معلومات عامة عن الجِيَّة - قضاء غزة
معلومات عامة عن قرية الجِيَّة
قرية فلسطينية مزالة، كانت قائمة في بقعة رملية من السهل الساحلي الجنوبي، محاطة بالتلال وكانت أودية منحدرة عدة تمتد حولها، كانت تقع شمال شرقي مدينة غزة وعلى مسافة 19 كم عنها باترفاع لايزيد عن 25م عن مستوى سطح البحر.
قدرت مساحة أراضي الجية بـ 8506 دونم، كانت منازل وأبنية القرية تشغل ما مساحته 45 دونم من مجمل تلك المساحة.
احتلت الجية في أواخر حرب عام 1948 وذلك على يد جنود من لواء جفعاتي في سياق عملية "يوآف" وذلك عقب احتلال مدينة المجدل قبل أيام، أما التاريخ المدون لاحتلال قرية الجية فهو 4 تشرين الثاني/ نوفمبر 1948.
الحدود
كانت الجِيَّة تتوسط القريى والبلدات التالية:
- قرية نعليا شمالاً.
- قرية عراق سويدان من الشمال الشرقي.
- قرية بيت طيما شرقاً.
- قرية حليقات من الجنوب الشرقي.
- قرية بيت جرجا جنوباً.
- قرية بربرة غرباً.
- و مدينة المجدل عسقلان من الشمال الغربي.
سبب التسمية
قد تكون كلمة الجية مأخوذة من كلمة الجواء بمعنى البر الواسع وقد يكون معناها "المكان البهيج اللطيف الممتلئ بالأزهار البرية في الربيع والصيف" وقد يكون المكان المنخفض الذي يحتوي على المستنقعات خاصة في الشتاء. ولكن من شبه المؤكد أن التسمية جاءت بسبب خصوبة أرضها وانخفاض سطحها ولأن ترتبها طينية حمراء صلبة، ويتناقل الأحفاد عن الأجداد أن الجية كان اسمها الجهتين وأن شارعاً صغيراً كان يقسمها إلى شطرين أو جهتين تم رحل شطر منها أثر نزاع داخلي وسكنوا في حليقات وكوكبا.
أراضي القرية
وادي الجية: يخترق الجية واد كبير يمتلئ بالماء طوال فصل الشتاء يمنع الاتصال بين جزأيها الشمالي والجنوبي. يبدأ هذا الواد رحلته من جبال الخليل ثم يسير متجهاً نحو الغرب إلى كوكبا وإلى بيت طيما ثم يخترق الجية من الشمال الشرقي وينحني فيها نحو الجنوب الغربي إلى أراضي بربرة الغربية ثم إلى بيت جرجا ثم إلى دير سنيد ليتحد مع وادي الحسي وهذان الواديان يلتقيان مع وادي الحليب المتوسط فلم يتجه الوادي من الجية غرباً لأن أراضي نعليا مرتفعة نوعاً.
ملكية أراضي القرية: مساحة أراض القرية متوسطة بالنسبة لغيرها من القرى التابعة لقضاء غزة فمساحة أرضها حوالي 8500 دونم منها 250 دونم للطرق والوادي والسكة الحديدية وغيرها و 45 دونم مساحة بيوت القرية. وكانت الزراعة تعتمد على مياه الأمطار (بعلية) عدا الأراضي المزروعة بالحمضيات وأشجار التين والجميز والعنف فتروى من مياه الآبار. غير أن الأفندية من غزة وهم الإقطاعيون سيطروا على كثير من أراضي القرية بأساليب شتى: إما كسداد دين- أو عند حدوث مشكلة بين عائلتين ويلتجئ إليهم أحد الطرفين للوقوف بجانبه في الحكومة فيتنازل الفلاح عن جزء من أرضه أو عن طريق الشراء المباشر أو عند عجز الفلاح عن سداد الضريبة للحكومة وكان الأفندي الذي يسيطر على كثير من أراضي الجية هو أبو رمضان لذلك تخلى هؤلاء الإقطاعيون عن الأرض بسهولة 1948م. لهذا كان كثير من الفلاحين يشتغلون في أراضي هؤلاء الأفندية بطريقة المشاركة أو العمالة وعندما يحل موسم الحصاد يأتي الأفندي إلى القرية وينصبون له خيمة كبيرة (صوان) ويذبحون له الذبائح ليشرف على قسمة الإنتاج هذا العام بينه وبين الفلاحين بحيث يتبع إنتاج قطع الأرض القليلة الإنتاج بقطع الأرض كثيرة الإنتاج (نظام التتبيع) مما يؤدي إلى حرمان الفلاحين من تعبهم ومؤونتهم طوال العام.
البنية المعمارية
بيوت القرية: بيوت القرية مبنية من الطين المخلوط بالقش، وكذلك السقف وكان بئر القرية في الوسط وبالقرب منه مسجد القرية مسقوف بطريق العقود وبجانبه شجرة جميز ويصعد المؤذن على سطح الجامع لرفع الآذان من فوقه، أما المقبرة فكانت جنوب القرية. ويتكون البيت من عدة غرف أمامها فناء واسع وفي طرف البيت غرفة واسعة تسمى بايكة لوضع التبن والبقر فيها. وكان للبقر أهمية كبيرة عند أهل القرية للاستفادة من ألبنانها وأجبانها ولتشغيلها في عمليات الزراعة من حرث ودرس وغيرها. وأمام البيت عريش أو رواق مرتفع قليلاً عن أرض الفناء للجلوس فيها صيفاً، ويسمى رواق. والبيت كله يحتاج إلى إصلاح كل سنة قبل فصل الشتاء وتقوم بذلك النساء وبعض الرجال حيث يضعون طبقة جديدة من الطين المخلوط بالقش على جدرانه وسطحه. ويتم تخزين القمح بعد حصاده في مطامير والمطمورة حفرة واسعة تحت الأرض، تكون أسفل فناء الدار، أما القمح والذرة التي سيتم استهلاكها فتوضع في الخابية حيث تبنى في أحد البيوت على شكل اسطواني ولها فتحتان: علوية لوضع الحبوب عن طريقها في الخابية وسفلية لأخذ الحبوب منها. أما عملية طحن الحبوب فكانت تتم في مطاحن المجدل أو بربرة أو في مطحنة قسطنجي أو قسطندي على أرض الجية.
ويجب أن نعلم أن مخزون الفلاح من القمح أو الذرة أو الشعير إذا كان يكفي مئونة عائلة الفلاح لمدة سنة فهو بخير.
السكان
كان عدد سكانها عام 1948 "1427 نسمة" أما عددهم الآن فهو يقارب عشرة آلاف نسمة، القرية قديمة بدليل وجود بقايا أثرية وقطع معمارية وأعمدة قديمة في أراضيها.
عائلات القرية وعشائرها
حارات الجية وعائلاتها: تقسم الجية إلى ثلاث حارات وهي: أ- حارة الشنطي وتضم العائلات التالية: 1- عائلة طه. 2- عائلة يوسف وسلمان. 3- عائلة السحار. 4- عائلة الحاج إبراهيم. 5- عائلة الطيبي. 6- عائلة أبو عواد. 7- عائلة علوش. 8- عائلة حماد. 9- عائلة خير الدين. 10- عائلة درويش. 11- عائلة عباس وزايد. 12- عائلة حسين إبراهيم.
ب- حارة القطوري: وتضم العائلات التالية: 1- عائلة سويدان. 2- عائلة عابد. 3- عائلة شاهين. 4- عائلة المشني. 5- عائلة صباح. 6- عائلة موسى. 7- عائلة نصر الله. 8- عائلة عوض وشعبان. 9- عائلة جبر (ريان).
ج- حارة الغبون: وتضم العائلات التالية: 1- عائلة محجز. 2- عائلة أبو شنب. 3- عائلة سليمان. 4- عائلة سليم. 5- عائلة صيام. 6- عائلة راضي (شاهين). 7- عائلة ياسين حلوة. 8- عائلة ربيع. 9- عائلة سالم وسلامة. 10- عائلة الأخرس 11-عائلة عيسي.
هذا التقسيم عرقي واجتماعي ولكل حارة من الحارات الثلاث مختار يرجع إليه أهل الحارة في كثير من الأمور، عدا عن اتصاله بالجهات الرسمية أو بالعكس.
الثروة الزراعية
1- الزراعة: كانت معظم أراضي الجية الزراعية تقع حول بيوت القرية وفي محيطها وكما سبق فإن هذه الأراضي تتميز بخصوبتها وبترتبها الطينية الحمراء خصوصاً بعد تسميدها بالأسمدة العضوية في معظم السنوات حتى يكون الإنتاج الزراعي جيداً. وكانت الزراعة تعتمد في غالبيتها على مياه الأمطار التي تسقط في فصل الشتاء وتسمى بالزراعة البعلية عدا الأراضي المزروعة بالأشجار والحمضيات. كانت الأرض مقسمة إلى موارس طويلة وتزرع مرة واحدة في السنة وبعضها يزرع مرتين في السنة.
أهم المحاصيل: الشعير والذرة والقمح والبقوليات كالعدس والفول كما تزرع البندورة والكوسا والبامية والحلبة والسمسم والباذنجان والقصب وكثير من الخضار. ومن المعلوم أن القمح والشعير من المحاصيل الشتوية التي يتم حصدها في شهري أبريل ومايو، أما الذرة الرفيعة المعروفة بالشامية فتزرع في فبراير وتحصد في يوليو. وفي أراضي الجية بيارتان: يملك أحدهما محمود خليل ومساحتها ثمانون دونماً وبيارة أخرى يملكها أمين العوري ومساحتها مائة دونم.
مواسم الزراعة: الزراعة هي أهم عمل للسكان وكانت أراضي القرية تحيط بها من جميع الجهات وتعتمد الزراعة على مياه الأمطار في الشتاء عدا الأراضي المزروعة بالحمضيات والأشجار المثمرة. وكانت الأرض مقسمة إلى موارس طويلة وتزرع مرة واحدة أو أكثر في السنة، وكان الشعير والقمح والبقوليات والبامية والبندورة والخضار والذرة هي أهم المحاصيل. وكان الشعير والقمح يحصد في أبريل ومايو أما الذرة فتزرع في فبراير وتحصد في يوليو.
الأدوات الزراعية التي كان الفلاح يستعملها في عمليات الزراعة المختلفة: 1- المحراث أو الفرد. 2- الطورية. 3- الكريك. 4- البلطة. 5- القدوم. 6- المنشار. 7- لوح الدراس. 8- الغربال. 9- الطاحونة. 10- المنجل. 11- الشنشرة. 12- البردعة. 13- الشنشرة. 14- البردعة.
الرعي وتربية الحيوانات: نظراً لوفرة الأمطار وكثرة الإنتاج الزراعي عمل أهالي الجية على تربية الحيوانات على نطاق واسع أهمها: الأغنام والأبقار والحمير والإبل مما أدى إلى توفر إنتاج الحليب واللبن والجبن والزبدة بكميات كبيرة حيث تباع في سوق المجدل. إضافة إلى هذا فإنهم يستخدمون البقر والحمير والجمال في جميع عمليات الزراعة من حرث ونقل ودرس. وتربى هذه الحيوانات على الأعشاب في المناطق العشبية أو على مخلفات الإنتاج الزراعي.
المهن والحرف والصناعة في القرية
الحرف والتجارة: كانت الحرف والتجارة بسيطة تعتمد على المقايضة فيشترون ما يشاءون من الدكاكين أو من الباعة المتجولين بكميات قليلة من القمح أو الشعير أو الذرة ولكن في السنوات الأخيرة بدأوا يشترون ويبيعون بالنقود. وكانت ثروة الفلاحين معظمها من الإنتاج الزراعي ومما يملكونه من الأغنام والأبقار على نطاق واسع. وكانت الجية مشهورة بالحليب واللبن والجبنة حيث تباع في سوق المجدل وكان في الجية جزارون هم: شحادة الأخرس وحسن سلامة وأحمد حسين إبراهيم وعبد القادر شعبان عوض. وكان في القرية أربع محلات للبقالة (العبد شكير) وأحمد أبو شنب ومحمد أبو عواد وأحمد عوض. أما من يقوم بالحلاقة فهو محمود صالح أبو شنب. وكان في القرية سيارة شحن واحدة يملكها حسن طه. وأعتقد أنه كان لأبناء العبد أبو شنب سيارة أخرى (المعروف بـ عبد رزة). أما بئر القرية فكان يعتمد على الحيوانات في استخراج الماء بالقواديس من البئر ولكن في السنوات الأخيرة تم تركيب ماتور لاستخراج الماء.
المأكولات: كان الناس يعتمدون في غذائهم على ما تنتجه أرضهم من المحاصيل كالحبوب والبقوليات والخضار بحيث يمكن أن يقال أنهم مكتفون ذاتياً إلا في بعض المواد الغذائية الأخرى. وكانت النساء تقوم بعملية الخبز في الطابون وكان الخبز يصنع من الذرة أو القمح أو الشعير. لذلك كان الناس يخزنون حبوبهم التي تنتجها أرضهم في المطامير ليكفيهم مؤونة السنة وبعض الناس لا يكفيهم فيضطرون إلى الاستدانة. أما المشروبات فهي في الغالب: القهوة السادة وصاروا يشربون الشاي في السنوات الأخيرة بالإضافة إلى الدخان العربي.
الصناعة: كانت الجية مشهورة ببعض الصناعات البسيطة التي تعتمد على الإنتاج الزراعي والحيواني مثل: الجبن واللبن والمفارش والبسط وبعض أدوات النجارة التي تستخدم في عمليات الزراعة المختلفة كالمحاريث الخشبية وغيرها وكان البعض يقوم بأعمال الخياطة أو الحلاقة أو الجزارة. تطورت بعض هذه الأعمال بعد الهجرة حيث اشتهر بعضهم بصناعة الأثاث والموبيليات والأبواب والشبابيك وكثير من مصانع الخياطة والصناعات البلاستيكية.
التعليم
التعليم: تميزت الجية عن غيرها من القرى بالتعليم منذ أمد بعيد قبل الهجرة فقد تخرج من أبنائها عدد لا بأس به من العلماء من الأزهر الشريف بمصر. وهؤلاء أسهموا في تعليم الكثير من المتعلمين والفقهاء من أهل القرية حيث كانوا يفتحون بيوتهم لتعليم أبناء القرية القرآن الكريم والحساب واللغة العربية وغيرها (كّتاب). وبعد ذلك يذهب التلاميذ للدراسة في المدارس الحكومية في المجدل أو بربرة وغيرهما. وفي السنوات الأخيرة اتفق أهل الجية على إنشاء مدرسة بقريتهم إلا أن الهجرة والنكبة لم تمكنهم من ذلك وكان بعض هؤلاء العلماء يذهبون إلى القرى المجاورة أو إلى العربان لإتمام عقود الزواج أو للصلاة بالناس خاصة في شهر رمضان أو لتعريف الناس بأمور دينهم. وبعد الهجرة تابع معظم الطلاب تعليمهم في المدارس والجامعات حتى تخرج من بينهم علماء وأطباء ومهندسون مشهورون توزعوا على الدول العربية: كالسعودية والإمارات وغيرهما ونال كثير منهم مراكز مرموقة. وكل ذلك بسبب اهتمام أهل الجية بالتعليم قبل الهجرة وأصبحت نسبة التعليم في القرية عالياً جداً تشمل مختلف التخصصات والعلوم. وبرز الكثير كأساتذة ومحاضرين في كثير من الجامعات في الداخل والخارج كما تخرج الكثير من الأطباء والمهندسين والمدرسين والمحامين.
التاريخ النضالي والفدائيون
نضال أهل الجية: الظروف التاريخية والحروب والغزوات التي مرة بها فلسطين من سيطرة عثمانية واحتلال إنجليزي وغير ذلك أثرت على كل بقعة في فلسطين بعندما حل الخطر الصهيوني قبل النكبة بسنوات قام أهالي الجية بشراء الأسلحة من حر مالهم ومن حلي نسائهم للدفاع عن أنفسهم وأراضيهم شأنهم في ذلك شأن أهالي قرى ومدن فلسطين كلها. وكون أهالي الجية ما يشبه بكتيبة مسلحة تدربت على حمل السلاح واستخدامه لأنهم كانوا يرون أن المعركة مع اليهود آتية لا ريب فيها خاصة بعد زيارة عبد القادر الحسيني للقرى الجنوبية والجية، واجتماعه مع الشيخ حمدان حيث طلب من الناس الاشتراك في الثورة وفعلا تم ذلك فاشتركوا في مجموعات العمل المسلح قيادتها في المجدل لمهاجمة الجنود الإنجليز واليهود وتم خلع السكة الحديدية في ثورة 1936م، ونصب الكمائن لقوافل اليهود فألحقوا بها خسائر فادحة وأهم المجاهدين: ( إسبيتان أحمد عبد ربه محمد عوض ) الذي أسره اليهود وما زال مصيره مفقود الى يومنا هذا ومحمد أحمد سالم الذي تولى القيادة بعد اسبيتان، وإبراهيم محجز، وأحمد عوض سليمان، وجميل ناجي، وجميل سويدان، وحسن ياسين حلوة، والأمير حمدان، ومحمود خليل ناجي، ونمر حسن سليمان، وإبراهيم محمد سليمان، وحلمي عابد، ومحمد عطية صباح، وشحادة الأخرس، ومحمد شحادة العبسي، ورجب عساف، وحسين محمود سالم، وأحمد محمد السحار. فكان المناضلون من أهل القرية يهبون لنصب الكمائن والتصدي للقوافل اليهودية التي تتحرك من وإلى مستعمرة سمسم أو من الأسفلت الرئيسي الذي يصل غزة بالمجدل بالاشتراك مع المناضلين من القرى الأخرى المجاورة أو البعيدة نوعا، كما كانوا يشتركون في أي معركة تنشب حتى أنهم تمكنوا من الاستيلاء على دبابة ومدرعتين سليمتين في إحدى المعارك التي خاضوها بالاشتراك مع أهل بربرة والمجدل (قرب بربرة) وتم توزيعها على الثلاث بلدان. وقد أخذها الجيش المصري منهم بعد دخوله فلسطين ثم قام الجيش المصري بعد ذلك بجمع الأسلحة التي اشتراها الناس من حلي نسائهم للدفاع عن وطنهم ولم يحارب نيابة عنهم حرباً حقيقية بل انسحب أمام اليهود وهذا كان أيام الملك فاروق ولكن لم يكن بد من أن يرحل السكان العزل معه حيث وصل بعضهم إلى غزة وآخرون إلى الضفة أو البلدان العربية واستقروا في مخيمات اللاجئين ومعسكراتهم حتى تحرر لهم الدول العربية بلادهم كما كانوا يظنون.
تاريخ القرية
نبذة تاريخية عن الجية: الجية كما قلنا سابقاً قرية قديمة أثرية بدليل وجود كثير من البقايا الأثرية والقطع المعمارية والأعمدة القديمة. ورد ذكرها في مذكرات الحروب الصليبية حيث دمرها الصليبيون عندما احتلوها. وكانوا قد أطلقوا عليها اسم Algie وأعاد بناءها فيما بعد محمد أبو نبوت وهو قائد مملوكي تابع لوالي عكا أحمد الجزار والذي بنى فيها الجامع وبئر المياه بجانبه وأسكن فيها السكان من جديد. ولمحمد أبو نبوت مقام في يافا وقد بنى الجامع الكبير في يافا والسبيل المعروف باسمه على طريق القدس وأقام سداً في ميناء يافا ولما عُزل حل ضيفاً على محمد علي والي مصر وعينه السلطان العثماني والياً على سالونيك أثناء ثورة اليونانيين مطالبين للاستقلال، وكانت هذه المنطقة مع ما جاورها مسرحاً للمعارك: فقد خرب صلاح الدين عسقلان بعد تحريرهاً خوفاً من وقوعها في أيدي الصليبيين مرة أخرى- ودارت معركة كبيرة قرب هربيا انتصر فيها الصالح نجم الدين أيوب على الصليبيين والعرب الموالين لهم، ثم احتلها اليهود في 5/11/1948 بعد هزيمة الجيوش العربية في كوكبا وحليقات ودمروا بيوتها وأقاموا على أنقاضها قرية يهودية أطلقوا عليها اسم Geia سكانها جلبوهم من الأوروبيين عام 1949 ومن يهود الدول العربية خاصة من دول المغرب العربي وأطلقوا على هذه المستعمرة الزراعية فيما بعد "جية أ، ب".
شهداء من القرية
قصاصة توثق استشهاد محمد سالم أبو عصبة سنة 1948. وهو من قرية الجية على الطريق بين غزة وعسقلان.
العادات والتقاليد في القرية
الحياة الاجتماعية لأهل الجية: كان أهل الجية يعيشون متحابين ومتعاطفين يعاون بعضهم بعضاً كأنهم أسرة واحدة، ولكل عائلة ديوان أو أكثر يجلس فيه الرجال يتحدثون ويتسامرون يشربون القهوة ويسلى بعضهم بعضاً بالحواديث ويتشاورون في حل بعض المشاكل التي قد تظهر بينهم أو بينهم وبين العائلات الأخرى.
وفي حالة الوفاة: يذهب كثير من الأهالي لزيارة المريض خاصة في حالة الاحتضار يواسون المريض وأهله، وإذا حدثت الوفاة يبلغ الجميع بذلك حتى في أماكن عملهم ويعود معظمهم للمشاركة في الجنازة وتقديم واجب العزاء لأهل الفقيد عدة أيام حاملين معهم بعض القهوة. وكانت هناك عادة حسنة وهي تقديم الطعام لأهل الميت والحاضرين مدة ثلاثة أيام خاصة في اليوم الأول حيث يقوم أحد الناس بعزومة أهل الميت ويذبح لهم الذبائح. ولكن لا تخلو هذه العادات من عادات سيئة كالحداد على الميت خاصة عند أهله وعدم حلق الشعر أو تغيير الملابس أو الزواج لفترة طويلة.
وفي حالة الزواج: يبدأ الاستعداد للزواج مع نهاية الحصاد أو قبلها حيث يقترح أحد الوالدين تزويج ابنهما من ابنة فلان فيوافق الشاب عليها خاصة عندما يكون قد رآها صدفة فيذهب الوالد وبعض الأقارب بخطبة العروس من أهلها فإذا تمت الموافقة وغالباً ما تتم يطلب أهل العريس من أهل العروس تحديد المهر وغير ذلك ويتم تحديد المهر والاتفاق على موعد كتابة عقد الزواج عند الشيخ حمدان بحضور عدد كبير من الناس وأهل العروسين. وقبل موعد الزفاف تذهب العروس مع صاحباتها لشراء ما يلزم للفرح من المجدل يدفع العريس ثمنها وتذهب النساء ليلة الفرح إلى بيت العروس حاملات الحناء والسكر والليمون وهن يغنين ويزغردن. وفي يوم الفرح يذهب العريس وأقاربه وأصدقاؤه إلى بيت الحمام ويعودون جميعاً بالزفة في شوارع القرية والعريس يركب فرساً، وكانت الزفة تشمل السيادة والدبكة، اما النساء فترقص وتغني وتزغرد خلف الرجال. وبعد انتهاء الزفة والاسترخاء يذهب أهل العريس وكثير من الناس لإحضار العروس حيث يضعونها في هودج على جمل ومعها ملابسها. وفي اليوم الثاني للفرح يأتي أهل العروس ومعهم ذبيحتهم إلى ابنتهم العروس لتقديم التهاني لها بالعرس وتقديم النقطة وينتظرون حتى يتناولوا طعام الغذاء مع أهل العريس ويعود الجميع إلى بيوتهم.
الطهور: للطهور فرح يشبه فرح الزواج ولكن أقل منه حيث يتجمع الناس ليغنوا ويرقصوا ويزفوا الأولاد الذين سيتطاهرون بعد تناول الغذاء يقوم المطاهر (وهو حلالق) بتطهير الأولاد وسط الزغاريد والأغاني.
الأعياد: عيد الفطر والأضحى: يبدأ العيد بالصلاة في المسجد ثم يذهب بعض الناس لزيارة موتاهم ومعظم الناس يعودون لبيوتهم لتهنئة أولادهم وزوجاهم وأهليهم بالعيد وتقديم بعض النقود لهم ثم يذهب كل واحد إلى بناته المتزوجات حاملين معهم شيء من اللحم في عيد الأضحى.
المولد النبوي: يبدأ الاحتفال بالمولد ليلاً حيث يقرأ الشيخ حمدان ومعه عدد من المقرئين قصة المولد النبوي والسيرة النبوية العطرة يردد وراءه الحاضرون ويتم أثناء ذلك وبعده تناول الحلويات والأطعمة.
روايات أهل القرية
الشنطي يروي تفاصيل تهجيره من "الجية" قبل 64 سنة
تمر في هذه الأيام الذكرى الرابعة والستين للنكبة، والتي على إثرها هاجر العديد من سكان المدن والقرى الفلسطينية منها قصراً، بعد مذابح ارتكبها الاحتلال الصهيوني بحقهم، وبمساندة بريطانية أمريكية وبمباركة من قيادة الجيوش العربية، ولازالت تلك الأيام محفوظة في أذهان من عايشوها، تراها في عيونهم، وتلمسها وهي محفورة على وجوههم، ويتحدثون عنها وقلوبهم تعتصر ألماً، وعيونهم تفيض بالدمع، معبرين عن مدى اشتياقهم وحبهم إلى حفنة تراب من أرضهم، ويدعون الله في كل صباح ومع كل مساء أن يروا أرضهم قبل أن يموتوا.
مراسل "المركز الفلسطيني للإعلام" التقى بأحد هؤلاء الشيوخ، الذين عايشوا النكبة وأجرى معه المقابلة التالية:
* نتعرف عليك وما هي بلدتك الأصلية ؟
- أنا أحمد عبد الفتاح الشنطي مواليد عام 1928، من قرية الجية التي تقع شمال قطاع غزة من قضاء المجدل وتبلغ مساحة 12 ألف دونم.
صف لنا الحياة .. كيف كانت داخل القرية؟
كنا فلاحين نزرع ونحرث وكانت حياتنا طيبة، وكان هناك التواد بين الناس وكل منهم يساعد الآخر، وكانوا يجاملون بعضهم في الأفراح، ويواسون بعضهم في الأتراح، وكان الرجال لهم لبس يسمى "القمباز" ولازالت محتفظ فيه حتى اليوم، وكانت النساء تلبس الثوب الفلسطيني المطرز وكان يسمى "الجلجلة"و"أبومتين"و"جنة ونار"، وكانت أعراسنا أجمل الأعراس، وأنا أتذكرها كإنها اليوم، كنا نغني فيها السامر والسيادة، ونلعب الدبكة على صوت اليرغول والشبابة.
* كم كان عمرك وقت النكبة وحدثنا عن تلك الفترة؟
- عمري كان 20 سنة وأذكرها كأني أراها أمامي، في بداية النكبة كنت محاربًا مع الثوار، وكنا متفائلين بالنصر، لأن الثوار كانوا يقاتلوا بقوة وشراسة وكانت العصابات الصهيونية تتراجع أمام تقدم الثوار، إلا أن الدعم البريطاني والأمريكي ساندهم، فهدموا جسر بيت حانون وجسر باب سنيد، وقاموا بتطويق الجيش المصري وانقطع عن وصول الإمداد إليه في الفالوجا وعراق المنشية، حتى استعادوا قوتهم وهجموا عليهم مره أخرى، وبعدها تم القبول بهدنة بموجب اتفاقية مع دول عربية ومن الجانب الفلسطيني.
ولكن بعد الهدنة ازدادت قوة اليهود وعددهم وعدتهم وبدأو في الذبح في الفلسطينيين في اللد ودير ياسين، وألقوا مناشير تقول إنه انقطع طريق الجيش المصري، وحذروا من إيواء الجنود المصريين في منازل الفلسطينيين ... بدأنا نهاجر بلد تلحق أخرى، وكانت الأخبار تصل من دير ياسين ومن اللد والرملة عن المجازر التي ارتكبتها العصابات الصهيونية، وهذا الذي جعلنا نسرع في الهجرة، الكل هاجر في عشرين يوم من طريق هربيا ومنها للرمل ومنها على بيت لاهيا حتى وصلنا غزة، وما أخدنا معنا إلا حاجات بسيطة، حيث كانوا يقولون لنا أنها أيام قليلة وسنعود. أنا وكل عائلتي لا زلنا نحتفظ بالأوراق التي تثبت أننا أصحاب تلك الأرض.
* بعد الهجرة أين سكنتم وكيف كانت الحياة؟
- أول ما وصلنا غزة، ونحن نقول كل يوم غدًا أبو بعد غد نرجع، وكنا ساكنين بالمخيمات وكانت السكنة فيها صعبة، وكان الفقر مسيطر على أغلب الناس، وكان الجميع يعيش على ما تقدمه الاونروا من مساعدات، وكنا نعيش في الخيام، وعندما وجدنا أن العودة تأخرت بدأنا نتوسع ونبني بيوتاً من الطين وثم اسمنت، ولكن كانوا الناس طيبين في تعاملهم مع بعضهم، وكانوا يساعدوا بعض ويتقاسمون اللقمة، وحتى بعدها بفترة طويلة كنت أريد أن أشتري قطعة أرض ونسكن فيها ونستقر، ولكن والدي لم يقبل وكان يقول لي لماذا نشتري هنا ولنا أرض، وغدًا سنرجع إلها.
* هل تقص لأولادك وأحفادك عن قريتك؟
- أنا أعلم أولادي ومن بعدهم أحفادي، إنه لنا أرض سلبها منا الاحتلال، وأوصف لهم إياها وكم فيها من النعيم، وأتكلم معهم عن جمال العيش في تلك الأرض، وكيف كانت أعراسنا وأفراحنا، وأيضاً عن مواسم الحج وكيف كنا نودع الحجاج وكيف نستقبلهم عند عودتهم، وأيضاً أتحدث معهم عن ملابسنا وأزيائنا وتراثنا القديم، وهم متمسكون بتلك العادات والتقاليد حتى اليوم، ومتمسكون بحقهم في أرضهم، وحتى إذا لم نعود نحن إليها سيعودوا هم أو يعود أبنائهم وهكذا، هذا حقنا ولن نتخلى عنه، وأنا لو لي قصر هنا وقالو لي اتركه وارجع، سأفعل دون تردد.
* هل تعتقد أنكم ستعودون يوماً إلى بلادكم؟
- أنا من يوم ما هجرت لليوم وغدًا، وأنا واثق أننا سوف نعود يومًا لبلادنا، هذا وعد من ربنا وبشرنا فيه رسولنا أنه سننتصر على اليهود، وسنرجع على بلادنا، إن لم نعد نحن فأولادنا وأحفادنا، ولكن أنا واثق أن هذا اليوم قريب إن شاء الله، وكل الأمور هي بأمر الله، ونتمنى من الله أن يعجل رجوعنا لبلادنا قبل ما أموت.
* ماذا عن الوضع السياسي الآن هل تتأمل فيه أن يرجعك إلى قريتك؟
- إن العودة بأمر الله، من أيام النكبة وتعودنا على قيادة الجيوش العربية الخيانة، وأنا لا أريد أن أتحدث عن هذه الأمور، ولكن حتى في هذا العصر كثير من السياسيين هم يبحثوا عن كراسي ومناصب فقط، والعودة ستحدث عندما يحين الموعد الذي حدده الله.
المرجع: المركز الفلسطيني للإعلام
الباحث والمراجع
المراجع:
1- أ. جميل عبد الرحيم السحار. "الجية... أرض الآباء والأجداد"، الطبعة الأولى، 1/1/2007.
2- موسوعة بلادنا فلسطين: السيد مصطفى مراد الدباغ، طبعة 2002م، دار الهدى للطباعة والنشر، الجزء الأول.
3- سجلات أهالي الجية.
4- أجندة فلسطين- مركز الدراسات الفلسطينية.