التاريخ النضالي والفدائيون - عين غزال - قضاء حيفا

 احتلال القرية ونضال أهلها:  

   احتلال القرية وتطهيرها عرقيا وطرد أهلها:

      نقلت صحيفة ((نيويورك تايمز)) عن صحفية يهودية قولها أنّ هجومًا شُنّ على القرية بتاريخ 14 آذار 1948، دُمّرت فيه أربعة منازل تدميرا شاملا. وقالت الشّرطة البريطانيّة إن امرأة فلسطينيّة قتلت وجرح خمسة رجال في ذلك الهجوم. وكانت صحيفة (فلسطين) أوردت نبأ حدوث هجوم على عين غزال قبل ذلك بأيام قليلة، أي في 10 آذار، لكن من دون ذكر للتفصيلات. بعد ذلك التّاريخ بنحو شهرين، وقع هجوم آخر في 20 أيار. فقد قال أحد المخبرين لمراسل وكالة إسوشيتد برس إن الهاغانا اقتحمت عين غزال بعد أن أوقف القناصة السّير على طريق حيفا- تل أبيب. ولم يذكر شيء عن وقوع ضحايا.       ( [1]).

      كانت قرى عين غزال وجبع واجزم تشكل ((المثلث الصغير)) إلى الجنوب من حيفا، وهذه القرى صدّت عددا من الهجمات (الصهيونيّة) في الأشهر اللّاحقة وشكّلت جيبا لم يتم احتلاله إلا مع نهاية تموز 1948. وقد جرت ثلاث محاولات رئيسيّة لاقتحام القرى الثلاث، فأفشل المدافعون عنها أوّل محاولتين الأولين في 18 حزيران و8 تموز على التوالي. (في 18 حزيران قتل مسافران يهوديان قرب جبع، على إثر هذه الحادثة أنذر سكّان القرى الثلاثة على الاستسلام أو النزوح، لكنّهم رفضوا تلبية الخيارين على حد سواء.؟.) ([2]وخلال المحاولة الثالثة، استغل الجيش(الصهيوني) الهدنة الثّانية لشن هجوم، قوامه قوات خاصة مستمدة من ألوية غولاني وكرملي وألكسندروني، وبدأت العمليّة في 24 تموز (وسميت عمليّة شرطي) اشتملت على قصف عنيف بالمدفعية وقصف جوي بالطائرات استمرّ يوما كاملا (وفيما بعد كذب وزير الخارجية الصهيوني)، شرتوك، حين قال لوسيط الأمم المتحدة العملية في 24 تموز وإن (الطائرة لم تستخدم). وفي 26 تموز أشارت وكالة إسوشيتد برس في نبأ لها، وببساطة إلى أن الطائرات والمشاة الصهيونيّة نقضت الهدنة الفلسطينيّة بمهاجمة القرى الثلاث. وعلى الرغم من شراسة الهجوم فإن احتلال هذه القرى لم يتم إلا بعد 4ايام، وقد استمر الجنود (الصهاينة) يطلقون النّار على سكّان القرى أثناء فرارهم. شرقا على طريق كمبازة باتجاه وادي عارة وجنين والقرى الدرزيّة الواقعة على جبل الكرمل، بعضهم في 25حزيران وبعضهم في اليوم التالي.

    عدد من السكّان قالوا بعد ذلك أن الجنود الصهاينّة وطائراتهم اصطادوا بالنيران، مرة تلوا الأخرى اللاجئين الفارين، وفي موجة الهجمات على القرى الثلاث قتل العشرات من القرويين ومن اللّاجئين الّذين نزحوا مسبقا من البلدات والقرى الفلسطينيّة الّتي احتلت من قبل.

ويقول المؤرخ (الصهيوني) بني موريس إن سكان القرى الّذين وقعوا في الأسر أمروا بدفن 25-30 جثة محترقة في عين غزال، وأشار بعض التقارير إلى وقوع مجزرة في القرية، (الأمين العام للجامعة العربية عزّام باشا اشتكى لدى الوزير برنادوت أن الجنود (الصهاينة) قد نفذوا أعمالا بشعة خلال الهجوم وبعده وضمن ذلك ادعى أن28 شخصا أُحرقوا أحياء في إحدى المصادمات) غير أن المسؤولين (الصهاينة) نفوا ذلك قائلين إن الجثث أحرقت لأن أصحابها وجدوا أمواتا، ولأنّها كانت بدأت تتعفّن.

      كماأوردت صحيفة ((نيويورك تايمز)) في ذلك الوقت أن ضباط الارتباط (الصهاينة) اعترفوا لمراقبي الهدنة التابعين للأمم المتحدة بأن تسعة من القرويين قتلوا في عين غزال. ولم تعثر الأمم المتحدة على أي أثر يدل على وقوع مجزرة. لكن محققيها قدروا، في أواسط أيلول عدد القتلى والمفقودين من القرى الثلاث بمئة وثلاثين، وفق ما ذكرت صحيفة ((نيورك تايمز)), بتدمير (دولة الإحتلال)  المنظّم لعين غزال وجبع, وطُلِبَ من الحكومة( الصهيونيّة) أن ترمم على نفقتها كل المنازل الّتي تضرّرت أو دمرت خلال الهجوم وبعده. 

       استنكر برنادوت الهدم المنهجي لعين غزال وجبع من قبل الصهاينة، وقال  إن 8000 شخص طردوا من القرى الثّلاث، وطالب بالسّماح لهم بالعودة إليها. غير أن ( دولة الإحتلال) رفضت هذا الطلب. ([3])

      يذكر يوسف أبو محمود ما يلي: أوقعت غارات الطائرات الصهيونية حوالي 30 شهيدا و35 جريحا) من أبنائنا، ذكر منهم جميل أبو ردانة، الحلاج سعد، محمد عبد الهادي، عثمان جابر، عباس الرشيد قاسم أبو محمود، عائلة أبي نحيف كلّها، محمد سعد، صديقة زوجة صبري إبراهيم الشّيخ، عبد الله العصفور، يوسف عبد الله خالد، الشّيخ محمد أبو قاسم ([4]) .ووقعت عدّة إصابات في بلدات أخرى، ولكن العرب رفضوا طيلة أيام عديدة الاستسلام أو الهرب من بيوتهم. عندما نفذت ذخيرة الحاج سعد، وهو يقاوم في القرية اخترقت عدة رصاصات جسده، حيث استشهد وهو يقاوم اليهود الّذين هاجموا القرية. سقطت القرية في ليلة ال 25  تموز 1948 ،وخرج أهلها منها ولم يدخلها اليهود إلا بعد أربعة أيام بسبب خوفهم من وجود مقاومين فيها.

 

 


 

الشّكل رقم (12) المجاهد محمد قاسم أبو القاسم

 شهادات من أبناء القرية عن المجزرة وعمليات التطهير العرقي

          لقد قاومت قرية عين غزال الصهاينة الغزاة مقاومة شديدة، واستبسل أهلها استبسالا رائعا. وشكّلت هذه القرية مع قريتي إجزم وجبع ما يسمى بالمثلث الشّمالي الصامد، حتّى أن العدو لم يستطع دخولها إلا بعد أن دمّرها بمعركة بريّة وبحريّة وجويّة رغم قلّة المدافعين عنها ورغم ضعف تسليحهم وفي واقعة واحدة من قبل الطيارة قتل 14 شخصا هم جميل أبو ردانة وعائلة أبو نحيف كلها حيث قامت أربع طائرات بعد اعلان الهدنة  بقصف البحر وبيادر أم الجمال ،حيث قامت  الطائرات بعملية خداع بحيث يعتقدها أهالي القرية بأنها طائرات عربية وبعدها تم قصف ساحة البلد، فاستشهد 14 شخصا والنّاس تسمع الأخبار عند المختار([5]). 


  نضال أهل القرية 

 شاركت القرية كما كل قرى فلسطين في المقاومة ضد الاحتلال الإنكليزي وجرت عدة معارك شارك فيها رجال من القرية (سليم الصعبي، محمد حسين أبو خالد، ومحمود السعد وغيرهم. 

       لقد اجتهد الإنكليز في اتخاذ كافة الإجراءات من أجل سحق الثّورة كتفتيش البيوت وتجميع الناس في السّاحات العامة، وخلط السكر بالزيت والملح والأرز والعدس والبرغل. ثم أنّهم كانوا يقتلون عددا من النّاس قبل المغادرة بحجّة أنّهم حاولوا الفرار.

      كان أهالي القرية  يجتمعون في ساحة المطامير، ومن ثم يقومون باعتقال من تدور الشّبهات على كونه من الثوار ثم يقومون باعتقالهم وتعذيبهم. كان ممن اعتقلوا موسى صالح العميص وعبد السّلام عثمان والّذين كانوا يحدثون النّاس عن التعذيب الوحشي الّذي تعرضوا له في محنتهم. وبينما كان اليهود يتسلّحون بكافة أنواع الأسلحة جهارا وخفية. كان الإنكليز يمنع العرب من إقتناء أي نوع من أنواع السّلاح أو الذخيرة، وقد كان مصير من يقتني شيئا من ذلك الزج في غياهب السّجون، ولربما الإعدام .لذلك كان أهالي القرية يقومون بعملية شراء الأسلحة بكل خفية وسريّة، وكانوا يسيرون بعيدا إلى الأحراش ليتدربوا على استخدامه ومن ثم يقومون بتخبئته بعيدا عن أعين النّاس. وكان هناك بعض الحرفيين المهرة من أمثال صالح الشّيخ علي وقاسم علي السّعيد يصنعون البنادق بأيديهم، فكانوا يخرطون فوهاتها في حيفا ويشذبون مقابضها الخشبيّة بأيديهم ثم يصقلونها ويحسنونها فتصبح بنادق حقيقية تصلح للقتال ضد أعدائهم، وبعد ذلك يبيعونها للمحتاجين، فيسدّون بذلك ثغرة من الثغرات ويساهمون بعملهم هذا في الدفاع والاستعداد، غير أن الأسلحة الرشّاشة والمدفعيّة كانت قليلة جدا لديهم فكانوا يجوبون كل فلسطين لشراء الأسلحة، وأحيانا كانوا يشترون من طولكرم وأحيانا من غزّة وأحيانا من أريحا ومن القدس ومن الخليل. فلم يتركوا مكانا يمكن أن يجدوا فيه السلاح إلا وذهبوا إليه، وحتّى أنّهم كانوا يخرجون خارج فلسطين ويأتون بالسّلاح كما حصل عندما خرجوا إلى سوريا وجلبوا بعض الأسلحة من هناك .


القرية في ثورة ال 1936:

       لم يغب أهالي القرية كما هو حال الشّعب الفلسطيني عن مجريات الثورة، ولم يبخلوا عليها بأولادهم وأموالهم. فقد قدّموا عدد من الشهداء ولم تسقط القرية إلا بعد الهدنة بشهرين (24-7-1948) مع قريتي إجزم وجبع، وقصص بطولاتها كثيرة، منها على سبيل المثال أسر مهندس الكهرباء إتكس([6]) وزوجته والحصول على جهاز لاسلكي، وقد روى لنا كبار السّن ممن بقوا على قيد الحياة لغاية الآن كيف كانت هذه القرى تقاوم، وكان الجيش العراقي يمدّهم بالعتاد. إذ كانت مناطق انتشارهم على بعد 20 كم من قرية إجزم، ولكن بعد فترة قال لهم الجيش العراقي لن نستطيع أن نمدّكم بالسّلاح، وهنا وقعوا في مأزق.

     بعد صدور قرار التّقسيم عام1937  رفض العرب المشروع، وعمت الإضرابات عموم فلسطين، وقد ساهم في هذه المرحلة العديد من المجاهدين ومنهم  المجاهد سليم الصعبي ومحمد حسين أبو خالد ومحمود السّعد من قرية عين غزال. ومن الّذين ينبغي التنويه إليهم الشّيخ عطية أحمد عوض الّذي كانت تتبع له فصائل كثيرة تتسمى بأسماء إسلامية مثل أبو بكر وعمر، وقد قامت بينه وبين الانجليز معركة كبيرة في أحراج اليامون، واستشهد فيها الشّيخ عطيّة عطية و15 ثائرا معه، وكان من بينهم أحد أبناء قرية عين غزال (المجاهد محمد قاسم أبو القاسم) الّذي أصابته صليه من طائره في ظهره، فخرجت من بطنه فأُخذ جريحا إلى مشفى حيفا حيث مكث فيه أسبوعا، ثم ما لبثت أن فاضت روحه الى بارئها مستبشرة بنيل الشهادة وحسن الجزاء، وذلك عن عمر ناهزال28عاما، بتاريخ9-3-1938. وقد قام محمد القاسم بعمليات كثيرة خاصة قي حيفا حيث كان من مهامه اغتيال كبار الضباط. فقد وكل إليه مرّة قتل قائد الطيران الإنجليزي فأخذ يرصد تحركاته بين حيفا ويافا ثم نصب له كمينا شمالي قرية جبع في موقع يسمى وادي المغارة وقتله، واليوم هناك شارع باسم هذا المجاهد في مخيم اليرموك بدمشق. كذلك أوكلت للشّهيد مهمّة تطبيق المقاطعة بين القرى العربية المجاورة والمستعمرات اليهودية، ولم يقتصر دور عين غزال في الثورة الكبرى على هذا الشّهيد، بل كان هناك أعداد كبيرة من المجاهدين الّذين ساهموا فيها نذكر منهم على مستوى القيادة سليم الصعبي، وعلى مستوى الأفراد: إبراهيم الصعبي ويحيى الخالد ومحمد أبو عطا والعبد العوض ومحمد الصعبي وأحمد أبو خالد. فقد شارك هؤلاء في المقاومة المسلّحة في حيفا والتحق بعضهم في جماعات المجاهدين، كما دخل بعضهم في منظمة النجّادة الّتي كانت حركة عسكريّة على غرار التنظيمات الصهيونية. وكان من بين اّلذين استشهدوا في تلك المرحلة حسن الأحمد في معركة أم الدرج.

 

[1] جرح النكبة- مصدر سابق- ص358

[2] موريس - كتاب ولادة مشكلة اللّاجئين الفلسطينيين.

[3] وليد الخالدي-القرى الفلسطينيّة المدمّرة - مؤسسة الدراسات الفلسطينيّة- -1992-ص148

[4] جرح النّكبة- مصدرسابق- ص361

[5] جرح النّكبة مصدرسابق- ص367

[6] عين غزال كفاح قرية فلسطينيّة مصدر سابق ص196