احتلال القرية - بَرْقَة - قضاء غزة

جاء احتلال القرية خلال العملية العسكرية المسماة براك (البراق)، خلال الفترة 9-12 مايو 1948، والتي استهدفت قرى: بشيت، بيت دراس، البطاني، السوافير، بَرْقَة، والنبي روبين، كما طُرد خلالها أهالي قرى: عبدس، جولس، وبيت عفا وقد اشترك أهل القرية مع أهالي القرى المجاورة في مقاومة الاستيطان والغزو الصهيوني، من خلال نصب الكمائن لقوافلهم. وكذلك في المعارك التي دارت حول القرى المجاورة لهم مثل: بشيت، وبيت دراس، وأسدود وغيرها. وفي الفترة ما بين 10-13 أيار 1948 قام لواء » جفعاتي« بالهجوم على قرية بَرْقَة، لتوسيع رقعة سيطرته نحو الجنوب؛ للاتصال بالمستعمرات الجنوبية.

وخلال تلك الأيام العصيبة، دارت مجموعة من العمليات العسكرية في القرى المجاورة لقرية بَرْقَة كان لها أثر كبير على معنويات الأهالي. كان من أشهر هذه العمليات تلك التي قام بها لواء »جفعاتي« في قرية بيت دراس، حيث دمر وحرق كثير من بيوتها، وسقط خلال العملية 50 ضحية، بالإضافة لتدمير الآبار، وحرق مخازن الغلال، إلّا أن أهالي القرية والقرى المجاورة استطاعوا صد الهجوم. ثم عاودت العصابات الصهيونية (الهجاناة ، وشتيرن، والبلماخ) الهجوم على بيت دراس مرة أخرى بتاريخ 21 مايو 1948م، وطردت الأهالي بالقوة، وأطلقت النار بشكل عشوائي، وقتلت عدداً من النساء والأطفال أثناء طردهم من القرية. كما قامت عصابة »البلماخ« خلال الفترة من 12-13 مايو 1948م بالهجوم على قرية برير، ونفس الأمر مورس على قريتي: زرنوقة وجولس، وكذلك فعلت في قرية بيت عفا في 9 يوليو 1948م، حيث أقدمت على إعدام شباب القرية بعد تقييدهم.

ويروي الحاج عبد الرحمن أنه كان من ضمن المجاهدين الذين فزعوا/ شاركوا في معركة بيت دراس، ويروي أنه كان يحمل بارودة من نوع »ستن« 36 طلقة انجليزية الصنع كان قد اشتراها، ويَذكُر أن حوالي 20 شاب من شباب قرية بَرْقَة قد شاركوا في صد الهجوم. وأما الحاج علي فيقول: » كنت واعياً جداً عندما حصل هذا الهجوم، وفزعت مع من فزعوا وكان معي بارودة، ثم عاود اليهود الكرَّة مرة أخرى على القرية، ونجحوا هذه المرة في احتلالها، وقُتل عدد من المقاومين في هذه العملية. وبعد انسحاب الانجليز في 15/5/1948، بدأت العصابات الصهيونية في احتلال معسكرات الإنجليز، وأخذوا يُهجروا الأهالي من القرى« 

وكان واضحاً أن هدف الصهاينة من المذابح التي اقترفوها ضد الأهالي، هو نشر الفزع والخوف بين سكان القرى المجاورة؛ لإجبارهم على النزوح. وهو ما حدث بالفعل مع سكان عدد من القرى مثل: البطاني، والقسطينة، والسوافير، وجولس، وياسور. ولا شك أن تلك المجازر، وما تناقله الناس من فظائع العصابات الصهيونية، قد أثَّر سلباً على صمود الناس في قراهم، فانتقلوا لأماكن أكثر أماناً، مثل مراكز المدن، أو القرى الكبيرة، بحثاً عن الحماية أو ما يمكن تسميته بـ »الأمن الجماعي«

وعن السؤال: كيف ومتى خرج أهل بَرْقَة؟ يقول شهود العيان:  »بعث اليهود برسالة لأهل القرية، عبر رجل من أهل البلد كان يعمل لديهم في المستعمرة، يُدعى »عبد السلام المُغربي«، وكان مضمون الرسالة واضحاً ومُختصراً، أن على أهل البلد أن يسلموا سلاحهم للهاجاناة خلال ثلاثة أيام، وإلّا فليتحملوا نتيجة ذلك. إلّا أن مخاتير القرية ووجهائها لم يُعيروا ذلك التهديد أي اهتمام. وفي ذات الليلة رأى أهالي القرية »عبد السلام المغربي« وهو يَحمل أهل بيته ومتاعه على عربة حمار ويُغادر البلد، متجهاً لقرية أسدود، الأمر الذي خلق حالة من البلبلة في وسط الأهالي، مما دفع بعضهم للخروج والمبيت في المناطق الخالية (خارج حدود القرية)، وفي النهاية استحسن الجميع فكرة إخراج النساء والأطفال من البلد، ليبيتوا في المناطق الزراعية بين قريتي بَرْقَة وأسدود، وذلك لإفساح المجال أمام المقاتلين داخل القرية

وفي الساعة الثانية من بعد ظهر اليوم التالي، جاءت الدبابات لتحيط بالقرية من الجهتين: الشمالية والشرقية، من جهة مستعمرة »جان يبنا«، ومستعمرة »تل الريح«، وفي كل جهة حوالي (10 – 12 دبابة)، بالإضافة لكتيبة من المشاة قادمة من جهة الغرب (من جهة وادي العسل)، وعندما أُحكم الطوق على البلد، بدأ المسلحين بإطلاق النار على الدبابات، فردت الدبابات بالقصف، وكان واضحاً الفرق الكبير في العدة ونوع السلاح بين الطرفين، وقاوم المقاتلون على قدر إمكانياتهم من التسليح، وبعد معركة غير متكافئة دخلت الدبابات القرية، وكانت بطبيعة الحال فارغة من السكان. وعلى أثر دخولهم للقرية فزع المسلحين من قرية أسدود وغيرها من القرى المجاورة، وأخذوا يطلقون النار، ومن لم يكن يملك سلاح لوح بسيفه أو بعصاته، مكبراً ومهللاً للجهاد. إلّا أن القوة اليهودية نجحت في الأخير في دخول القرية، وبمجرد دخولهم بدأوا سريعاً في تفتيش البيوت، ونسفوا أربعة منها، وحرقوا الجرون. وقد استمرت هذه المعركة ما بين 4-5 ساعات، ثم انسحبوا من القرية. وبمجرد انسحابهم عاد رجال القرية لها، وأخذوا يتفقدون آثار المعركة والاجتياح. 

وبعد هذه المعركة عاد أهل القرية لحياتهم الاعتيادية، واستمروا في تخزين الحبوب والعودة للحياة الطبيعية، ظناً منهم أنها مجرد حادثة عابرة »عركة« ومرّت، فكانوا يعملون في النهار في فلاحة الأرض في بَرْقَة، ويذهبون للمبيت في الليل في قرية أسدود، حيث تركوا نساءهم وأطفالهم، ومنهم من كان يفضل المبيت في الأحراش المتاخمة لبَرْقَة. ويُذكر أن أحد رجال القرية ويدعى »سليمان أبو سرية«، قد استشهد أثناء محاولته العودة لبَرْقَة، نتيجة لانفجار لغم أرضي، كان الصهاينة قد نصبوه على أرض القرية لمنع أهلها من العودة إليها. وكان واضحاً أن العصابات الصهيونية قد مارست التطهير العرقي للقرية، وأرادت التخلص نهائياً من أهلها، وضمان أنهم لن يعودوا أبدأ.

ورغم ذلك فقد استمر رجال القرية يحصدون أرضهم (كان وقتها موسم حصاد القمح والشعير)، بعد مرور حوالي (15-18 يوماً) على تلك الحادثة وأثناء عملهم في القرية، سمعوا إطلاق نار شديد في قرية أسدود، وساد الاعتقاد لديهم للوهلة الأولى أن اليهود هاجموا قرية أسدود، فتجمع الفلاحون والمسلحون بالقرب من مقام »النبي برق«، وسرعان ما جاءهم الخبر عبر أحد أبناء القرية يدعى »أحمد أبو علي أبو شاويش«، الذي حمل لهم »البُشارة« بدخول الجيش المصري لقرية أسدود، وأخذ يصف لهم عدد وعدة الجيش المصري، بدباباته، وسلاحه، وأن هذا الجيش في طريقه لقرية يبنا، ومدينة يافا، وسط ذهول من المستمعين، الذين قرروا الذهاب لأسدود على عجل؛ لمشاهدة الجيش المصري. 

يُذكر أن طلائع الجيش المصري كانت قد دخلت قرية أسدود، صباح يوم السبت الموافق 9 يونيو 1948م، بقيادة الأميرالاي »محمد نجيب«، وأخذ الجيش موقعه شمال محطة سكة الحديد، وشرع في إقامة استحكاماته وخطوطه القتالية. وكانت فرحة الأهالي عارمة واستقبلوا الجيش المصري بالحفاوة والترحيب. وهناك في أسدود راح الجيش المصري يلتزم خطة الدفاع، بدلاً من الهجوم، فلم يستطع أن يتقدم إلى قرية يبنا، البلد التي كان يعتزم الوصول إليها، وهو البلد القريب من اليهود

عملية باراك: هي عملية عسكرية قامت بها عصابات »الهاجاناه« الصهيونية، للسيطرة على المناطق الواقعة جنوب وغرب مدينة الرملة، وشمال قضاء غزة، وقد بدأت هذه العملية في شهر آذار/ مارس 1948م، وقام بها لواء »غفعاتي« بقيادة شمعون أفيدان، واستمرت إلى ما بعد الهدنة الأولى، وقد أسفرت عن احتلال العديد من القرى الفلسطينية وتدميرها. وهذه العملية جزء من الخطة العسكرية الموسومة بالخطة دالت » د«.