روايات أهل القرية - صرفند العمار - قضاء الرملة

كيف خرج أهالي القرية

نمط التهجير

كان نمط الطرد والتطهير العرقي متشابهاً في كل مكان في فلسطين، لا يختلف باختلاف المنطقة أو التاريخ أو الكتيبة التي هاجمت القرية، فقد أكدت معظم الأبحاث وجميع الشهادات الشفهية التي أفاد بها اللاجئون في مختلف الأوقات والمناطق، تكرار نفس النمط، [1]  وهو ما حدث أيضاً في قرية صرفند العمار (لمن تبقى في القرية ولم يخرج منها مسبقاً)، حيث كان يجري جمع القرويين في ساحة القرية الرئيسة أو في حقل مجاور في مجموعتين منفصلتين: الرجال ضمن الأعمار 15-50 عاماً، والنساء والأطفال والمسنون، وكان جنود الاحتلال يحيطون بالقرية من ثلاثة اتجاهات، تاركين الاتجاه الرابع مفتوحاً للهرب أو الطرد في الاتجاه الذي يريدونه، كما كان يجري تجريد النساء من حليهن ومقتنياتهن الثمينة، ومن ثم يؤمرون بالسير باتجاه الفتحة دون الالتفات إلى الخلف، وكانت النيران تطلق فوق رؤوسهن لحثهن على الإسراع في الهرب.

أما الرجال فكان يجري إيقافهم في صف ليستعرضهم رجل مغطى الرأس، وغالباً ما يتم أخذ مجموعات مؤلفة من أربع شبان أو أكثر ويؤمرون بحفر قبورهم، ومن ثم يطلق عليهم النار ويرمون في الحفر[2]. يروي الدكتور محمد الهبلي ما سمعه عن والده فيقول: " قام الصهاينة بجمع الرجال والشباب في مجموعة، والنساء في مجموعة أخرى، وتم أخذ الأموال والذهب منهن، وأمر الرجال بأن يقفوا صفاً لساعات طويلة ثم أطلقوا النيران على بعض الرجال... وفي وقت آخر أخذوا مجموعة من الرجال إلى شاطئ البحر وتركوهم تحت الشمس لساعات طويلة ثم قاموا بإطلاق النيران عليهم، وكان والدي من بينهم فرمى نفسه بين الجثث ومثل الموت على أمل النجاة، ولحسن حظه انهم لم يتأكدوا من موت الجميع، بل اطلقوا النيران وانصرفوا، فلما تأكد من ذهابهم نهض وهو يتلفت حوله، واستطاع إنقاذ رجلين ممن أطلقت عليهم النيران من الموت، وذلك بمساعدة رجل آخر..." [3]

شهادات حية

تروي الحاجّة (غالية العطار) تجربتها في الهجرة قائلة:" كان جنود الاحتلال يقوموا بالهجوم على القرية باستمرار، وكنا قد سمعنا عن مذبحة دير ياسين وارتعبنا خوفاً، كانت ابنتي على يدي وعمرها شهرين، ولم أكن اعلم أين زوجي، فهربت مع أم زوجي إلى الحقول والبيارات، ثم ذهبنا إلى اللد، كما هرب العديد من أهالي البلد معنا إلى اللد أو إلى الرملة والمناطق القريبة، كنا ننام في كروم الزيتون على التراب وبين الأشجار، لا يسترنا سوى قطعة قماش أو أكياس الطحين والسكر الخيش، والتي كنا نخيطها ببعضها ونضعها كساتر بيننا وبين غيرنا من المهاجرين، وبقينا في اللد قرابة الشهرين، توفيت اثناؤهما ابنتي، ولم أعرف حتى أين دفنت، حيث أخذها الرجال ودفنوها في الجوار" [4] .

وعن خروجهم من اللد تروي العطار: "في أحد الأيام جاءنا أحد الرجال الكبار من دير عمار يدعى محمود رمضان وكان بيننا نسب، وطلب من أم زوجي أن تذهب بنا إلى الجبال قائلاً "خلال يومين ستسقط اللد والرملة"، وكان هناك هدنة بين العرب واليهود، لكن أم زوجي اتفقت مع ثلاث او اربع عائلات من أهل صرفند وطلبوا من الحاج محمد أبو طوق أن يوصلهم إلى بيرزيت، لكن قبل أن يصلوا إلى نهاية اللد، اوقفوهم اهل اللد واتهموهم بالخيانة والجاسوسية، وذلك لأنهم لا يريدونهم ان يخرجوا من اللد ويبقوا وحدهم، لكنهم تمكنوا أخيرا من الخروج ووصلوا إلى بيرزيت بعد طريق طويل ومتعب وجوع شديد، حيث هجموا على الحقول والبيارات ليأكلوا أي شيء يجدوه حتى لو لم يكن ناضجاً من شدة جوعهم، وبعد عدة أيام وصلت أفواج  من أهل البلد وأهالي الرملة واللد إلى بيرزيت بعد هجوم الاحتلال على اللد والرملة مما اضطرهم إلى المسير ثلاثة أيام عبر الجبال، بسبب عدم توفر أي وسيلة مواصلات" [5].

ويصف آخرون مشهد الهروب من اللد بأن الناس كانوا يخرجون أفواج كل في اتجاه، وهناك عائلات لاحقتها قوات الاحتلال ورمت عليهم القنابل الحارقة، لتموت العائلة بكاملها، حيث كان الطريق مليء بالجثث، وكانوا يمشون مسافات طويلة دون طعام أو ماء فيموت كثير منهم على الطريق.[6] وتؤكد ذلك رواية السيدة سلوى العطار والتي سمعتها من والدتها فتقول" كانت الهجرة عن طريق الجبال والطرق الوعرة، حيث ساروا لمدة ثلاثة أيام متواصلة في الحر الشديد، وكان خالي المقعد يبلغ من العمر حينها 10 سنوات، وكان جدي يحمله على ظهره أثناء سيره طول الطريق، وبلغ به التعب والجهد ما جعله يفقد الوعي، وكان معهم امرأة تحمل جرة ماءٍ على رأسها، فطلبت جدتي منها بعض الماء لجدي، لكنها رفضت فاقتتلتا على الماء حتى وقعت الجرة وكسرت ولم يبقى فيها الا بعض الماء الذي اخذته جدتي وسقته لجدي، وفي تلك الاثناء ماتت طفلة صغيرة كانت مع والدها من شدة الحر والعطش" [7] . وفي رواية أخرى تذكر سلوى العطار أن عم زوجها ع. أمونة، ماتت ابنته الرضيعة أثناء سيرهم وهجرتهم، ولم يتمكنوا حتى من دفنها، فتركوها على جانب الطريق بعد أن غطوها بالصخور كما سمعت منهم.[8] 

أما الحاج (محمد عبد الرحيم) فيروي معاناتهم، حيث عائلته كانت من اوائل من هاجر إلى "عقبة جبر" قبل نصب الخيام فيقول: " انتقلنا من اللد إلى عابود ثم مخيم عقبة جبر3 *، ولم يكن هناك خيام، فصنع كل شخص لنفسه (خُص) من الخيش والخشب، وفي الشتاء نصبت الخيام، لكن عدد الناس كان أكثر من عدد الخيام، فكانوا يضعون كل عائلتين أو ثلاث في خيمة واحدة، وكانت طبيعة الارض حجرية وقاسية، والماء متوفر لكنه بعيد عنا نوعاً ما، مما زاد من معاناتنا، ولم يكن هناك مكان للعلاج، الا خيمة نصبوها بعد مدة وكان يديرها طبيب مصري يعطي نفس الدواء لأي مرض أو عارض"[9].

نهب المدينة وسرقة الأهالي

ومن المعروف أن مدينتي اللد والرملة وما يحيط بهما من قرى، كانتا قبل النكبة من المناطق التي تكثر بها الأموال وينتشر الخير، مما زاد من رغبة الصهاينة في السيطرة عليهما، حيث يذكر بن غوريون في يومياته ويقول: "ذهبت إلى الرملة واللد، ومحطة القطار في اللد، وبيت نبالا. شاهدت ثراءً فاحشاً... يجب إنقاذه قبل فوات الأوان"[10]. ويؤكد هذا سلمان أبو ستة حين قال" جرت أعمال نهب جماعية في مئات المدن والقرى التي أخليت من سكانها في اعقاب الهجمات العسكرية مباشرة لا سيما في مدن حيفا ويافا واللد والرملة وطبرية والقدس...كانت المجموعة الثانية من الناهبين هم ضباط الجيش الذين استداروا بدباباتهم وشاحناتهم... عائدين إلى المنازل والمخازن والورش... وبدأوا بتحميل محتوياتها، لكن الغنيمة الكبيرة كانت مدينتي اللد والرملة.

يقول بن غوريون: أخذ ضابط كتيبته الخامسة إلى الرملة للنهب".[11] وتؤكد ذلك السيدة سلوى العطار فتقول ما سمعته من والدتها: " أثناء الهجرة والتنقل من مكان لمكان، كنا نتعرض للتفتيش من قبل جنود الاحتلال، فكانوا يوقفون النساء في صفوفٍ، ويقومون بتفتيشهن وأخذ ما يملكن من أموالٍ أو ذهب، ومن ينتهوا من تفتيشها يجعلوها تنتقل إلى صفٍ آخر، وكانت جدتي طويلة مقارنة بغيرها، فتمكنت من رؤية ما يفعلوه وهم مازالوا بعيدا عنها، فانتقلت إلى الصف الآخر دون أن ينتبه لها أحد، واستطاعت النفاذ بذهبها".[12]

المراجع

[1]. أبوستة 121

[2]. المرجع السابق

[3]. مقابلة شخصية مع د. محمد الهبلي

[4]. سلامة، مقابلة تاريخ شفوي للنكبة الفلسطينية مع السيدة غالية العطار من قرية صرفند العمار-الرملة المحتلة

[5]. سلامة، مقابلة تاريخ شفوي للنكبة الفلسطينية مع السيدة غالية العطار من قرية صرفند العمار-الرملة المحتلة

[6] . المرجع السابق

[7]. مقابلة شخصية مع السيدة سلوى العطار

[8]. المرجع السابق

53. سلامة، مقابلة تاريخ شفوي للنكبة الفلسطينية مع الحاج محمد عبد الرحيم من قرية صرفند العمار-الرملة المحتلة

54. بن-غوريون 467 

55. أبوستة 126

56. مقابلة شخصية مع السيدة سلوى العطار