احتلال القرية - شعب - قضاء عكا

 

جيش الإنقاذ والمناضلون في الجليل (11)

 

بعد انسحاب جيش الإنقاذ من المثلث في فلسطين بعد 15 أيار 1948 حيث دخلت القوات العراقية والأردنية صدرت الأوامر من القيادة العربية إلى فوزي القاوقجي بنقل قوات جيش الإنقاذ إلى منطقة الجليل شمال فلسطين لدعم الجيش اللبناني هناك، وبعد طرد الصهاينة من بلدة المالكية وضواحيها التي اشتركت فيها قوات جيش الإنقاذ مع القوات اللبنانية والسورية تقدمت قوات جيش الإنقاذ حيث رابطت في مناطق مختلفة في الجليل وأكثر مواقعها تقدماً للجنوب كانت مدينة الناصرة.

كان يدافع عن منطقة شمال فلسطين المناضلون من أبناء تلك القرى وتقدم لهم المساعدات من سلاح وذخائر ضمن طاقتها الهيئة العربية العليا، وكان في مقدمة هؤلاء أبو إبراهيم الذي كان يقود حوالي (250) مناضلاً ومنهم إبراهيم الشيخ خليل (أبو إسعاف)، وكان أبو إسعاف هذا من قادة المناضلين في حيفا (كان قسامياً) وذهب مع وفد يرأسه صبحي الخضرا إلى ليبيا لشراء أسلحة لأبناء حيفا بمعرفة الحاج أمين الحسيني، ولما عاد من ليبيا وحين كان في ميناء صور كانت مدينة حيفا قد سقطت في يد الصهاينة، فصدرت التعليمات من الحاج أمين الحسيني لإبراهيم الشيخ خليل (أبو إسعاف) بالتوجه بأسلحته التي أحضرها من ليبيا من صور إلى قرية شَعَب بقضاء صفد (قضاء عكا) حيث يكون مشرفاً على الدفاع عن تلك المنطقة وتوزيع السلاح على المناضلين.

وصل أبو إسعاف إلى قرية شَعَب ومعه أربع قاذفات ضد الدروع وستة رشاشات بْرِن وذخائر وقنابل يدوية وثلاثة مدافع هاون، وقد عاونه في تلك المنطقة كل من مصطفى الطيار ونمر الخليل وأحمد الخطيب وطه اليوسف ومنيب فاعور وموسى الشيخ محمد ومحمود رشيد حمزة وعبد الملك الفاعور ومحمد موسى الأسدي وسعيد صالح الأسدي ويوسف الكيالي.

 

القوات “الإسرائيلية” تحتل قرية البروة

في 11 حزيران 1948 قامت القوات “الإسرائيلية” بهجوم صاعق على قرية البروة الواقعة شرق مدينة عكا بحوالي عشرة كلم، وتمكنت من احتلالها بعد أن تغلبت على المقاومة العنيفة التي أبداها المناضلون من أبناء القرية القليلي العدد والسلاح، وفي 13 حزيران 1948 قام المناضلون من أبناء القرى المجاورة وفي مقدمتهم مناضلو قرية شَعَب بقيادة إبراهيم الشيخ خليل (أبو إسعاف) بهجوم معاكس وعنيف على الصهاينة في قرية البروة ودارت معركة استمرت لمدة يومين متتاليين أسفرت عن استشهاد 21 مناضلاً عربياً وإصابة 35 عربياً آخر بجراح وقتل من “الإسرائيليين” 26 إسرائيلياً بقيت جثثهم في أرض المعركة.. وتم تحرير قرية البروة.

وفي 14 حزيران 1948 وصلت قوة من جيش الإنقاذ بقيادة النقيب سعدون ومساعده الملازم مشهور حيمور.. وقال إن جيش الإنقاذ سيدافع عنها وهو المسؤول عن حمايتها.. وفي 24 حزيران 1948 قامت القوات “الإسرائيلية” بهجوم جديد على قرية البروة وطردت جيش الإنقاذ منها وأتمت احتلالها.

 

معركة ميعار

بعد احتلال الصهاينة لقرية البروة هاجمت القوات “الإسرائيلية” قرية ميعار واحتلتها بعد مقاومة شديدة من أبنائها، ولما كانت قرية شَعَب تقع قرب قرية ميعار وبعد أن شاهد أهلها احتلال الصهاينة لقرية ميعار تركوا قريتهم شَعَب وخرجوا إلى الجبال المجاورة، وما إن شاهد الصهاينة أن أهالي شَعَب قد تركوها تقدموا نحوها واحتلوها بدون عناء.

وعلى الأثر قام المناضلون بقيادة أبو إسعاف بهجوم معاكس تمكنوا من خلاله السيطرة على قرية شَعَب، مما اضطر “الإسرائيليين” إلى الانسحاب من القرية إلى الهضاب المجاورة والمحيطة بقرية شَعَب وأقاموا حولها حصاراً وأصبحوا يطلقون النار على المارة في الطرق الموصلة إلى القرية.

وهنا تدخل مراقبو هيئة الأمم المتحدة الذين كان يرافقهم المقدم محمد صفا من ضباط جيش الإنقاذ المتمركز في مجدل الكروم وحاولوا إقناع “الإسرائيليين” بالانسحاب عن المرتفعات المحيطة بالقرية ولكن الصهاينة رفضوا الانسحاب.

بعد أن رفض “الإسرائيليون “الانسحاب قام المناضلون بقيادة أبو إسعاف بمهاجمتهم، لكن “الإسرائيليين” أحضروا نجدات وقاموا بهجوم قوي على المناضلين الذين كادت ذخيرتهم تنفد وأصيبوا بخسائر جسيمة ورغم طلبات النجدة لجيش الإنقاذ القريب من المعركة إلا أنه رفض التدخل بدعوى عدم وجود أوامر من القاوقجي، وكانت مقاومة المناضلين في طريقها إلى النهاية، وهنا هرعت جموع كثيرة من النساء والأطفال من أهالي شَعَب وميعار إلى مقر قيادة جيش الإنقاذ مستصرخة إياها بالنجدة، لكن المقدم شوكت صاح بهن: ما عندي أوامر ورفض النجدة، ومن خلال هذا المنظر تحمس حوالي مائة من أبناء حَماة الشجعان واعترضوا على المقدم شوكت وقالوا: هل تموت النساء ونحن نتفرج على المسرحية، نريد دخول المعركة، ولما رفض المقدم شوكت تمردوا عليه وحملوا سلاحهم ونظموا صفوفهم وهاجموا القوات “الإسرائيلية”، ودبّ الحماس في قوات المناضلين الذين أيضاً وزعوا عليهم ذخائر وزغردت النساء واشتبك هؤلاء الشباب ومعهم المناضلون مع القوات “الإسرائيلية” في معركة عنيفة أسفرت عن هزيمة الصهاينة وطردهم عن المرتفعات وإبعادهم عن قرية شَعَب تاركين خلفهم جثة قائدهم (سيغف) و24 جثة معه عدا ما نقله الصهاينة معهم أثناء انسحابهم من القتلى والجرحى.

وحين عاد مراقبو الهدنة لوقف القتال كان “الإسرائيليون “يتمركزون على مرتفع مزروع بالأشجار يعرف باسم راس الزيتون ويشرف على منطقة تقدر مساحتها بعشرة كلم2، وتم بواسطة مراقب الهدنة انسحابهم عن المرتفع والمنطقة مقابل تسليم جثة قائدهم سيغف وباقي الجثث المبعثرة في أرض المعركة وهكذا تم انسحاب الصهاينة عن منطقة شَعَب..

                                          *        *        *

 

(1) مجلة الأمان اللبنانية، العدد 451، 13-4-2001، إثر صدور قرار الحكومة اللبنانية بمنع الفلسطيني من حق التملك في لبنان مخافة التوطين.

(2)Nafez Nazzal - The Palestinian Exodus From Galelee 1948- Institution For Palestine Studies – 1978 – Pages 86 to 90

(3) الفلاحون الفلسطينيون: من الاقتلاع إلى الثورة، روز ماري صايغ، مؤسسة الأبحاث العربية – 1980، ترجمة خالد عايد، الصفحات 17-20.

(4) مجلة البراق، العدد الرابع، حزيران 2004، ص 16.

(5) ريم عبيدو على موقع www.moqawama.net، وذلك في الذكرى الخمسين للنكبة.

(6) ((عالم ليس لنا)) مجموعة قصصية لغسان كنفاني، الطبعة الرابعة عام 1984، صفحة 151، كتب القصة في بيروت 1965 كما يشير في تذييله لها.

(7) هي رواية من 527 صفحة، صدرت الطبعة الثانية عام 1998، كذلك الطبعة الأولى.. استقى فيها الكاتب معلوماته من المصادر والمراجع والروايات الشعبية والمقابلات الحية، خاصة مع سعيد صالح عبد الهادي (الأسدي).. وكان من رجال حامية شَعَب. (انتبه إلى أنها رواية ممتعة، اقتضت أصولها تغيير بعض الأحداث أو تعديل سياقها أو تغيير مسمياتها، ولكنها تعتمد على معلومات حقيقية وموثقة..). وقد أنجزت هذه الرواية سينمائياً عبر شريطين من إخراج المخرج المصري يسري نصرالله، وسيناريو وحوار إلياس خوري ومحمد سويد.

أما الجمل التي يحيطها قوسان فهي ملاحظاتنا على الاقتباسات.. وأورد قصة شَعَب من الرواية لإظهار مدى اهتمامها بها، وإذا كان هناك ملاحظات أعقب بها.

(8) من موقع ذاكرة فلسطين على الإنترنت على الرابط التالي:

www.palstinianremembered.com 

(9) عارف العارف: كتاب النكبة - نكبة بيت المقدس والفردوس المفقود (1947-1952)، منشورات المكتبة العصرية، صيدا  بيروت، الجزء الثاني  الصفحات 425-426-427.

(10) في هامش كتاب النكبة ((عند مفرق الطرق المؤدية إلى كفرياسيف ومجد الكروم وطمرة وشَعَب)).

(11) نجيب الأحمد: كتاب فلسطين تاريخاً ونضالاً- كتاب عن تجربة شخصية ووثائق - دار الجليل للنشر عمان - الطبعة الأولى 1985 - ص510 حتى 513.