كان لأهالي يبنا دور كبير في ثورة 1936، حيث شارك أهلوها بالإضراب الشامل، ومقاطعة بضائع المستوطنات الإسرائيلية، وأوقفوا التعامل مع المستوطنات في كل المجالات، ومنع اليهود من عرض بضائعهم في سوق الثلاثاء ، وكان العرب يغنون دائماً :

 إذا كان بدكوا البلاد على حكم البرنادوت

 واذا كان بدكوش البلاد هيّ خيام البراشوت.

 وكانوا يرددون أغنيتهم المشهورة:

 لِبِس ، ما بدي لِبِس ، ولا أنا غاوي اللِبِس

 بدي علم فلسطين يرفرف على القدس

 شاشات ما بدي شاشات ، ولا أنا غاوي الشاشات

 بدي علم فلسطين يرفرف على المحطات

 خاتم ما بدي خاتم ولا أنا غاوي خواتم

 بدي علم فلسطين يرفرف على الحاكم.

 وكان قائد الإضراب والتحريض في يبنا السيد/ محمد طه النجار والذي حاكمته محكمة الانتداب البريطاني مدة 15 سنة بتهمة الإخلال بالنظام والتحريض على الثورة ضد الجيش الانجليزي، وبسبب علاقته مع حسن سلامة القائد العام للثورة، والذي زار يبنا سنة 1936، ومن الذين شاركوا في قيادة هذه الثورة من يبنا هم: سيد نصر، ابراهيم نصر، علي الهمص، شكري المغاري، مصطفى أبو عون، صالح البوجي، محمد البوجي، حسن أبو لبدة، حسين سعد الدين أبو عون، سليم شلايل، محمد يحيى حمدان، صالح على الهمص، عبد الحميد أبو سالم.

 وبعد اشتراك أهالي يبنا في إزالة خط السكة الحديد عام 38 الذي كانت تستخدمه القوات الإنجليزية لسرعة وصولها إلى مصر والمواقع الأخرى داخل البلاد وذلك بأمر من القائد عبد الرحيم محمود.

 هاجمت قوات الاحتلال الإنجليزي البلدة ليلاً ونسفت المقهى الخاص بالمواطن أسعد الرنتيسي، ثم دمرت مجموعة من المنازل والمحلات التجارية، فاستشهد ثمانية من أهل البلدة منهم الحاج ياسين يحيى، وعبد المجيد أبو سالم ، وأنور الصوراني ، وأخيه نور الصوراني، وأصيبت زوجة عبد الله الجوارني، وبعد ذلك بدأت قوات الانتداب تشديد الحصار على البلدة ومطالبة 400 مسلح بتسليم أنفسهم وسلاحهم.  لكنهم استطاعوا التسلل عبر المزارع خارج البلدة.  واستطاع الإنجليز اعتقال أعضاء اللجنة القومية في القرية وكان الشيخ علي العطار أميناً للصندوق، ومنهم صالح حسن طه واعتقلوا ستة أشهر اعتقالاً إدارياً.

 وحدثنا يوسف أبو سالم وبكر البوجي وعلي العيلة عن حادثة الشحن المشهورة فقد كان التاجر رشيد الجمل يحمل في سيارته الشحن 80 عاملاً لقطف الحمضيات، وعند عبور الشاحنة عبَّارة أبو سويرح جنوبي البلدة انفجر لغم كبير، وكان الهدف منه تدمير الشاحنة، لكن اللغم انفجر بعد عبور الشاحنة، فتوجه أهالي البلدة إلى المنطقة ووجدوا سلكاً كهربائياً مرتبطاً ببطارية، وبعد رصد الأثر اتضح لهم هروب اليهود إلى المستوطنة (جان يبنا).

 أما ما حدث أثناء حرب النكبة ، فلا نريد الاعتماد على ماجاء في الكتب، لاسيما وأنه جاء على لسان الصحافة الأجنبية، والمراسلين اليهود، نريد هنا أن نعتمد بالدرجة الأولى على ذاكرة الذين حضروا المعركة وشاركوا فيها ، وقبل أن نستعرض حديث هؤلاء ، نرغب في سرد ما جاء على ألسنة هذه الصحافة ، لنرى مدى الاختلاف بينها وبين شهود عيان من يبنا ، جاء في كتاب كي لاننسى لوليد الخالدي ص270 (كانت القرية موضع تنازع بين القوات المصرية والإسرائيلية ، في الأسبوع الأول من حزيران – يونيو 1948. فقد جاء في بلاغ عسكري إسرائيلي نقلته وكالة أسوشيتد برس في 1 حزيران يونيو ، أن في يبنا وحدة مصرية متقدمة . إلا أن المؤرخ الإسرائيلي (بيني موريس) يذكر أن القوات الإسرائيلية استولت على القرية في 4 حزيران يونيو ، في سياق المرحلة الثانية من عملية براك (أنظر البطان الغربي قضاء غزة) ويكتب موريس مستشهداً بمصادر عسكرية : "بعد القصف بمدافع الهاون وقتال قصير ، دخلت الوحدات القرية فوجدتها خالية إلا من بعض الرجال والنساء العرب المسنين ، الذين ما لبثوا أن طردوا أيضاً" إلا أن هذه الرواية لا تتفق مع الرواية التي نجدها في "تاريخ حرب الإستقلال" الذي يجعل اليوم التالي تاريخاً لاحتلال القرية ، ويؤكد الاستيلاء عليها بطريقة مختلفة:

 فقرية يفنه [يبنا] العربية ، التي لم تصل إليها القوات المصرية ، أصيبت بالذعر نتيجة رؤية حشودنا ، فهجرها سكانها ، وفي ليل 4/5 [حزيران يونيو] سقطت بيدنا من دون قتال.

 كما نقلت صحيفة "نيويورك تايمز" نبأ هجوم القوات المصرية في 5 حزيران/يونيو على يبنا التي يسيطر الإسرائيليون عليها الآن لكن البرقيات حملت أنباء استرداد القوات "الإسرائيلية" للقرية في اليوم نفسه.

 وساقت وكالة "يونايتد برس" رواية أخرى لكيفية احتلال القرية ، تختلف إختلافاً بيِّناً عن الروايتين الإسرائيليتين ، فقد بدأت المدفعية الإسرائيلية تقصف أعالي القرية أولاً ، بينما زحفت قوات المغاوير خلف فرق كاسحي الألغام ، وعند شروق الشمس ، بات من الممكن مشاهدة المدنيين يفرون من البلدة في اتجاه الساحل ، من دون أن يتعرضهم المهاجمون الإسرائيليون. بعيد ذلك سقطت يبنا واستولى المغاوير الإسرائيليون على ذلك الموقع الإستراتيجي المتحكم في الطريق الساحلي. وأضافت الرواية أن يبنا كانت آخر القلاع العربية بين تل أبيب والمواقع المصرية المتقدمة على الجبهة شمالي أسدود مباشرة.

 أما رواية شهود النكبة، يقول الحاج علي العيلة والمختار عوض الله والحاج بكر البوجي والحاج عبد الله العبسي والحاج محمد أبو سالم "جورج" والحاج محمد أبو مرزوق والحاج خميس محمد جراد وكلهم من يبنا: اجتمع الثوار وكانوا قد اشتركوا في الدفاع عن بشيت والقبيبة والمغار وزرنوقة وقطرة ، وبعد أن صدوا القوات المعادية عدة مرات عن قرية بشيت، إلا أنهم انسحبوا منها تحت ضغط المصفحات القوية وقذائف المدفعية بعد معركة استمرت 13 ساعة متواصلة انتهت خلالها ذخيرة المقاتلين العرب.

 وحدثنا الحاج خميس جراد وغيره، أنه بعد الانتهاء من معركة بشيت أحضر أهالي يبنا رأس إبن زعيم المستوطنة المجاورة لبشيت وطافوا بها البلدة ، مما جعل غيظ اليهود يشتد على أهالي يبنا. وقد خسر أهالي يبنا 17 شهيداً في حرب بشيت وأول شهيد هو "صالح الهمص".

 قال  يوسف أبو سالم الشهير بجورج:أن اليهود قد حاصروا مدرسة القبيبة يوم 3/5/47 وفيها 60 مقاتلاً من أهالي القبيبة فطلبوا النجدة من أهالي يبنا، فتوجه جزء من قيادة يبنا إلى المجدل لطلب المساعدة من القوات المصرية، وكانت لدى الثوار مصفحة واحدة يقودها جورج أبو سالم، فتوجهوا بها إلى المجدل، فقابلهم ضابط (يوزباشي) وكان الثوار يرتدون زياً عسكرياً، وطلبوا منه مدفعية ورشاشات لفك حصار القبيبة. وقد رفض الضابط المصري طلبهم، أو إعطاء الثوار أي ذخيرة من أي نوع، وطلب منهم ترحيل النساء والأطفال والأهالي خارج البلدة لأنهم قادمون إليها بعد ثلاثة أيام.  ومن الذين ذهبوا لمقابلة القيادة المصرية في المجدل: محمد يوسف أبو سالم، نمر السحوة، عبد الله حمدان (من المغار) محمود رزق، جورج أبو سالم، محمد أبو جاد الله.

 وقد عاد جورج بالمصفحة إلى يبنا وتركها هناك، واعتقد أن هذه المصفحة التي أحضرها الشيخ محمد طافش من غزة عن طريق أبو خضر الصوراني وبمساعدة أهالي يبنا تم فك حصار القبيبة .

 احتشد الثوار في قرية يبنا، وكان يزيد عددهم على 800 مقاتل ، ولم تكن لديهم أسلحة متطورة ، و كانوا يمتلكون فقط بنادق من أنواع مختلفة، ألماني، إنجليزي، وكان الذخيرة قليلة جدا، وهو من بقايا ذخيرة الانجليز ، وكان البعض يتسلح بأسياخ الحديد و البلطات و السكاكين ،ومن كانت زوجته تمتلك ذهباً باعه واشترى بندقية مع قليل من الذخيرة، وهذا شأن الكثير من رجال البلدة والقرى المجاورة.  وبعد أن استولت العصابات الصهيونية على القرى المجاورة حاصرت بلدة يبنا إلا من الجنوب، وحشدت قوات ضخمة لاجتياحها، وخوفاً من ازدياد الخسائر، وحرصاً على خسائر أقل، طلب الثوار المدافعون عن البلدة الأهالي بمغادرة بيوتهم إلى الحقول والمزارع والخلاء، على أن يعودوا إلى بيوتهم بعد ثلاثة أيام، وعلى هذا الأساس غادر جميع الأهالي منازلهم، ولم يبق إلا الثوار بأسلحتهم القديمة التي لا تصلح في حرب يمتلك العدو مصفحات ومدافع ورشاشات، وطائرات، وسمعنا أن القوات المصرية دخلت أسدود ولديها نية دخول يبنا، لكننا لم نَرَ شيئاً من هذا، وأرسلت البلدة وفداً لمقابلة قائد القوات المصرية اللواء أحمد المواوي. بتاريخ 26/5/1948 في موقعه باسدود ومن الذين ذهبوا للقائه: نعيم الهمص، عبد الله فضل، أسعد الرنتيسي، فقال لهم: لا تخافوا، هم يأخذونها ليلاً ونحن نستردها بالنهار.  ورفض تزويدهم بالأسلحة أو الذخائر، أو حتى المشورة.  وعند عودتهم في اليوم نفسه بدأت مدافع المورتر الصهيونية بقصف البلدة على مدى يومين بليلتين، وهناك من قال بأكثر من يومين.  ثم شنوا هجومهم الشامل على البلدة من عدة جهات مستخدمين المصفحات والرشاشات والمدافع، والقوات الخاصة، ولم يكن باستطاعة الثوار التصدي لهذه القوات فانسحبوا جنوباً في يوم 4/6/1948م بعد معركة قصيرة على أمل الالتقاء بالقوات المصرية واستعادة البلدة من جديد.

 ويُحكى أن الثوار كانوا يطلقون الرصاص على المصفحة الصهيونية من بنادقهم، فكانت الرصاصة تنزل على الأرض وقد أخذت شكلاً دائرياً (مثل القرش) كما يقول محدثنا، وبهذا يكون آخر موقع للعرب في وسط فلسطين قد سقط في يد اليهود الصهاينة.

 يقول الحاج حامد سعد الدين أبو عون مواليد يبنا سنة 1927: بعد وفاة عبد القادر الحسيني بخمسة عشر يوماً، رحل أهالي البلدة تحت ضغط القصف إلى أسدود ثم إلى المجدل ، وبقي مناضلوا القرية يقاومون الصهاينة حوالي خمسة أيام بقيادة خليل السوري (أبو إبراهيم) مرسل عن طريق حسن سلامة المساعد العسكري لعبد القادر الحسيني، وكان يساعده من ثوار يبنا: علي العطار، محمد طافش، محمد طه النجار، محمد يوسف أبو سالم، صالح البوجي، علي الهمص، مقداد إبراهيم الطويل، العاصي إبراهيم الطويل (الذي فقد يده) ، أسعد الرنتيسي ، جمعة أبو سعدة ، خليل أبو حجاج، جمعة يوسف العيلة، صالح حسن طه، محمد أحمد البوجي محمد إبراهيم أبو حسنين، محمد حميدة أبو حجاج، إبراهيم اسماعيل عبد الحافظ (اليمني) ، محمد حسين الشرقاوي ، صابر ابو لبدة ، حسين سعد الدين أبو عون ، عبد العزيز أبو سالم، محمد أبو سالم ، سليمان العبد درويش أبو سالم ، محمد البواب ، أحمد طه أبو عامر، محمود رزق ، أحمد نطط، سليمان الطنطاوي ، عبد العزيز صالح البوجي ، عبد الغني أبو أمونة ، محمد طافش ، علي العطار ، محمد أبو بطنين ، خليل أبو حجاج ، عطية أبو حجاج ، توفيق أبو فخر ، حسن السعدوني ، حسن عاشور ، عطية أبو قمر ، محمد سعادة ، حامد زيد الرنتيسي ، محمد عثمان النجار ، العبد طه النجار ، ومن الثوار الذين سجنوا أيام الإنجليز ، محمود العكر ، وأحمد أبو سالم ، وسليم حسن عبدالله شلايل الذي سجنته سلطات الإنتداب البريطاني لمدة سبعة أعوام وكان قد حكم عليه بالإعدام ثم إنخفض الحكم إلى المؤبد ثم إلي سبع سنوات بسبب مقاومته قوات الإحتلال والقيام بعدة عمليات عسكرية ضد الجيش الإنجليزي.

 ويقول الحاج عبد الله العبسي: إن الشرطة العسكرية الإنجليزية ذات (الزنار الأحمر) لعبت دوراً خطيراً في الحرب لصالح اليهود، وقد قصفت مدفعية المورتر الصهيونية يبنا من بشيت والمغار والقبيبة، ومن وادي حنين، ومن قصر البنات، ومن ريشون لمدة عشرة أيام متواصلة، فهدموا معظم منازل البلدة الطينية، وقد دخل اليهود البلدة وهي فارغة تماماً من أهلها بعد أن انسحب الثوار غرباً وجنوباً باتجاه اسدود وروبين.

 يقول الحاج إسماعيل إبراهيم العطار من يبنا، ومحمود صالح العطار من مواليد يبنا 1930: عندما خرج الشيوخ والأطفال والنساء من البلدة، وكثير من الأهالي إلى اسدود والمزارع، وأقاموا هناك خمسة شهور دون طعام، وكان البعض يعود إلى منزله متسللاً ليلاً لإحضار ما تبقى في المنزل من طعام أو ملابس، ثم انسحب الجيش المصري من اسدود إلى غزة ومعه جميع الأهالي، وقد كانت الطائرات الإسرائيلية تلاحق جموع المهاجرين بالقنابل الحارقة، وهو أسلوب التطهير العرقي الذي مارسته القوات الصهيونية في جميع المدن والقرى الفلسطينية.  وفي غزة حيث تجمع المهاجرون، قامت جمعية الأصدقاء الأمريكية (الكويكرز) وقد كانت جاهزة ومستعدة ضمن مخطط مدروس مسبقاً لتوزيع الخيام والمعونات للمهاجرين.

قال الحاج خميس يوسف محمد جراد:  عن فرقة النجاده بقوله:  لقد تم فرز مجموعة من شبان البلدة بعد اختبارات شاقة في نهاية العام 1947، وأطلقوا على أنفسهم اسم (فرقة النجاده) أي لنجدة البلدة والقرى من  الحروب والكوارث، وقد تم تدريبهم في غزة تحت إشراف المناضل حسن سلامة، ورفيقه فيض الحسيني، وهو المسئول المباشر عن فرقة النجاده ولجميع فرق النجاده ، وكان عساكر الفرقة يرتدون الزي العسكري، ويعدون أنفسهم للمقاومة الحقيقية، ثم تحولت بعد فترة إلى (كتائب الفتوة) وكان المسئول عنها في يبنا يوسف العطار وأخيه عثمان العطار، ومن ضباط فرقة النجادة في يبنا: جمعة يوسف العيلة، فرج القريناوي، نمر محمود السحوة، وكان برتبة شاويش، محمد أبو جاد الله، خميس جراد، عطا الله المغير، وبرتبة عريف(امباشي) ذيب قله، أما من هم في درجة عسكر منهم: عبد الله الجزار، عبد الله أبو عامر، عطية الجزار، محمد العبد أبو حجاج، محمد العبسي، يوسف محمد ذيب، زكي العطار.  وكان لهذه الفرقة دور كبير في الدفاع عن المنطقة.

 عند وصول جموع اللاجئين اسدود، قامت القوات المصرية بتجميع الأسلحة الموجودة مع الثوار، ومن يضبط بحوزته قطعة سلاح أو ذخيرة يحكم عليه بالسجن أو بالإعدام، ويتهم بالتجسس لصالح العدو، مما أحدث دربكة كبيرة بين صفوف المقاتلين الذين تجمعوا في القرى الجنوبية خاصة في قرية حمامة وبرير، وإن كنا نرى أن السبب المعلن لجمع السلاح ليس هو الهدف الحقيقي، إنما هي عدم رغبة القوات المصرية الاستمرار في الحرب، والتي يحاول المقاتلون خوضها في كل رحلة، ودفع القوات المصرية لخوضها معهم.

 وبقيت جموع مسيرة أهالي يبنا والقرى المجاورة بدون طعام أو مأوى، في وقت الظهيرة اللاهب،  حيث كانت النسوة يلففن أقدامهن بالشرائط القديمة التي تصادفهن بالطريق، حماية لأقدامهن من حرارة الرمال الملتهبة، تحت أشعة شمس الصيف الحارة في بلادنا، ومن الحكايات المأساوية والطريفة في هذه المرحلة، أن قصف الطائرات الإسرائيلية كان يلاحق مجموع اللاجئين، بالإضافة إلى قصف المدافع والرشاشات، مما أجبر كثيراً من النساء على ترك أطفالهن تحت الشجر، على أمل العودة إليهم بعد انتهاء القصف وما حدث أن الكلاب أكلت بعضاً من هؤلاء الأطفال.

 وقد استقر أهالي بلدة يبنا في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في قطاع غزة، بلا مأوى ولا طعام ولا عمل، وأصبحت الحياة جحيم لا يطاق، فقد تجمعت الناس من كل القرى والمدن الفلسطينية الوسطى والجنوبية، من مدينة يافا وحتى قرية هربيا جنوباً، في أرض محددة لا يتجاوز مساحتها 340كم2 ، ولا يتجاوز مساحة المخيم الواحد كيلو مترين مربع، ولسوء الطالع أنه في العام 1951 هبت على البلاد عواصف ثلجية لم تأت من قبل ، فأغرقت المخيمات بالثلج، ويقال أن ارتفاع الثلج قد وصل إلى أكثر من 10سم ، واقتلعت العواصف الخيام، وارتفعت نسبة الوفيات إلى حد غير عادي، فكانت تجتمع العائلة بكاملها، المتزوجون وغير المتزوجين في خيمة واحدة ، وصارت هذه العاصفة الثلجية تاريخية، فيقولون: فلان مولود عام الثلجة أو بعد الثلجة، كما أصبحت النكبة عام 48 مفصلاً تاريخياً في كل مجالات الحياة، فهناك أجيال ما قبل النكبة وأجيال ما بعد النكبة، فلان من مواليد البلاد، وفلان من مواليد الهجرة.

 ثم جاءت وكالة الغوث، لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، المرسلة من هيئة الأمم المتحدة، وحولت الخيام في العام 1952 إلى بيوت حجرية مسقوفة بالقرميد السكني اللون، وكان نصيب العائلة حسب عدد أفرادها، فكل أربعة أفراد لهم غرفة واحدة مساحتها 3×3 متر مع حوش فضاء مساحته 8×3م، وقد تكون مجمل مساحة منزل يتكون من غرفة واحدة 11×3م.  وقد توزع أهالي يبنا على جميع المخيمات الفلسطينية في قطاع غزة، وإن كان مخيم رفح يحتوي على أكبر عدد منهم ، وقد حمل النصف الجنوبي من هذا المخيم اسم (مخيم يبنا) لأن معظم سكانه من مهجري بلدة يبنا. وقد أنشأت الحكومة المصرية، حكومة مؤقتة في قطاع غزة عرفت باسم حكومة عموم فلسطين برئاسة أحمد حلمي باشا سنة 1951، وأصدرت جوازات سفر باسمها، ووثائق رسمية أخرى، وكذلك أنشأت وكالة الغوث مؤسسات تعليمية وصحية واجتماعية ونوادٍ لخدمة اللاجئين الفلسطينية، بالإضافة إلى المؤسسات التي أقامتها الحكومة المصرية، والتي انتدبت لها حاكماً عسكرياً يدير شؤون قطاع غزة حتى حرب 1967.

طبيعة الأسلحة المستخدمة مع الثوار في يبنا:

 حدثنا المختار عوض الله أحمد عوض الله، والحاج عبد الله العبسي، والحاج جمعة يوسف العيلة ، وهم من قرية يبنا ، وكذلك الحاج محمد عبد العزيز من مواليد زرنوقة سنة1900م : " بان الأسلحة التي اشتروها ابان معركة 1948 لرد الهجمات الصهيونية عن بلادهم ، كانت معطوبة من الداخل ، وتبدو حديثة تلمع من الخارج ، فقد انفجرت الرصاصة داخل بندقية محمد عبد العزيز ، وتطايرت أجزاؤها ، وفي بندقية أخرى كان يحتاج إلى إدخال سيخ حديد من فوهة البندقية لإخراج الرصاصة من الممر بعد أن علقت فيه ، وهذا ما حدث بالضبط في بندقية المختار عوض الله عندما كان يعلق بها الرصاص وهذا يحتاج إلى فترة طويلة لإخراج الرصاصة من ماسورة البندقية ، وهناك إجماع على عدم سلامة كثير من السلاح الذي تم شراؤه من الإنجليز بواسطة سماسرة عرب او غيرهم ، وكذلك رصاصهم كان من بقايا الرصاص الإنجليزي المعطوب والذي مر عليه وقت طويل دون استعمال ، وكان مقاتلونا يقومون بتحميص الرصاص على باب الفرن لإزالة الرطوبة منه . بينما كان الطرف الآخر يمتلك احدث الأسلحة من رشاشات ومدافع ومصفحات، مع رصاص مصنوع حديثا وقنابل يدوية ومدافع متوسطة وثقيلة .

  كان مع الثوار في يبنا رشاش واحد من نوع (500) وقد أرسل محمد يوسف أبو سالم ابن أخيه جورج أبو سالم لإحضاره من مختار برقة ، ويبدو انه قد اشتراه منه ، وقد ذهب جورج إلى برقة على ظهر حمار  ، وفي منزل المختار دربه مختار برقة على استخدام الرشاش تفكيك وتركيب وإطلاق خلال أربع ساعات ، وكان جورج ميكانيكي يجيد هذا الفن ، وقد عاد بالرشاش على ظهر الحمار وفي الطريق صادفته قافلة آليات يهودية فاختبأ جورج مع حماره في المزرعة، وبعد وصوله قرية يبنا قام بتدريب بعض الشباب عليه.  وقد استخدمه جورج في معركة بشيت، ويبدو أن العدو قد اكتشف موقعه فركز عليه قذائفه، لكنه حمله، وعاد به إلى قرية يبنا ثم إلى قطاع غزة، وقد سلمه إلى الحاكم العسكري المصري عام 1954م.  ومن الهفوات الطريفة التي ذكرها جورج أبو سالم:  " أن إطلاق الرشاشات الصهيونية في معركة بشيت كان مكثفا في السماء ليلاً، ولم نكن نشاهد العدو أو آلياته، وقد ظن البعض أن هذه الشهب الحمراء التي كانت تملأ السماء هي ملائكة من السماء تحارب معنا ضد اليهود".