معلومات عامة عن بَلَد الشَيَّخْ - قضاء حيفا
معلومات عامة عن قرية بَلَد الشَيَّخْ
قرية فلسطينية مُهَجَّرَة ، جنوب شرق مدينة حيفا على الطريق الواصلة بين الحافتين السفح الشمالي والجذري من السفح الشمالي لجبل الكرمل قرب مرج ابن عامر .
تبعد عن مدينة حيفا قرابة 7 كم وترتفع عن مستوى سطح البحر 100 متر. مساحة أراضيها 9849 دونم بلغت القرية 241 دونم.
احتلت عقب سقوط مدينة سقوط حيفا بيومين ، تنفيذاً لخطة "دالت" التي وضعتها العصابات الصهيونية ، فهاجمت وحدات من لواء كرميلي ، بلد عدة ساعات من الحصار واقصف الوقف ، القرية واحتلت يوم 24 نيسان / أبريل 1948.
الحدود
كانت بلد الشيخ تتوسط القرى والبلدات التالية:
- قريتي جدور الغوارنة والدار البيضاء شمالاً (قريتان مزالتان زمن الانتداب البريطاني).
- قريتي وعرة السريس وخربة الكساير من الشمال الشرقي.
- قرية خربة سعسع شرقاً.
- قرية ياجور من الجنوب الشرقي.
- قرية عسفيا جنوباً.
- قرية طيرة الكرمل غرباً.
- مدينة حيفا من الشمال الغربي.
سبب التسمية
كانت المنطقة تُعرف باسم "مُغُر حَوَّاس"، إلّا أنْ استقرّ فيها الشّيخ السّهلي الصوفي، حيث أقام فيها مع عائلته. عندما احتلّ العثمانيّون بلاد الشّام عام 1517، منحه السّلطان العثماني سليم الأولّ أرض هذه المنطقة كوقف ذرّي له ولأبناءه من بعده، ومنذ ذلك الوقت والقرية تُعرف باسم "بلد الشّيخ سهل" ولاحقاً اختُصِرَ الاسم لــــ"بلد الشّيخ".
البنية المعمارية
بلغ عدد منازل القرية عام 1948 حوالي 921 منزلاً موزعين على ثلاث حارات أساسية: شرقية، غربية، وسطى.
بُنِيَتْ هذه المنازل على مساحة 241 دونم، ومعظمها كانت مبنية على سفح جبل الكرمل.
كان في القرية مسجد واحد، ثلاث مدارس، أربع مقاهي، معصرتان للزيت، ومطحنة للحبوب، مقبرتان، ومخبز واحد.
بُنِيَتْ منازل القرية في معظمها من الحجارة الكلسية نظراً لوجود منطقة المقالع على سفح جبل الكرمل جنوب شرق القرية، وهي منطقة غنية بالأحجار والصخور الكلسية المستخدمة في البناء الأمر الذي أدى لقيام كسارات ومقالع فيها استخدمت حجارتها للبيع في مدينة حيفا.
في زمن متقدم تم إدخال الإسمنت في مواد بناء المنازل التي بُنِيَتْ حديثاً في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي.
المنزل في بلد الشيخ كان يحتوي على عدة غرف (يختلف عددها من عائلة لأخرى حسب عدد أفرادها ومكانتها الاجتماعية) ولكن بشكل عام يجب أن يحتوي المنزل في بلد الشيخ إلى جانب غرف المعيشة والمطبخ والحمام على:
1- الديوان أو المضافة: وهي غرفة كبيرة المساحة نسبياً لها تصميم خاص يتناسب مع استخدامها إذ تُستخدم هذه الغرفة لاستقبال الضيوف في أوقات العزائم والسهرات، وفي استقبال الوجاهات في أوقات المصالحات أو الزواج، وغيرها.
2- الحاكورة: وهي مساحة من الأرض حول المنزل تُستخدم لزراعة بعض أزهار الزينة، النباتات وبعض الخضراوات التي يحتاجها سكان المنزل في الاستخدام اليومي كالبندورة، الخيار، الكوسا، الباذنجان، البقدونس، الخس، وغيرها، كما كان يوجد في كل حاكورة أشجار زيتون (شجرة واحدة على الأقل)، دالية عنب، أشجار مثمرة أخرى مثل: الرمان أو التين، أو التفاح.... وغيرها
3- بئر مياه: بئر المياه هذا للاستخدام المنزلي وري مزروعات الحاكورة فقط، لم يكن صالحاً للشرب إذ كانت النسوة يقمنَّ بالذهاب إلى منطقة البير الموجود شرق القرية لنقل مياه الشرب والطهي للمنزل بواسطة جرار مياه فخارية.
4- تَبّان: وهو أشبه بخزانة تُبنى من الطين ملصقة بالجدار كانت تُستخدم لحفظ الحبوب المُعدة للمأونة خلال فصل الشتاء.
5- الصيّرة: وهي حظيرة ملحقة بالمنزل.
الجدير بالذكر أن أبواب المنازل في القرية كانت على شكل عقود (والعقد هو قنطرة أو قوس مصنوع من الحجارة الكلسية وتزينه زخارف ورسومات متنوعة) كما أشرنا سابقاً كان زيدان وإخوانه من قرية الطيرة هم من يقومون بصناعة هذه القناطر ومن ثم بنائها.
6- الطابون: وهو فرن تقليدي كان يستخدم لصنع الخبز وبعض الأطعمة والحلويات الأخرى.
معالم القرية
- مقام الشّيخ سهل الصّوفي الّذي كان أوّل من سكن القرية إضافةً لمسجد الشّيخ عبد الله.
- كان في القرية مقبرتان الأولى مقبرة القرية القديمة، والثانية هي مقبرة الاستقلال الّتي دُفِنَ فيها المجاهد عز الدّين القسّام. كما دُفِنَ فيها عدد كبير من الشّهداء الّذين استشهدوا أثناء الثورة الفلسطينيّة الكبرى عام1936 .
- مدرج للطائرات في شمال القرية.
- وعلى بعد أقل من 2كم شرقها، كانت هناك محطة قطار لسكة حديد حيفا- سمخ.
- أربع مقاهي ومحطّتان للوقود.
- ثلاث مدارس ابتدائية.
- معصرتين زيت.
- طاحونة حبوب واحدة.
- مخبز واحد.
الآثار
على الرغم من أن القرية بُنِيَتْ في العصر الحديث إلا أنه عُثِرَ في أراضيها على آثار وأبنية قديمة، وبجوار مقام الشيخ عبد الله كان يوجد خان، يعود في أرجح الظن للعصر المملوكي، وقد عُثِرَ في تلك المنطقة أيضاً على معصرة حجرية للعنب، وعلى بعض الأحواض التي يُقال أنها تعود للعصر البيزنطي.
في منطقة المقالع جنوب القرية كان هناك منطقة أسماها أهالي البلد "البلاط الأملس" كان يوجد فيها أجران محفورة بالصخر، تقول الرواية الشعبية أنها تعود للعصر الحجري والعلم عند الله.
مغارة أم الجرس: كانت بوابتها شمال القرية وقيل أن امتدادها كان أسفل بيوت القرية، كانت تُستخدم ملجأ للنساء والأطفال أوقات المعارك أو الغارات على القرية خلال فترة الانتداب البريطاني.
في غرب القرية، إلى جانب وادي الحاج يحيى كانت هناك أراضٍ مشاع لكل أهالي القرية، غُرِست بأشجار الزيتون وفيها عَثَرَ أهالي البلد على صخرة محفور بداخلها جرن ومعها حجر مدور، لم يعرف أهالي بلد الشيخ الزمن التي تعود إليه هذه الصخرة وهذا الجرن، ولكن استخدموها كأداة لعصر الزيتون بطريقة تقليدية واستمر ذلك حتى عام 1948.
عائلات القرية وعشائرها
كان أبناء الشّيخ سهل وأحفاده أوائل من سكن وعاش في القرية، لذا تعتبر عائلة السّهلي، وما تفرّع عنها من عائلات: مثل حمدان، الولي، زيدان، .... وغيرهم من أهم عائلات بلد الشّيخ، أمّا باقي العائلات هم كالتاّلي: الخطيب، العثمان، سرحان، خشمان، عوض، السّعدي، جودة، تلاوي، شمّا، سلفيتي، خوارنة، أبو رنة، سيوفي، حميدة، كلاس، ناجي، دياب، عنيسي، بوبس، يونس، الناطور، فرحان، جاموس، غصيني، الكردي، دحمان، حداد، جوهرة، عطية، أبو ريشة، خالد، محي الدين، سليمان، سويلي، أوغلي، سمّور.
أمّا أسماء العائلات الّتي ورد ذكرها في موقع هوية هم: السّهلي، حمدان، الولي، نصر، نصّار، حليمة، عدلوني، رزق، سباعنة، مناصرة، صادق، فرج، أبو الغزلان، أبو شعيرة، المقدادي، مغربي، أبو ديب، الحصري، عوض، زعطوط.
بعض هذه العائلات تعود أصولها لبعض المدن السورية والأردنية واللبنانية، وبعد النّكبة قام موظفوا الأنروا بتدوين أسماء عائلات اللّاجئين ومواطنهم الأصليّة. فقام كثير من أبناء هذه العائلات الّذين كانوا يقطنون في بلد الشّيخ بشكل مؤقّت بتدوين أسمائهم على أنّهم من بلد الشيخ، ويستطيع القارئ أن يلاحظ تشابه أسماء العائلات السابق ذكرهم مع أسماء عائلات دمشقية وعكاوية وغيرهما كعائلتي: سيوفي وكلاس الدمشقيّتين، وعائلة السّعدي العكّاوية.
كما أقامت في بلد الشّيخ بعض العشائر الفلسطينيّة ومنهم: عرب القُلَيْطات، عرب الصْوَيْطات، عرب الطّوِقيّة وعرب السّمْنَيّة.
الحياة الاقتصادية
كان المورد الاقتصادي الأساسي لأهالي القرية يعتمد على تربية المواشي، كالأغنام والماعز والأبقار، إلى جانب الزّراعة. لاحقاً عمل بعض رجال القرية في بعض المصانع ومصفاة تكرير النفط في حيفا
الاستيطان في القرية
استأجرت حكومة الانتداب البريطاني بعض الأراضي القرية الواقعة شرقي القرية، كان الهدف من ذلك حسب ما صرح البريطانيون بناء معمل للإسمنت وذلك عام 1925، شيئاً فشيئاً تم بناء المعمل، وتم إنشاء بيوت للعمال مع عائلاتهم حوله، هؤلاء العمال كانوا يهود من رومانيا وبولونيا وبدأ عددهم بالزيادة تدريجياً، تطورت هذه المستعمرة بشكل ملحوظ خلال سنوات قليلة وكان فيها مدارس ومركز صحي، عُرِفَتْ هذه المستعمرة باسم "نيشر" كما اسم مصنعها.
وحسب روايتي الحاج المرحوم محمود فوزي السهلي والحاج المرحوم عبد الحفيظ يونس السهلي كان علاقة سكان المستعمرة حتى عام 1948 جيدة لا توجد أي مشاكل بينهم وبين أهالي القرية مع بعض أجواء الحذر عقب قرار التقسيم نهاية تشرين الثاني/ نوفمبر 1947 ثم حادثة الريفاينري ومذبحة رأس السنة التي وقعت في بلد الشيخ، وقد رُوي على لسان بعض أهالي القرية أن مختار نيشر تدخل بواسطة بين أهالي بلد الشيخ والعصابات الصهيونية التي هاجمت القرية أواخر نيسان/ أبريل 1948 لكي يبقى أهالي القرية فيها مقابل تسليم أسلحتهم ورجالهم المدافعين عن القرية.
أنشأت على أرض بلد الشيخ وفوق منازلها المدمرة عام 1949، سُمِيَتْ كذلك نسبةً إلى "حنان زلينغر" الضابط اليهودي الذي قُتِلَ ودُفِنَ على يد أهالي بلد الشيخ في وادي الحاج يحيى غربي القرية، تل حنان اليوم هي جزء من مستعمرة نيشر أحد ضواحي مدينة حيفا المحتلة.
الثروة الزراعية
تبلغ مجمل مساحة الأراضي التّابعة للقرية حوالي (9849 دونم) أي ما يعادل 9,849,000 م2 ، حتى عام 1948 بلغت مساحة الأراضي المزروعة من مجمل هذه المساحة قرابة 5009 دونم (5,009,000) م2.
أما نسبة الأراضي المشاع تبلغ حوالي 3720 دونم (3,720,000)م2، غُرِست مساحة كبيرة منها بأشجار الزّيتون، كان بعضها في غرب القرية بجوار وادي الحاج يحيى، وكانت محاصيل هذه الأشجار تُوَزَّع على سكّان القرية الّذين لايملكون بساتين زيتون خاصة بهم.
لم يعانِ أهالي بلد الشيخ من الإقطاعيّة والإقطاعييّن، كما كان حال بعض القرى العربيّة في فترة من الفترات، فقد كان جميع سكّان القرية مَلّاكين للأراضي.
المحاصيل المزروعة في القرية: بلد الشّيخ، وبحكم وفرة مياهها وخصوبة تربتها، إضافةً لمناخها المعتدل، كانت مركزاً هاماً لزراعة الخضروات والمحاصيل الموسميّة الّتي كانت تُباع في أسواق مدينة حيفا، ومن هذه المحاصيل الّتي كانت تزرع في السّهل:
- الحبوب بالدرجة الأولى: قمح، ذرة، شعير، سمسم.
- البقوليّات: فول، عدس، حمص،.....إلخ
- الخضروات: الخس، البقدونس، الملفوف، الفجل، البصل.
أمّا عن الأشجار المثمرة: فقد غرس أهالي بلد الشيخ أشجار التّين، الرمّان، الزّيتون، إضافةً لكروم العنب الّتي كانت منتشرة بالدّرجة الأولى في جنوب القرية (سفح الكرمل)، وحسب ما ذكر الحاج محمود فوزي السّهلي في مقابلة أجريت معه عام 2007 ، هو من أبناء القرية الّذين يذكرون تفاصيل الحياة في البلد قبل النّكبة، يذكر بعضاً من ملاكي كروم العنب في ذلك الوقت ومنهم:
- كرم الشّيخ رشيد (السّهلي)
- كرم الشّيخ عبد الله (السّهلي)
- كرم صالح أحمد علي (السّهلي)
- كرم بيت العبودي
- كرم قاسم المحمود (السّهلي)
- إضافةً لملاكين آخرين تعذّر علينا الوصول إلى أسمائهم بالتحديد، عموماً هذه المحاصيل كانت تفيض عن حاجة أهالي البلد فيقوموا ببيعها في أسواق حيفا وعكا وأحياناً في النّاصرة.
أما عن الأشجار دائمة الخضرة فقد ورد في كتاب قرية بلد الشّيخ للباحث "نبيل محمود السّهلي": "أنّه نما في أحراج بلد الشّيخ أشجار السنديان، الخروب، الزعبوب، الصبّار، السريس، البلوط وغيرها من الأشجار الّتي كانت تزيّن سفح الكرمل".
"إضافةً لبعض النباتات البريّة الّتي كانت تنمو في أراضي القرية وبساتينها كالخزامى، زهرة النرجس، الصُفّيَرْ الّتي كانت تنتشر قرب برك المياه وفي ومنطقتي البيادر والوادي، إلى جانب أزهار الحنّون (شقائق النّعمان)، القريص، الفطر، عصا الراعي، الميراميّة، البابونج، الزّعتر والشومر" وهذه النباتات كانت تستخدم في معظم الأحيان لأغراض العلاج والطبابة.
المهن والحرف والصناعة في القرية
جُلَّ الأعمال الصناعية التي قام بها سكان القرية لم تعد عن كونها صناعات غذائية معتدة على المنتجات الزراعية والحيوانية، كصناعة مشتقات الألبان، وزيت الزيتون، والدبس وغيرهم، طبعاً هذه الصناعات كانت بالدرجة الأولى لتلبية الحاجة الاستهلاكية وفي حالات نادرة كانت بهدف التجارة.
التجارة في القرية
تركّز نشاط أهالي بلد الشّيخ في أعمال الزّراعة وتربية الماشية، وفي حال وجود نشاط تجاري سواءً داخل القرية أو خارجها، فهو مقتصر على بيع محاصيل أو شراء حاجات لم تكن موجودة في القرية فمثلاً: باع أهالي بلد الشّيخ في أسواق مدينة حيفا، أحياناً في أسواق عكّا فائض الحاجات المحلية من الزّيتون، السمسم، الذّرة البيضاء، الخس، البندورة، العنب، زيت الزيتون، الحليب، الألبان والأجبان.
في حين كثيرة ما احتاج سكان القرية لشراء بعض الخضار والفاكهة الّتي لم يكونوا يزرعونها في أراضيهم اضطروا لشرائها من البلدات والقرى المجاورة، ناهيك عن شراء القماش، الزّجاج والأواني المنزليّة والكاز"المستخدم في وسائل الإنارة"، الملابس الجاهزة، مفروشات المنازل، الدخّان، السكر، الرز،......إلخ
كان في القرية عدّة دكاكين ((محلات تجارية)) يشتري النّاس منها الحاجات اليومية كالسكر، الكاز، الدخّان،.....إلخ ويذكر الحاج "يونس عبد الحفيظ السّهلي" من هذه الدكاكين: دكّان عزيز اليونس السّهلي، كان موقعها على الشّارع العام للقرية، دكان حسن الشّيخ في الحارة الوسطى، ودكّان الأطرش في الحارة الغربيّة، طبعاً يوجد دكاكين أخرى لكن هذه فقط الّتي استطاع الحاج "يونس" تذكّر أسماء مالكيها وأماكن محلاتهم.
التعليم
كان في القرية حتى عام 1948 ثلاث مدارس هي:
- مدرسة حكومية: على الأرجح بُنِيَتْ في الثّلاثينيّات، وكانت دائرة المعارف البريطانيّة مسؤولة عن نفقات هذه المدرسة وتعيين المدرّسين فيها.
- مدرسة أهليّة: هي مدرسة الشّيخ عبد الله، هذه المدرسة خاصة بناها السيّد عبد الله السّهلي عام 1887 على نفقته الخاصّة، وكانت تقع على الشّارع العام الواصل بين مدينتي حيفا وجنين شمال القرية.
- المدرسة الثّالثة هي مدرسة للبنات، على الأرجح تمّ افتتاحها في الثّلاثينيّات، وربّما هي ملحقة بمدرسة الشّيخ عبد الله، كانت الفتيات يدرسنَّ فيها حتى الصّف الثّالث أو الرّابع لا أكثر.
هذه المدارس جميعها كانت تعلم التّلاميذ الذّكور في مرحلة التّعليم الابتدائي، سبقت النّكبة. أُرسلتْ بعض الفتيات للدّراسة في مدرسة الشّيخ عبد الله الأهليّة ،ودرسنَّ حتّى الثّالث أو الرّابع الابتدائي فقط، أمّا من أراد متابعة تحصيله الدّراسي، كانت حالة أهله الاقتصاديّة تسمح بإكمل دراسته في مدارس حيفا، ثم الكليّة العربيّة في القدس. كما هو حال التّعليم في مختلف قرى ومدن بلاد الشّام خلال فترة الحكم العثماني لها، كانت البلاد تعتمد في التّعليم على نظام الكتاتيب، وهي حلقات تدريس يجتمع فيها المعلّم مع عدد من الطلّاب الذّكور في جامع القرية أو المدينة، يقوم بتدريسهم مبادئ القراءة والكتابة والحساب إلى جانب تعليمهم بعض الأمور الدّينيّة وحفظ القرآن الكريم، في بعض المناطق كان هناك نظام مشابه يُعرف بالخُجا وهي سيدة ملمّة بالقراءة والكتابة، تقوم بتدريس الفتيات ما تعلمته من مبادئ القراءة والكتابة وهي حالات قليلة لم تكن موجودة في كل القرى والبلدات.
أما في بلد الشّيخ كان هناك مدرسة كُتّاب ملحقة بمسجد البلد، كان التّلاميذ يدرسون في الكُتّاب تقريباً حتّى سن الخامسة أو السّادسة، بعدها يلتحقون بالتعليم النظامي في مدارس القرية الّتي ذكرناها آنفاً. كان أعلى صف دراسي في هذه المدارس هو الصّف الخامس الابتدائي، أما المراحل الدراسيّة الأعلى فتكون في مدارس حيفا.
في استحضار ذاكرة بعض أهالي القرية ذكروا أنّ المرحوم الأستاذ أسعد دبوّر حتّى عام 1948، كان مدير المدرسة الحكوميّة التّابعة لدائرة معارف لواء الجليل، التّابعة بدورها لسلطات الانتداب البريطاني، هي الجهة الّتي كانت مسؤولة عن تعيين المدرسين وتمويل نفقات المدرسة ووضع المناهج الدّراسيّة، وهذه أسماء بعض المدرّسين الّذين درسوا في مدارس بلد الشّيخ:
- الأستاذ أحمد أبو داهش من طيرة حيفا.
- الأستاذ شوكت دلال على الأغلب كان من سورية.
- الأستاذ أحمد عمورة.
- الأستاذ صادق السفاريتي الّذي كان مدرّساً للغتين العربيّة والإنكليزيّة.
الطرق والمواصلات
تقع بلد الشّيخ على الطريق العام الواصل بين مدينتي حيفا- جنين، يمر من شرق القرية الشّارع الرئيسي الواصل بين المدينتين، هو شارع معبّد في نهايته المقابلة للقرية. يوجد له تفرّع عند جسر سُمي حينها باسم "جسر السّعادة"، وعند جسر السّعادة هذا يتفرّع الطريق العام شمالاً نحو مدينة عكا، جنوباً باتجاه جنين، وغرباً باتجاه حيفا، ومثله طريق سكّة الحديد حيفا- سمخ فقط على بعد نصف كم عن القرية، كما كان شمال القرية مدرج للطائرات بُنيّ على بُعد 2 كم عنها، وقد بناه البريطانيّون على أراضيها أيضاً.
كان الانتقال داخل القرية ومن القرية إلى الأراضي والبساتين يتم بواسطة استخدام الحيوانات، ومثله الانتقال بين القرية والقرى المجاورة لها، وفي فترات زمنيّة لاحقة قبيل النّكبة بسنوات، تم تأسيس شركة باصات بشكل تعاوني وبمبادرة ماليّة من معظم سكّان القرية، كانت الشركة تُسمى (نمرة واحدة) كان فيها حتّى عام 1948 حوالي 5 أو 6 باصات، تنطلق من موقفها الرئيسي في الحارة الشّرقيّة قرب محطة الوقود، هذه الباصات كانت تنطلق في مواعيد محدّدة من القرية باتّجاه مدينة حيفا حصراً، وفي حيفا كانت تتوقف في ساحة تُعرف باسم "ساحة الجنينة"، وبعض الأحيان تصل نحو الميناء والمعروفة أيضاً باسم "منطقة البور".
قبل النّكبة بعدّة سنوات، قام أحد أهالي القرية، قام بشراء عدّة سياّرات تكسي عملت أيضاً في مجال نقل السكّان إلى حيفا، بينما اقتصر الانتقال بين بلد الشّيخ والقرى والبلدات المجاورة لها على الانتقال مشياً أو بواسطة الحيوانات. كما كان في القرية محطتان للوقود.
المساجد والمقامات
كان في القرية مسجد واحد هو مسجد الشيخ عبد الله، وهو المسجد الذي بناه الشيخ عبد الله وفي رواية أخرى الشيخ سهل الذي استقر مع عائلته في القرية بدايات القرن السادس عشر، وهو مسجد صغير مبني على الطراز العثماني على الأرجح تم بناءه في الفترة مابين عامي (1500-1525) م غرب القرية بُنِيَ من الحجارة الكلسية، لـ بابه شكل قنطرة ومأذنته لها شكل مربع، كان في ذلك الوقت زاوية صوفية. وفي هذا المسجد دُفن الشيخ عبد الرحمن السهلي والمعروف أيضاً باسم الشيخ سهل، أو الشيخ عبد الله، وأيضاً يوجد فيه قبر زوجته وأحد من أبنائه.
وكان الشيخ أبو العبد البرجاوي مؤذن وإمام هذا الجامع حتى عام 1948.
أما عن المقامات الموجودة في القرية، فهي:
مقام الشيخ عبد الله أو الشيخ سهل (تختلف الروايات الشعبية حول اسمه الحقيقي)، ولكن المعروف لدى الجميع باسم الشيخ سهل وكما أسلفنا هذا المقام يقع داخل مسجد الشيخ عبد الله ومعه ثلاثة قبور أخرى.
ضريح المجاهد عز الدين القسام: استشهد الشيخ المجاهد عز الدين القسام في 15-11- 1935 في غابة يعبد قضاء جنين، وكانت مقبرة الاستقلال التابعة لمسجد الاستقلال والمبنية على أراضي القرية في شمالها الشرقي حديثة النشأة، بعد استشهاد المجاهد عز الدين القسام دُفِنَتْ رُفَاته الطاهرة في هذه المقبرة.
تربية الحيوانات
لم يكن العائد الاقتصادي لأهالي بلد الشيخ من أرباح بيع المنتجات الحيوانية يقل أهميةً عن عائدات بيع المحاصيل الزراعية، وحتى القرن التاسع عشر كانت تربية المواشي وبيع منتجاتها هو باب الرزق الأساسي لمعظم أهالي بلد الشيخ، مع مرور الوقت احتلت الزراعة المكانة الأولى.
كانت بعض الأرامل والسيدات اللواتي ليس لديهنَّ معيل يشترين الحليب من مالكي قطعان الماعز والأغنام أو الأبقار ويصنعن منها الأجبان والألبان، ثم يبعنَّ هذه المنتجات في أسواق مدينة حيفا، أولئك النسوة كُنَّ يُعرفنَ في البلد باسم (لبّانة) أي صانعة اللبن والحليب.
أما عن أنواع الحيوانات التي كانت تُرَبْى في البلد فهي:
الأغنام والماعز، الأبقار، الإبل، الدواجن، وبعض رؤوس الخيل للاستخدام المحلي وليست بغرض التجارة.
ويذكر الحاج "محمود فوزي السهلي" أنه عشية النكبة كان أهالي بلد الشيخ يمتلكون حوالي 40 قطيعًا من رؤوس الأغنام والماعز، هذه القطعان كانت ترعى في منطقة "المقالع" الواقعة جنوب شرق القرية، في تلك المراعي كانت تتم عملية حلب هذه القطعان ومن ثم يتم إرسال الحليب للقرية، لتتم بعدها صناعة مشتقات الحليب منها كالألبان والأجبان والسمن البلدي وغيرها، لسد حاجات الاستهلاك المحلي وبيع الفائض عن الحاجة في أسواق مدينة حيفا، وفي حالات أخرى كان يتم بيع الحليب مباشرةً في حيفا.
أما عن تربية النحل: فقد كان الاهتمام بتربيتها بهدف الاستهلاك المحلي ولم يكن بهدف التجار.
ومن الحيوانات البرية التي كانت تعيش في أراضي القرية:
الذئاب، الثعالب، الضباع، إضافةً لطيور السنونو، والبوم، والغربان، اللقلق وفي لهجة العامة "أبو سعد" وغيرها من الطيور.
الوضع الصحي في القرية
كان الناس قديماً يفضلون طرق العلاج العربي، والعلاج بالأعشاب الطبيعية، الضماد أو الجبار العربي، وغيرها من الوسائل، وفي كل قرية كان يوجد شخص مهتم بهذا الموضوع ويقوم بعلاج الناس بهذه الطريقة في بلد الشيخ كان المجبر شخص اسمه أبو أيوب وأصله من قرية عسفيا المجاورة.
ولكن في الثلاثينيات والأربعينيات كان الناس في بلد الشيخ يذهبون لطبيب يهودي موجود في مستعمرة نيشر، كما كان في نيشر مركز صحي لطالما ذهب أهالي بلد الشيخ وتعالجوا هناك، وفي بعض الحالات كانوا يلجأون لبعض مشافي حيفا.
كان هناك سيدة تُدعى "أم يعقوب" كانت تشرف ولادة نسوة القرية ثم ابنتها الحجة نزهة التي أشرفت على ولادات نساء عدة بعد النكبة واللجوء إلى سورية.
إدارة القرية
كانت بلد الشيخ وأراضيها تتبع إداريّاً منذ تأسيسها لمدينة حيفا حتّى عام 1918، حيث كانت حيفا مركزاً لقضاء يتبع سنجق عكا، الّذي بدوره كان أحد سناجق ولاية دمشق.
بعد أن احتلّ البريطانيون فلسطين منذ نهاية عام 1917 اعتمدوا تقسيماً إداريّاً جديداً لفلسطين، إذ قُسِّمَتْ البلاد لعدد من المقاطعات أو الألوية، يضم اللّواء عدّة أقضية، شكّلت مدينة حيفا وقراها لواءاً عُرِفَ بــ لواء حيفا، كان المختار صلة الوصل الأساسيّة والوحيدة بين القرية ومركز اللّواء، وكان مختار القرية حتّى عام 1948 هو المرحوم" عبد الحفيظ يونس السّهلي"، كانت مهام المختار تقوم على:
- تسجيل الأوراق الرّسميّة مثل: تسجيل الولادات، الوفيّات، وغيرهما.
- صلة الوصل بين أهالي القرية وسلطات حكومة الانتداب البريطاني.
- تمثيل القرية في المناسبات الرسميّة والاجتماعيّة في القرى والبلدات المجاورة.
وغيرها من مهام رسميّة واجتماعيّة في تمثيل القرية أمام السلطات الرسميّة، وأمام القرى الأخرى.
التاريخ النضالي والفدائيون
اندلعت الثورة الفلسطينية الكبرى عقب استشهاد الشيخ عز الدين القسام الذي ولد في مدينة جبلة السورية وكان شيخاً فاضلاً من خريجي الأزهر الشريف قَدِمَ إلى فلسطين بعد أن نفاه الفرنسيون من سورية، عينه الحاج أمين الحسيني فترة الثلاثينيات مؤذوناً شرعياً في حيفا وقضائها، بعدها بات إمام وخطيب مسجد الاستقلال في حيفا، كان للشيخ مكانة دينية وسياسية كبيرة لدى معظم الفلسطينيين في ذلك الوقت، وكان له من بلد الشيخ عدة أتباع وتلاميذ منهم الشيخ مصطفى عيسى السهلي الذي تزوج ابنة القسام في ذلك الوقت، وبعد استشهد القسام مع خمسة من رفاقه عقب معركة يَعْبَدْ في 19-11-1935 و دُفِنَتْ جثامينهم الطاهرة في مقبرة الاستقلال التي بُنِيَت على أراضي القرية في شمالها الشرقي، الأمر الذي أعطى القرية أهمية سياسية ووطنية لدى الفلسطينيين الذين كانوا يزورون أضرحة هؤلاء الشهداء بين الحين والآخر.
بعد استشهاد القسام اندلعت الثورة الفلسطينية الكبرى والتي استمرت ثلاث سنوات (1936- 1939) بدأت الثورة بإضراب عام شمل فلسطين من شمالها حتى جنوبها.
انضمت بلد الشيخ أيضاً للإضراب وكانت القرية في حالة اكتفاء ذاتي من ناحية المواد الغذائية وغيرها، لكن الأهالي تأثروا بالإضراب؛ إذ كانت محاصيلهم الزراعية تُباع في أسواق عكا وحيفا التي أغلقت خلال الإضراب.
أما عن المراحل التي تلت الإضراب، كانت بلد الشيخ وبحكم موقعها في سفح جبل الكرمل ملجأ للثوار في حالات مختلفة، إذ كانوا يختبئون أحياناً في مُغر القرية وأحراشها، أما عن أهالي القرية فقد كانوا يقدمون لهم ما يستطيعون من السلاح والمؤون، ناهيك عن نقل الأخبار لهم بواسطة رعاة الأغنام الذين كانوا يسرحون بقطعانهم في الجبل، كما شارك بعض رجال القرية في الثورة ومنهم:
خليل النونو، ابراهيم القصيني، عزيز اليونس (السهلي)، رضوان صالح السهلي، حسن محمد علي (السهلي)، كان يُعرف في البلد باسم "حسن الشيخة" الذي أصبح لاحقاً من أعضاء الهيئة العربية العليا التابعة للحاج أمين الحسيني، الشيخ رشيد، الشيخ عطية، يوسف الحمدان، صالح عبد الله السهلي، عبد الله الخطيب، مصطفى عيسى السهلي، محمد العوض، الشيخ ذيب، وغيرهم.
كانت القرية خلال سنوات الثورة تتعرض لكثير من حملات التفتيش والمداهمات، وحسب رواية الحاج عبد الحفيظ السهلي يقول: أن معظم المداهمات كانت تتم في أوقات متأخرة من الليل، كانت القوات البريطانية تهاجم القرية وتنادي بمكبرات الصوت أن يجتمع جميع سكان القرية من رجال ونساء وأطفال وشيوخ في مكان معين (في معظم الأحيان منطقة البيادر أو قرب منزل حسن السهلي القريب على الشارع العام) ثم يقوم الجنود البريطانيين بمداهمة المنازل وتفتيشها.
في حالات كثيرات كانت تنتهي المداهمات بعمليات اعتقال لبعض رجال القرية، وفي أحد المرات تم إعدام حميد أسعد السهلي بشكل فوري خلال حملة التفتيش.
ومن السجون التي كان يتم اعتقال رجال القرية فيها: سجن كركور، سجن جلمة، سجن عتليت، ومركز الشرطة في حيفا.
وعن أجواء تلك المرحلة بشكل عام وحسب روايتي الحاج فوزي السهلي والحاج عبد الحفيظ يونس السهلي فيذكران أن تلك الفترة تميزت بالتزام الفلسطينيين بتعليمات قيادة الثورة بشكل كامل من أبسط الأمور حتى أعقدها، وأما عن بيع الأراضي فقد صدر في تلك المرحلة أوامر من قيادة الثورة بمنع بيع الأراضي مهما كانت الظروف سواءً أكان البيع لليهود أو حتى للعرب، كان يتم إرسال تهديد لمن ينوي بيع أرضه بوضع طلقة فارغة على باب منزله، كانت هذه الطلقة تعني تهديد مباشر من قيادة الثورة له، وفي حال كان يصر على بيع أرضه بعد إنذاره مرتين أو ثلاث مرات، كان يتم قتله من قبل قيادة الثورة لأن بيع الأرض في تلك الفترة كان يعتبر خيانة عظمى.
ومن أبناء القرية الذين استشهدوا خلال ثورة 1936، الشيخ عطية أحمد عوض الذي كان تلميذاً للقسام، واستشهد عام 1938.
أما عن الصهاينة في ذلك الوقت فلم يذكر لهم أي موقف عدائي أو هجومي على القرية أو غيرها من القرية باستثناء محاولاتهم استغلال الوضع الاقتصادي السيء في تلك الفترة لإقناع بعض الفلاحين لبعض أراضيهم بطرق ظاهرها الهدوء والود وباطنها مخططات استيطانية استعمارية.
المجازر في القرية
تاريخ المجزرة: منتصف ليلة 1-1- 1948
مكان المجزرة: تجمع حوّاسة على أطراف قرية بلد الشيخ قضاء حيفا
الجهة المنفذة: 170 جندي من البلماخ
قائد العملية: حاييم أفينوغام
دوافع ارتكاب المجزرة: زعم الصهاينة أنهم كانوا يريدون الانتقام من العمال العرب الذين كانوا متواجدين أثناء حادث المصفاة يوم 30-12-1948 والذين كانوا في معظمهم يقيمون في تجمع حواسة على أطراف بلد الشيخ، ولكن الواقع أنهم كانوا يريدون خلق الخوف في نفوس أهل القرية والقرى المجاورة لها، ودفعهم للرحيل عنها.
أحداث المجزرة:
بعد حادثة الريفاينري، خططت القيادة العليا للهاغاناه كجزء من الهيئة الاستشارية لتنفيذ هجوم على قرية بلد الشيخ، كونها الموطن الأساسي للعمال العرب الذين يعملون في الريفاينري والذين شاركوا في الهجوم في الأمس، لذلك صدر الأمر إلى "حاييم أفينوغام" وهو قائد محلي في الهاغاناه، لتطويق القرية وقتل أكبر عدد ممكن من الرجال، وتخريب الأملاك ولكن مع الامتناع عن مهاجمة النساء والأطفال.
وفعلاً هاجمت قوة من البلماخ قوامها 170 مقاتل، بلد الشيخ من ثلاث جهات:
- من جهة الجبل وتحديداً من جنوب غرب البلد من جهة مقبرة الشيخ عبد الله ووادي الحاج يحيى.
- من جهة الشرق، ناحية وادي الخصاص وكانت بداية الهجوم على منزل أبو شريف.
- الجهة الثالثة للهجوم كانت في وادي حوّاسة وتجمُّع حَوَّاسَة السكني.
استمرت المعركة من منتصف الليل حتى فجر يوم 1-1-1948، كانت حصيلة الهجوم استشهاد حوالي 60 شخصاً من القرية معظمهم من النساء والأطفال قتلوا وهم نائمين بالسلاح الأبيض والقنابل والأسلحة الحديثة التي امتلكها الصهاينة آنذاك. كان الهجوم عنيفاً لم يستطع السكان العُزّل مقاومته، ولكن كان هناك رد من حراس القرية عندما سمعوا أصوات القنابل والأسلحة جعلت المهاجمين يتراجعون وينسحبون من القرية حوالي الساعة الرابعة فجراً.
أسماء شهداء المجزرة:
- حلوة سنوسة كانت حامل بقر اليهود بطنها وماتت هي وجنينها.
- أم سعد قتلوها مع أطفالها الثلاثة، كان أحدهم رضيع عمره 7 أيام.
- الحاج عوض جرادات تعرض منزله لهجوم بالقنابل أدى لجرح جميع سكان المنزل.
أما أبو رزق الذي تداول أهل البلد قصته كثيراً، كان من سكان القرية ولديه سبعة أولاد، دخل اليهود منزلهم في ليلة المجزرة وهم نائمين قتلوهم جميعاً وعندما انتهوا، أيقظوه وقالوا له: " قوم يا أبو رزق شوف ولادك شو صار فيهم" وعندما استيقظ ورأى أولاده السبعة غارقين في دمائهم فقد عقله وجن.
احتلال القرية
رغم الأحداث التي وقعت في بلد الشيخ مع نهاية عام 1947 إلا أن معنويات أهالي القرية بقيت عالية ولم يغادرها إلا عدد قليل جداً من السكان (غالبهم من العمال العرب الذين كانوا يعملون في حيفا وأصولهم من مدن عربية وفلسطينية أخرى المقيمين في تجمع حوّاسة).
في تلك الفترة تداول الفلسطينيون كثيراً من الإشاعات والأنباء حول مصير الناس وقراهم وممتلكاتهم في حال احتل الصهاينة البلاد، وحلوا محل البريطانيين، ومع وقوع مذبحة دير ياسين ثم سقوط حيفا يوم 21-4-1948، ازداد القلق والتوتر في نفوس أهل القرية الأمر الذي دفعهم للتفكير بشكل جدي بضرورة المغادرة وترك القرية، من أبرز المعتقدات التي جالت في بال أهل القرية في تلك الفترة :
- مذبحة دير ياسين التي وقعت يوم 9 نيسان/أبريل 1948 والخوف من أن يتكرر هذا الأمر في حال هاجمت العصابات الصهيونية القرية.
- سقوط مدينة حيفا، إذ رأى غالبية الناس أن مدينة حيفا ومالديها من سلاح ومقاتلين سقطت بيد الصهاينة فماذا سيكون حال القرية محدودة السلاح والإمكانيات العسكرية؟ .
- الأمل أن تتغير موازين الحرب لصالح الفلسطينيين بعد أن تدخل قوات جيش الإنقاذ العربي يوم 15 أيار/مايو 1948.
- دور الصحف وإذاعتي (الشرق الأدنى، وهنا إسرائيل) التي تناولت وهولت حجم الخسائر العربية مقابل حجم التفوق الإسرائيلي، أيضاً لعبت دوراً نفسياً لدى أهالي القرية الذين اقتصرت أسلحتهم وذخائرهم على الأسلحة التي كانوا قد اشتروها بأموالهم الخاصة من دمشق قبل عدة أشهر وكانت مع سقوط حيفا على وشك النفاد.
- الإشاعات التي تناقلها أهالي القرى الفلسطينية عموماً بضرورة ترحيل النساء والأطفال "لأماكن آمنة" ريثما تدخل قوات جيش الإنقاذ العربي وتعيدهم لمنازلهم وقراهم، خصوصاً بعد الأنباء التي تم تداولها حول الاعتداء على النساء واغتصابهنّ من قبل الجنود الصهاينة في قرى وبلدات تم احتلالها قبل ذلك التاريخ.
- موقع القرية الإستراتيجي على الطريق الواصلة بين حيفا وجنين من ناحية، وقربها من مستعمرة نيشر ومدينة حيفا التي سقطت بيد الصهاينة قبل أيام قليلة من ناحية أخرى.
كانت الخطة "دالت" تقتضي أن يحتل لواء كرميلي قريتيْ بلد الشيخ، وياجور أثناء عملية احتلال مدينة حيفا، حاصرت وحدات من الهاغاناه بلد الشيخ لعدة أيام تزامناً مع المفاوضات التي قام بها "ريدن" مختار مستعمرة نيشر والذي كان إلى حدٍ ما على علاقة طيبة مع أهالي بلد الشيخ قبيل اندلاع الحرب.
أرسل "ريدن" بدوره رسالة لسكان بلد الشيخ مفادها أنه يضمن لهم بقاءهم في منازلهم وقريتهم آمنين مقابل تسليم 146 بندقية يملكها أهالي القرية كذلك الرجال المدافعين عن القرية، ذهب رجال من القرية إلى نيشر وسلموا 13 بندقية فقط، أخبرهم "ريدن" أن الأمر بات خارجاً عن إرادته ولم يعد بإمكانه التدخل في المفاوضات إضافةً إلى أن المطلوب تسليم 146 بندقية وليس 13 فقط، في تلك الأثناء كانت نساء وفتيات القرية إضافةً للأطفال والشيوخ قد غادروا البلد بمساعدة شاحنات بريطانية وبقي في البلد الرجال والشباب فقط (سواءً كانوا مقاتلين أم لا) كانت أيضاً هناك شائعة كبيرة حول اغتصاب النساء والفتيات من قبل اليهود في حال هاجموا القرية الأمر الذي دفع النساء للمغادرة بأسرع وقت، استقر المغادرون في مدينتي الناصرة وجنين أما الرجال فلم يغادروا القرية، ويوم 24 نيسان/أبريل عند الساعة الخامسة فجراً بدأت المدافع والدبابات الصهيونية تقصف القرية التي بقي رجالها يقاومون حتى الرصاصة الأخيرة .
سقطت القرية بيد العصابات الصهيونية في ذلك اليوم أي يوم 24 نيسان/ أبريل 1948، غادر من بقي من رجال القرية بلدتهم عن طريق الجبل أو متنكرين
المرأة في القرية
مرحلتين قبل الزواج، وهنا يقتصر نمط حياتها على مساعدة والدتها في أعمال المنزل والطهي وإعداد الخبز والمؤونة وغيرها من أعمال، وفي أوقات جني المحاصيل الزراعية وقطاف الزيتون والعنب كانت تخرج مع أهلها إلى البساتين لمساعدتهم في جني المحاصيل.
والمرحلة الثانية من حياة الفتاة تكون بعد الزواج وتكون الفتاة في هذه المرحلة قد أتقنت أعمال المنزل وآلية إعداد الخبز اليدوي المصنوع في الطابون، أعمال الطهي وغيرها، إلى جانب معرفة العادات والأعراف العربية حول آلية التعامل مع الأقارب والجيران، وأصول الضيافة والمجاملات الاجتماعية في مختلف المناسبات.
أما عن أوقات الفراغ فقد كانت الفتيات والنساء في بلد الشيخ كما باقي في القرى والمدن الفلسطينية يتقنّ في سن مبكرة أعمال الخياطة والتطريز اليدوي، وتعلم الأم بناتها هذه الأمور التي كانت إحدى وسائل التسلية التي تقوم بها النساء خلال أوقات الفراغ وفي ليالي الشتاء الطويلة، إلى جانب التسلية كانت هناك حاجة ماسة لمثل هذه الأعمال لحاجات المنزل المتعددة.
في السنوات القليلة السابقة للنكبة تم افتتاح مدرسة لتعليم الإناث، اقتصر فيها تعليم بعض فتيات القرية في هذه المدرسة حتى الصف الثالث أو الرابع الابتدائي فقط.
القرية اليوم
بعد سقوط القرية غادر سكّانها، منهم من استقرّ في مدينتي النّاصرة وجنين، ومنهم من وصل إلى مخيّمات اللّجوء في لبنان وسورية والأردن. بقيت القرية مهجورة حتّى عام 1949 حيث دخل الصهاينة القرية، وأنشؤوا فيها مستعمرة "تل حنان" تخليداً لذكرى" حنان زلينغر" الجاسوس الّذي أرسله الصهاينة للقرية نهاية عام 47 19، عندما اكتشف أهل القرية أمره قتلوه ودفنوه غرب القرية. هذه المستعمرة اليوم هي جزء من مستعمرة "نيشر" الّتي بُنِيَتْ على أرض القرية منذ عشرينيّات القرن الماضي. يوجد على أرض القرية اليوم: مدينة رياضيّة، حديقة عامة، كليّة التخنينون التّابعة لجامعة حيفا، كما يوجد فيها مراكز لعدّة شركات لإنتاج الإلكترونيات.
وعن الآثار العربيّة في القرية، فلم يبقَ سوى مقام الشّيخ سهل والمقبرة المجاورة له، منزلان عربيّان أحدهما تم تحويله لكنيس يهودي والآخر هو مكتب تابع لحزب العمل، مدرسة القرية الحكوميّة الّتي تحوّلت لمنزل يقطنه أحد المستوطنين، إضافةً لمقبرة القسّام الّتي لا تزال حتّى اليوم تتعرّض لمحاولات نبش وتدمير من قبل المستوطنين بحجّة إقامة اوتستراد على أرضها.
أهالي القرية اليوم
استقر أبناء بلد الشيخ من الجيل الأول وأبنائهم وأحفادهم في الأماكن التي لجؤوا إليها بعضهم في الداخل المحتل واليوم هم موجودين في مدن الناصرة، عكا، شفاعمرو، طمرة، وقرى كوكب أبو الهيجا، يافة الناصرة، الطيبة، جديدة المكر، باقة الغربية.
القسم الآخر من أهل القرية وصلوا إلى مصر والأردن ومخيمات الشتات في لبنان وسورية وعلى وجه الخصوص في مخيم اليرموك في مدينة دمشق، طبعاً مع توزعهم في مناطق أخرى غير المخيم، كما كان في المخيم حارة تحمل اسم "حارة السهلية" وكان جميع سكان هذه الحارة من عائلة السهلي أبناء قرية بلد الشيخ.
استمر بهم الحال كذلك إلى أن نشبت الحرب في سورية ربيع عام 2011، حيث كان لتلك الحرب أيضاً أثرها على سكان المخيم بمن فيهم أبناء بلد الشيخ المقيمن في المخيم، الذين غادروا منازلهم في موجة النزوح الكبيرة التي خرج على إثرها سكان مخيم اليرموك في 16-12-2012.
كان المشهد أصعب وأقسى من أن يوصف، وعادت لأذهان الناس صورة النكبة التي سمعوا عنها من آباءهم وأجدادهم، وصلت أفواج من أبناء قريتنا بواسطة قوارب الموت إلى السواحل الأوروبية، والآن يعيش بعضاً منهم في ألمانيا، السويد، هولندا، وغيرها من الدول الأوروبية.
كما يقيم بعضاً من أبناء القرية اليوم في سورية، لبنان، الأردن، الإمارات، وبعض الدول العربية الأخرى.
الباحث والمراجع
إعداد: رشا أحمد السّهلي، استناداً للمراجع التّالية:
- وليد الخالدي، "كي لاننسى قرى فلسطين الّتي دمّرتها إسرائيل عام 1948 وأسماء شهدائها"، مؤسسة الدراسات الفلسطينيّة، بيروت،2001، ص 77-78-79.
- مصطفى الدبّاغ، "بلادنا فلسطين- الجزء السّابع- القسم الثّاني، في ديار الجليل"، دار الهدى، كفر قرع، ط1991، ص580 وما بعدها. (متوفر نسخة إلكترونية في مكتبة الموسوعة)
- نبيل السّهلي، "قرية بلد الشيخ"، دار الشّجرة للنّشر والتّوزيع، دمشق2008. (متوفّر نسخة إلكترونية في مكتبة الموسوعة)
- محمود فوزي السّهلي،"التّاريخ الشّفوي للنّكبة الفلسطينيّة- قرية بلد الشّيخ- ج1"، سعيد عجاوي، دمشق، تاريخ المقابلة: (2007-7-19)، موقع فلسطين في الذّاكرة.
- السّهلي، محمد عبد الحميد،"مقابلة المخرج محمد عبد الحميد السهلي حول قرية بلد الشّيخ"، تاريخ المقابلة: (2022-2-6)، موسوعة القرى الفلسطينيّة.
- السّهلي، يونس عبد الحفيظ، "التّاريخ الشّفوي للنّكبة الفلسطينيّة - قرية بلد الشّيخ- ج1"، راكان محمود، دمشق، تاريخ المقابلة: (19-7-2007)، موقع فلسطين في الذاكرة.
- رشا السهلي، "قرية بلد الشيخ"، موسوعة القرى الفلسطينية، 2022.