، جرن المختار حسن مسلم أبو شاويش، جرن طلب الدهودي (أبو الخير)، جرن محمود يوسف أبو الخير (الدهودي)، جرن حسين خليل الدهودي، وجرن حسن وحسين الخطيب.
5) آبار القرية: كان في بَرْقَة عدد من الآبار، أهمها: البئر الرئيسي عند الوادي، بئر بيارة فوزي أبو خضرة، بئر بيارة أحمد خليل أبو شاويش، بئر بيارة مسلم خليل أبو شاويش، بئر بيارة محمد فتوح، بئر بيارة رباح أبو خضرة، بئر بيارة توفيق أبو خضرة، بئر بيارة محمود أبو خضرة، بئر بيارة حلمي أبو خضرة، بئر بيارة فهمي أبو خضرة، وبئر بيارة فوزي أبو خضرة.
6) مطامير القرية: المطامير هي مخازن للحبوب تنشأ فوق الأرض، وهي عبارة عن جدران بارتفاع معين، ويكون لها فتحة جانبية لسحب الحب عند الحاجة، وكان لكل عائلة مطمورة لتخزين الحبوب. وكان هناك طريقة لتخزين الحبوب، عن طريق بئر في الأرض، وله غطاء وفتحة بسلم حديدي لسحب الحب.
7) طرق ري المزروعات: كانت طرق ري المزروعات والأشجار عن طريق القنوات والعماميل، والحفر. وكانت الأراضي طينية خصبة، ماعدا أرض الرمالة فكانت حجرية (من حجر الحتان).
8) أهم المزروعات: قمح، شعير، ذرة، عدس، حمص، حلبة، والكرسنة (علف للدواب)، فول، حمص، وهذه الدورة تعرف بالدورة الشتوية. وأما الدورة الصيفية، فكانت تشمل: الذرة البيضاء (الذرة الهندية)، والسمسم. بالإضافة للفواكه، والخضار البعلية مثل: البندورة، الخيار، الكوسا، الفقوس، البطيخ، الشمام، القرع، واليقطين.
9) أدوات الزراعة: محراث من الخشب تجرُّه الجمال والبقر، محراث من الحديد تجره البغال، وكان هنالك نجار من أهالي القرية يقوم بصنع هذه الأدوات. وكانت الزراعة باليد، حيث كانت ترش البذور باليد (البذارة)، وكان مقدار الدونم 4 رطل من البذور (قمح، أو شعير، أو عدس).
ونتيجة لهذا الازدهار الزراعي والزيادة في الإنتاج عن حاجة الفلاحين، أخذ الفلاحون يسوّقون الفائض من الإنتاج إلى المدن القريبة، مثل يافا أو المجدل، وكذلك إلى الأسواق الموسمية الأسبوعية (الجمعة في المجدل والفالوجة، والأربعاء في أسدود).
وفي شهر مايو سنة 1863م زار قرية بَرْقَة عالم جغرافي فرنسي، يدعى »فكتور غيراني Victor Guerin «، ثم اتجه بعدها لزيارة قرية أسدود. وفي زيارته وصف بدقة أحوال القرية، وأنواع الزراعة الموجودة فيها، من حبوب، وفواكه، وحمضيات، ومدى تطور الزراعة فيها، والجمال الذي تمتعت به القرية، والقرى المجاورة.
وخلاصة القوال، إن أهالي قرية بَرْقَة كانوا يملكون مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية، توزعت ما بين بيارات، وموارس، وحواكير، زرعوا الحمضيات فيها مختلف أنواع الحبوب. وقد تجنب الباحث التطرق لمساحات الأرض الخاصة بكل عائلة أو حمولة، تحرياً للدقة ومنعاً للحرج؛ فقد توفر لديه جزء من المعلومات، ولم تتوفر له كل المعلومات. وتجدر الإشارة هنا، لما ورد من معلومات في كتاب جميل عبد الرحمن السحار: »وتضم القرية حارتين هما: حارة الدواهيد، وحارة أبو شاويش، وحارة الدواهيد تملك معظم الأراضي الزراعية«. وهي معلومات غير دقيقة، حيث إن تعداد السكان ومساحة الأراضي المذكورة تنفي هذا القول، ولذلك ينبغي تصحيح هذا الخطأ.
سيطرة الإقطاع الزراعي على أراضي القرية في نهاية الحكم العثماني
يدور البحث، في هذا القسم من الدراسة، حول الكيفية التي تسرّبت بها الأراضي من يد الفلاحين إلى الإقطاع الزراعي، ومن ثمَّ بيعها للسماسرة اليهود؛ لتغدو مستوطنات صهيونية مُنتصبة على أرض القرية، وسيكون لها دوراً رئيسياً في تهجير السكان الفلسطينيين لاحقاً، في أحداث النكبة. كما ويحاول الباحث، هنا، تصحيح بعض الأخطاء الواردة في الكتب والمراجع حول مساحة الأراضي التابعة لقرية بَرْقَة، والمستعمرات التي أقيمت عليها قبل عام 1948م.
يمكن فهم الإطار النظري لهذا الموضوع، من خلال تحليل السرد الزمني للوقائع Chronology)). حين كانت الأراضي في العهد العثماني ملكاً للسلطان بحق الفتح، يتصرف فيها كيف يشاء، وكان الفلاحون يملكون بيوتهم والحواكير المحيطة بالقرية فقط، أما الأراضي الزراعية فيزرعها الفلاح دون أن يملكها. واستمر الأمر كذلك حتى منتصف القرن 19، حين أصدرت الدولة العثمانية عدة قوانين لتنظيم تسجيل الأراضي، وتصفية نظام المشاع؛ بدعوى التحديث تحت ضغوط الدول الأوروبية؛ لضمان حقوق الأفراد. ومن خلال هذه القوانين توقعت الدولة العثمانية زيادة دخلها المالي من فرض الضرائب المباشرة على الأملاك، لكن الواقع جاء مخالفاً للتوقعات؛ فالفلاح لم يكن قادراً على دفع رسوم تسجيل الأرض باسمه، كما أنه كان يتجنب التسجيل خشية من التجنيد الإجباري. الأمر الذي ساعد على ظهور طبقة كبار الملاك من الأعيان، وكبار التجار، الذين كان باستطاعتهم دفع تكاليف التسجيل. وبالرغم من ذلك، استمر نظام ملكية المشاع معمولاً بها حتى نهاية القرن التاسع عشر، ولكن الأرض سُجلت باسم الحمولة أو شيخها، مع تحديد نصيب الأفراد، على أن يكون موزعاً بين مناطق مختلفة من أراضي القرية. وكان الفلاح يعرف مجموع أملاكه، لكنه لا يستطيع التصرف بالبيع أو الشراء في قطعة محددة جغرافياً؛ لأن موقعها يتغير من منطقة إلى أخرى كل بضع سنوات. وظل الأمر كذلك حتى أصدرت حكومة الانتداب قانون تسوية الأراضي عام 1928م، الذي خوَّل مأمور التسوية بتقسيم الأرض بين المالكين أو المنتفعين، فقامت حكومة الانتداب بتحديد الموارس وتسجيلها بشكل دائم.
1) الحكومة التركية تَعهَد لـ»الملتزمين« بجمع الضرائب
وأما عن الضرائب التي كانت تُحصَّل من الفلاحين، فأهمها ضريبة »العُشر«، وهي الضريبة التي كان الأتراك يجبونها من أصحاب الأراضي، بنسبة 10% من حبوبهم، وسائر حاصلاتهم الزراعية، حتى الحنضل فكانت الحكومة التركية تفرض عليه ضريبة العشر. ثم زيدت هذه النسبة فجعلت 12,5%. وكانت الحكومة التركية تجبيها بواسطة »مُلتزم«، وكان أكثر هؤلاء من طبقة الأفندية الذين أثروا عن هذه الطريقة. فقد كان الواحد منهم يتعهد بدفع مبلغ من المال لصندوق الحكومة عن مدينة أو قرية أو مجموعة قرى، ثم يجبي من أهلها أضعاف ذلك المبلغ. وكانت الحكومة التركية في بعض الأحايين تضيف إلى قيمة الالتزام 6% باسم »التجهيزات العسكرية«. وأما ضريبة الأغنام، فكانت الحكومة التركية تجنيها عن الأغنام والجمال بنسبة: أربعة قروش عن كل رأس غنم، وعشرة قروش عن كل جمل، ثم زيدت هذه النسبة في عام 1908م باسم »التجهيزات العسكرية«، وزيدت مرة أخرى بعد حرب البلقان (1912م) باسم »الأسطول«. هذا علاوة على أنواع أخرى من الضرائب، التي كان يجنيها الأتراك من الأهالي في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. وكانت ضريبة الأرض تصل أحياناً إلى 20% أو أكثر، حسب جشع الملتزم، ونسبة الأرباح التي يريد تحقيقها لنفسه، فلم تكن المشكلة في الضرائب بحد ذاتها، وإنما في أسلوب تحصيلها. وقد استمرت هذه الضرائب في السنوات العشر الأولى من عهد الانتداب البريطاني، ثم عدل نظام الضرائب وأصبح أكثر قسوة على الفلاحين.
هكذا كانت الصورة العامة للقرى في فلسطين، وهذا ما انسحب – بطبيعة الحال- على قرية بَرْقَة، وحول هذا الموضوع يقول الحاج علي أبو شاويش: »سمعت عدة مرات من والدي [أحمد أحمد أبو شاويش] أنه في أواخر عهد بني عثمان (تركيا)، كان هنالك قانون اسمه قانون الالتزام، وكان هم تركيا هو جمع المال. فجاء رجل تاجر يُدعى » رشيد أبو خضرة« من مدينة يافا، ويبدو أنه قد رأى في ملفات الدولة الرسمية أسماء ستة قرى، هي: بَرْقَة، أسدود، البطاني الشرقي، البطاني الغربي، القسطينة، وياسور، وهذه القرى موضوعة في قائمة واحدة. فقام هذا الرجل بضمان تلك القرى، ودفع رسومها للحكومة التركية لمدة عشر سنوات، واكتشف أن أكثر الأراضي ضمن هذا الكشف هي أراضي قرية بَرْقَة، مقارنة بعدد سكانها، فاختار أن يقيم فيها. فجاء الرجل على بَرْقَة باحثاً عن مختار القرية (حسن أحمد خليل أبو شاويش في حينها)، وأبلغه بما حصل معه في قضية ضمان تلك القرى الستة، وطلب منه الإقامة في البلد، وتسهيل مهمته في جمع أمواله التي دفعها. فكان رد المختار بالموافقة على إقامة هذا الرجل في القرية، ولكن بشرط أن يتوجه معه إلى الجهة الحكومية، لكي يدفع رسوم الأرض التي ورثها هو وأخوته عن والده، فقد كان قادراً مادياً على سداد تلك الرسوم، فما كان من »أبو خضرة« إلّا الموافقة على هذا الشرط. وبالفعل ذهب المختار إلى غزة (مركز القضاء) ودَفع الرسوم المطلوبة عن أرضه، ورفع »أبو خضرة« مسؤوليته عن الأرض التابعة لعائلة المختار.
أقام »أبو خضرة« في القرية وكان وحيداً، فقد رحلت زوجته وتركت له أولاد مقيمين في مدينة يافا. ولا شك أن هذا الرجل كان واعياً لمجريات الأمور في الدولة التركية، ولديه من المال ما يكفي لضمان تلك القرى. وبعد سنوات قليلة، طلب من المختار أن يزوجه أحد نساء القرية، وكان له ذلك، فزوجه امرأة »عزباء« من آل صبح تدعى »صبحه«، واختار قطعة أرض في البلد بمساحة حوالي 100 دونم، وحفر بها بئر، وزرعها بالحمضيات (بيارة)، وبنى فيها عمارة وأقام فيها (أصبحت تُعرف فيما بعد بـ »عِلِّية أبو خضرة«). وبدأ بعدها بالتوسع في سُلطته على أهل القُرى، فاستخدم المَغارِبة(*)، وأخذ »أبو خضرة« بتجميعهم حوله، وعاماً بعد عام استطاع أن يجمع حوله مجموعة من المَغارِبة يُقدر عددهم بـ 100 شخص، واشترى لهم خيل وبارود خرطوش، وسيوف، وكرابيج، وكانوا بمثابة »ميليشيا« لحمايته. وهكذا حكم قبضته على أهالي القُرى.
ويُروى أن »أبو خضرة« خصص قطعة أرض على أطراف البلد بمساحة 100 دونم تقريباً، وخصصها لتكون جرن، وأصبح أصحاب الأراضي الأصليين يزرعونها ويسقونها، وحين يحل موسم الحصاد كان »أبو خضرة« ومن يعاونوه يطلبون من الفلاحين أن يذهبوا بحصادهم إلى جرن »أبو خضرة«، ويقوم الفلاح بدرس الحبوب تحت حراسة المغاربة، حتى إنه كان يجبرهم على تكميم أفواه الدواب أثناء عملية الدرس، كي لا تأكل شيئاً من الحبوب أو القش. ثم يُصفي الغلال ويقسمها إلى خمسة أقسام، يقوم »أبو خضرة« بتوزيعها كما يلي: قسمين من أصل الحصاد تذهب لـ»أبو خضرة« مباشرة، ويقوم الفلاح بتحميلها على ظهور البعير ونقلها إلى مخازن »أبو خضرة« في مدينة يافا. وأما ما تبقى من غلَّة فيقوم »أبو خضرة« بخصم الرسوم، والضرائب، وبدل النطارة (= الحراسة) التي يقوم بها المغاربة، وطبق عليهم قانون الخبازة وبهذه الطريقة كان يُسيطر على ما تبقى من الغلة. وحسب مَن عايشوا تلك الفترة، فإن كثير من الفلاحين كانوا يعودون بعد عملية الدرس، دون أن يملكوا طحنة (= دقيق) يقدموها لعيالهم، وربما يتكرم عليهم »أبو خضرة« فيعطيهم بعضاً من التبن للدواب.
وفي السنة التالية، كان الفلاحون يقترضون من »أبو خضرة«، في مقابل رهن الأرض، ليعاودوا نفس الكرَّة؛ من الحرث والزراعة والسقاية، وفي موسم الحصاد لا يجنون شيئاً. وعام بعد عام على هذا الوضع، وصل الحال بالعديد من الفلاحين من مُلاك الأرض أن يطلبوا من »أبو خضرة« أن يأخذ الأرض منهم، في مقابل أن يتركهم وشأنهم. وهذا كله بقوة »الميليشيا« التي جمعها حوله، وبقوة القانون الذي كانت تمثله »الجندرما« (القوات الحكومية التركية)، التي كانت جاهزة تماماً للتعاون معه لضمان انصياع الفلاحين له. وبهذه الطريقة سيطر»أبو خضرة« على معظم أراضي القرية.
ثم جاء التحول في هذا السياق بعد هزيمة تركيا في الحرب العالمية الأولى، ودخول الإنجليز لفلسطين. فقد كانت الأرض في عهد تركيا غير مفروزة، أما حكومة الانتداب فقد أرادت تطويب الأرض؛ بهدف تحديد الملكية وتسهيل التصرف بالأرض (بيعاً وشراءً)، وهذا –على الأرجح- لتسهيل عملية بيعها لليهود، وكانت عملية تسجيل الأراضي قد بدأت من الجنوب إلى الشمال (ابتداءً من قرية رفح). وسمع أهل القرية بالتوجه البريطاني الجديد، فذهب المختار (حسن مسلم أبو شاويش حينها) ومعه بعضاً من كبار أهل القرية إلى مدينة غزة، للتعرف على طبيعة القوانين البريطانية الجديدة، وتوجهوا لرجال من آل الشوا والصوراني (من أعيان أهل غزة المطلعين على مجريات الأمور)، وفهموا منهم أن القانون البريطاني الجديد يقوم على سياسة »وضع اليد«؛ بحيث أن الشخص المقيم في بيت أو قطعة أرض لمدة تزيد عن 10 سنوات، ويشهد له جيرانه بذلك، يتم تسجيل الأرض أو البيت باسمه. فتوجه المختار ومن معه إلى محامي يدعى »الشيخ سليمان التاجي«، من سكان الرملة، وهو رجل كفيف ومعه كاتب. فرووا له قصة الأرض المنهوبة في قرية بَرْقَة من قِبل »أبو خضرة«، فسألهم هل يوجد رجال قادرين على حجر الأرض والصمود فيها، وهل أهل القرية مستعدين لكي يشهدوا لبعضهم البعض في ملكية تلك الأرض؟ فكانت إجابتهم بالتأكيد والموافقة؛ فلم يكن أمامهم إلّا هذا السبيل
2) أهل القرية يُعلنون التمرُّد والثورة على رجل الإقطاع الزراعي:
قام المختار ومعه الوجهاء بجمع أهل البلد في مسجد القرية، وأقسموا على السيف والمصحف بأن: »دمهم واحد.. وقرشهم واحد«، وأن يلتزموا مع بعضهم في الصمود في الأرض، والشهادة المتبادلة أمام لجنة ترسيم الأراضي، على أن يتم توزيع أرضي القرية بين العائلات والحمائل بعد تسجيلها لدى الدوائر الحكومية. وخلال تلك الفترة كان »أبو خضرة« قد استثمر الكثير من الأراضي لصالحة، كما ونجح في استقطاب بعض رجال القرية (من غير ملاك الأرض) للعمل معه. وكان يملك حوالي 100 سكة (تُستخدم في حرث الأرض)، وكان يستغل أفضل أراضي القرية وأخصبها؛ فقد كانت الأراضي حينها مشاع، وكان أهل القرية بالعادة يوزعونها بينهم كل عام بالقرعة، وبالتالي لم تكن الأراضي ملكية فردية للعائلات؛ بمعنى أن كل الأراضي التابعة للبلد هي ملك لكل أهل البلد، دون تحديد من يملك ماذا، وأين؟
وفي تلك المرحلة كان »أبو خضرة« الأب قد رحل، وترك الأرض لأبنائه، وكانوا في ذلك العام (خلال السنوات الأولي لدخول الانجليز لفلسطين) قد زرعوا القمح في أفضل أراضي القرية. فجمع أهالي البلد عدد من الشباب الأشداء القادرين على حمل البارود والسيوف، وهي أسلحة من مخلفات تركيا بعد الحرب العالمية الأولى. كانت مهمة أولئك الشباب ردع كل من يهاجم أهل القرية، وكلفوهم بأمور الحماية في مقابل أن تخصص لهم حصة من الأرض، بعد نجاحهم في استردادها من »أبو خضرة«؛ وفقاً للخطة التي اتفقوا عليها مع المحامي. وبدأ أهل البلد التمرد والثورة على »أبو خضرة«. انتظر أهل القرية قرب موعد حصاد القمح، وقبل الموعد بأسابيع قاموا بالهجوم على تلك الأرض المزروعة، وقاموا بحرثها وقلب الزرع؛ بهدف تخريبها. وحين رأى رجالات »أبو خضرة« هذا المنظر، تدخلوا بإطلاق النار، فرد عليهم المسلحين من شباب القرية بإطلاق النار؛ لإرهابهم وإثنائهم عن الهجوم على أهل القرية، فما كان منهم إلّا أن تركوا المكان وغادروا، حينها بدأ ما يمكن تسميته بـ»الثورة« على »أبو خضرة«، وعلى القوانين الجائرة التي انتزعت الأرض من أصحابها الحقيقيين. واستمرت سيطرة أهل القرية على الأرض المنهوبة منهم بالقوة، فتنبه أبناء »أبو خضرة« للأمر، وعلموا أن أهل البلد قاموا بتوكيل محامِ للدفاع عنهم، فقاموا هم أيضاً بتوكيل محامِ يهودي يُدعى » دهود ميال«، من يهود القدس، وهذا المحامي –حسب بعض الآراء- هو سمسار أراضي للمؤسسات الصهيونية.
3) عرض قضية الأرض أمام القضاء:
بعد فترة من المشاحنات حول ملكية الأرض، تقابل الطرفان (أهل البلد ومحاميهم) من جهة، وأبناء »أبو خضرة« ومحاميهم من جهة أخرى في المحكمة، التي انعقدت – حسب الشهود- في مدينة المجدل، وكانت هذه هي المحكمة الأولى. ونتيجة لتضامن أهل القرية، الذين شهدوا لبعضهم البعض في ملكية تلك الأراضي، صدر حكم المحكمة بأحقية أهل البلد في أراضي القرية، وهذا ما شجعهم في الاستمرار في خطواتهم. لكن »أبو خضرة« لم يستسلم، فقام بالاستئناف على الحكم. ويبدو أنه تنبه لما يحدث في القرية من تضامن الأهالي مع بعضهم البعض، فأخذ في إغراء البعض من أهل القرية لإفساد خطوتهم، وتحريضهم على بعضهم، واستمالتهم لصالحه، في مقابل إعطائهم بعض الأراضي. وكان »أبو خضرة« يعرض في حينها قطعة أرض مساحتها 100 دونم لكل عائلة في محاولة لاستمالتها للانضمام له، ولا شك أنه قد نجح في حالة أو اثنتين، إلّا أن ذلك لم يفت من عضد أهل القرية، الذين جسروا واستمرأوا الحالة بعد قرار المحكمة.
وفي السنة الثانية تم تحويل القضية إلى المحكمة المركزية بغزة، وكان الحكم لصالح أهل القرية للمرة الثانية. واستأنف المحامي اليهودي (محامي أبو خضرة) على قرار محكمة غزة، فتم تحويل القضية في السنة الثالثة لمحكمة القدس، التي كان يرأسها قاضي انجليزي وبعضوية اثنين من العرب، وهناك أبدع محامي أهل، القرية وقدَّم مُرافعة قوية للغاية، اختلط فيها القانون بالسياسة، وارتفع صوته على هيئة المحكمة، مندداً برجالات الإقطاع، الذين يسمسرون على الأراضي ويبيعونها لليهود، مما دفع بالقاضي لتحويل القضية للمحكمة العليا في لندن، الأمر الذي أصاب أهل القرية بالحزن الشديد؛ حيث أن مشوار القدس كان صعباً عليهم (أمضوا يوم أو يومين في الطريق للقدس)، فما هو الحال مع المشوار إلى لندن ؟! إلّا أن المحامي الفلسطيني حاول التخفيف عليهم، صائحاً فيهم بأن لا يقلقوا، وأنه جاهز لأن يُكمل المشوار معهم، وأنه مستعد للسفر إلى لندن.
لا شك أن تحويل القضية إلى المحكمة في لندن قد أصاب أهالي القرية بالحزن الشديد، ومن ناحية أخرى بدأ بعض أهالي القرية يشعرون بالخوف، وأحياناً عدم الثقة في بعضهم البعض، نتيجة للإغراءات التي يمارسها أبو خضرة ورجالاته على أهالي القرية، وبدأت حالة من الشك تسود العلاقة بين الأهالي. ويدلل الحاج عبد الرحمن أبو شاويش على حالة الشك تلك بالقول: » كان هنالك شجرة جميز كبيرة على طرف البلد، وكان كل يوم يصعد إلى قمة الشجرة أحد الأشخاص، لمراقبة من يتردد على »عليّة أبو خضرة« من أهل القرية. والملاحظ أنه خلال فترة المنازعات والمحاكم بين أهل البلد و»أبو خضرة«، كانت العلاقات سيئة بين أهل القرية (وتحديداً آل أبو شاويش)، وأبناء »أبو خضرة« ومن وقف معهم من أهل البلد، وهم قلة. وقد أثرت تلك الحالة على العلاقات الاجتماعية بين أهل القرية، واستمرت تلك الحالة لعدة سنوات حتى بعد انتهاء النزاع«
4) التفاوض بين أهالي القرية ورجل الإقطاع الزراعي (أبو خضرة)
كان أحد أبناء أبو خضرة ويُدعى »هاشم أبو خضرة«، وهو تاجر حمضيات كبير تعثّرت تجارته، فأصبح مدين للبنك بملغ 40 ألف جنية فلسطيني، ويريد أن يبيع جزء من الأرض لسداد البنك، وبعد تفاوضه مع أخوته وتوزيع تركة والدهم، كانت حصته الأكبر من التركة في أراضي قرية بَرْقَة، بالإضافة لحصة لهم في أرض تل الربيع (تل أبيب) والشيخ مونس وغيرها. والمهم في الأمر، أنه بعد قرار محكمة القدس أراد »هاشم أبو خضرة« أن يتفاوض مع أهالي القرية، ولأن العلاقات مع الأهالي كانت متوترة أو شبه مقطوعة، فقد اختار طريقاً مختلفة للتفاوض؛ فاعترض، هو ونفرٌ من رجاله المسلحين، طريق أحمد أحمد أبو شاويش الملقب بـ»الباشا« وهو ذاهب لقرية بشيت، وللوهلة الأولى ظن الباشا أنهم قادمون لمهاجمته فاستعد لذلك، إلّا أن حديث هاشم فاجأه حين بادر بالقول: » نريد أن ننهي الخلاف يا باشا، ونُقَسِّم الأرض بيننا وبينكم بالنصف .. على أن يختار أهل البلد القطعة التي يريدونها، ويتركوا الأرض التي لا يريدونها«. وبعد أن تدارك »الباشا« المفاجأة رد عليه بالقول: »أنا ذاهب الآن إلى قرية بشيت .. امنحني فرصة لأشاور أهل القرية وأرد عليك ..«، إلّا أن »هاشم« ألحَّ عليه واستحلفه بأن يعود على الفور للقرية، ويشاور إخوته وأبناء عمه وباقي أهلها في هذا الأمر، وهذا ما كان. تزامن هذا العرض مع حالة من الضعف والوهن والإعياء، التي أصابت أهل القرية، نتيجة لطول مدة التقاضي، وحالة القلق والشك من نتيجة المحكمة، ولما تكبده الأهالي من أعباء مالية نتيجة للمحكمة.
وبمجرد عودة »الباشا« للقرية تداعى أهلها للاجتماع والتباحث في الأمر، فتباينت الآراء بين رفضٍ للفكرة، وقبولها باعتبارها تضمن لهم حصة معقولة، وأمام هذا التضارب قرروا التوجه إلى المحامي في يافا، وطرحوا عليه الأمر، فرد عليهم بالقول: » والله يا آل أبو شاويش ويا أهل بَرْقَة ما أحد في فلسطين وقف للأرض وفعل كما فعلتم .. أنا أعلم أنكم تعبتم كثيراً خلال سنوات التقاضي .. وهذا الحل معقول جداً لكن بشرط أن يأتي كل ورثة »أبو خضرة« ليوقعوا على هذا الاتفاق«. وبالفعل عادوا إلى القرية وأبلغوا »أبو خضرة« بما توصلوا له، وفي اليوم التالي توجهوا إلى المحامي، وهناك تفاجأ أهل القرية بوجود أهالي من القرى المجاورة من البطاني والقسطينة ويسور، التي كانت تعاني من نفس المشكلة، فوجدوهم واقفين أمام مكتب المحامي في يافا، بانتظار نتيجة الخطوات التي وصلوا لها؛ ذلك أن أي نتيجة يصل لها أهل بَرْقَة يمكن أن تنسحب على باقي القرى، وكان انتظار أهالي القرى الأخرى لمعرفة هل سينجح أهل بَرْقَة أم لا؟.
وبالفعل تمَّ عقد الاتفاق بين أهالي القرية وورثة »أبو خضرة«، على تقسيم الأرض موضوع النزاع (المنهوبة) بالنصف، انتظاراً لوصول لجنة »الطابو« لكي ترسم الأرض. فاختار أهل البلد مجموعة من الأراضي هي: أرض الروب، وأرض أبو واوي، والوسطة، والسبعة، وهي ما كانت تسمى بالوجه القبلي، وهي من أفضل الأراضي الزراعية، وتقع في الجنوب الغربي من القرية، وتحدها قرى: أسدود، والبطاني الغربي، والبطاني الشرقي. بالإضافة لقطعة أخرى وهي أرض أبو خشيبة وتسمى »سُكرير أو صُقرير« وهي تقع شمال القرية، وتحدها قرى: يبنا، وبشيت، وأبو سوريح، وهي معزولة نوعاً ما عن أراضي البلد، هذا علاوة على عدد من الحواكير الصغيرة داخل القرية وعلى أطرافها. وتم توزيع الأراضي على العائلات التي التزمت مع أهل القرية ضد »أبو خضرة«، كما كانوا قد اتفقوا عليه في بداية عصيانهم، بحيث أن كل عائلة حصلت على مساحة أرض تعادل عدد الأنفار
تم تقسيم الأرض كما هو متفق، ولتسهيل إجراءات ترسيم الأرض وتسجيلها في الطابو، تم منح كاتب في دائرة الطابو يُدعى »حلمي المباشر« قطعة أرض بمساحة 100 دونم، تقع في أرض الروب في وسط أراضي أهل القرية، لكي يُسهل لهم إجراءات تسجيل الأرض. ويُذكر أن هذا الرجل عرض تلك القطعة لاحقاً للبيع، فيبدو أنه كان مستشعراً الأخطار الداهمة على فلسطين في أعقاب قرار التقسيم 1947م، فتشارك بعض الفلاحين من غير الملاك وتقاسموها فيما بينهم
وهكذا عادت الأرض، أو جزء منها على الأقل، لأهلها الحقيقيين، وانتزعوها من بين أنياب الإقطاع الزراعي، وحافظوا عليها من التسرب والبيع، وتم تسجيلها في سجلات الحكومة باسمهم، وهي قطع الأراضي التي عرضناها سابقاً.