معلومات عامة عن صفورية - قضاء الناصرة
معلومات عامة عن قرية صفورية
قرية فلسطينية مُهّجَّرة، كانت شمال غرب مدينة الناصرة، وتتميز بموقعها المتوسط بين مدينتي حيفا والناصرة، إذ تَبعد عن الناصرة 7 كم، وتتربّع على تلٍّ بارتفاع ٍ110 م، تشكل المنطقة المحيطة بصفورية مدخلاً إلى الجليل الأسفل لذا كانت صفورية لفترة زمنية طويلة أكبر وأهمَّ قرية في منطقة الجليل، ومنحها موقعها هذا ميزةً استراتيجيةً عبر العصور، تقدَّرمساحتها المبنية بنحو 102 دونم من مجمل مساحة أراضيها البالغة نحو 55378 دونم.
احتُلّتِ القرية يوم 16 تموز/يوليو عام 1948 تمهيداً للهجوم على مدينة الناصرة في سياق عمليةِ "ديكل".
الحدود
تتوسطُ صفوريةُ قرىً ومدناً عدة هي:
كفر مندا، رمانة، كفر كنا ، المشهد، مدينةِ الناصرةِ، وقُرَى الرينة وعيلوط، غزالين وخربة زرير.
المناخ
الشتاء في صفورية
نقلاً عن صفحة الأستاذ والباحث: محمد التوبة على فيسبوك، ومشاركة خاصة منه لموسوعة القرى الفلسطينية
من أواخر آب تبدأ الغيوم البيضاء تتشكل في السماء وترسم عليها أشكالاً جميلة يذهب الخيال الطفولي في تفسيرها مذاهب شتى، فكم من غيوم قلنا عنها إنها مئات الأغنام البيضاء، أو أكوام الصوف أو أشكال الجِمال أو المارد المخيف، كنا أطفالا نجلس على حجارة على البيادر خلف بيتنا ونسرح النظر في كل شيء. ومن أعاجيب الجَمال المغرق في الجمال عندما يبدأ ورق الأشجار يتساقط قليلاً قليلاً وتتعرى الشجرة تدريجياً وترسم بذلك لوحات رائعة. والورق المتساقط يحوم مع النسمات الغربية ويصدر هسهسة وخشخشة تكاد تكون موسيقى طبيعية. وما رأيت أجمل من شجرة التين وهي تتعرى وما رأيت أجمل من اللوز والمشمش والقراصية حين يبدأ في ما بعد بارتداء ملابسه من الزهر الفتان. في صفورية تتطلع العيون والقلوب كل يوم في أواخر آب وأوائل أيلول للسماء تنتظر أول شتوة وهي ما يعرف بالوسم. وفي أوائل أيلول يبدأ الزُّراع بقلب الأرض أي حراثتها لأول مرة والغرض من هذه الحراثة الأولى انتظار الوسم فإذا نزل المطر الأول استبشر الناس وهنأوا بعضهم وكل من كان قلب أرضه أي حرثها أول حرثة ينتظر قليلاً فيرى الأرض هبت بالأعشاب البرية فإذا طالت سيقانها قليلاً قلب الأرض قلبة ثانية ليقتلع هذه النباتات البرية الضارة للزراعة. وما تنتهي تشارين إلا والأرض قد بذرت أو زرعت بما يريده الزارع، ثم تأتي الأمطار ويكون الاستبشار بها. وإذا تأخر المطر كان أهل صفورية مثل بقية المسلمين يصلون صلاة الاستسقاء ولكنهم كما علمت من الكبار كانوا يضيفون إلى ذلك أنهم يجمعون الحصى من الوديان ويقرؤون عليه أيات من القرآن الكريم هي سورة الإخلاص والمعوذتين وغير ذلك ثم يعيدونها إلى الوديان وبفضل الله تنزل الأمطار غزيرة حتى أنهم يخافون من استمرار المطر المخيف فيعودون ويجمعون أكوام الحصى التي وضعوها ليتوقف المطر. ولم أستطع أن أعرف ما أصل هذا العمل، ولكني سمعته من عدة مصادر.
وفي كوانين تطول الليالي ويتعذر العمل أحيانا بالأرض لغزارة الأمطار. وأكاد أجزم أن من عاش في صفورية ما كان يرى الشمس من كوانين إلى آذار إلا قليلاً ومن وراء سحب كثيفة تسرق الشمس أحيانا إطلالة سريعة وتختفي، كأنها عروس يغلبها الحياء فتخبئ وجهها الجميل خلف اللثام. في كل يوم بعد العصر تتصاعد من الغرب سحب سوداء كثيفة ومنخفضة تجعل النهار ليلاً بكل معنى الكلمة، وحين يصل ذلك السحاب المثقل بالماء تنطلق البروق ا لعجيبة التي كان تضئ الدنيا كلها وتقصف بعدها الرعود القاصفة العجيبة التي كانت تحمل في أحيان كثيرة صواعق تصيب الأشجار فتحرقها وربما تصيب أي شخص يحتمي من الصاعقة تحت الشجر وكان هذا أمراً يتواصى به الأهل: لا تحتمي من البرق والرعد تحت الشجر. وقد فقدت صفورية بعض الناس في الصواعق. وأهل صفورية وخصوصاً من كانت بيوتهم عالية كانوا يضعون مانعة للصواعق. كانت زخات المطر الأولى عنيفة كثيفة شديدة غزيرة يصعب أن ترى الطريق منها وكانت تملأ الشوارع والوديان بسرعة شديدة تجعل من الشوارع سيلاً جارفاً لأن صفورية على جانبي البيادر هضبتان وتتجه السيول النازلة منهما إلى البيادر وتجعل من بيادر صفورية بجانب العين بحراً وسيلاً لا يقوى أحد على السير فيه وتصير وديان صفورية أنهاراً غزيرة تصب في منطقة البركة وتصب في البطوف أو في وادي الخلديات وفيها بساتين هي من الجنان العجيبة وفيها رمان ما رأيت مثل في العالم وكان مشهورا في الناصرة وحييفا والملوخية فيه كانت أيضاً مشهورة أو الجلخ وغيرها. والوادي في الحارة الغربية الذي يتشكل من المياه النازلة من غرب القلعة من جهة بيوت الأشراف وبيت الشيخ هاشم ودار عبد الهادي والغنايمة كان يمر من حارتنا وينحدر كالشلال الهادر. وكثيراً ما حملت الوديان بعض الأغنام والدواب، ولكن الناس تكون حذرة . وبعد أن تصحو الدنيا قليلاً ،كان الناس يحبون أن يعرفوا أثر المطر على سهل البطوف وهو يمتد من أراضي شفا عمرو حتى صفورية والقرى المحيطة بها ولكن الملكيات الرئيسية فيه لصفورية. والاطمئنان على أن البطوف ارتوى ورحرح الماء فيه كان يجمع كل وجوه صفورية في البيادر الواقعة خلف بيتنا لأن المكان هناك كان يطل على أوسع مساحة من البطوف وفي هذا الموقف رأيت معظم وجوه صفورية، وكثيراً ما شربوا القهوة في مضافة عمي القريبة وإذا كانوا مستعجلين كنت أحضر الدلة ويصبها من هو أكبر مني سناً، ولكني أسمع وأمثالي من الأطفال كلمة: عفي الشاطر، وبارك الله فيك، وأسمع من هؤلاء الأجلاء أحاديثهم عن المواسم والخير المتوقع وكانت الزيارة لهذا الموقع خلف بيوتنا تتكرر حتى أكاد أقول لا يبقى رجل ولا امرأة إلا وكانت تريد أن ترى منظر سهل البطوف بعد الشتاء وليطمئن الجميع أنه صار يلمع مثل البحر وهذا يعني أن الآبار سوف تتغذى وأن الموسم الصيفي سيكون ممتازاً وأن المراعي ستكون متوافرة وأن الحلال سيشبع وهذة مؤشرات اقتصاد صفورية الأساسية. سهول شاسعة من القمح والشعير والذرة والسمسم والعدس والحمص والفول وغيره، وأشجار الزيتون والفواكه، والخضروات ، والأغنام والأبقار والماعز والخيل ودواب التحميل، ثم الموسم الصيفي بكل البطيخ والشمام وغير ذلك.وسوف أشرح في مقالة لاحقة ماذا تعني كل مفردة من هذه المفردات إن شاء الله. وكل ذلك متصل بفضل الله تعالى ثم بالأمطار المباركة التي كانت تنزل وتفرح بها النفوس.
وأحياناً تمر أيام وأسابيع لا نرى فيها الشمس ، والمطر لا ينقطع إما غزير ، أو رشاش، أو رذاذ، او نفناف، أوضباب يلامس الأرض بليلاً ويمنع الرؤية وبللك الثياب. وينزل أحيانا البـَرد وصفورية دافئة لأنها ليست بعيدة عن تأثيرات البحر، وكان الذي يقف على بيتنا يرى بحر عكا يلمع وهذا من كل بيوت الحارة الغربية من القلعة ونازلاً. ولم أر الثلج فيها ولكن البـَرد كان أحيانا مثل حجم قبضة اليد وكان من الممكن أن يؤذي من لا يتذرى بسرعة ويترافق مع صواعق من برق ورعد وظلام كامل في النهار كأنه ليل. ومع ليالي الشتاء الطويلة تطول الخراريف والأسمار وتحلو من الجدات كان ياما كان ولكن لهذه الأجواء أحاديث أخرى.
ياصفورية، يا أُنس الأرواح الهائمة بهواك، ويا متعة النفوس التواقة المشتاقة التي أضناها الغياب، ويا وشوشات العشاق تحت التين والزيتون والرمان، وبين الزروع وبين الهشير، ويا ضحكات الأولاد تحت المطر الهاطل بالخيرات،
يا صفورية،
يا ليالي الشتاء المتمادية المتطاولة على أحاديث الأحباب ويا كانون الجمر المتوهج ومعاميل القهوة الذهبية. يا رائحة البرتقال ونحن ندفئها على النار، ويارمان الخلديات ونحن نقشرك من الرمان الميبس ، ويا مربى السفرجل ، ويا أيها النُّقل الذي أكلنا منك اللوز والبندق والفستق والكعكبان وقصقصنا البزر ، ويا أيها القطين والزبيب والراحة والزعرور والخروب الناشف ما أطيبك في البرد وما أجمل جلسات الأحباب في ليالي صفورية، ويا بلوط غابتنا وأنت تفرقع على النار، ويا أيتها البروق والرعود التي سبَّحنا الله على صوتك ، ويا أيها النعاس اللذيذ الذي كنا نقاومه وحديث الأحباب ينسكب في آذاننا، ونقاوم لا نريد الزمان أن ينقضي ولا نريد الحكايات أن تتوقف ولا نريد أن ننام حتى يأخذ علينا الغرام ويغلبنا النوم العميق.
أكان كل ذلك أضغاث أحلام ياصفورية
لا، هذا مستحيل. قلوبنا ما تزال تخفق شوقاً إليك، وأرواحنا أبداً تحن إليك، ولن ننسى ولن نسامح. ولعائن الله والملائكة والناس أجمعين على كل من ساهم في ضياعك، وعلى كل من لا يستعد لاسترجاعك. اللهم اكتب لنا العودة إليها أو الشهادة في سبيل الله والقتال على أرضها، اللهم ارزقنا النصر أو الشهادة على بطاح صفورية، واشف صدورنا من القوم الظالمين.
ولكن الكلام عن الشتاء للكبار لا ينطبق على الأطفال والمراهقين في وقت الأمطار لأنها وقت للمرح والمغامرة والغوص في اللاصة.
يلبس الطفل الصفوري ملابس داخلية من قميص نصف كم وشروال حتى الكعب، وفوق ذلك الديماية، ثم الطاقية على الرأس، وفي الشتاء يضاف لها الصدرية وهي عادة من قماش الديماية، وفوقها إذا لزم كنزة صوفية كان تسمى بردوسيه، ويبدو لي اسماً أعجمياً مستعاراً، وإذا لزم ففوق الكنزة جاكيت، وإذا لزم حطة فوق الطاقية يلف بها الطفل وجهه. وهذه أقصى حمولة ملابس وبعدها يَـزِرُّ الكندرة وينطلق. ويكاد يكون هذا اللباس صورة طبق الأصل عما يلبس الأب الكبير ولكن يزيد الأب العباءة فوق الملابس ، أو إذا كان في البر فيه الفروة فوق كل ا لملابس. وكان الكبار يلبسون البسطار في الشتاء بدل الكندرة. والطفلة ليست بعيدة عن لباس أمها في اللباس الداخلي تلبس الشلحة والشنتيان، ثم الفستان الطويل. وفي الشتاء يكون من الجوج أو المخمل الواسع. مع وضع حطة ملونة بنية على رأسها تتبشنق بها.وهناك الكندرة المناسبة.وبالنسبة للمرأة يمكن أن تلبس فوق الفستان الديماية النسائية وهي مشطورة لها بنايق. أو عباية جوخ ثقيلة في الشتاء تضعها على رأسها. وتلبس مثل البنت في الملابس الداخلية شلحة وشنتيان وهذا الشنتيان إما أن يكون عند الساقين قليل العرض يشبه بنطلون الجينز العادي وله في نهايته كشكش يرتمي على كعب المرأة ويستره. أو يكون الشنتيان عريض واسمه رباطي ويشبه بنطلون الشالوستون أو رجل الفيل الذي درج في الستينيات من القرن الماضي ولكن أخره مربوط بدكة ويشد على رجل المرأة وينزل حتى كعب المرأة.
وصفت الملابس باختصار لأبين ماذا سيجري مع المطر. فما إن تبدأ الدنيا بالمطر حتى يصاب الأطفال بنوبة من النشاط الخارق وكل ولد وكل بنت لم تبلغ مبلغ النساء يضع قبوعه ويخرج ليكون تحت المطر. والقبوع هو كيس من الخيش يدخل ببعضه ويوضع على الرأس. وفي المدة الأخيرة كان يوجد مشمعات مثل القبوع ولكنها قليلة والقبوع الأساسي هو كيس الخيش وللكبار الشمسية. وأول عمل يقوم به الطفل هو كسر كل الوصايا الصحية. ويخلع الحطة والطاقية والجاكيت والكنزة ويرميها في قرنة البت ويخلع الكندرة والجرابات ويخرج حافياً فارعاً دارعاً بالقبوع يبحث عن رفاقه ليبدأ الغوص في أي ماء جار، ويبدأ الركض في كل الاتجاهات للنظر إلى الوديان المختلفة والسيول في شوارع الحارة.وبعد استكشاف المناطق يتم البحث عن منطقة في البيادر الغربية أو الشرقية تكون قد صارت ا للاصة فيها رخوة والسيل ليس خطراً للتزلق فيها كأننا نترلج على الثلج، والشاطر من يتزحلق أطول مسافة ممكنة ومن دون أن يقع وكنا بارعين بذلك والتطريش على وجهونا وملابسنا لا يشكل مشكلة ولكن عند السقوط في اللاصة يصير حالنا ريعة.قد يغيب الطفل ساعة أو ساعتين ثم يرجع ليواجه الزمجرة من أمه ويدور الحوار:
الطفل: السلام عليكم ياما، السلام عليكم يا ستي، بدي أغير ثيابي
الأم: شو هاظ، يجيك ويِدَّلى عليك، ويصيبك وينيبك. ريتني أقبرك يا بعيد وَلَكْ إنت ولد والا عفريت، وين كاين ياغضيب
الطفل : كنت ألعب مع اصحابي
الأم : تلعب بأربعتك وراسك الخامس يا بعيد، ثيابك ريعة وصايري قمقومة شو بدي أعمل فيك
الطفل: غيري ثيابي
الأم: قبل ما أغير ثيابك بدي أغير جلدك واسلخوا ودَبْغو بهالقضيب
الجدة: ( وهي موجودة من حسن الحظ): مالك هايصة عالولد مثل الذيبة، كان يلعب وطرش عليه شوية مي،
الأم : هاي لاصة ياما وثيابو كلها مبلبلة، إسا إذا صابتوا رشقة هوا أو أخذ هيه شو بدي أعمل تعال عس إيديه كازز من البرد. الله ريتني ما جبتك، ريتني جيبت كوم طحين تعفروا فيه الحاضرين. وهاي كف على وجهك وهاي زغدي بظهرك
الطفل: لا تضربيني ياما عندك اياها يا ستي
الجدة: ليش بتدعي على الصبي سلامة عمرو راح مثل كل الأطفال والا بدك اياه بنوتي يقعد في البيت
الطفل: حتى اختي إسا بتيجي وبتشوفيها كلها مبلبلة مي
الأم : المي مقدور عليها لكن شو هاظ اللي من ورا، كنك متزحلق على طبطابك. الله يشحرك يابعيد
الجدة: ما بعبر لسانك لثمك استحي على حالك عاد وفوتي غسلي الولد قبل ما ييجي أبوه.
الأم: ماني مغستله ولا مغيرتلو لحد ما يجي أبوه
الجد: أنا بغسله وبغير له. ما شفناك يا صهيون لتقلعت لعيون ، ما عنا إلا نتفة هالولد على أربع بنات ، بدك الطَّلْعيه خُنْجَعة . هذا سبع لأبو وخواله
الأم: تعال، والله لقول لأبوك حتى يهري نعمتك ( وتسوقه الأم إلى التغسيل وهي تضربه على ظهره)
الجدة: لا تضربي الولد على ظهرة لا تؤذي رياتك وتسقطي كلاويه. وإذا اسمعت ولا دريب إنك قايلة لأبوه ما بفوت بيتك.
بعد أن ستحم الطفل، خرج يضحك وسلم على جدته وباس إيدها
الجدة : الله يرضى عليك ياستي وين كاين تهلب في هالجو
الطفل: رحت مع اصحابي على البيادر ومن هناك مشينا للبركة نشوف الوادي ووصلنا لأبو صحن وحودنا لبيتنا من بين الصبر ورجعنا هون.
الجدة: ياستي هاي الطريق خطرة فيها أحيانا سيل قوي
الطفل : بس إحنا يا ستي ما منمشي في الواد منمشي على الصخور العالية. لا تخافي علي .( ودخلت الأم وسته تبوسه وتضمه إلى صدرها)
الأم : يما إنت تَرّخت هاظ الولد، بدل ما تضربيه، شوفي ثيابو والله ما بتنظفها فلقة صابون ولا صدر حنون.
الجدة: عضي على لسانك، الله يعطينا عشرة منو. وريته يعقد عقدة كفني بإيديه. قوم يا ستي كلك لقمة من الصبح وأنت داير برة.( ومن أعاجيب القدر أن الأب دخل والأم تضع الطعام وبعد الجلوس حول الطبق، باس الطفل يد أبيه، وجلس معه للطعام ولاحظ الأب نظافة الإبن وقال:
الأب : ما شاء الله شو هالنظافة في هالمطر، مش عادتك. ( وجحرت الجدة الأم ونظر الطفل إلى أمه، وصمت الجميع
الجدة: الله يعطيك العافية يا أبو محمد إن شا الله اليوم اشتغلتوا
الأب: مع هالمطر، يا حجة، صعب رجعنا مبكرين مثل ما انت شايفة. شايف اليوم مشرفتينا. أهلا وسهلا، وبدأ الطعام،
الجدة: جيت أطل على أم محمد وانمسكت في المطر، إن شا الله صحيت الدنيا شوي،
الأب: يعني بتبخبخ لكنها معمرة وحاملة،
الجدة: لكان لقوم انفد قبل ماتزخ.
الأب: نامي عنا اليوم
الجدة: ماانتي عارف وراي البيت وابوسليم والبنات
الأب: لكان أنا إسَّا بقلطك.
الطفل: ( وهنا صاح الطفل) يابا بدي أروح معك
الأب: إلبس قبوعك وبوتك وثقل على حالك وتعال.
وتستمر الحياة دواليك، ويرجع الطفل قمقومة وابلشي يا ام محمد.
رحمة الله على أهل صفورية وجزاهم كل خير وجعل أمواتهم في جنات النعيم وجمع الأحياء على طاعة الله وبر الأهل والمحارم والأرحام والأنساب . مع التحية
سبب التسمية
منَ الجائزِ أنْ يكونَ اسمُهَا مشتقاً من الكلمةِ السريانيةِ (صفرة) أي (عصفور)، وربما كانتْ تلكَ إيماءاتٌ إلى التلِّ الذي تجثُمُ عليهِ كالطيرِ.
العمران
الأديرة
ديران للرهبان في صفورية، الأوّل دير القديسة حنّة، والثاني يتبع للتيرسانطة، استذكرهما أبو عرب، 'يبلغ من الزمن دير القديسة حنّة 900 عام، بهِ وُلدت السيّدة مريم العذراء، وبناءً عليه تمّ إنشاء هذا الدير الذي يحتوي باستمرار على الرهبان ورجال الدين المسيحيين الذين يعملون لصيانة الدير، وهو محطّ أنظار السياح والزائرين الأجانب. أما الدير الآخر فبدأ بثلاث غرف صغيرة، سنة 1924، وكان يقدم خدمات هامّة لأهالي صفورية، منها تعليم النساء والفتيات الخياطة والتطريز والحياكة، إضافةً إلى وجود عيادة لعلاج الأطفال، وكانت علاقة أهالي صفورية بالأديرة وطيدة جدًا، فيقدمون للرهبان والراهبات الخضار والحبوب وزيت الزيتون، وكان يخصص مجلس محلي صفورية 50 ليرة فلسطينيّة مساعدة لدير القديسة حنّة'.
الآثار
يصعُبُ تحديدُ الفترةِ الزمنيةِ الدقيقةِ لتأسيسِ القريةِ إلا أنَّ معظمَ الأبنيةِ والموجوداتِ الأثريةِ تدلُّ على وجودِ مبانٍ وأدواتٍ تعودُ إلى العصرينِ البرونزيِّ والكنعانيِّ، إضافةً إلى الأبنيةِ التي لاتزالُ أجزاءٌ منها قائمةً حتى اليومِ كالقلعةِ والمسرحِ الرومانيِّ، ونبعِ مياهِ "القسطل"، ولوحاتٍ فسيفسائيةٍ أبرزها لوحة موناليزا الجليل، إضافةٍ إلى ديرِ القديسةِ حنة.
السكان
بلغَ عددُ سكانِ صفوريةَ عامَ ألفٍ وتسعِمئةٍ وخمسةٍ وأربعينَ 1945 أربعةَ آلافٍ وثلاثَ مئةٍ وثلاثينَ نسمةً 4330 موزعينَ على مئةِ عائلةٍ جميعُهم من العربِ المسلمينِ ومن ضمنهم عربُ الحجيرات، بينَما بلغَ عددُ المنازلِ سبعَمئةٍ وسبعةً وأربعينَ 747 منزلاً.
مؤلفات عن القرية
عرض كتاب: صفورية والمجاهد والفتى
جانبا من وقائع القضية الفلسطينية المجهولة، وألقى الضوء على جوانب من حياة قرية صفورية التي تعتبر من أكبر القرى في فلسطين، وبين أثر النكبة في حياة إحدى الأسر التي لجأت إلى سورية. تحدث الكاتب غازي التوبة في الفصل الأول الذي سماه (صفورية في ذاكرة الفتى) عن قرية صفورية التي تقع في لواء الجليل على بعد 12 كم إلى الشمال الغربي من الناصرة، وبين أنها تمتلك قلعة أثرية قديمة في وسطها، وأنها كانت مسقط رأس (مريم بنت عمران عليها السلام), وأن اسم القرية جاء من اسم زوجة موسى عليه السلام، وبين الكاتب التوبة أن عائلته كانت تملك بستانا ذا شجر مثمر، وزيتونا، وأرضا زراعية. وجاء الفصل الثاني تحت عنوان (واقعة نهلال)، ونهلال مستعمرة يهودية في مرج ابن عامر في فلسطين، وهي من أقدم المستعمرات المنشأة في فلسطين، وقد استهدفتها جماعة عز الدين القسام عام 1931، وروى الكاتب على لسان والده أحداث تلك الواقعة، فذكر الكاتب أن والده أحمد التوبة ذهب مع اثنين من أهل بلدته صفورية، وهما: مصطفى علي الأحمد، والحاج صالح أحمد طه إلى مستعمرة (نهلال)، وكان ذلك في يوم 27/12/1931م، وقد استغرق المشي إليها طوال الليل تقريبا، وحملوا معهم بندقية وقنبلة، وألقوا القنبلة على أحد البيوت وكان فندقا، فقتل شخصان، ثم عاد المجاهدون الثلاثة إلى قريتهم صفورية، ولم يتوصل التحقيق الذي فتحه الإنجليز إلى الفاعلين الذين ألقوا القنبلة. ثم ذكر المجاهد أحمد التوبة أن الإنجليز وجدوا قنبلة وبندقية في بيت مصطفى علي الأحمد، وذلك عندما فتشوا قرية صفورية باحثين عن مهربي دخان، وعند مقارنة القنبلة التي وجدوها مع القنبلة التي ألقيت في مستعمرة (نهلال) وجدوا هناك تطابقاً بينهما، ووجهوا اتهاما لمصطفى علي الأحمد بانه هو الذي ألقى القنبلة، وخضع للضغط والخداع والترغيب والترهيب والتعذيب، فانهار واعترف بالقائه القنبلة على اليهود في نهلال واعترف على شريكين آخرين له هما: أحمد التوبة و ابراهيم الحاج طه وهو شقيق صالح الحاج طه الذي كان معهما عند إلقاء القنبلة، وعلل أحمد التوبة هذا التغيير في حقيقة المشترك الثالث بأن مصطفى علي الأحمد قدر أن إبراهيم الذي هو شقيق صالح أكثر صبرا في التحقيقات لذلك ذكر اسمه عوضا عن شقيقه. ذكر الكاتب أن المجاهد أحمد التوبة اعتقل في 10/5/1932م وروى تفصيلات عن السجن والتحقيقات التي تمت مع المجاهدين الثلاثة، وحاول المحققون بالترغيب والترهيب دفع المجاهد أحمد التوبة إلى الاعتراف باشتراكه في عملية نهلال، لكنه أصر على الإنكار وأنه لم يكن من منفذي تفجير مستعمرة نهلال، ثم تحدث المجاهد أحمد التوبة عن المحاكمة التي جرت للمجاهدين الثلاثة وقد أضيف لهم شخصان ألحقا بنفس القضية هما: خليل عيسى الذي أصبح يعرف فيما بعد في الثورة باسم (أبوابراهيم الكبير)، وهو الذي خلف عز الدين القسام في قيادة تنظيم (الجهادية) بعد استشهاده في عام 1935م، والآخر هو احمد الغلاييني، وهو الذي صنع القنبلة التي ألقاها المجاهدون على الفندق في نهلال وكان يعمل سنكريا في حيفا. وقد بين الكاتب التوبة أن المحاكمة جرت في أيلول سبتمبر من عام 1932م في (حي التَخْنُكة) وهو حي يهودي في حيفا، وتشكلت المحكمة من أربعة قضاة، وقد تمت المحاكمة وسط حشد من الجماهيرالعربية واليهودية، ووسط حشد من الصحفيين، وقد استدعت المحاكمة أربعين شاهدا واستمرت المحاكمة ثماينة عشر يوما، حكمت المحكمة في نهايتها بالإعدام بحق اثنين من المتهمين وهم مصطفى علي الأحمد وأحمد الغلاييني، والبراءة للثلاثة الآخرين: أحمد التوبة، وإبراهيم الحاج طه، وخليل عيسى (أبو ابراهيم الكبير)، وبالفعل تم تنفيذ حكم الإعدام بالمجاهد مصطفى علي الأحمد في شباط (فبراير) عام 1933م، أما أحمد الغلاييني فقد توسط له الأمير عبد لله (أمير شرق الأردن) آنذاك عند السلطات الإنجليزية فخففت حكم الإعدام إلى المؤبد. ثم تحدث الكاتب التوبة في الفصل الثالث الذي عنونه (الثورة في عام 1935 و 1936) بأن عز الدين القسام تدارس مع المحيطين به إعلان الثورة والخروج إلى الجبال فكان هناك رأيان: أحدهما يؤيد الخروج وإعلان الثورة، والآخر يرى أن الخروج مبكر، وأن الشعب الفلسطيني غير مهيأ لإنجاح مثل هذا الأمر، وكان عز الدين القسام مع الرأي الأول في حين أن خليل عيسى (أبو إبراهيم الكبير) مع الرأي الثاني، ولكن عز الدين القسام أنفذ أمره وخرج إلى أحراش جنين ومعه خمسة عشر إلى عشرين مجاهدا في خريف عام 1935م ، ثم حاصره الإنجليز ودارت معركة حامية بينه وبينهم واستشهد في 20 نشرين الثاني (نوفبمر) 1935م، واستشهد معه رجال أخرون، وفر الباقون، ثم بدأ الفلسطنيون إضرابا عام 1936م، ثم جاء مجاهدون عرب لمعاونة ونجدة المجاهدين في فلسطين من سورية والعراق ولبنان. وذكر الكاتب أن الثورة كانت مشتعلة في وسط فلسطين وجنوبها، أما شمالها فلم تقم به أعمال جهادية، وأراد المجاهد أحمد التوبة ....تفعيل الشمال وإشعال الثورة فيه، فطلب من إخوانه في (جمعية الجهادية) إرسال عدد من البنادق إلى قرية (الكابري) في محيط عكا، وأشعل معركة في محيط قرية ترشيحا على الطريق إلى عكا، وقُتل عدد من عملاء الإنجليز، وساعدت طائرة إنجليزية العملاء في استكشاف وضعية المجاهدين. ثم تحدث الكاتب غازي التوبة في (الفصل الرابع) عن مجيء حاكم إنجليزي إلى لواء الجليل برتبة جنرال يسمى (لويس أندروز) عام 1937م, وبين أنه جاء إلى صفورية وطوقها وطلب ستين شخصا من مختار القرية، واستطاع مختار القرية أن يجمع (59) شخصا من القائمة المطلوبة و تسليمهم إلى الحاكم الإنجليزي شخصيا إلا واحدا هو أحمد التوبة الذي خشي على نفسه من الإنجليز، وهناك ضغط المختار على آل التوبة من أجل تسليم ابنهم، وكانوا يخشون أن توجه له تهمة القتل من جديد، وذلك أن كثيرين ممن شهدوا أو ساهموا في قضية نهلال قتلوا بعد ذلك، لكن المختار تعهد بحمايته وإرجاعه سالما، وعندئذ سلم آل التوبة ابنهم أحمد التوبة لمختار القرية، وهو سلمه بدوره إلى الإنجليز، وقد مكث في السجن ثلاثة أشهر ثم أخرجه الإنجليز. ثم جعل الكاتب التوبة الفصل الخامس تحت عنوان (اغتيال الجنرال أندروز)، وذكر المراحل التي سار فيها المجاهد أحمد التوبة من أجل اغتيال الجنرال أندروز، فبين أنه اختار أربعة من رفاقه القساميين الذين يعرفهم ويثق في جدارتهم من أجل القيام بعملية الاغتيال بعد أن أخذ موافقة القيادة على ذلك، واجتمع بهم، ووضح لهم الخطة، وجاء الجنرال أندروز إلى الكنيسة مع مرافق و حارسين في السادسة من مساء يوم 26/9/1927م وقد اغتاله المجاهد أحمد التوبة برصاص مسدسه، في حين أن المجاهدين الآخرون تناولوا بقية المرافقين، فقتلوا أحد الحراس، وهرب المرافق إلى داخل الكنيسة وبدأ إطلاق النار على المجاهدين، أما السيارة فقد قفلت عائدة إلى معسكرها، وبعد أن نجح المجاهدون في مهمتهم عادوا إلى بيوتهم، وذكر الكاتب أن هذا الاغتيال كان منعطفا في تاريخ الثورة الفلسطينية، فقد أشعل الثورة من جديد، وقد اعتقلت القوات الإنجليزية 15 ألف شخصاً في جميع أنحاء فلسطين حسب قوائم معدة مسبقا. ثم جاء الفصل السادس تحت عنوان (جهاد والد الفتى في شمال فلسطين)، تحدث الكاتب عن اجتماع (300) مجاهد بقيادة خليل عيسى (أبو ابراهيم الكبير) لمقاتلة الإنجليز في شمال فلسطين، وعمل المجاهد أحمد التوبة مساعدا له، وكان ينوب عنه في قيادة الفصيل عند غيابه، وذكر الكاتب أن معركة وقعت مع قوات الحدود التابعة للحكومة الإنجليزية عند قريتي سخنين وعرابة في منطقة عكا، وكان هناك خيالة مع القوات الحكومية، وساعدت ثلاث طيارات قوات الحدود، وكانت حصيلة المعركة استشهاد شخص من المجاهدين وجرح ثلاثة آخرين، وغنم المجهادون ثلاثة أحصنة وبعض السيوف من القوات الإنجليزية. ثم انسحب المجاهدون إلى منطقة (القديرية) في سفح جبل كنعان في محيط صفد، واكتشف المجاهدون أن هناك هجوما في صبيحة يوم 27/12/1937م، فاضطر القائد أبو ابراهيم الكبير من أجل إيقاف الهجوم إلى إرسال ستة مجاهدين للتصدي للقوات الإنجليزية حتى يتم ترتيب ساحة المعركة، وقد استمرت المعركة إلى غروب الشمس، وذكرت الإذاعة البريطانية آنذاك أن عدد القوات الإنجليزية كان بحدود 10000 مقاتل، وانتهت المعركة باستشهاد المجاهدين الستة الذين تصدوا للهجوم الإنجليزي بالإضافة إلى ثلاثة آخرين، وقد تبين بعد انسحاب القوات الإنجليزية وجود بقع دم على الأرض مما يدل على وجود جرحى وقتلى من القوات الانجليزية ولكنهم لا يعرفون عددهم بالضبط. قررت القيادة بعد هذه المعركة الإنسحاب إلى الشام، ثم عاد المجاهد أحمد التوبة في شهر شباط (فبراير) من 1938م إلى ساحة الجهاد، فدعا المجاهدين إلى الاجتماع في محيط عكا، واجتمع ما يقرب من (300) مجاهدا، فانقسموا إلى قسمين: قسم يجاهد في شمال قضاء عكا والآخر في جنوبه، وقاد أحمد التوبة القسم الثاني في منطقة (سخنين وعرابة) ، وذكر الكاتب أن الإنجليز اتبعوا خطة جديدة للتضييق على المجاهدين تقوم على مرابطة قوات إنجليزية بصورة دائمة فيما يقرب من أربعين قرية من قرى منطقة (سخنين وعرابة) مما جعل المجاهدين لا يجدون مأوى أو مكانا لبياتهم، أو طعاما يقتاتون به، لأن مرابطة الإنجليز في هذه القرى حال بين أهل القرى و مساعدة المجاهدين، وهو الدور الذين كانوا يقومون فيه سابقا، مما اضطر القيادة إلى إيقاف هذا التجمع الجهادي بسبب البرد القارس وكون المنطقة جبلية وعرة. ثم تحدث الكاتب التوبة في الفصل السابع عن (واقعة قرية تمرة)، وتتلخص الواقعة أن ستة مجاهدين بينهم أحمد التوبة جاءوا إلى سكان قرية تمرة من أجل تنفيذ الخطة التي وضعتها قيادة الثورة، والتي تقوم على جمع مبلغ محدد من النقود من كل قرية في فلسطين، وتشتري القيادة به عدداً من البنادق لصالح هذه القرية، كما تطلب الخطة من أهل القرية تحديد عدد من الشباب الذين يجب ان يستجيبوا لنداء المعركة في أي وقت عند حدوث معركة ما في محيطهم وهذا العدد حسب كبر القرية وصغرها، وقد علم الإنجليز عن طريق جواسيسهم بوجود المجاهدين، فطوقوا القرية، وجمعوا أهلها في أحد بيادرها، وطلبوا من المختار التعريف برجال القرية فردا فردا، وحمل المجاهد أحمد التوبة اسم أحد الرجال الغائبين عن القرية، ونجا من اعتقال الإنجليز له، لكن أصحابه الباقين الخمسة اعتقلوا وأعدموا. ثم حمل الفصل الثامن عنوان (ملاحقات وتنقلات) وبين فيه الكاتب اعتقال الفرنسيين لأحمد التوبة في دمشق ومصادرة كثير من مستلزمات الثوار، وتحدث عن انتقال المجاهد أحمد التوبة إلى العراق في بداية الحرب العالمية الثانية مع الحاج أمين الحسيني، ثم مغادرته العراق إلى سورية بعد فشل انقلاب رشيد على الكيلاني على النظام الملكي عام 1941م، وتحدث عن اختبائه في حمص ثم اعتقال الفرنسيين له وتسليمه إلى السلطات الإنجليزية في فلسطين، ثم بين الكاتب أن السلطات الإنجليزية حبست المجاهد أحمد التوبة في سجن عكا الكبير مع عدد من ثوار فلسطين بانتظار انتهاء الحرب العالمية الثانية من أجل محاكمتهم، ثم قرر المجاهد الفرار مع عدد من أصحابه من السجن، وبالفعل وضعوا خطة لذلك واستطاعوا الهروب، واختبأ فترة من الزمن في قريته صفورية متنقلا بين بيوت أصحابه، ثم غادرها إلى المملكة العربية السعودية، ونزل لاجئا سياسيا في مكة عند الملك عبد العزيز آل سعود، ثم عندما انتهت الحرب العالمية الثانية عاد المجاهد إلى قريته واحتفلت القرية بعودته. ثم تحدث الكاتب الدكتور غازي التوبة في الفصل التاسع الذي جاء بعنوان (حرب 48 واللجوء إلى سورية) عن اشتعال الحرب بين العرب واليهود في نهاية عام 47 وبين أن المجاهد أحمد التوبة اشترك في مقاتلة اليهود في حيفا، ودافع عن منطقة (الحليصة)، ثم استلم قيادة (بلدة شفا عمرو)، ثم قاد المقاتلين في صفورية، ثم تحدث عن مهاجمة العصابات اليهودية صفورية في شهر تموز من عام 1948م ، واضطرار أهل القرية مغادرة بيوتهم، ثم استمروا في السير إلى بيت جبيل. وبعد أن احتل اليهود صفورية جاء المجاهد إلى بيت جبيل ونقل الأسرة إلى حمص بسبب معرفة الكثير من أهلها، واستقبله أهلها أحسن استقبال وعاش فيها حياة اللجوء. تميز الكتاب الذي عرضناه في السطور السابقة بعدة أمور: 1-عرض الكتاب تفصيلات مجهولة في بعض وقائع القضية الفلسطينية ومنها قصة اغتيال الجنرال (لويس أندروز)، فهذه القصة على أهميتها وعلى كونها أثرت في مسار القضية الفلسطينية إلا أنها كانت مجهولة من عدة جوانب، فقد كشف الكتاب لأول مرة تفصيلات عن الاعداد لعملية الاغتيال ومراحله، وحدد أسماء الفاعلين، وبين أن (الجمعية الجهادية) كانت وراءها، كما فصل الكتاب وقائع (قنبلة نهلال) والأرجح أنه لا يوجد مصدر فلسطيني فصل هذه الوقائع بهذه الصورة. 2- وضّح الكتاب دور الأسرة الفلسطينية في الجهاد ضد الاحتلال الإنجليزي والاستيطان اليهودي، ووضح حجم معاناتها، والأثمان المادية والمعنوية التي قدمتها، وبين الكتاب هذا الدور من خلال احتضان آل التوبة لابنهم المجاهد أحمد التوبة ودعمهم له، ولولا هذا الدعم من الأسرة وهذا الوقوف إلى جانبه لما استطاع أن ينجح في أداء مهمته، وقد اتضح هذا في تفصيلات الدفاع عن المجاهد أحمد التوبة عند اعتقاله في قضية نهلال، وتكليف محام تلو الآخر، وبذل الجهد من أجل كشف سوء سيرة بعض رجال الأمن والمحققين وبعض الشهود أمام المحكمة، وذلك بجمع الوثائق والوقائع من مصادر مختلفة، وتكلف دفع الأموال والعناء من أجل الوصول إلى هذا الهدف. وقد اتضح جهد الأسرة -أيضاً- في التواصل معه عندما كان يتنقل بين الجهاد في جبال شمال فلسطين والإقامة في دمشق، وقد اتضح جهد الأسرة مرة أخرى عندما فر من سجن عكا وعاد ليختبئ في صفورية، وكانت الأسرة ترعاه وتدبر له أمور هذا الاختباء حتى هيأت الأدلة الذين نقلوه إلى المملكة العربية السعودية. 3- بيّن الكتاب دور الشعب الفلسطيني في نصرة الجهاد الذي فجرته ( الجمعية الجهادية) بقيادة عز الدين القسام، وبين تفاعل جماهير الناس وآحادهم مع هذا الجهاد، وقدم نماذج من ذلك، ومنها: تبرع شرطي بأن يشهد بتلفيق إحدى الشهادات من قبل رؤسائه ضد المجاهد أحمد التوبة في قضية نهلال أمام المحكمة ولو كلفه ذلك الطرد من وظيفته. وكذلك تبرع أحد المحامين بجلب الوثائق التي تجرح عداله أحد المحققين وهو (أحمد نايف)، ومنها: تبرع أهل القرى في شمال فلسطين بإيواء المجاهدين وإطعامهم أثناء ثورتهم وتجولهم في الجبال لمواجهة الإنجليز، وقطعاً كان ذلك يكلفهم الإضرار والمحاسبة والسجن والإعتقال إلخ ... ومنها أيضاً: تبرُّع كل قرية بمبلغ من المال من أجل أن تشتري لها الثورة عدداً من البنادق تستعملها في قتال المحتلين، وتبرعها بعدد من المقاتلين الذين يجب أن يكونوا مستعدين لإجابة نداء المعركة في أية لحظة، وهذا ما استهدفه المجاهدون عندما جاءوا إلى (قرية تمرة). إن الوقائع التي ألقى الكتاب الضوء عليها في تفاعل جماهير الناس وآحادهم تؤكد أن جهاد القسام وجهاد (الجمعية الجهادية) لم يكونا جهاداً معزولاً بل كان جهاد شعب بأكمله. 4- مما امتاز الكتاب بأنه جاء في قالب قصصي، وجاء أسلوبه سلساً، وقد احتوى عدداً من الصور للمجاهد أحمد التوبة في مختلف مراحل جهاده. 5- امتاز الكتاب بأنه وضَّح جانبا من أثر النكبة على حياة أسرة من الأسر الفلسطينية التي لجأت إلى سورية، وبين أثرها في حياة فتاها الذي يمكن أن يكون مثالاً لفتيان جيله.
المؤلف : د.غازي التوبة عدد الصفحات: 153 الناشر : المكتب الإسلامي الطبعة : الأولى 2011
المرجع: المدى https://elmeda.net/article/858: د. محمد سالم الصوفي
الحياة الاقتصادية
تميزتْ صفوريةُ بتربتِها الخصبةِ ومناخِها المتوسطيِّ المعتدلِ صيفاً والباردِ شتاءً، إضافةً إلى مساحةِ أراضيها الواسعةِ، ما جعلَ النشاطَ الاقتصاديَّ متركزاً على الزراعة، حيثُ عملَ معظمُ الأهالي بالزراعةِ، وبعضُهم في تربيةِ قطعانِ الأغنامِ والماعزِ.
كَثُرتْ في أحراشِ ومشاعِ القريةِ الأشجارُ غيرُ المثمرةِ، أما عنِ الأشجارِ المثمرةِ فكانَ أهمَّهَا الزيتونُ، إضافةٍ إلى كرومِ العنبِ وأشجارِ التينِ والتوتِ، والمحاصيلِ الموسميةِ كالقمحِ والشعيرِ والعدسِ، وبعضِ الخضرواتِ الأخرى.
تفاصيل أخرى
بيع الأراضي للألمان وكيف تصدى أهل صفورية لذلك
احتلال القرية
تشتهرُ صفوريةُ بمقاومةِ القواتِ الصهيونيةِ، وجسارةِ أهلِها في الدفاعِ عن قريتهم، حيثُ كبّدوا المحتلينَ خسائرَ كبيرةً في الأرواحِ والعتادِ، إلا أنَّ استخدامَ القواتِ الصهيونيةِ الطائراتِ لقصفِ القريةِ في الثلاثينِ من أيارَ عامَ ثمانيةٍ وأربعينَ كانَ علامةً فارقةً في تراجعِ المدافعينَ عنِ القريةِ بعدَ سقوطِ عددٍ منَ الشهداءِ والجرحى، وقد احتُلّتِ القريةُ يوم السادسِ عشرَ من 16 تموز/يوليو عام 1948 تمهيداً للهجومِ على الناصرةِ في سياقِ عمليةِ ديكل.
روايات أهل القرية
رواية السيدة مصطفى سعيد السعدي
أنا أمينة مصطفى سعيد السعدي - أنا خرجت من فلسطين بنت 14 سنة، من صفورية.
صفورية بلاد فلاحين، تُزرع خضار وشعير وقمح وذرة وزيتون. يعني تُزرع صيفاً وشتاءً.
من عائلات صفورية، السعدي، غنايمة، سليمان، موعد، أبو النعاج، دار أبو النعاج أصلهم من كفركنه مسيحية وجاءوا الى صفورية ليعيشوا فيها وأسلموا هناك.
لم يكن حول صفورية أي مستعمرة يهودية، ولكن كان هناك مكتب للإنجليز، ثم ذهب للإنجليز وتركوا المكتب وصار مدرسة للبنات.
كل عائلة لهل مختار، السعدي لها مختاراً ووجهاء، ودار سليمان لها مختار، وكذلك دار موعد، وكل عائلة صغيرة تنضم للعائلة الكبيرة. المخاتير كانوا أكثر الناس جاهاً، كل الناس تعرفهم.
مختارنا خالي يوسف سليم الشيخ السعدي، وعنده مضافة، وكل مختار كان عنده مضافة. والناس تتجمع في المضافات. والضيف الذي يأتي يقومون بواجبه.
كان عنا مدارس، واحدة للبنات.. والأولاد مدرستهم كبيرة.
أنا ما درست بالمدرسة، فأمي ماتت وعمري 11 شهر وربتني عمتي ولم تعلمني، كانت المدرسة تدرس لحد ما يتخرج الولد وتعطيه "تزيقة" يعني الشهادة.
وكان التلاميذ يحفظون القرآن ومن يختم القرآن يعملوا له مولد، يطبخوا ويعزموا الأهالي على المولد.
كان عنا 3 جوامع، جاءت إسرائيل وضربت الجامع الكبير ولكنه لم يهتز بقدرة الله. وهناك جامع قريب عند دار موعد. كان الجامع ليس له مأذنة، وكان الشيخ يصعد على سطح الجامع ويؤذن. كان عندنا مقبرتين، واحدة لنا للسعديين ومقبرة البلد لحال.
وهناك مقامات في صفورية مثل الزاوية وأخرى غيرها. من يمرض كان يذهب عالناصرة للحكمة، ثم جاءت راهبات الى البلد وكانوا يعالجون الصغار والأطفال، وكانت الراهبات تذهبن الى العاجز والمريض ويحكموه بدون نقود. وكل حارة لها داية، أذكر "عريفة الداية".
كانوا الراهبات مسيحيات إيطاليات. وهناك من يذهب الى الناصرة أو عند اليهود.
كان الناس يعتقدون بالقرآن ويبخروا المريض ويقرأوا قرآن عليه. والنساء كانت ملابسها ساترة.
بلدنا فيها ماء كثير والعين عنا بعيدة، فجاء الإنجليز لسحب مياه العين للبلد وكما قيل لي كان الإنجليز يقولون لنا إن هذه الماء ستشربون منها 10 سنوات فقط. وفعلاً شربنا عشر سنوات وطلعت. كنا نملئ من العين بالجرات ونحملها على رؤوسنا.
والبيوت كانت تضاء بالسراج والفتيلة بالكاز، وفي ناس عندهم لوكس من كانت أوضاعه أحسن. نشتري الكاز من الدكاكين، كان عنا دكاكين كثيرة.
دار عمي عبد المعطي كان عندهم دكانة، ودار خالي يوسف عندهم دكانة، وعمي شحادة أيضاً كان عنده دكانة.
كان في ملاحم بالقرية، أذكر دار عمي شحادة كانوا يذبحون، ولكن يوم الإثنين لا يذبحوا والحلاقين تقفل ولا تعمل. وندفع نقود مقابل اللحم، كانت العملة بالليرة والقروش.
أما بالبيوت نعمل طوابين يبعد قليلاً عن البيت، ونجلب الحطب والخبز، وفي آخر المدة صار في أفران، فرن لدار عوض وفرن عند دار إبن الكدابية. وصارت الناس تذهب وتخبز بالفرن.
كان أهالي القرية يتجمعون ويشربون قهوة بالمضافات وليس هناك مقاهي مثل اليوم.
ونحن صغار كنا نلعب الحجلة والغميضة.
كان يأتي نَوَر (البدو)، ويبقون على البيادر، وعند الأعراس كان النَوَر يأتون ويغنون للأعراس ويأخذوا أجرهم.
كنا مبسوطين ببلادنا، كنا في العيد نعمل مراجيح ونكب بها، والامهات يعملن كعك.
كان عنا معاصر للزيتون لعصر الزيتون، كان عنا زيتون كثير، والأجر يكون زيت ومن يريد نقود نعطيه. كان زيت الزيتون مثل الماء.. نقلي ونطبخ ونعمل كل شيء يزبت الزيتون.
بيتنا كان من قناطر وخشب وطين، نضع بلان على الخشب ونطيّن طين. وليس فيه شبابيك كثيرة، لأن البيوت كانت قريبة على بعضها.
أنا زرت حيفا والقدس ورحت على تل الربيع (تل أبيب)، كنا نذهب بالسيارات فقد كان عندنا بوسطة لدار العفيفي تذهب صباحاً وترجع عند الغروب، ومن كان يريد بيع خضاره كان يذهب على الحمار، وكانت الناصرة قريبة من القرية.
في رمضان، كنا نطبخ عادي، بطاطا وأرز وفاصوليا وملوخية.. في كل حارة كان يتجمع أهلها ويسهروا مع بعض النساء والأطفال.
وكان عنا مسحّر، يسحر الناس ويؤذنوا ويكبّروا بالعيد. كنا نصلي بالبيوت "النساء" والرجال بالجامع.
في الأعراس، كانت العروس لا تعرف العريس، أم العريس كانت تذهب وترى العروس وإذا كانت جيدة تقول للعريس عنها.
أنا زوجي كان إبن عمي ولكني لم أكن أعرفه، عرفته عند الزواج.
في العرس، النساء لوحدهم يغين للعروس، والرجال يزفون العريس. كانت العروس تركب على الفرس وترفع يدها.
لا أذكر الثوار.. ولكن ونحن بالقرية لم نر اليهود ولم تحدث مناوشات ولكن كانت تأتي النجدة ويذهب الشباب الى حيفا للمقاومة، فمنهم من يرجع ومنهم لا يرجع.
وبالنسبة لمجزرة دير ياسين، فنحن طلعنا من البلد لأجل هذه المجزرة. وطبعاً خدعونا، عند ما قالوا لنا أخرجوا ولاحقاً تعودون.
وصرنا نسمع سمعات عن إغتصاب وقتل، فهربنا خوفاً، وليس مع الرجال سلاح كافي، والسلاح كان فاسد.
هذه الدول العربية الخائنة... كانت تتآمر علينا. معظم الرجال قاوموا، فمنهم من تشارك على بارودة واحدة، وقام بالحراسة ليلاً.
ليلة ما طلعنا جاء ناس الينا من شفا عمرو، ونحن نتناول طعام العشاء، فإذا بطائرة فوق بلدنا.
جاء واحد ونحنا قاعدون وبدأت الطائرة تقصف ولكن لا نعرف أين، وصار اليهود بأم الفرج، فأنصحكم بالخروج وغداً صباحاً ترجعون... وذلك في 8 رمضان يوم الجمعة. وهكذا خرجنا.
طلعنا بملابسنا التي كنا نرتديها، ومشي ولم نأخذ شيء معنا، كل أهل القرية طلعت، وصارت الناس ترجع لتحضر الملابس وتأكل ومنهم من يُطلق عليه النار ومنهم من ينجوا.
بقينا 3 أشهر نتنقل، كل مرة نعيش ببلد. وقريتنا فيها بيوت منسوفة..
جئنا الى لبنان الى منطقة الغازية (جنوب صيدا)، بقينا فيها حتى 1984، أنا طلعت منها. وقعدنا بالزيتون.. وبعد الغازية جئت الى الراشدية. كانت البيوت قد بُنيت، الوكالة عمرتها..
ومن كان يمرض كان يذهب الى عيادات الوكالة للطبابة.
لما كانت إسرائيل هنا، وكانت الناس تذهب وتدخل فلسطين كنت أتمنى أن أرجع، ولكن زوجي كان مريضاً وأنا أهتم به. فلم أستطع تركه.
أنا مسجلة بوكالة الأنروا...
ولكني لا أريد تعويض.. أريد بلدي.. لا أرض إلا ببلدي. أريد الموت بوطني فلسطين..
يا ريت أرجع الى فلسطين.. والله لا أذهب إلا بالملابس اللي عليّ.. مثل ما طلعت من فلسطين لأطلع من لبنان الى فلسطين.
المرجع
موقع هوية
أعلام من القرية
من أعلام صفورية
خرج من هذه القرية عدد من العلماء، والأعلام المشهورين، منهم:
- عبدالرحمن بن عبد السلام بن عبدالرحمن بن عثمان أبو هريرة الصفورى الشافعي المتوفى سنة 1489. من تصانيفه: صلاح الأرواح والطريق إلى دار الفلاح في المواعظ. المحاسن المجتمعة في الخلفاء الأربعة. نزهة المجالس ومنتخب النفائس، وهو مطبوع في مصر.
- محمود أبو رجب: أديب، وقاص، وصحفي له مشاركة ملموسة في الحياة الثّقافيَّة في إسرائيل، من مؤلّفاته: العقل الغائب (أثار ضجيجاً حين صدوره بسبب الآراء التي يتضمّنها)، وله مجموعات قصصيَّة، منها: جنة جبرائيل، وإسماعيل لم يعرف النساء. يقيم في الناصرة بعد أن تركت عائلته صفورية عقب حرب 1984.
- أبو البقاءِ الصفّوريُّ
- الشيخ صالح محمد الموعد ( عضو لجنة تنفيذية في الحزب العربي الفلسطيني وممثل عن لواء الشمال ) ومن أعيان آل موعد ومن أعيان صفورية
- أحمدُ الشريفِ، المعروفِ أيضاً بالصفوريِّ الدمشقيِّ وهوَ قاضٍ وشاعرٌ.
ومن أبناءِ صفوريةَ المعاصرينَ:
- المجاهدُ أحمد التوبة، والذي كانَ من رفاقِ المجاهدِ عزِّ الدينِ القسامِ.
- والفنانُ الفلسطينيُّ الراحلُ عبدُ الرحمنِ أبو القاسم.
- العلامه الشيخ الدكتور أبو محمد فضل حسن عباس، أحد أبرز علماء السنة في الأردن وأحد العلماء المعدودين في علوم التفسير وعلوم اللغة والبلاغة، عرفه الناس من خلال كتبه ودروسه ومحاضراته في حلقات العلم وفي المساجد وفي المنتديات العلمية، وعرفه طلاب العلم في رحاب المعاهد العلمية والجامعات، برز الدكتور فضل عباس كأحد أهم علماء التفسير والتلاوة وكان ذلك في السبعينات حين سجلت له الإذاعة الأردنية 400 حلقة إذاعية في تلاوة وتفسير القرآن الكريم كاملاً، كانت باكورة مسيرته العلمية التي أثمرت فيما بعد نتاجاً كبيراً وهاماً من المؤلفات والنظرات الجديدة في تفسير القرآن الكريم.
عشت في صفورية: مكان لا يموت
عشت في صفورية: مكان لا يموت
الطريق إلى الخَلَّدِيَّة أو الخَلَّدِيَّات. القسم الأول
سلسلة: عشت في صفورية- مكان لا يموت: عشت في صفورية: مكان لا يموت
الطريق إلى الخَلَّدِيَّة أو الخَلَّدِيَّات-القسم الأول
المؤرخ والباحث ا. محمد التوبة
في صيف 1947 كانت آخر مرة نَعزُب فيها في الخلديات كما جرت بذلك عادة الوالدين. كنا ننطلق من بيتنا متوجهين غرباً، وعلى يسار أول طريقنا إلى الخلدية كما سبق لي أن ذكرت بيوت جيراننا محمد رشاد، وشحادة الشايب ودار يوسف العزيرية وأخته زهرة العزيرية، وخليل أبو شقرا وخضر أبوشقرا. والأرض على يميننا اسمها رباع الناطح، منها قسم لنا وقسم لمحمد رشاد ولبقية الجيران، وهو منحَدر يصل في النهاية إلى قاع يعرف باسم الدوار، وفيه زيتون قديم، كانوا يسمونه كفري، ويعنون أنه من عهود قبل الإسلام، يحمل أحمالاً ضخمة مباركة. ثم نستمر في المسير فنجد هناك على اليمين جدراناً من الصبر ثم حكورة لدار العفيفي، ونسير حتى نصل منطقة اسمها أبو صحن، وعندها يلتقي طرفا هضبتي صفورية فيصير خانقاً، فإذا جاء المطر صار هناك سيل وفيضان هائل صعب العبور، ويصب كله في أرض البركة. فننعطف يميناً وتكون منطقة البركة على يميننا، ويقف على يسارنا جدار صخري عال مثل الجبل هو امتداد لهضبة السدر. والبركة أرض خصبة غنية بالماء، وتمتد إلى اليمين حتى تعود إلى الدوار، وهي لخليل ابراهيم العباس، ولا تجف فيها المياه طوال العام، والموسم الصيفي فيها عجيب بغزارته وعطائه. وبعدها غرباً ترتفع الأرض في ظهر جابر وغابة الدّيدَبة، وأملاك للناس اسمها المحموديّات، ولعلها لجيراننا. ثم تقوم مناطق رعي أمام غابة الديدبة، ثم ندخل غابة من الزيتون اسمها البرانس، وعندها ينتهي طرف الجبل الماشي معنا على اليسار، وفي قمته النهائية بيت دار أبو الحجل. في هذا الزيتون لنا عدد ممتاز من الأشجار، وهي قديمة وحمالة لأحمال مباركة، ومنها الكثير للحدايدة، ثم نخرج من غابة الزيتون، فتظهر لنا سناسل حجارة جديدة، أو سلاسل، ثم تظهر أراض زراعية واسعة شاسعة، ومنها ما هو مزروع بالقمح وبالزيتون وما شاكله، ومنها ما هو أرض مشاع للمراعي وهي أرض معشوشبة مخضوضرة طوال العام. وننعطف يساراً لنقطع الطريق المزفت القادم من شفا عمرو والذاهب إلى الناصرة. ونتقدم لنمر على أراض أسمها ذراع أبو حسن ثم تلال من أشجار المَل واسمها مَلَّات الشيخ علي. وندخل إلى بساتيننا من شرقها. ويقال إن الهالك موشيه دايان بنى له بيتاً على تلال المل المشرفة على بساتين الخلديات. وتقوم الخلديات على واد تجري فيه المياه طوال العام. وهو يقسم البساتين إلى شرقية وغربية. وكان أول البساتين من ناحية الجسر القائم على شارع شفا عمرو الناصرة هو بستان رضا محمد السليمان، ثم بعده بستان أحمد كليب ثم بستان محمد عبد الحميد العباس ثم بستاننا الغربي، ثم آخرون وعلى الضفة الشرقية كان أول البساتين هو بستان أسعد الحاج مصطفى ثم بساتين آل التوبة الشرقية ثم بساتين حسن الأحمد وأحمد المحمود ثم الحدايدة وآخرون. كانت بساتين الخلديات ومنها بساتيننا مليئة بالخيرات من كل أنواع الخضراوات والفواكه وخصوصاً القراصية والرمان والتفاح البلدي والبرابللو والكمثرى والسفرجل واللوزيات. ولكن درة بستاننا كان الرمان، كان الوالد قد زرع قطعة كبيرة من البستان بأشجار الرمان، ربما كانت تعادل ربع الأرض في البستان الشرقي وقد تكون ثلاثمائة متر في مثلها أو يزيد، فكانت غابة رمانية رائعة الجمال فإذا أزهر الرمان بزهراته القانية الحمراء كالدم المتورد في وجنات الصبايا صارت المنطقة آية من آيات الجمال الخلاب للألباب، وما كان يحلو لي سوى السير في هذه الغابة الرمانية والاستمتاع بزهرها الفتان. ثم كانت أنواع الرمان مقسمة ثلاثة اقسام : مَلِّيسي وهو بطعم حلو كالعسل ولون جلده من ألوان كأنها قوس قزح ومشتقاته ولا تشبع العين من النظر إلى اختلاط الألوان في جلدته، ومن دون أن أقسم يميناً إني كنت أحياناً استمر في تمعن ألوان جلد هذا الرمان حتى أني أحيانا كثيرة لا أسخى بكسر الرمان وأكله لجمال جلده واختلاط الألوان بأشكال عجيبة، ولا سيما أنه طازج على أمه لم يذبل ولم ينفلع. ونوع رمان لَفَّان وهو حامض حلو كأنه شراب الليمون بالسكر، منعش على التعب كأنك تشرب عصير الليمون على، ولون جلده فاتح لامع كأن ملمسه بللور. ونوع رمان اسمه بغَّالي وهو بجلدته أحمر غامق، وحبته أكبر من حبات الأنواع الأخرى، ولو قلت إن بعض أكوازه في ضخامتها كانت تعادل كبر رأسي وأنا ابن تسع سنين لما ابتعدت عن الحقيقة، لأن الأهل كانوا يقولون أحياناً عن بعض الحبات هذه أكبر من رأس محمد. الرمان البغالي طيب الطعم كبير الحبات، والجملون في حبة الرمان جميلة التنسيق والمنظر وجملون واحدة يشبع المشتاق. ورمان صفورية مشهور وله سوق رائجة في حيفا والناصرة، ولكن رمان الخلديات يفوق كل رمان أيضاً. وبعد أن هاجرنا من صفورية في 16/7/1948 وصلنا بنت جبيل في أواخر آب وأوائل أيلول ورجع بعض أهل صفورية لمحاولة جلب ما يستطيعون من مقتنيات. وكان ممن رجعوا ومكثوا بعض الوقت جارنا في البستان الغربي محمد عبد الحميد العباس وجارنا في البيوت في صفورية ، ولما عاد من فلسطين اجتمع مع والدي في حمص وكان معه عدد من الأعمام منهم عبد الرحمن ويوسف ومصطفى وسعيد وأبناء الأعمام وجيران من صفورية من دار مصلح وعتابا وملحم والعيلوطي حكى لنا الجار ما رأى من الحمل على أشجار الرمان والفواكه في بساتين الخلديات ومنها بستانه وبستاننا الغربي وكان يتحدث ويبكي والجميع يبكي ومما قاله ووعيته قال: لقد بلغ عمري أكثر من الستين وأنا في البساتين ولكني لم أر في حياتي رمانا مثل رمان البستان الغربي ولا رأيت ثمرا مثل ثمر فواكه البستان الغربي. وكان يقول هذا ونحن نعلم أن بستانه هو كان مضرب الأمثال في الخلديات خاصة وفي صفورية عامة. وكانت بساتين العين تضرب أرقاما قياسية في انتاجها وكان هو يعرف ذلك، لأن دار عباس لهم عدة بساتين في العين عند القسطل، ولكنه كان يؤكد أن بستاننا الغربي تفوق وفاق الجميع، كانت فروع شجر الرمان لكثرة الحمل قد انشلخت عن أمها لأن العادة جرت على أن تسند الغصون الحاملة بمساند على شكل حرف سبعة في رأس خشبة مخصصة لهذا الغرض، أحمال الرمان غلبت الفروع والأغصان وشلختها ورمت الرمان على الأرض. ووصف بقية الفواكه والأشجار وبكى وأبكى وانتحب وانتحبوا ومضوا إلى رحمة الله وفي قلوبهم غصص من الشوق للأوطان والديار وجنات البستان.
ومثلما كانت الأحمال على أشجار الفواكه عجيبة، كانت الأحمال على الخضروات أعجب. وكان الوالد والأعمام يوسف وعلي وأبناء عمنا محمد: صالح وعبد القادر، والحاج أسعد وابنه مصطفى مع كل النشاط ومعهم عدد من العمال والعاملات لا يكادون يلحقون بقطاف الخضراوات وترتيبها وشحنها كل يوم إلى الناصرة أو إلى حيفا. ومثلنا بقية البساتين فالكل يطلب المساعدة والعمال لمعاونته والفزعة له. كانت المواسم تغلب أصحابها بكل معنى الكلمة، وكانت بعض المحاصيل في النهاية تقلع قبل نفاد عطائها وذلك لزراعة موسم جديد من نوع جديد، وكثيراً ما شاركت في قلع البندورة والباذنجان وغيرهما وهي ما تزال حاملة. وكنا ننام في الخلديات ما يقارب الشهر قسم منه من تموز وقسم من آب وأحياناً نستمر حتى بداية مطر الوسم في أوائل أيلول فقد كان عَلَيَّ أن أعود إلى المدرسة. إن معايشة الأرض والماء خبرة عجيبة رائعة يرى فيها الطفل مخلوقات الله الدقيقة ويعايشها في الليل والنهار إضافة إلى ملاحظة مفاهيم الزمان مع طلوع الفجر وحتى غياب الشمس وملاحظة الظلال التي يحتاج إليها في الظهيرة. الزمان له ألفاظ خاصة: نستيقظ مع النجمة، ونرقب الزمان بكلمات مثل: شق الفجر، وطلع الفجر، وصلاة الفجر، وطلوع الشمس، وارتفعت الشمس، والفطور اسمه كسر الصفرة، والقهوة تدعو الناس بدخانها المعطر، والشمس بارتفاع رمح، والشمس بارتفاع رمحين، والدنيا أضحت، والدنيا في الضحى العالي، والدنيا أظهرت، وصلاة الظهر، والغداء جاهز، والقيلولة، والشمس مالت، والدنيا أعصرت، وصلاة العصر، والشمس اصفرت، والمشي قبل أن "يضب الرمس"، والدنيا لَيَّلت، والليل بأوله، والليل أعطى بعضه بعضاً، والدنيا نص الليل، والنوم حتى النجمة، وهكذا والنشاط اليومي مستمر من الفجر حتى الليل. وبالنسبة إلي وأمثالي من الأطفال فعملنا طوال النهار الركض في البستان من الجابية عند الوادي في نصف المسافة بين البستانين إلى رأس البستان الغربي وفيها كيلو متر وركض حتى رأس البستان الشرقي وفيها كيلومتر أو تزيد وكنت أساعد أحيانا وأقوم بتحويل الماء على أثلام الزراعة حتى تروى ثم أقطعها لتسير المياه إلى الثلم الثاني، أو أقوم برش السماد مع أول الماء ليحمله الماء ويوزعه على طول الثلم، أو أقطف مع العاملين الخيار أو أقلع الجزر أو أغسل الفجل وأجعله أضمامات أو أرتب القراصية والفواكه في السحاحير أو الرمان في وقت الرمان، ولكن كان للعب في مياه الجابية الزمن الأطول وكان يعتبر الإمساك بحنكليس غنيمة لأن هذه الأفعى المائية كانت غير سامة وكانت تسلخ وتشوى وتؤكل. وأما مسك الضفادع والسرطعانات والسلاحف والحفر على ديدان للفخاخ فكان عملاً متواصلاً بل إن الحصى نفسه كان جميل الأشكال والألوان وكان جمع الحصيات الجميلة يبعث في النفس عشقا للأرض بمخلوقاتها ومائها وترابها وحصاها. نملؤ جيوبنا بالحصى للنُّقيفَة والمقلاع الذي نلفه حول خصرنا. وكان الركض خلف الفراشات، والزيز الذهبي، ومحاولة صيد العصافير أمراً يسيراً لكثرتها على الشجر حتى أن من ينام في القيلولة قد يتعب من ضجة العصافير إذا لم يكن قد هدَّه التعب وجعله ينام بلا هز كما كان يقال. وأحياناً لا بد من جمع الحطب للوالدة للطبخ وهذا كان يتطلب الصعود إلى التلال الشرقية المحاذية لبساتيننا وكان تعرف باسم مَلَّات الشيخ علي، أو على الجبل الغربي المحاذي لبستاننا الغربي بين أشجار البلوط والشتول والبلان وأشجار برية أخرى نهوي عليها بالفأس إذا كانت جافة نوعاً ما وكل طفل صفوري حطاب جيد. في الليل مع الغياب يظلم المكان ويكون الليل في البداية مرهوباً، وما أسهل أن تسمع حفيف الأغصان فتظنها حركة أناس قادمين، أو ترى من بعيد شجرة تتحرك بنسيم الليل فتظنها مخلوقات غريبة تتحرك نحوك. وتتكاثر على ضوء السراج مخلوقات طيارة عجيبة الألوان والأشكال مثل فرس النبي والفراش والعث وبعض أنواع الجنادب وأم علي وعشرات من المخلوقات التي لا نعرف لها اسماً تهجم على السراج أو النار تحت القهوة أو الشاي، وهناك وميض الحباحب كالسهام. وهناك أصوات الثعالب فهي كثيرة، ولكن أخطر الأصوات أصوات الذئاب وكانت كثيرة لأن في البساتين الكثير من الأغنام، والكلاب المرافقة للأغنام ترد باستمرار. وكانت الأصوات تقترب أحياناً، وهناك دائما كريك مغروس عند باب العريشة والقاعدة هي الانتفاض عند سماع الخطر والضرب بالكريك بعنف على كل من تواجهه، سواء أكان ذئباً أو إنساناً مستذئباً، ولكننا لم نحتج لذلك قط. والخوف من الليل في البداية لا بد منه، فحفيف الأشجار في ليل بلا قمر هو صوت الغول، وتمايل الأغصان مع النسمات تحركات الجن، وأصوات الذئاب البعيدة تبدو وكأنها على باب العريشة، ولكن طول التآلف مع الليل والتعود على الأصوات والأشكال تحسن موقف الطفل وخصوصاً حين يكون القمر بدراً فهو صديق حقيقي في الليل المظلم وفي ظلال كثيفة معتمة تحت الأشجار. والنوم في الليل سلطان فمع التعب في النهار لا يمضي وقت قصير بعد صلاة العشاء وبعد بعض الحكايات إلا والجميع يغطس في نوم غلاب لذيذ لا يعرف طعمه إلا من قضى يومه من النجمة حتى الغسق وبعد الغسق في شغل ودأب وكدح . كان في البستان عريشة بين شجرتين وهي مبنية من الخشب وواسعة ومريحة ومزودة بالفراش والحصر والأدوات اللازمة للطعام والشراب. وكان الطبخ على الحطب والخبز على الصاج وهو طعام هنيء ولذيذ ومن خضراوات البستان، وكانت الإضاءة بالسراج، وكنا نحمل سراجاً عند التحرك ليلاً لسبب أو لآخر. الجميع يشعر بالأمان والجيران متعاونون في كل نواحي الحياة. كان صيف العام 1947 هو آخر مرة ننعم فيها بالحياة في البساتين في الخلديات، وكانت حياة في الجنة وفي أحضان أجمل عالم وأبهى طبيعة أخاذة الجمال.
وللخلديات قصص وحكايات، ولكن أول نشأتها هي أحلى القصص. وخصوصاً بالنسبة لوالدي. كانت بساتين العين عند القسطل هي جنات صفورية الوحيدة وكانت هي رمز الخير والثروة وتمتد على طول الطريق الذاهبة من الناصرة إلى شفا عمرو لمسافة ربما تصل إلى عشرة كيلومترات أو أكثر وعمقها يمتد حتى صفورية ربما خمسة أو ستة كيلومترات وفيها غابة من الأشجار المثمرة وفيوض من كل أنواع الخضراوات التي خلقها الله ولا تكاد عائلة صفورية تخلو من وجود بستان لها. وكان لجدي لأمي حسين عبدالله العباس ولأخيه سيدي أسعد عبدالله العباس رحمة الله عليهم عدة بساتين كبيرة عامرة ثامرة وفيها كل ما تشتهي النفس، منها بستان يضمنه رجل من دار طه اسمه أحمد الحاج خليل، و بستان يضمنه رجل من دار الحاج حسين وبستان يضمنه رجل من دار بكر.
أم جدي حسين وهي عائشة، حسب ما سمعت من أمي على الأرجح، إذا لم تخني الذاكرة، هي أخت خيزران جدتي لأبي. وعلى الرغم من أنهم كانوا يسمونها عائشة العباس فهي تعود إلى أبوحيط وليس هذا غريبا إذا عرفنا أن التوبة والعباس وأبو حيط من جذر واحد، وكانت بيوتهم وأملاكهم في الأراضي متجاورة وكان بينهم نسب متعدد وقربى. وكما جرت العادة كانت الأم تخطب لأبنائها وحين يكون الشاب في سن 18 يبدأ بالاستعداد للزواج. جدتنا خيزران خطبت لابنها محمود بنتاً جميلة وأصيلة هي ابنة عمه عبد الحميد وقرأ الناس الفاتحة وارتبطت البنت باسم محمود ولكنه رفض الزواج منها. وألحت أمه عليه ورفضت أن تخطب له غيرها، واستمر الحال على هذا الحال سبع سنوات عجاف. وبعد ذلك تزوجت البنت. وبقي محمود بلا زواج حتى كان يوم رأى فيه ابنة الشيخ الجليل حسين عبد الله العباس، كانت ما زالت صغيرة ولكنه فرض على أمه وجماعته أن يذهبوا لاستكشاف الطريق وجس النبض. وكان له ما أراد ولكن الجواب جاء بالرفض وخصوصاً من أمها المرأة الربانية الفاضلة الحاجة خضرة محمد العيسى رحمة الله عليها. ولكنه لم ييأس وذهب هو نفسه في زيارة لوالدها فهو ابن خالته من حيث القربى. روى لي والدي أنه استُقبِل من والدها أحسن استقبال وسأله سؤالاً واحداً : هل تصلي وتحافظ على الصلاة؟ فأجاب الوالد: نعم. ثم قال له عليك أن ترضي أمها، فهي لها وجهة نظر اسمعها منها. الحاجة خضرة كانت صريحة، قالت يا محمود أهلُك على العين والرأس لكن أنت ماذا تملك لنفسك؟ كل ما تملكه مازال مشتركاً مع العائلة ومع إخوانك، وهذه بنت حسين عبد الله العباس تعيش في عز أبيها وبساتين أبيها وأملاك أبيها، هل تريدني أن أوافق على زواجها منك لتشتهي الفجلة بعد الزواج؟ ثم إن البنت صغيرة وربما تمر سنتان قبل الزواج. قال الخاطب المبهوت : تعلمين يا خالتي أننا لسنا بلا أملاك، لنا أراض وزيتون وأراض مروية لم نبستن فيها. قالت له: هذا كله مشترك ولكن ماذا تملك أنت؟ قال لها انتظريني مثل هذا اليوم في السنة القادمة، وقام وودع وهو لا يرى الطريق كما حدثني رحمة الله عليه. قرر أن يقيم بستاناً ولكن أين؟ في العين عند القسطل مستحيل لأن الأرض لو فرشتها ذهباً لا تستطيع شراءها ولا أحد يبيع، والملاكون في القسطل من الأغنياء الوجهاء مثل محمد الحج، وسليمان الحج، ومحمد الموعد، ودار عباس، وطه الابراهيم وغيرهم . ولكن كان لأهل صفورية أراض في واد اسمه وادي الخلدية أو الخلديات وعليه زراعات قليلة ولكنها لم تبستن كما يجب. فيها أراض لدار سليمان ودار كليب والعباس والحدايدة وغيرهم ،وكان لجدي إبراهيم أرض ممتازة هناك فقرر والدي بستنتها. اشترى موتوراً لضخ الماء وحفر جابية يعني بركة كبيرة تمتلئ بالماء من نبع فيها، ومن الوادي. ونظف أرضاً بطول يقارب كيلومترا ً في عرض أقل بقليل من ذلك وزرع عشرات الأشجار وخصوصاً الرمان وزرع كل خضار خلقها الله وكانت تزرع في عين القسطل، وبعد سنة على الموعد ذهب ليعلم الحاجة خضرة. قالت له بعد كلام كثير: ولكن للبنت خال له كلمة وربما يكون قد خطَّبها لغيرك. قال لها الوالد يا خالتي هذا في العرف لا يصح، ولا في الدين يصح، أن يخطب أحد على خطبتي. ولا يجوز إهانتي بهذا الشكل، وأنت في مقام أمي والشيخ حسين في مقام والدي، ولكن قسماً بالله العظيم إذا أحد خطب هذه البنت في أثناء خطبتي لها فلن يكون هناك إلا الدم: إما أنا أو هو. ثم خرج غاضباً إلى خالها، وهو رجل من أكابر الناس خلقاً وتديناً وهو الشيخ صالح محمد العيسى. وبعد عتاب وكلام وافق الشيخ صالح على أن يتريث فلا يسمح بخطبة أحد فوق خطبة الخاطب الأول. ومن ناحية أخرى سمع وعداً له بخلعة غير عادية. تم العرس بعد سنة ولكن بصعوبات كثيرة. وسيأتي وصف العرس الصفوري عموماً في ذكريات قادمة ومن جملة ذلك عرس الوالدين، حسب رواية والدتي رحمة الله عليها . بعد بعض السنوات من الزواج أرسلني والدي إلى دكان عمي طه التوبة لأزن فجلة من نوع أسطواني يبلغ طولها ما يقارب شبراً وفتراً وبلغ وزنها 2.5 كيلووين ونصف وبضعة غرامات، وكان هذا النوع من الفجل حديث أسواق الناصرة وحيفا حين نزل من بساتيننا بهذا الحجم. وقد أرسلت لجدتي لأمي منه ولسان الحال يقول إن ابنتك لم تشته الفجلة. والحق أن جدتي صارت أحب الناس إلى والدي، وهي كذلك كانت تعزه وتحترمه وكانت العلاقة مع بيت جدي لأمي أسعد علاقة وأجمل علاقة، رحمة الله عليهم.
الشيخ صالح محمد العيسى كان لقبه ( الحلو) لأن صفورية وما حولها لم تر أوسم من ذلك الرجل هيئة ولا أجمل منه وجهاً، وكان حيياً إذا لبس الحطة والعقال قدم الحطة حتى تنزل إلى مستوى عينيه، وكان يرد طرف الحطة أو الشورا على فمه وأنفه فلا يعرفه من يراه. إضافة إلى أنه كان يمشي مطرقاً. ولولا أني كنت ألعب في بيته مع أطفاله لما عرفت وجهه. وفي بيته رأيت لأول مرة كيف يصنع زيت الزيتون الطفاح أو الفغيش، وذلك في جرن صخري له فتحة من الأسفل وفتحة من الأعلى، ويدق الزيتون بمخباط قوي حتى ينفغش ويهرس، ويوضع في الجرن وبعد أن يوضع فيه ما يكفي من الزيتون المهروس يصب عليه ماء ساخن، وكان الجرن يتسع لعدة تنكات ماء، والماء الساخن يسهم في تفتيت الزيتون المفغوش، ويبدأ الزيت يطفح على وجه الماء. وكلما ازداد الزيت على سطح الماء يؤخذ في أواني من الفتحة العلوية من الجرن، وهذه القصفة الأولى ذات طعم رائع ورائحة كأنها عطر من أجمل العطور، لا يمكن أن يعرفها إلا من وقف على سحب الزيت الطفاح عن وجه الماء، وكان قد شمـَّر عن ساعديه، وسنَّ ضرسيه، وأعدَّ خبز الطابون الساخن ليلت الخبز بالزيت لتاً شديداً ويأكله والزيت يقطر من شفتيه، بل إني رأيت والدي وآخرين رحمة الله عليهم يضعون الخبز في أفواههم ويصبون الزيت من زنبوعة إبريق ا لزيت كالحنفية. وفي مقابل بيت الشيخ صالح محمد العيسى كانت تقع الزاوية من الجهة الغربية، وعليها قصص وحكايات، وفيها أحد الأولياء الصالحين.
ومن رأى الخلديات، كما رأيتها في العام 1947، وهي في أوج عزها وقد اخضوضرت واحْلَوْلَت لعرف أنها جنات في الأرض تجري من تحتها الأنهار. فالنهر الذي يشق الخلديات إلى ضفة شرقية وأخرى غربية يهبط إليها قادماً من خانق بين جبلين يأتيان من طرف سهل البطوف الجنوبي بين شفا عمرو وصفورية، إضافة إلى ينابيع فوارة في الخلدية في مجرى النهر وإلى جانبه، ويكون التيار قوياً ثم يسيل تحت جسر أقيم على الطريق بين شفا عمرو والناصرة، ثم تنساب المياه في أرض مستوية سهل، فتنساح المياه خارج مجرى النهر وتطفح على الضفتين وخصوصاً في الشتاء. وتشكل على الضفتين بعيداً عن المجرى منطقة مستنقعة لا تقل عن مائة متر في بعدها عن كل جانب من الضفتين. وينبت فيها نبات كثيف اسمه السِّعِد. وحين تخف مياه النهر بعد موسم الأمطار تبدأ المنطقة المستنقعة بالجفاف وتتراجع عنها المياه في الصيف إلى النهر، وتجف الأرض وتجمد قليلا، وبعد أن كانت تغوص فيها الأرجل حتى الركبة تتجمد فلا تغوص فيها القدم أكثر من الكعب بقليل. والتربة في هذه الأرض غنية لأنها محملة بالطمي مع مياه النهر من الجبال والأراضي البطوفية الخصبة. وكان أصحاب البساتين ينظفون هذه المنطقة من النباتات الضارة ويقلبونها بأيديهم بنكشها وتنظيفها ويزرعونها بالملوخية، ويا سبحان الله كم كانت الملوخية تأتي رائعة خضراء عميقة الخضرة عريضة الأوراق ناعمة الملمس طويلة الساق، وإذا نزلت إلى أسواق الناصرة وحيفا عرفوا أنها من الخلديات لأنها لافتة للنظر بنموها الكبير. وكان والدي يملك أرضاً سبخة من هذا النوع الذي وصفته، وزاد عليه مساحة من البستان وزرع مربعاً من الملوخية في أرض مساحتها ربما كانت ثلاثمائة متر في مثلها، فكانت ذات منظر عجيب من الاخضرار الذي حين تنظر له من بعيد بدا لك مربعاً أسوداً، وكانت بساتين العين والخلديات تصدر من الملوخية حتى تغرق أسواق حيفا والناصرة. ومن الفواكه التي كانت مرغوبة بعد الرمان القراصية وخصوصاً منها القراصية ذات الحبة الصغيرة التي تشبه حبة الزيتون الأسود الكبيرة، ولكن طعمها مذهل لأنه معطر مثل البرابللو الصفراء والحمراء، ومذاق القراصية لا ينسى، وكانت المستشفيات تشتريه كثيراً لأن هذه الفاكهة مليِّنَة وكانت تجفف ولها مصانع تصنعها عصيراً وهو عصير لزج عسلي المذاق شديد الحلاوة، وهو أيضا في المستشفيات مثل العلاج. كان في بستاننا مربع من أشجار القراصية ربما نافت على مسافة مائة متر في مثله، وكانت أحمالها من العجائب ومن رأى حمل الزيتون أو الكرز فهو شبهه. كانت أسعارها ممتازة ومواسمها رائعة، ولم تكن بساتين الخلديات تعرف استخدام أي أدوية ولا أسمدة. غابة القراصية تلك حين تكون حاملة تشكل ظلاً عميقاً بليلاً تجعل النعاس يغلب كل من يجلس ويستند إلى جذع شجرة. في بداية بستاننا في الخلديات، وربما كانت في 1930 كان الري باليد حسب ما سمعت من الأهل وهو نزح الماء بطريقة يدوية وسقي الأرض، ثم تشارك الوالد مع جيراننا حسن الأحمد العباس وأحمد المحمود العباس واشتروا محركاً من نوع بلاكستون، وركبوه على الماء حسب ما سمعت من رواية الأهل. وبعد موسمين استقل كل جار بمحرك خاص به، وقد اختار أهلنا موقعاً في أرضنا يبعد عن النهر بما يقارب 20 متراً وحفروا لهم جابية وانفجر فيها النبع بعد عمق متر ووسعوها إلى عمق مترين وكانت بشكل دائرة قطرها حوالي عشرة أمتار، وتربطها قناة مع النهر، فإذا زاد الماء في الجابية فاض منها إلى القناة فإلى النهر، وإذا انخفض فيها منسوب الماء فاض الماء إليها من النهر. على ضفاف هذه البركة عشنا حياة في الجنة. ولا أظن أن في الدنيا عالماً يمكن أن يكون أجمل وأهنأ من الحياة في بستان هو بستانك، وأرضك، وأن تلقي نفسك في البركة، وتنفعل في الركض خلف الضفادع والسرطعانات والبلعط والسمك الصغير والحنكليس. ولم أتعلم السباحة لأني كدت أغرق مرة، ولكن كان هناك ما يسمى القَرْعَة. وهي من نوع القرع الرقابي، أي الذي له رقبة ويحشى مثل الكوسا وهو صغير، تترك القرعة حتى تكبر جداً من أجل بزرها، وبعضها يكبر حتى يصير بحجم الجرة الكبيرة، وتفرغ من بزرها وتجفف ويغلق فمها جيداً حتى يكون كتيماً، وتكون بذلك خفيفة لا تغرق مثل العجلة التي تنفخ بالهواء في هذه الأيام للأطفال في المسابح الأهلية. وما على الطفل إلا أن يحضن القرعة ويسبح كما يهوى. وبعد قيام المحرك بالضخ ينساب الماء في مواسير تمتد حتى آخر الأرض، وتتوزع المياه بنظام بديع حتى تروي ما يعادل كيلومترا في مثلها من الأرض المزروعة بكل أنواع الخضروات حسب الموسم. ومثل هذا الترتيب كان لبستاننا الغربي وكان جارنا فيه محمد عبد الحميد العباس وكان شريكاً في المحرك مع جاره أحمد كليب، وأما نحن فكان لنا محركنا المستقل. ولكن كل من يعرف الخلديات وجناتها الغناء كان يعرف أن بستان محمد عبد الحميد العباس كان أية في التنظيم والخصب والثراء وجودة الفاكهة والخضروات حتى كان هذا البستان مضرب الأمثال. وحذا الوالد حذوه، فلم تبق شجرة فواكه لم يزرعها الأهل في البستان الغربي على شكل منظم جميل مع ترك مساحات للخضروات . وركب له محركاً من نوع سمعت اسمه بشيويش ولا أدري ما معناها، وكان الذي يركب هذه المحركات ويقوم بإصلاحها عند اللزوم حسن كيوان وهو من صفورية. ولعلي سبق أن قلت إننا نظفنا هذا البستان من الحصى والحجارة شبراً شبراً ثم قلبت الأرض بالحراثة عدة مرات مع التنظيف والتعشيب الشديد من كل الأعشاب الضارة ثم زرعت لفتاً، فجاء الموسم رائعا ودرنات اللفت كبيرة، ومن المعروف أن اللفت للمخلل، وكان هو والخيار من مأكولات صفورية اللذيذة، ولم يكن بيت يخلو من خابية المخلل الملون باللون الشمندري، ولكني لاحقاً فهمت أن اللفت كان مطلوباً في مناطق فلسطينية مثل نابلس لأنهم يطبخونه مثل الأرضي شوكي، يقشرونه ويقوِّرون في وسطه حفرة ويسلقونه قليلا ثم يحشونه باللحم مثل منزلة الباذنجان، ويطبخ برب البندورة أو بالطحينة ، وهي أكلة لم أرها في صفورية.
النهر الذي يمر من الخلديات يستمر في جريانه حتى عدة كيلومترات حتى يصل إلى مكان أسمه ا لمشيرفة، ولم تتح لي الفرصة لرؤيتها لأن مثل هذا المشوار كان يحتاج لأكون بمرافقة الوالد أو من هو في مقامه. وكان فيها بساتين اسمها المشيرفات، وتشكل المشيرفات وبساتين عين القسطل والخلديات الجنات الصفورية التي كانت تفيض بالخيرات الحسان والثروة والنماء الدائم. ولكن الماء في المشيرفات كان طبعاً يسيح في النهاية في مرج رعوي تكثر فيه الأغنام والأبقار وأقيم فيها مصنع للجبنة وللبنة والزبدة والسمنة أو ما شاكل، وكلها من خيرات الله ثم صفورية. الماء عموماً كان كافياً والجميع يسقي أرضه وهو مرتاح، ولكن كان يحدث أحياناً أن تدور المحركات كلها جميعاً فيؤثر هذا على مصدر الماء، وتجف الجابية ويضطر صاحب البستان إلى إطفاء محركه. بعض الجوابي تستمر في النبع وتصمد للضخ ، فيشكو الآخرون من أن فلاناً يسيطر على الماء ويأخذ حصة أكبر مما يجب، وتحصل بعض الاحتكاكات، ولكن الجميع كانوا حريصين على مصلحة الجار ويراعون خواطر بعضهم، وفي صفورية عدد كبير من الوجهاء والعقلاء الحكماء الذين كانوا مستعدين لبذل جاههم ومالهم وسلطتهم لإقامة العلاقات الاجتماعية السليمة وإصلاح ذات البين بين الخصوم. وقد سمعت من أهلي وفي المضافات أن الناس من القرى المجاورة كانوا يأتون لوجهاء صفورية لتحكيمهم وتستأنس في الخصومات برأيهم. وكان محمد السليمان في العام 1838 هو المتسلم على الناصرة، أي هو القائمقام عليها، وكان هو رأس دار سليمان في ذلك العصر، كما هو مذكور في تاريخ الناصرة، ومع ذلك فإن بعض النفوس أميل إلى المنافرة، وحب المقاهرة والمغالبة والسيطرة بالسطوة والقوة. وكان لا بد أحياناً من الردع بالذراع والعصا. مشكلة الماء مع جيراننا الحدايدة أدت في النهاية إلى "طوشة"، والذين وقفوا في وجوه بعضهم كانوا أبناء خالات، وكل واحدة تنادي ابنها. ولكن إذا نزغ الشيطان، وتملك الغضبُ الإنسان أدى به إلى الغلط، ولكن الطوشة انتهت من دون أذى وبمجرد إصابات طفيفة. وفي مناسبة أخرى قامت علاقة متوترة مع أحد أفراد عائلة السعدية وبين أحد الأعمام أدت أيضا إلى طوشة، والذين وقفوا في وجوه بعضهم كانوا أنسباء، ولكن وجهاء صفورية سارعوا إلى فضها وانتهت بإصابات طفيفة. في الحقيقة هناك بعض الناس أشرار حقاً، ولا يمكن استرضاؤهم بسهولة، وكان يوجد في صفورية عدد منهم، وكانوا لا ينزجرون بسهولة. أعرف بعضهم بالاسم ولا أرغب بذكرهم. ولكنهم كانوا من النوع الشيطاني الذي لا ينام إلا إذا أوقع أذى بالناس. كان في صفورية شجعان من النوع الذي كان يسمى عفريتاً نفريتاً دعاسَ ليلٍ وأخا الظلماء. ولكن جسارتهم كانت للخير وجرأتهم لا تبتعد عن المروءة وخدمة الناس، وكان هناك من نوعهم في الجسارة والجرأة ولكن على الشر، وفي خدمة المصالح الدنيئة الرخيصة لهم. لا أذكر في سنوات وعيي أن أحداً قتل أحداً، باستثناء أبو دبسه الذي خرجنا من صفورية ولم نسمع من كان القاتل، ولكن من المتداول في صفورية أن هناك من قتل قريباً له ، والقصة مشهورة ولا أود إثارتها. والسبب في هذه المشكلات يتعلق بوضع الأمن في أواخر الدولة العثمانية الذي تراجع، وصارت كل حمولة أو عائلة تحمي نفسها بطريقتها، إما بالتحالف مع عائلات أخرى، أو بالنسب مع الأقوياء، أو بذراعها هي وعصاتها. وجاء الإنجليز فتركوا الأمن فوضى ليأكل الناس بعضهم بعضاً، وقاعدة فرق تسد معروفة. وهذه حقيقة اجتماعية، حين تفقد سلطة الحكم وتضيع هيبة الحاكم يعود كل أناس لقبيلتهم وعشيرتهم، وهذه الحقيقة الاجتماعية يقررها القرآن الكريم في حوار قوم النبي شعيب معه، على نبينا وعليه السلام، حين قالوا له (قالوا يا شعيب ما نفقه كثيراً مما تقول وإنا لنراك فينا ضعيفاً ولولا رهطك لرجمناك وما أنت علينا بعزيز) هود 91 . فالضعفُ مجلبةٌ للرجم، وقوة العشيرة دافعة له. وكثيراً ما سمعت من أهلي وفي المضافات من يتمثل قول الشاعر في سيرة أبي زيد الهلالي التي كانت تقرأ في المضافات وهو يقول:
جُهَّالٍ بلا عُقَّالْ ضاعَتْ حقًوقهمْ *** وعُقَّالٍ بلا جُهَّالْ راحوا قَطَايِع .
ولا يخفى أن المقصود هنا بالجهال القوة الضاربة الخشنة في مقابل العقال وهم القوة الناعمة.
والطريق إلى الخلدية شهد كارثة التفريط بصفورية، فالمسافر القادم من شفا عمرو إلى الناصرة ينزل في أرض منحدرة حتى يأتي خانقاً بين جبلين تضيق عنده الطريق، ويمكن بسهولة تعطيل المرور فيها، وعند هذا الخانق وإلى جانبه في الأراضي المجاورة زرع أهل صفورية حقل ألغام بعد سقوط شفا عمرو لمنع مرور القوات اليهودية بسهولة على هذا الطريق. ولكن جاء من جيش الإنقاذ من يقول لأهل صفورية بضرورة نزع حقل الألغام. لأن جيش الإنقاذ كان سيسلك نفس الطريق ليقوم بهجوم معاكس ويسترد شفا عمرو. وما حصل فعلاً هو أن اليهود سلكوا نفس الطريق من قبل أن يقوم جيش الإنقاذ بهجومه المرتقب. هل كان نزع حقل الألغام خيانة؟ هل كان تسليماً لصفورية؟ لا أستطيع أن أجزم، وهي للتاريخ ليحكم ؟ ولكن هل كان حقل الألغام سيحمي صفورية لو بقي؟ حين كبرنا فهمنا أنه لم يكن قادراً على حماية صفورية، لأن أي حقل ألغام يمكن اختراقه، وحقول الألغام توضع عادة لتعرقل تقدم المهاجمين، وتبطئ تحركهم، وتعطي بذلك بعض الوقت للمدافع وتساعده في ألا يؤخذ على حين غرة من المهاجم. كان الإنجليز قد دربوا اليهود على اختراق حقول الألغام، وزودوهم بكاشفات الألغام وتخطيط مسار آمن للجنود في حقل الألغام، وزودوهم بأسلحة يمكن أن تفجر مسارات في حقل الألغام تعرف باسم كوبرا وهي مثل النربيش المحشو بالمواد المتفجرة ويطلق ليمشي متلوياً كالأفعى في حقل الألغام ويفجره. وزودوهم بدبابة خاصة لتفجير حقول الألغام تسير وعليها في مقدمتها ملفاف دوار ويدير معه كرات معدنية مربوطة بجنازير فتخبط الكرات الفولاذية الأرض بقوة وتفجر الألغام وتفتح الطريق للقوات المحمولة. هذا إضافة إلى أن الألغام التي زرعها المجاهدون كانت محدودة، ومع ذلك فإن نزع الألغام شكل إشارة مؤلمة للتفريط والاستهانة بالأمانة، وسهل مهمة العدو.
مع اصفرار الشمس كل يوم في الخلدية كانت تسير مئات الدواب عائدة نحو صفورية محملة بالخضراوات لتنتهي إلى الناصرة في الصباح في اليوم التالي. وفي المدة الأخيرة كانت تمتلئ سيارة شحن محملة أيضا بالخضروات لتنطلق إلى حيفا. كانت جنات الخلديات قد بدأت تتطور وتتزايد تنوعاً وكميات وجودة، وكانت صفورية تزداد غنى وثروة وقدرة على التحسين في مستوى الحياة في كل مجاليها. وكان آخر عهدنا بالخلديات قبل يومين من سقوط صفورية، فبعد سقوط شفا عمرو سرت إشاعات بوجود هدنة لمدة عشرة أيام، فقال الوالد للوالدة استعدوا لنزور الخلديات وأريكم الموسم فهو منقطع النظير والخضرة والشجر والفواكه في أحمال عجيبة. وهذا ما حدث فعلاً. فذهبنا إلى الخلدية ونظرنا في بهائها وجمالها والثروة التي تتفجر فيها والفواكه التي ما رأى أحد أروع من أحمالها. وقبل أن نعود قطف الوالد لنا طبخة ملوخية وكان الوقت في شهر رمضان. عدنا إلى صفورية وفي اليوم التالي طبخت الوالدة الملوخية لتكون فطورنا في رمضان. وهذا ما كان هو آخر طعام تناولناه في صفورية، لأن الطائرة بدأت بالقصف قبل أن نرفع المائدة، وبقيت صينية الملوخية على الطبق الملون الجميل المصنوع من قش القمح على الأرض، لأن الهجوم كان من ناحية بيتنا وكان الرصاص ينهمر فوق رؤوسنا مثل المطر ونحن نغادر البيت لأخر مرة. وللهجرة حديث خاص بها.
وفي الطريق إلى الخلدية رأيت التدريب العسكري في صفورية. رأيت الناس يتدربون على الرماية على البنادق. ولم أكن قد بلغت في صفورية من العمر سنوات تسمح لي بزيارة القيادة العسكرية لحامية صفورية التي اتخذت مدرسة البنات في السدر مقراً لها. وكنت أرى أنواعاً عديدة من البنادق على أكتاف الرجال فلا أستطيع أن أميز بينها أو أعرف مميزات كل بندقية منها. ولكن الفرص سمحت لي أن أرى الرجال يتدربون أحياناً على الرماية وإصابة الهدف وخصوصاً الذين كانوا يشترون بندقية جديدة. والسبب في هذه الفرص هو أن بيتنا يقع في غرب صفورية في طرف الحارة الغربية، وبعد بيوتنا وبيوت جيراننا تنحدر الأرض تدريجياً لمسافة عميقة ويسمى المنحدر رباع الناطح، حتى يصل الانحدار قاعاً عريضاً في أرض مستوية على اليمين تسمى الدوار وعلى اليسار أرض البركة. وبعد هذا القاع العريض تبدأ الأرض بالارتفاع تدريجياً في أرض مراع خضراء ثم تبدأ أرض الهضبة بالارتفاع لتشكل غابة صفورية المعروف باسم ظهر جابر والديدبة. على سفح الرباع النازل بالانحدار كان المتدربون يقفون ويضعون أهدافاً على شكل تنكات فارغة على الطرف الآخر من القاع في أول صعود بالتدريج نحو الغابة. ومن مواقعهم يطلقون النار على الأهداف، وكنت مع الأطفال أمثالي نقف خلف الرماة نتسلى دون أن نفهم شيئاً. وكنت أرى شخصاً كان على ما يبدو معلماً للرمي يمسك بالبارودة ويعلم الرامي كيف يتصرف. ربما يطلق الرامي خمس طلقات، وتنتهي مهمة التدريب، ربما يطلق أكثر من خمس طلقات، ولكنها كلها كانت ترمى طلقة طلقة، ولا أظن أن أي واحد من المتدربين رمى أكثر من عشر طلقات لأن الذخيرة كما كانوا دائماً يقولون كانت قليلة وثمينة. بعض البنادق كانوا يسمونها عصمللية، وكانت طويلة رفيعة. وبنادق فرنسية قصيرة وكعبها عريض، وبنادق فرنسية أطول وفوهتها مختلفة، وبنادق كانوا يسمونها كندية أو إنجليزية مشابهة لها، وكانت تعتبر عند الناس ثمينة ومهمة. وكان هناك سلاح قصير معدني يسمونه ستين، رأيته محمولاً مع أحد الناس ولم أر أحداً يرمي به. كانت حامية صفورية ذات سمعة حسنة، وقد شاركت قوةُ صفورية بعدة معارك وفَزَعَت لقرى عديدة عدة فزعات. ولست في مكان من يستطيع أن أروي شيئا عن هذه المشاركات، إلا ما قرأناه بعد أن كبرنا وهو أمر يحتاج للتمحيص، وكان واجب الذين شاركوا فيها أن يشرحوا لنا قيمتها وتضحياتها وطبيعة تلك القوة من حيث التسليح وقوة نيرانها وأنواع أسلحتها، ومن حيث أعداد المجاهدين ومدى تدريبهم، ومستوى ترابطهم وتنسيقهم مع القوات الأخرى التي كانت في المنطقة. وآخر معركة شاركت فيها قوة صفورية كانت موقعة الشجرة الأولى وفيها استردت قوة صفورية قرية الشجرة من قوات الاحتلال اليهودية، وموقعة الشجرة الثانية، وساهمت فيها قوة صفورية ولكن الحشد اليهودي زاد عن قدراتها ولم تستطع استرداد الشجرة مرة ثانية، وكبدت اليهود خسائر شديدة، وفي الشجرة فقدت صفورية الشهيد السعيد فخري الشيخ عبد الهادي رحمة الله عليه.
لما كبرنا وقرأنا وفهمنا ورأينا أدركتُ كم كانت المعركة ظالمة لفلسطين عموماً وأهل صفورية خصوصاً. فالبندقية الطويلة العصمللية التي كانوا يتدربون عليها في العام 1948 كانت من طراز العام 1898 وعيارها 7.92 ملم، والبندقية الفرنسية العريضة كانت من طراز 1908 وعيارها 8 ملم، والبندقية الفرنسية الثانية من طراز 1936 وعيارها 7.62 والكندية والإنجليزية اللتين كانتا مفضلتين وقليلتين كانتا مختلفتين. وهذا يعني أن كل بندقية كانت تطلق ذخيرة مختلفة، فإذا نفدت ذخيرتها لا تستطيع أن تستعير من أحد وتحولت إلى عصا. وأما رشيش ستين فهو سلاح قريب المدى لا فاعلية له في المعارك. طبعاً كان لدى قوة الدفاع الصفورية قوة نارية من غير تلك البنادق. ولكن في المقابل كان اليهود يملكون كل سلاح الجيش البريطاني: من بنادق فردية ممتازة وموحدة الذخيرة، ورشاشات البرن الحديثة ومدافع هاون عيار 81 ملم ورشاشات ثقيلة ومدافع ميدان ودبابات وطائرات، وقوات بحرية وكل أنواع الإمداد العسكري الذي كان يقدمه لهم الإنجليز. وأما التدريب الذي تلقاه اليهود فهو لا يختلف عن التدريب الذي تلقاه الجيش البريطاني. بل إن عدة وحدات يهودية كانت وحدات في الجيش البريطاني، وكان موشيه دايان ضابطاً في هذا الجيش اليهودي البريطاني. وكان الجندي في هذا الجيش يقضي أسابيع في رمايات حية فردية متنوعة حتى يصير الرمي عنده غريزة مثل التنفس، ثم يقضي أسابيع في التدريب على الرمي والعمل ضمن حضيرة من 7-10 جنود تحت إمرة عريف أو ما شاكل ومعهم رشاش وهاتف، ثم يقضي أسابيع في التدريب على الرمي والعمل في فصيلة قد تصل إلى خمسين جندياً من خمس حضائر تحت إمرة ملازم أو ما شاكل ولهم قوة نارية عالية، ثم يقضي أسابيع في التدريب على الرمي والعمل في سرية قد تصل إلى 250 جندياً من خمس فصائل تحت إمرة نقيب أو ما شاكل وتكون إحدى الفصائل للمساندة مزودة بالهاون والأسلحة المضادة للدرع وغير ذلك، ثم يقضي أسابيع في التدريب على الرمي والعمل في كتيبة قد تصل إلى ألف ومائتين وخمسين جندياً من خمس سرايا تحت إمرة رائد أو ما شاكل، وتكون إحدى السرايا للمساندة بالهاون والأسلحة المضادة للدروع وربما غير ذلك من الترتيبات، وتملك الكتيبة قوة نيران هائلة مع الإسناد المدفعي، والجوي والبحري، ثم يقضي أسابيع في التدريب على الرمي والعمل في لواء قد يصل إلى ستة آلاف جندي من خمس كتائب تحت إمرة عقيد أو ما شاكل ذلك، واللواء قوة كبيرة لا يستهان بها، وكان في الجيش البريطاني لواء يهودي. وهكذا يتدرج التدريب لمستوى فرقة من خمسة ألوية ثم قوة جحفل من عدة فرق أو جيش كامل على مستوى الأمة. والجميع يتدرب على التعاون مع المساندة من المدفعية البعيدة المدى، والتعاون مع المساندة الجوية من طيران متفوق ومن قوة بحرية. وهنا ندرك أهمية التدريب المستمر والتجديد المستمر بالسلاح والأفكار وقوة النيران والثقة بالقيادات، وقد أدت تطورات الأسلحة هذه الأيام إلى تقليل عدد الجنود وزيادة الكثافة النارية. وهو ما جعل أعداد الحضيرة، والفصيلة، والسرية، والكتيبة، واللواء، والفرقة تختلف من جيل إلى جيل ومن جيش إلى جيش.
عشت في صفورية: مكان لا يموت
الطريق إلى الخلدية أو الخلديات. القسم الثاني
ومع كل الجبروت الاستعماري البريطاني، ومع إمداد اليهود بكل شيء، فقد استطاع الفلسطينيون أن يهزموا اليهود في الميدان في عدة مرات. وكانت بريطانيا في كل مرة ينتصر فيها الفلسطينيون تفرض الهدنة، لتعطي اليهود فرصة للحشد وللمزيد من الحصول على السلاح بينما تمنع أي تسليح من الوصول إلى أيدي الفلسطينيين. الهدنة الأولى والهدنة الثانية ومنع الفلسطينيين من التسليح حتى سقوط فلسطين كانت خدعاً وتآمراً جعلت من حرب1948 حرباً شكلية لا تعبر فعلاً عن قدرات الشعب الفلسطيني، والدعم العربي القليل الذي تلقاه ، لأن الدول العربية آنذاك كانت حديثة العهد بالاستقلال ولا تملك لنفسها الكثير، ولم تستطع كل الدول العربية أن تحشد في كل ما جمعت قوة فرقة عسكرية واحدة، في حين حشد اليهود بمساعدة بريطانيا والغرب عموماً أكثر من ست أضعاف ما حشد العرب مجتمعين. وزيادة على ذلك كانت القوات اليهودية معززة بالسيارات المصفحة والدبابات ومدفعية الميدان وأخيرا الطيران وسلاح البحرية. الكيان الذي يدعى اليوم "إسرائيل" ما زال يتابع نفس النمط من التدريب ثم التدريب ثم التدريب، والمناورات ثم المناورات ثم المناورات، والإعداد للحرب بكل ما تستطيع بدعم من الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد الأوروبي. هل نعجب من ذلك؟ لا. فهذا عدو يستعد، ولكن السؤال متى يقوم الفلسطينيون والعرب بما يقوم به اليهود وأكثر؟ ما يسمى إسرائيل ليس معجزة، بل هي مشكلة واجهت مثلها شعوب كثيرة احتُلت بلادها. ولكن علينا أن نتذكر أن القوة بكل معانيها مطلوبة بعد الإيمان والثقة بالله تعالى ثم بأنفسنا وأمتنا ثم بالإعداد الصحيح بأفضل مما يعدون وأكثر مما يعدون.
هل قاتل أهل صفورية جيداً ؟ لا أعرف، وعلى الذين يعرفون أن يقولوا شهادتهم للتاريخ. لكن هنا أستطيع أن أروي ما عشته وسمعته فقط، وسيبقى تاريخ صفورية غير مكتمل حتى يؤرخه من يعلمون ومن شهدوا ومارسوا ودافعوا ثم انسحبوا.
المتداول في صفورية أن الشيخ صالح السليم مختار صفورية كان يتلقى رسائل من اليهود تطلب منه ضمان استسلام صفورية واعتبارها بلداً مفتوحاً. في مقابل سماح اليهود ببقاء أهل صفورية كما هم ومن دون المساس بهم. هل كان هذا ممكناً؟ هل كان يمكن الوثوق باليهود؟ وهل كان يصح من صفورية أن تستسلم من دون قتال؟ القوة العسكرية غير متكافئة، واليهود حاقدون على صفورية، كان اسمها في معركة الهدار في حيفا وفي شفا عمرو وفي الدامون وفي الهوشة والكساير وفي تمرة وفي لوبية وفي الشجرة وهي آخر معاركها خارج صفورية، ودماء اليهود فيها لم تجف بعد، هل يثق أحد بوعود اليهود؟ لا. ثم إن اليهود كانوا وما زالوا يعتقدون أن صفورية كانت مركزاً ثقافياً لهم في يوم ما من التاريخ، وكانوا على الأرجح سيبيدون عوائل معينة فوراً، ويهجرون من يتبقى، لأنهم كانوا متشوقين إلى إعادة صفورية إلى صورتها اليهودية، وكانت أفواج كثيرة من السواح تزور صفورية، من اليهود والمسيحيين، ولكن لهذا الموضوع حديثاً آخر.
جمع الشيخ صالح السليم وجوه صفورية قبل هجوم اليهود بأيام وحضر هذا الاجتماع عمي طه ووالدي. وشاور المختار الناس. وانقسم الناس بخصوص الاستسلام، ولكن الأكثرية الساحقة من أهل صفورية رفضوا الاستسلام، ومالوا إلى القتال بكل ما يملكون، فلم يكن أحد يطيق أن يقول التاريخ إن صفورية التي جاهدت الاحتلال الإنجليزي من أول يوم حتى آخر يوم تستسلم لليهود بلا قتال. أجمعوا على تكليف قوة صفورية ومن يستطيع القتال ويملك السلاح أن يقاتل حتى يستنفد ما معه، وذلك معذرة إلى الله، وحتى يحق له أن يتحيز إلى جماعة أخرى من المسلمين. حدثني أخ كريم أثق بكلامه قال: إنه كان يملك خمس طلقات فقط حين قررت جماعته الانسحاب، وهذه الطلقات الخمس للدفاع المباشر عن النفس، لأن الذين كانوا يلبسون لباس المجاهدين سيكونون مستهدفين أكثر من غيرهم.
وعلى طريق الخلدية في العودة إلى البلد مع مسيرة مئات الدواب ومئات الغنم في القطعان العائدة من المراعي كثيراً ما كانت شَلْيَة من الذئاب تباري الماشين، وكلاب الرعاة تعوي بعنف، والرعاة على خيلهم أحياناً تخب بهم بين القطعان وبين الذئاب، والسوط بأيديهم، والسلاح على أكتافهم. ولكني لم أشاهد أي اشتباك مع الذئاب، لأن الكلاب تعوي والركائب تسير، حتى إذا دخلنا أطراف البلد جاء العديد من الكلاب من البلد يلاقى الغنم، ويعوي مع العائدين، ومن الكلاب التي كانت تأتي لتلاقينا كلبنا الأبيض العجيب، فقد كان يشتم روائحنا قبل أكثر من كيلومتر، ويعود ليبلغ من في الدار أن أهل الخلدية وصلوا منطقة أبو صحن. عند أبو صحن تبدأ البلد وتلاقيك أضواؤها الخافتة الباهتة من بعيد، ولكنها مؤنسة باعثة للسرور بالوصول، وتنتهي رحلة يوم طويل ويؤوي الناس إلى بيوتهم والموعد بينهم طلوع النجمة، واللقاء في صلاة الفجر على الطريق إلى الناصرة.
وفي الضحى العالي من اليوم التالي تكون مئات الدواب عائدة من الناصرة إلى الخلديات، وهي تنزل في طريق منحدرة وبساتين عين القسطل على يمين المتحرك على الطريق، والنظر يمتد في الأفق إلى الجبال المطلة على عكا والبحر في الغرب، والجبال التي ترتفع لتصعد إلى شفا عمرو في الجنوب الغربي، ليرى جنات خضراء ترتفع الأرض فيها من سهل، إلى تل، إلى هضبة أعلى، فهي جنات معلقة يرتفع بعضها فوق بعض. وكم وقف السائرون يملؤون أوعيتهم من ماء القسطل؟ وكم تساءل المتسائلون: يا ترى ما سر هذه العين التي لم تنضب منذ فجر التاريخ؟
والقسطل ليس هو نبع العين وحده بل هو بحر تحت صفورية ومحيطها ونبع العين في القسطل شبه بئر ارتوازية يأخذ من بحر كبير. وهناك عيون كثيرة مهمة للزراعة وللشرب والرعاة. ومنها عين الخلدية وعين المشيرفة وعليهما مثل عين القسطل بساتين ورعي وزراعات سقي وبعل وصيفية وشتوية. ولا ننسى أن هناك آبار كثيرة أشهرها بير بداوية ولكنها ليست وحدها. وفي كل بيت في صفورية بئر للاستخدام اليومي في البيت وبعضها كان نبعاً لا يغور صيفاً ولا شتاء ، وفي كثير من الحواكير كانت هناك آبار لسقي بعض المحاصيل ولسقي الدواب، وكان في حكورتنا بئر تنبع المياه فيه من عمق متر ، وهي بئر فوارة صيفاً وشتاء.
ولكي تتخيلوا ضخامة مصادر المياه التي تنضح منها العين في القسطل وغيرها من عشرات العيون والآبار والقنوات تخيلوا بيكاراً صخماً يرتكز أحد ساقيه على القلعة القائمة في قمة هضبة صفورية التاريخية، والفتحة الثانية للبيكار تنفتح حتى ترتكز على خط تقسيم المياه في الجبال المشرفة على عكا وتتحرك ساق البيكار لتدور في دائرة نصف قطرها 20 كيلومتراً أو أكثر لكي تمر على مرتفعات شفا عمرو وتتحرك إلى الخلديات والمشيرفة ثم قرون حطين وتدور على خط تقسيم المياه في مرتفعات الناصرة ثم تدور حول صفورية لتشمل كل البطوف وتعود إلى خط تقسيم المياه فوق الجبال المشرفة على عكا، هذه الدائرة تستقبل كميات هائلة من مياه الأمطار وكلها تصب في النهاية في البطوف، وتختزن هذه الدائرة تحتها بحراً تأخذ منه العين في القسطل وتأخذ منه عشرات العيون الأخرى، وأرجح أن صورة الأرض وتضاريسها تسمح بالقول إن هذا حوض قديم قدم التاريخ تتجمع فيه مياه الأمطار من الأزمنة الجيولوجية الموغلة في القدم. وكانت القنوات، حسب ما قرأنا، من العصر الحجري ثم الكنعاني تسقي من العين كل القرى المحيطة ثم ازدادت القنوات في العصر الروماني ثم جرى الاهتمام الكبير بها في العصور الإسلامية. كل هذا والقسطل لا ينضب.
وحول صفورية مواقع أثرية كثيرة لعلي أحاول أن أشير إليها في مرات قادمة، وهي من الكثرة والتنوع ما يجعلها كنوزاً أثرية سياحية. كلها شربت من عين القسطل، فكم حضارة قامت على هذه الأرض منذ الإنسان الأول الذي سكنها منذ العصر الحجري وبدايات الحضارات العديدة التي مرت على فلسطين. وكم من الجيوش تقاتلت لتحتل العين ومواقع صفورية العديدة، حتى طهرتها جيوش الإسلام بفتح شرحبيل بن حسنة رضي الله عنه، ثم بعد حطين وعين جالوت، حتى جاء الاستعمار البريطاني عليهم لعائن الله والملائكة والناس أجمعين.
وآخر قصة كان يتداولها أهل صفورية هي قصة الجيش العثماني الذي عبر أرض صفورية في الحرب العالمية الأولى وهو ذاهب ليدافع عن قناة السويس، ثم عن فلسطين أمام غزة، ثم أمام يافا والقدس، ثم أمام بيروت ودمشق، قبل أن تنهار تركيا ويستلم الإنجليز هذه البلاد المقدسة ليسلموها لليهود. وتقول القصة إن الجيش العثماني دخل أراضي صفورية فاستقبله مختار صفورية في ذلك الوقت، وأظن أنه كان من دار سليمان، وحبذا لو يستطيع أحد من هذه العائلة الكريمة أن يقص القصة، وأبلغ المختار قائد الجيش أن الجيش كله بقائده وبضباطه وبرجاله وبخيله ضيف على صفورية، وتعجب القائد، ولكن جاءه الجواب فعلاً وقد استضافت صفورية جيشاً كاملاً بالآلاف، أطعمته، وسقته، وقدمت العلف لخيله. وبعد تلك الحادثة منح السلطان العثماني مختار صفورية أعلى وسام لتكريمه وتكريم صفورية بشخصه. كان الناس يستضيفون قائد الجيش وضباطه ويتفاخرون بذلك، صفورية فقط هي التي استضافت الجيش وقائده وضباطه ولم تر في ذلك شيئاً غريباً عن طبائعها وعاداتها. وفي الحقيقة من الخطأ مقارنة صفورية بأي قرية أخرى، وليس هذا عنجهية واستعلاء ولكن إلقاء نظرة على إحصاءات السكان تبرهن ذلك فوراً حسب إحصاء العام 1912 كان قضاء الناصرة يضم 22 قرية وكان السكان كما يلي:
صفورية: 2767البعينة : 162العزير: 65رمانة: 45كفر مندا: 321كوكب: 246عيلوط: 485جباتا: 84عفولة:172زبويا:489إكسال: 521دبورية: 489
عين ماهل: 372أم اقبي: 90المشهد: 403
وكل هذه القرى من المسلمين، وكان هناك قرى فيها عدد من المسحييين وهي:
الرينة: مسلمون 472ومسيحيون 621، وكفر كنا: مسلمون 548 ومسيحيون 612، وطرعان: مسلمون 486 ومسيحيون 227، ومعلول: مسلمون 296 ومسيحيون 235، ومجيدل: مسلمون 657 ومسيحيون 491 ، ويافا: مسلمون 354 ومسيحيون 491، وجنجار: مسلمون 45 ومسيحيون 18، والفولة كان فيها يهود ولم يذكر لهم إحصاء( عن كتاب تاريخ الناصرة، ص ص 365-366 تأليف القس أسعد منصور في العام 1924). وقد أحببت أن أذكر هذا الإحصاء ليتبين كما سبق لي أن ذكرت إن صفورية أكثر أملاكاً وثراء وعدداً، بل كانت تشهد انفجاراً سكانياً هو الذي جعل أهلها يبنون بيوتاً جديدة في منطقة السدر والمطلة وأماكن أخرى لم يتح لها الوقت الكافي لتبرز. فلا غربة إذاً أن القرى الضئيلة تستضيف قائداً بينما صفورية تستضيف جيشاً.
تمتد جنات عين القسطل وبساتينها على يمين السائر إلى الخلديات وتماشي السائرين حتى ما قبل الخلديات بقليل وبعدها تبدأ غابات الزيتون ومناطق الرعي المخضوضرة دائماً تملؤ العيون نضارة وجمالاً وخضرة. وبالوصول إلى الخلديات تبدأ دورة يوم جديد.
كم كنت جميلة يا صفورية، وكم كانت دورة الحياة فيك شائقة رائقة، رائعة ماتعة. وكم كانت الأعمال تبعث الآمال، ومع أنها كانت متعبة مجهدة تحتاج للصبر والمعاناة والجلد ولكنها كانت تجلب الكرامة السامقة الشامخة، والثراء والعز والرخاء، الرجل يعمل والمرأة تعمل، والفتى يعمل والطفل يعمل. ولكن المرأة كانت أيضاً في أمور كثيرة مخدومة محشومة، ومسيَّدة مؤيدة، وكان العيش في ظلالك يا صفورية كريماً هنيئاً، يشعر فيه الناس بالقوة المادية والمعنوية والقدرة على تنفيذ ما يرغبون، لا يستجدون أحداً فهم الكثرة الكاثرة، ولا يطلبون العون من غريب ، وهذا الاحساس بالاستغناء عن الناس يهز النفس هزاً بالاعتزاز، ويملؤ القلب بالإحساس بالقوة ومحاولة فرض النفوذ بالسخاء والجود وشراء الحمد والثناء بمكارم الأعمال والتنافس في فعل الخيرات والتسابق في تحصيل جلائل الانجازات.
وكان صفوك يا صفورية كالماء النمير في جابية البستان، والماء الغزير في قسطلك، والماء الفوَّار في عشرات العيون المنتشرة في أراضيك ووديانك، والماء الكثير في آبار بيوتك وحواكيرك . وكان الصفوري عزيزاً مهاباً بل أكاد أقول مرهوب الجانب، مقدماً في مجالس الرجال ومجتمعات الكرام، ولرجالات صفورية وعائلاتها وحمايلها أسماء وأيادي بيضاء لا في صفورية وحدها بل لا أبالغ إذا قلت في القرى المحيطة أيضاً ، كانوا يشاركون في مساعدات الفقير ونصرة الضعيف، وحل مشكلات القرى وخلافاتها حول الأراضي والرعي والمياه، صفورية كان اسمها العاصمة. وهي تستحق هذا الاسم وقد أطلق عليه منذ بدء الحركة القسامية، وتعرف ذلك كل القرى المحيطة بصفورية.
يا حفيف الأوراق كنت نغما سحرياً، و يا وشوشات الغصون المتمايلة مع النسمات كنت العزيف المخيف في الليل، وكنت العزف اللطيف الخفيف كأنك رفيف أجنحة طيور الجنات في النهار. أيتها الغابة الرمَّانية من يتَملَّى جمالك اليوم، ويتغزل بزهرك القاني، ويا غابة القراصية من ينام اليوم في ظلالك العميقة في القيلولة. ومن يجني هذه الثروات الكريمة، ويا أيتها البساتين المجاورة ، ويا أيها البستان الغربي الذي كنتَ مذهلاً بجمالك ومذهلاً بأحمالك من يجني خيراتك الحسان من الرمان والتفاح والسفرجل والخوخ والكمثرى والبرابللو والقراصية واللوزيات والأعناب؟ لم ننس أن نزودك بكل ما تحتاج إليه، لقد خزنا للمحرك قطع الغيار، والمازوت والكاز والشحم، سيستمر المحرك بضخ الماء ولن تعطش أشجارك ونباتاتك. ويا غابتنا المطلة من فوق الجبل على البستان الغربي حافظي على صد الرياح لتحمي كل الثمرات، لقد ضاعفنا عدد أشجار البلوط والسنديان والعبهر وكثفنا زراعتها فوق الجبل لتشكل مصداً للرياح لكيلا تقسو على الأزهار والنوار والأثمار.
ويا شجر الرمان لا تقبل الاقتلاع فأنت القيم على الارض والأشجار وأنت نقطة العلام. سنعود وستكون أنت الدليل.
فيا شجرَ الرمانِ إنك شاهدٌ * على أننا كنا هناكَ نُـعَـمِّرُ
ويا شجرَ الرمانِ إنَّ وجوهنا * على كلِّ جذعٍ فيكَ رسمٌ مؤطَّرُ
ويا شجرَ الرمانِ زهرُك من دمي * سقيتُ به أرضي وأنتَ المؤَشِّرُ
ويا شجرَ الرمانِ لم نَنْسَ أرضَنا * ولو بعد ألفٍ سوفَ نأتي ونثأرُ
ياصفورية: هذا المرجل الهدَّار الذي يغلي في شراييني، ويتفجر فيها فقاعات من جحيم، ويسفع قلبي بحرارته، ويحرق دمي ليحوله إلى سيال جمري ناري صخابٍ يصرخ حتى تُرَجِّعَ الوديان والجبال أصداء صياحه، أما من سبيل إليك لأطفئ ناري بنظرة إلى بيوتك ودروبك وإلى الخلديات وبساتينك وعيونك ؟
يا صفورية: هذه المرارة التي تكوي حلقي كأنني ابتلع العلقم حنظلةً حنظلةً حتى تجف عروقي فأشرب ماء مِلْحاً أُجاجاً زُعاقاً حُرَّاقاً يحرق جوفي، أما من سبيل إلى حلاوة من رماننا وتيننا وصبرنا، بل أما من سبيل إلى عليقمة يسيرة من جرجير الزيتون الناضج حتى سقط تحت أمه، أو من عروق المرار والعلت من الحكورة ومن تحت زيتون الدوار والبرانس وجورة الزعتر مع شربة ماء من نبع الخلدية أو رأس العين ؟
يا صفورية: في شوارعك وعلى بيادرك وفي الحواكير والبساتين والبراري والمدرسة والمضافة والدكاكين وحيثما كنت فيك كان لي هوية، كانت سحنتي، ومخايلي، وسيمائي، وملامحي تنطق باسمي من غير أن أنطق به. كانوا يتفرسون في وجوهنا فتصدق فراستهم، كانوا يتوسمون بنا وكانوا أروع المتوسمين.
يا صفورية: بعيداً عنك كبرنا، في الهجرة، وتفجرت فينا الطموحات الشخصية بكل نيرانها المستعرة الراغبة بالتخلص من الضياع والفقر واليأس واللاهدف واللاهوية والتواقة إلى الحصول على التعليم والمكانة والمال وتحقيق كل ما تتوق له الذات الفردية بكل فطرتها الطبيعية ونهمها للحياة والزواج والشهرة. ولكن كل ما حولنا من الظروف حاول أن يتركنا هملاً بلا دور في الحياة وتفجرت قوى قاتلة تخمد هذه الطموحات وتحطمها أقلها الفقر وشيخوخة الأهل وفقدان الفرص.
يا صفورية: ما العمل ؟ الخلاص الفردي محرم يا صفورية. بقينا مع الأهل، بقينا مع الآباء والأمهات، والأجداد والجدات، والإخوة والأخوات. بقينا شامخين مثل جبالك، مثمرين مثل أشجارك، كرماء مثل عيون مائك، وصح فينا توسم المتوسمين، وصدقت فينا فراسة المتفرسين، لأن الطموح الفردي،على حسب التضحية بالأهل، وهْمٌ، ولأن الهروب الفردي لن يحل مشكلة الهجرة والاغتراب والضياع واللاهوية، الهروب الفردي نذالة لا نحسنها يا صفورية، هجمنا على الحياة لنا ولأهلنا، هجمنا على الدنيا بصلابة العصب الذي تربى على رمانك وتينك، وبثبات القلب الذي زرعه فينا صبرك، وصلابة الروح التي روتنا بها مياهك، هجمنا على الدنيا تحت وطأة الاضطهاد السياسي فكان صبرنا أقوى منه، وفي غياهب الغربة فكان إيماننا أصلب من حنادس الظلمات، وتحت وطأة اللاإعتراف وربما الإزدراء، وربما الإهانات وكانت معاندتنا أصلد من حدود الكلال، وأشد قسوة من أي انكسار، و لم نَذُب في بوتقة أحد، بل فضلنا أن نمضغ الحرقة التي في قلوبنا على مضض، وأن نبتلع الغصص التي عَلْقَمت ريقنا بكبرياء، واستهدينا بأنوار عزك المشعة في أرواحنا يا صفورية، وتغلبنا على الضياع الذي أحسسناه، وتجاوزنا الظلم الذي ما زال يجتاح أرواحنا ويطرح ألف سؤال وسؤال.
يا صفورية: مازلنا قادرين على حبك حباً رائعاً جماً متعاظماً مشتعلاً اشتعالاً فواراً كالمرجل الهدَّار الذي يغلي في نفوسنا، المرجل الهدَّار المفعم بالمشاعر الحية والنار الموقدة في شراييننا، والشحنات المكهربة التي تتفجر في أعماقنا، والحب اللانهائي المُستَكِن في أرواحنا، والمُسْتَسِر في غيابات نفوسنا .
يا صفورية:أنت النصر أو الشهادة.اللهم أكرمنا بذلك، يا أكرم الأكرمين.
القرية اليوم
لم يبقَ من القريةِ اليومَ إلا بضعةُ منازلَ ، أما باقي الموقعِ فتغطيهِ غابةُ صنوبرٍ، ولا تزالُ قلعةُ ظاهرِ العمرِ ماثلةً على قمةِ التلِّ، إضافةً إلى كنيسةٍ للرومِ الأرثوذكسِ، وعلى الطريقِ الجنوبيةِ المُفضيةِ إلى القريةِ، ثمةَ كنيسٌ لليهودِ كانَ مَقامَاً للمسلمينَ فيما مضى، وبالقربِ منهُ مقبرةٌ إسرائيليةٌ حديثةُ العهدِ.
أنشأَ الصهاينةُ مستعمرتي تسيبوري وهسوليليم عامَ تسعةٍ وأربعينَ، وفي زمنٍ أحدثَ أُنشئتْ ثلاثُ مستعمراتٍ على أراضي القريةِ: ألون هغليل1980، هوشعيا 1981، حنتون 1984.
أهالي القرية اليوم
هُجّرِ أهالي صفوريةَ عن قريتهم، فشقَّ بعضُهُم طريقهُ شمالاً نحوَ لبنانَ وسوريةَ، في حينِ بقي آخرونَ داخلَ فلسطينَ، حيثُ يعيشُ اليومَ في فلسطينَ ما بينَ ستةَ عشرَ 16 إلى ثمانيةَ عشرَ 18 ألفَ نسمةٍ أصولُهُم من صفوريةَ، غالبيَّتُهمُ الساحقةُ تعيشُ في حيٍّ مجاورٍ لقريتهم في مدينةِ الناصرةٍ، ويحملُ الحيُّ اسمَهُم، "الصفافرة"، بينما يُقدّرُ عددُ أهالي صفوريةَ في الشتاتِ بـ أربعينَ 40 ألفاً.
حي الصفافرة
حي الصفافرة في الناصرة يضم عدداً كبيراً من أهالي قرية صفورية المهجرة. أبو السعيد واحد من هؤلاء الذين ينتهزون كل فرصة ممكنة لزيارة قريتهم، يسافر نحو 10 دقائق بسيارته ليصل إلى حيث يطيب المقام "الممنوع والمحرم"، بسبب سياسة الاحتلال.
يقول محمد بركة، المهجّر من قرية صفورية "من الصعب أن ترى قريتك التي ولدت فيها، وولد في أهلك وأجدادك وأنت مبعد عنها. تقترب إلى حيث كان يقوم منزلك فتجد لافتة مكتوب عليها منطقة خاصة وممنوع الدخول. وإذا مضيت إلى المقبرة لتزور أمواتك تخاف أن يسألك أحد ماذا تفعل هنا؟".
آثار القري التي هجّر سكانها ودمّرت ضمن أكثر من 500 قرية فلسطينية أخرى عام النكبة، لا تزال شاهدة على الحق الذي انتزع من أصحابه. فعدا ملايين اللاجئين الفلسطينيين في الشتات يعيش أكثر من 40 ألف فلسطيني كلاجئين داخل وطنهم وعلى انقاض حياتهم تزدهر المستوطنات اليهودية.
وتشير كلثوم بركة، المهجر من قرية صفورية إلى أن الشعب الفلسطيني " كله مهجر. كل واحد في مكان وليسوا قادرين على العودة إلى بلادهم لان غيرنا يحتلها. أتمنى دائماً أن أعود إلى عصفورية".
كلثوم اختارت أن تحيي المكان من خلال الرسم، فها هي صفورية وكل القرى المماثلة لها حية ببيوتها وناسها وأشجارها، بالرغم من كل محاولات السياسة الاسرائيلية لطمس الهوية ومحو الذاكرة.
المرجع
الباحث والمراجع
أعدته: رشا السهلي استناداً إلى المراجع التالية:
- صفورية (قرية)، الموسوعة الفلسطينية، الرابط: https://www.palestinapedia.net/%D8%B5%D9%81%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D9%82%D8%B1%D9%8A%D8%A9/amp/
- "أبو عرب يروي ذكرياته على بئر القسطل في صفورية"، رؤى حلاق، تاريخ النشر: 13-7-2016، موقع عرب 48، الرابط:
- نبذة عن قرية صفورية قضاء الناصرة، فلسطين في الذاكرة، الرابط:
https://www.palestineremembered.com/Nazareth/Saffuriyya/ar/
الميادين:
- "صفورية تاريخ وتراث وحضارة الجزء الأول"، محمد أمين صفوري، مكتب النورس للنشر، الناصرة، 2000.
- "بلادنا فلسطين- الجزء السابع- القسم الثاني في ديار الجليل"، مصطفى الدباغ، 1991، كفر قرع، دار الهدى، ص 102.
- موقع هوية
مشاركات
لا بد أن نرجع يوما لقريتنا الجميلة