التاريخ النضالي والفدائيون - بَلَد الشَيَّخْ - قضاء حيفا

اندلعت الثورة الفلسطينية الكبرى عقب استشهاد الشيخ عز الدين القسام الذي ولد في مدينة جبلة السورية وكان شيخاً فاضلاً من خريجي الأزهر الشريف قَدِمَ إلى فلسطين بعد أن نفاه الفرنسيون من سورية، عينه الحاج أمين الحسيني فترة الثلاثينيات مؤذوناً شرعياً في حيفا وقضائها، بعدها بات إمام وخطيب مسجد الاستقلال في حيفا، كان للشيخ مكانة دينية وسياسية كبيرة لدى معظم الفلسطينيين في ذلك الوقت، وكان له من بلد الشيخ عدة أتباع وتلاميذ منهم الشيخ مصطفى عيسى السهلي الذي تزوج ابنة القسام في ذلك الوقت، وبعد استشهد القسام مع خمسة من رفاقه عقب معركة يَعْبَدْ في 19-11-1935 و دُفِنَتْ جثامينهم الطاهرة في مقبرة الاستقلال التي بُنِيَت على أراضي القرية في شمالها الشرقي، الأمر الذي أعطى القرية أهمية سياسية ووطنية لدى الفلسطينيين الذين كانوا يزورون أضرحة هؤلاء الشهداء بين الحين والآخر.

بعد استشهاد القسام اندلعت الثورة الفلسطينية الكبرى والتي استمرت ثلاث سنوات (1936- 1939) بدأت الثورة بإضراب عام شمل فلسطين من شمالها حتى جنوبها.

انضمت بلد الشيخ أيضاً للإضراب وكانت القرية في حالة اكتفاء ذاتي من ناحية المواد الغذائية وغيرها، لكن الأهالي تأثروا بالإضراب؛ إذ كانت محاصيلهم الزراعية تُباع في أسواق عكا وحيفا التي أغلقت خلال الإضراب.

أما عن المراحل التي تلت الإضراب، كانت بلد الشيخ وبحكم موقعها في سفح جبل الكرمل ملجأ للثوار في حالات مختلفة، إذ كانوا يختبئون أحياناً في مُغر القرية وأحراشها، أما عن أهالي القرية فقد كانوا يقدمون لهم ما يستطيعون من السلاح والمؤون، ناهيك عن نقل الأخبار لهم بواسطة رعاة الأغنام الذين كانوا يسرحون بقطعانهم في الجبل، كما شارك بعض رجال القرية في الثورة ومنهم:

خليل النونو، ابراهيم القصيني، عزيز اليونس (السهلي)، رضوان صالح السهلي، حسن محمد علي (السهلي)، كان يُعرف في البلد باسم "حسن الشيخة" الذي أصبح لاحقاً من أعضاء الهيئة العربية العليا التابعة للحاج أمين الحسيني، الشيخ رشيد، الشيخ عطية، يوسف الحمدان، صالح عبد الله السهلي، عبد الله الخطيب، مصطفى عيسى السهلي، محمد العوض، الشيخ ذيب، وغيرهم. 

كانت القرية خلال سنوات الثورة تتعرض لكثير من حملات التفتيش والمداهمات، وحسب رواية الحاج عبد الحفيظ السهلي يقول: أن معظم المداهمات كانت تتم في أوقات متأخرة من الليل، كانت القوات البريطانية تهاجم القرية وتنادي بمكبرات الصوت أن يجتمع جميع سكان القرية من رجال ونساء وأطفال وشيوخ في مكان معين (في معظم الأحيان منطقة البيادر أو قرب منزل حسن السهلي القريب على الشارع العام) ثم يقوم الجنود البريطانيين بمداهمة المنازل وتفتيشها.

في حالات كثيرات كانت تنتهي المداهمات بعمليات اعتقال لبعض رجال القرية، وفي أحد المرات تم إعدام حميد أسعد السهلي بشكل فوري خلال حملة التفتيش.

ومن السجون التي كان يتم اعتقال رجال القرية فيها: سجن كركور، سجن جلمة، سجن عتليت، ومركز الشرطة في حيفا.

وعن أجواء تلك المرحلة بشكل عام وحسب روايتي الحاج فوزي السهلي والحاج عبد الحفيظ يونس السهلي فيذكران أن تلك الفترة تميزت بالتزام الفلسطينيين بتعليمات قيادة الثورة بشكل كامل من أبسط الأمور حتى أعقدها، وأما عن بيع الأراضي فقد صدر في تلك المرحلة أوامر من قيادة الثورة بمنع بيع الأراضي مهما كانت الظروف سواءً أكان البيع لليهود أو حتى للعرب، كان يتم إرسال تهديد لمن ينوي بيع أرضه بوضع طلقة فارغة على باب منزله، كانت هذه الطلقة تعني تهديد مباشر من قيادة الثورة له، وفي حال كان يصر على بيع أرضه بعد إنذاره مرتين أو ثلاث مرات، كان يتم قتله من قبل قيادة الثورة لأن بيع الأرض في تلك الفترة كان يعتبر خيانة عظمى.

ومن أبناء القرية الذين استشهدوا خلال ثورة 1936، الشيخ عطية أحمد عوض الذي كان تلميذاً للقسام، واستشهد عام 1938.

أما عن الصهاينة في ذلك الوقت فلم يذكر لهم أي موقف عدائي أو هجومي على القرية أو غيرها من القرية باستثناء محاولاتهم استغلال الوضع الاقتصادي السيء في تلك الفترة لإقناع بعض الفلاحين لبعض أراضيهم بطرق ظاهرها الهدوء والود وباطنها مخططات استيطانية استعمارية.