العادات والتقاليد في القرية - شعب - قضاء عكا

العرس في القرية

لا يختلف العرس في قرية شَعَب عن الأعراس في باقي القرى الفلسطينية في قضاء عكا، لذلك فإنه لن يكون مثيراً لمن قرأ عن العرس الفلسطيني في هذا القضاء أن يقرأ عن العرس في شَعَب، ولكن هناك اختلافاً يهمّ أهل القرية أنفسهم له علاقة باختلاف المكان والأشخاص. 

وقد آثرت -رغم تشابه الكتب- أن آخذ ما يجري في العرس على لسان كبار السن في البلد، وليس من الكتب، وذلك للحفاظ على خصوصية المكان والزمان والأشخاص، وكذلك لاستنباش وإبراز الفروق في شَعَب، ليشعر ((أهل البلد)) بخصوصية كتاب بلدهم، وهذا من أهداف الكتاب، وإلا ما كان هناك حاجة للكتابة عن بلد بعينها. وكثيرة هي الكتب التي كتبت عن العرس الفلسطيني، وأعترف أن التالي لن يكون موسوعياً، (ولا أريده كذلك؛ ولو كنت أردته كذلك لجمعت من الكتب ما لا تحويه ذاكرة إنسان). ولكني أردت أن يمشي القارئ في عرس في شَعَب مع من كانوا يشاركون في العرس، لا أن يقرأ عن أعراس لا علاقة له بها. وعندما تقرأ عزيزي القارئ- الأسماء ستدرك ما أقول.

 1- فيما يخص العروس(1) 

س- لنتكلم في البداية عن العروس، والعادات التي ترافق زفافها..

ج- قبل العرس تسهر البنت في بيت أهلها، وتحضر رفيقاتها ويغنّين لها أغاني خاصة، مثل: رفيّقتي رفيّقة الدلالِ..

ثم يعزمونها إلى بيت خالها، ويغنون لها أكثر من أغنية، ويحنّونها في بيت خالها بالذات.. وإن لم يكن عندها خال، يمكن أن يستعاض عنه ببيت صديقة لها أو أختها أو خالتها مثلاً.

 س- لماذا يختارون منزل الخال وليس العم مثلاً؟

ج- لا أحد أولى من خالها إذا كان موجوداً.. وفي اليوم التالي، تتم الصمدة في بيت خالها أيضاً، حتى المساء..

 س- هل من علاقة لتحرّيها (أي عدم سماح قريب لها بزواجها من غيره) باختيار منزل الخال أو العم؟

ج- الذي يتحرّاها هو ابن عمها، وإذا تعارض التحرّي بين ابن العم وابن الخال، فإن ابن العم هو الأحق.

 س- يعني خالها يحق له أن يعزمها عنده فقط؟

ج- يعزمها عنده بليلة الحنّة. ويصمدونها كل النهار التالي في منزله. وفي السهرة تكون هي فقط من دون أهلها، ولكنها ((سهرة نسوان))، وليس فقط رفيقاتها، فمن تريد من النسوة أن تغني لها يمكنها ذلك، ويسمون هذا الغناء ((الترويد))، وليس الأغاني. مثل:

يا رويدتنا يا فلانة

يا رويدتنا يا هِي

تضلي بحارتنا يا فلانة

تضلي بحارتنا يا هِي

ويعدّون عليها مقاطع عديدة أخرى. ويغنّون أيضاً أغنية (رفيّقتي)، ومنها:

              رفيّقتي رفيّقتي الدلالِ

              رفيّقتي رفيّقتي الدلالِ

              رفيّقتي ولما عزموها

              تقول للبدر حيّد عن قبالي

وأغنية (مساة الخير)، ومنها:

              مساة (مساء) الخير يا فول المقمع

              مساة (مساء) الخير يا فول المقمع

              والكحل لايقة والخد يلمع             

              والكحل لايقة والخد يلمع             

              لَفَتْ خيلنا عَ دار أبوك

              لفت خيلنا عَ دار أبوك

              تسع أيام تا أهلك عطوك

              تسع أيام تا أهلك عطوك

              تسع أيام تا صبوا القهيوي (القهوة)

              تسع أيام تا صفّوا الكراسي

              .. (وهكذا)

 س- ما العبرة في كلمة ((فول المقمع))؟

ج- كان مشهوراً ((صف الحكي)) كيفما اتفق، ولكن الفول يكون مرتباً نظيفاً بدون ((شروش أو قشور)) بعد تقميعه. وهو نوع من الغزل في المناطق الزراعية.(قيمة جمالية في البيئة الزراعية).

 س- ومتى يأتي العريس؟

ج- يأتي أهل العريس إلى دار خال العروس ليأخذوها، عندها يغنّون لأهل العروس، على لحن (الأويها):

              ظليت أدوّر على الاِجْواد تَنَاسبهم

              حتى رماني الهوى على مصاطبهم

              وأنا اْن جابولي عشرة جمال تحمّلهم

              خمسة قرنفل وخمسة من قهيوتهم

               قومي معي يا بنت الكرام قومي

              يا زعفرة مْبرمكة يا زهر لموني

              ولـْ ميمتك إطلعي ولخالتك كوني

              يا وردة فتّحت بشهر كانونِ

 وهذه الأغاني تعتبر تكريماً للعروس حتى تقوم وتذهب معهم، ومنها:

              وقومي معايي وراكي سند

              وراكي حمولة بتعمّر بلد

              وراكي أبو فلان وسُرِبْتُه (مجموعته)

              وما أحلى ديّاته (يديه) لعدّ الذهب

 ويخاطبون خال العروس وأهلها بالتالي:

              يا بيّ فلان وعز الرمح بين إيديك

              إحنا نسايبك واحنا التزمنا ليك

              وإن ردت غربلنا..

ويعزمون العروس إلى دار خالها فتقوم معهم، عندها يغنون لخالها، ومما يقولونه:

              آييها قمح قصري

              وآييها شعير قايس

              آييها يسلّمك يا أبو فلان    

              آييها يا عزّام العرايس

والقمح في بلادنا له عدة أسماء: قمح قصري، قمح زرّيعة، قمح نورسي، وهي عدة انواع بموسم واحد.

 وعند خالها تكون ليلة الحنة، فيحنونها ويغنون لها:

              دبّل عيونو ومدّ إيدو يحنّونُو

              خصره رقيّق وبالمنديلِ لفّونو.. 

(ويعدون عليها عدة مقاطع) (2).

 وتنام العروس بعد ليلة الحنّة عند خالها، وعند الصباح يحممونها ويبرزونها (يزينوها بزينة العروس) ويصمدونها في بيت خالها.

 س- ألا يغنون لها أغاني خاصة بالحمام والبَرزة والصَّمدة؟

ج- نعم، في بيت خالها، يغنون لها أغاني الحمام، ومنها:

              يا محمِّمِة حمِّميها

              بشويش لا توجّعيها

              ريت العدل (الوجع) لديّاتك (لِيديْك)

              تطلع حبيبتي (العروس) سليمة

               شعرك سباني سباني

              على الوسايد رماني

              لـَ سايلِ امّ الشعور (لأسألها أين تنام)

              وألحقها على المنامِ

 أما البرزة، فقد كان لها أغان عديدة، منها:

              لبستك الألوان وقطعتك الوادي

              واصطادها يا عريس لو كنت صيادي

ويعدون على هذه اللازمة عدة مقاطع حسب الألوان الموجودة (الأصل أن تكون حسب الألوان التي تلبسها العروس). 

وقد درجت في البلد مقاولة (حوار زجلي) بين السمراء والبيضاء عند البَرزة.

 س- ذكرت لنا الألوان، فما هي الألوان والعدة المستعملة للعرس، وكيف يتم تحضيرها؟

ج- كانت تستخدم العروس عدة ألوان، بدلة بيضا وبدلة زهر وبدلة زرقاء، تبدلهم ما بين ليلة الحنة والخروج إلى بيت العريس.. وقد تستخدم واحدة أو اثنتين أو ثلاثة، حسب القدرة المادية.

كان كل أهل البلد يشترون من محل واحد في عكا، كانوا يقصّون القماش والجهاز من محل كامل أحمد سليمان الخطيب. كان ينزل أهل البلد فيشترون من عنده كل شيء في بقجة واحدة.(3)

هذه البقجة خاصة لهذه المناسبة، يحضرها كامل الخطيب في محله، وتضم كل العدة من الحنة حتى البدلة.. وعندما يعودون إلى البلد يبدأ عمل الخياطات.

 س- وماذا كانت العروس تحضر من عكا؟

ج- كانت العروس تحضر من عكا البدلة، الطرحة، الإكليل، الحنة، الريحة، الشمع، الكحل، حومرة (أحمر الشفاه)، بودرة، كريم، دبابيس عادي وللشعر، زيت للشعر، أما الصابون فمن أهلها ومن العريس، مناديل، حطّات، قمطات (كانت نساء البلد تلبس القمطة فوق الحطة وليس تحتها، لم تلبس نساء البلد إيشاربات بل حطات حرير مسنسلة).

أما الثياب الجديدة، فيتم تطريزها في البلد، كالثياب الداخلية مثلاً، توزعها العروس على رفيقاتها ليقمن بخياطتها وتطريزها، والجيل الذي سبق جيل النكبة كانوا يطرّزون مثل الثياب التي نراها في الحفلات التراثية، أما الجيل الذي خرج من فلسطين فلم يطرز هذا النوع.

أما البدلات الثقيلة (الثياب المهمة) فتُرسل إلى الخياطات، وأشهر خياطات العرايس في البلد كانت زهرة الطيار (توفيت سنة 2002). 

ولم يكن في البلد خياطون للرجال، فكان الرجل إذا أراد أن يفصّل بدلة ينزل إلى خياط في عكا. أما الخياطة الرجالية الخفيفة فكانت الزوجات تقوم بها.

 س- من يُلبّس العروس للبَرزة؟ أمها أم زوجة خالها؟

ج- لا، كان هناك امرأة متخصصة بذلك، ففي بلدنا كانت هناك أم رفعت منصور (نجيّة العبد)، كانت تبرز كل بنات البلد، ولم تكن في سنة 1948 كبيرة السن، بل صبية، ولكنها كانت مرتَّبة ولبقة ومذوقة، وكان ترتيبها يعجب أهل البلد، وقد توفيت في لبنان سنة 1998. وكانت تساعدها زليخة الحاج أحمد، توفيت بعد النكبة بقليل.

 س- وماذا عن الأغاني أثناء البَرزة؟

ج- كانوا يغنّون على وزن (آويها)، ومما كانوا يغنون:

              الطول طول القنا والعنق مايل ميل

              والخصر من رقّتُه هدّ القوى والحيل

              ويا صايمات الضحى يا مفطرات الليل

              ردّوا عليّ غزالي ما بقالي حيل

 فتقول أم العريس:

              أنا هالغزال غزالي

              أنا شريته بمالي

              شو عَ بال الناس منُّه

              إن كان رخيص ولاّ غالي

               قالوا غزالك زْغيّر قلت شو مالُه

              صندوق صدره ذهب لو ضاعت قفالُه

              والله لآخذُه واصبر على حالُه

              وأقيم من مال أبوي وأحطّ على ماله

 أما الصبايا من رفيقاتها فيغنّين لها (أويها):

              شعرك قصاقيص الذهب يِنزان (يوزن) بالميزان

              ما بين شعرة وشعرة منبت الريحان

              لـَ زين ثقلك ذهب لـَ زين ثقلك مال

              لـَ زين ثقلك ذهب تـَ يِرْجح القبّان

               أظافيرك الحمر بالحنة صبغتيهن

              وزنودك البيض ما طلع الشعر فيهن

              وخدودك الحمر شبه الورد هاويهن

              وعيونك السود عمْ يتماثلوا فيهن

 س- من كان يؤلف من أهل البلد هذه الأغاني التي تغنونها؟

ج- لم يكن هناك شخص واحد محدد يؤلف الأغاني، ولكنها تأتي بالاحتكاك والتراكم. فمثلاً، يمكن أن تقول إحدى الحضور (آويها) جديدة، كنا نحفظها ونرددها في الأعراس التالية. ويمكن لو أحضرنا عروساً من بلد ثانية (مثل ميعار أو البروة أو الدامون..)، كان من يأتي من تلك القرى هم أهل العروس وأقاربها ومن يبيّض الوجه من المغنين والدبّيكة، فيأتون بأجمل الأغاني عندهم، وأثناء العرس كنا نقول ما عندنا ويقولون ما عندهم، فنحفظ منهم ويحفظون منا، كذلك الأمر إذا جاء أهل عريس ليأخذوا عروساً من بلدنا. 

مثل المقاوَلة التي أخبرتك عنها (بين السمراء والبيضاء)، كانت تقولها طَليبة (وهي من سحماتا، كانت زوجة أحمد محمد طه الخطيب في البلد)، وقد تقاولْتُ معها، فقلت لها:

              إحنا السمر إحنا علبة العطّار

              وكل شبٍّ تعلق بهوانا طار

              وهات اللبن والعسل تنكشف الأسعار

              ولحسة من العسل تسوى من اللبن قنطار

 فتقول هي:

              إحنا البيض إحنا الخوخ بعنوقوا (أعناقه)

وتقول أيضاً:

              يا ماخذ البيض خرخش بالذهب خرخش

              واصبر على البيض تينوّر المشمش

              واصبر على البيض تَيحمرّ خديهن

              طلت نجمة الصبح من بين عينيهن

 وتقول عن الطول:

              إحنا الطوال وإحنا طولنا غيّه

              وكل الأمارة بتقصد طولنا فَيّه

              وقول للقصير، يا كلبة سلاقية

              تجرّ المصارين عَ سوق الاسكافية

 وتظل النساء والرفيقات يغنين لها، إلى أن يحين وقت خروجها. وبالمناسبة لم تكن المقاوَلة تقتصر على القوالين، ففي كثير من الأحيان، يستطيع دقيق الملاحظة أن يدرك الخلافات بين الأقارب، كأن تكون عمة العريس على خلاف مع أمه، فإن من الممكن أن يظهر الخلاف في الأغاني، والغريب أن جميع نساء العائلة كنّ يقمن بواجب الغناء للعروس، ولكن كان ((كل يغني على ليلاه)) في بعض الأحيان، ويظهر ((التزريك والتلطيش)) في الغناء، كأن تمدح إحداهن العروس بما ليس فيها للفت النظر، أو أن تغني إحداهن لابنها الذي تراه أحق من العريس بهذه العروس، وهكذا.. إلا أن ذلك لم يكن حالة عامة، إنما كان في حالات خاصة وشاذّة.

وبعد العصر، يأتي أهل العريس لأخذ العروس إلى بيت أهلها لتودعهم وينقّطوها، ثم يأخذوها إلى بيت العريس. 

في بيت خالها يغنون له:

              يا بيّ فلان كَثّر الترحيبة

              إحنا ضيوفك من بلاد بعيدة

              واحنا الإمارة دُوبْنا لفينا

              من باب مكة للحرم صلينا

               يا بيّ فلان يا ابن السنجق العالي

              يا رُزّ حيفا وكل الناس تكتالِ

              قهوتك البن والسكر مباريها

              عوايد، أبوك من قبلك مجرّيها

              ثم يغنون للعروس، وهي أغان مكررة من مرحلة سابقة (أي عندما يأخذونها من بيت أهلها إلى بيت خالها):

              قومي معي يا بنت الكرام قومي

              يا زعفرة مْبرمكة يا زهر لموني

              ولـْ ميمتك إطلعي ولخالتك كوني

              يا وردة فتّحت بشهر كانونِ

 وهذه الأغاني تعتبر تكريماً للعروس حتى تقوم وتذهب معهم، ومنها:

              وقومي معايي وراكي سند

              وراكي حمولة بتعمّر بلد

              وراكي أبو فلان وسُرِبْتُه (مجموعته)

              وما أحلى ديّاته (يديه) لعدّ الذهب

 ثم ينقطها خالها، ويأخذها إلى خارج البيت، ثم إلى بيت أهلها. وعند الوصول إلى بيت أهلها تبدأ الأغاني لها ولأهلها:

              يا بنت فلان يا بنت من حشم

              بتستاهلي العبيد والمملوك والخدم

              بتستاهلي الصايغ يصغلك خواتمك

              من نُص حيفا على قد خناصرك

 وعند خروجها يغنون وراءها:

              يخلف على خال العروس

              راعي الشرف راعي الناموس

              عروستنا ملاّ عروس

              حطّينا فيدها فلوس

        

              عروستنا يا ام الحلق

              قبّضنا فيدها ورق

              عروستنا يا ام الكردان

              قبضنا فيدها ذهبان

 ويمسكون بالدبكة عند أهل العروس:

حولونا حولونا               نسايب لا تزعلونا

               عادتنا نلبس مقاصب       عادتنا نشلح مقاصب

              عادتنا نناسب مناصب      بالكرم ما يغلبونا

               عادتنا نلبس مخامل        عادتنا نشلح مخامل

              عادتنا نناسب حمايل       بالكرم ما يغلبونا

               دار أبو العروس  ويا ركّة على ركّة

              يللي حرثتي على قلوب العدا بسكّة

              هجمت عليكي الأعادي تا يصيدوكي

              فشْرت لِحاهم ولا غدوا يطولوكي

 وعند أخذها من بيت أهلها يغنون:

              يخلف عليكو وكثّر الله خيركو

              ولا عجبنا من النسايب غيركو

 وإذا تأخرت العروس في الخروج من بيت أهلها، يغنون لها أغنية ذات لحن خاص، وليست تابعة للازمة (أويها):

              كلينا واحنا واقفين

              والصبر على الله الكريم

              يا أبوها وصلت حدّها

              ربع المجيدة خدها

              سبع البراري بيّها

 ويغنون للعروس أيضاً في هذه الحالة (التأخر):

              قومي يا عروس قومي تمامك عادْ

              شعرك ربايط سعد رابي عَ جنب الوادْ

              قومي يا عروس قومي تمامك بس

              شعرك ربايط سعد رابي عَ جنب البص (الماء)

              قومي اركبي يا غزالي بيضا يا رفيعة

              شعرك ربايط سعد رابي عَ الشريعة

 ثم يغنون لأبيها ليسمح بأخذها:

              سامح يا أبو فلان ومرضاكو عندنا

              نرضيك بعبدتنا ونرضيك بعبدنا

              نرضيك بشقرا من سلايل خيولنا

   ويغني للعروس أهلُها عند خروجها (وهذه اللحظات تكون لأهل العروس لحظات حزن على فراقها، حتى لو كان العريس ابن الجيران، فليست العبرة بالبعد ولكن بالانفصال عن العائلة واسمها)، وهذه الأغنية على لحن (عريسنا زين الشباب):

              من طلعتك يا جوهرة 

              الشمس رجعت لَوَرا

 ويغنون على لسان العروس:

              يا إمي يا إمي طوّي لي مناديلي

              طْلِعِتْ من الدار ما ودعت أنا جيلي

              يا إمي يا إمي عبّي لي مخداتي

              وطلعت من الدار ما ودّعت خيّاتي

              يا أهلي يا أهلي لا يبري لكو ذمة

              شو اللي عماكو عن ابن الخال والعمّي

              يا أهلي يا أهلي لا يهنى لكو بالِ

              شو اللي عماكو عن ابن العمّ والخالِ

 كانت تخرج العروس إلى بيت خالها ليلة الحنة ماشية، غير أنه لم يكن في عادات البلد أن تخرج العروس من بيت أهلها مشياً، بل على ظهر الفرس.. وترفع يدها والتي يمسكها أخوها أو أبوها، ويكون ماشياً بجانب الفرس. ويمكن أن تمسك بيدها باقة ورد أو قطعة سلاح، فيقال:

فلانة خرجت رافعة يدها، أي شريفة مكرمة..

كما أنّ العروس تلبس عباءة رجالية وتحمل السلاح (فرد أو شبرية..)، ويغنّون لها: 

              ركبت عَ ظهر الشقرا (الفرس) أخت الشباب

              ركبت عَ ظهر الشقرا بطقم عناب

وهذه الأغنية حُوّرت في الشتات وأصبحت: ركبت بقلب التاكسي..

 س- ماذا كانوا يغنون للعروس عند خروجها إلى بيت عريسها؟

ج- كانوا يغنون لها لدى الخروج بها:

صارت لنا ام الحسن صارت لنا

صار الحمام يدرج على ابوابنا

ثم يتبعونها بأغنية ((جبناها)):

جبناها وجينا يا خليلي

جبناها من الدرب الطويلة

جبناها ولا بعنا ذهبنا

ولا أصبحنا من المتدينين (من الدَّيْن)

في هذا الوقت يغني أهل العروس لابنتهم، وخاصة إذا كانت ذاهبة إلى قرية أخرى:

              ودّعناكي يا منيحة والدرب منين

              لو نعرف ودعناكي قبل بسنتين

              ودعناكي ورجعنا الله معنا

              رب السما يجمعنا ع درب العين

              عندما يبتعدون عن بيت أهل العروس، يبدأ الغناء للعريس، ومما يقولونه:

              يا ذكر(ةَ) الله يا خازاك يا إبليس

              يا مين يروح يبشر العريس

              خدّ العروس أحمر بلا تنقيش

              عين العروس كحلا بلا مروادِة

              خدّ العروس أبيض بلا سبيداجِ

               يا ذكر ألله يا خزى الشيطانِ

              يا مين يبشر العرسانِ

              هنيّة يا عريس الزين هنيّة

              هنيّة بالرواحة والمجيّة

              هنيّة للعريس (فلان - اسم العريس) لو جاب عروسته

              وعيب عَ شباب العزابيّة

 2- الطْليبة وكتب الكتاب (خاص بشعب)

س- مررنا على الزفة والزواج ولكن متى يتم كتب الكتاب؟

ج- يتم كتب الكتاب قبل الزفة بوقت، في بيت أهل العروس، وكان يكتب الكتاب في بلدنا الشيخ رفيق ملك (الشيخ محمد)، كان يأتي من عكا، وهو شَعَبي الأصل، ولكنه كان يكتب الكتابات لعدد من قرى القضاء.

وعندما كان يطلب شاب فتاة، وتتم الموافقة، تبدأ القطيعة بينهما (يتحاربون) ولا يكلمان بعضهما أبداً أوضح البعض الصورة أنهما كانا كالأخوة، وثبتت ((نية)) الشاب بطلبه إياها!، لذلك فلا يحلّ له الكلام معها خارج الزواج لأن في باله شيئاً ما تجاهها (وبظني أن هذا نوع من الجهل، وأعتقد أن السبب الحقيقي للأمر أن العروسين باتا تحت المجهر، ولم يعُد بإمكانهما التظاهر بالبراءة أمام الناس).. هذه هي العادة، والعادات تنشأ بالتراكم، ومن الصعب أن يجيب رأي فرد واحد على أسبابها.

 س- كيف تتم الخطبة، يعني إذا بلغ شخص سن الزواج، وبدأ بالتفتيش عن العروس؟

ج- أول الأمر، يذهب أهله لرؤية عروس، ربما استنسبها العريس أو كلمه البعض عنها، فتذهب أم العريس وتكلم أم العروس بالأمر، وتُروى قصص على سبيل النكتة ولم تحدث في بلدنا على الأقل، أن تأخذ أم العريس معها عدة الفحص! (الإبرة وحبة جوز لفحص نظرها وأسنانها)، وهذا ما يتندر به الناس، وربما صدّق البعض أن هذا يحدث، على الأقل في بلدنا وعصرنا لم يحدث. لكن ما يهمّ أهل القرى كان قوة بنية البنت، لأن العمل الذي ينتظرها في بيت زوجها كثير، ويحتاج إلى القوة أكثر من النعومة، ومما يروى من طرائف شباب شَعَب أن أحد أبناء البلد أراد أن يخطب فتاة، فنصحته أمه بأختها لأنها أقوى بُنية منها، فما كان منه إلا أن قال لأمه ((أنا بدي أتزوجها، مش آخذها لأحرث عليها!!)).

ثم تُكلم أمُّ العروس والدَها، فإذا تمت الموافقة الضمنية، يأتي أهل العريس مع (الجاهة)، وهي مجموعة من وجهاء الأقارب والبلد.

وإذا كان أهل العروسين أصدقاء ومعرفة قديمة، يعفون عن طلب الجاهة، وتكلفة العريس الواجب تجاه الجاهة. أما إذا كان أهل العروس يحبون الفخامة، فإنهم يطلبون الجاهة التي هي من أركان وركائز طلب العروس، بل قد يشترط أهل العروس على أهل العريس أن يكون في الجاهة أشخاص معيّنون (ربما بهدف التطعيم بشخصيات مهمة، أو التعجيز، أو التفاخر..).

والجاهة لا تكلف مالاً، بل تتطلب جهداً غير هيّن. وقد يُطلب في الجاهة أناس من خارج البلد، ولكن هذا لم يحدث في بلدنا. والأمر كله في النهاية مظاهر ومن باب الإعلام والإعلان.

ويتمّ طلب العروس من قبل رئيس الوفد (الجاهة)، فيقول والد العروس: أعطيتك، فيجيب والد العريس: وأنا أجزيتك (أجزلتك) العطاء، ثم يذكرون قيمة المهر (يتفق عليه عادة قبل حضور الجاهة). وقد وصلت قيمة مهر العروس (الفيد) في أواخر السنوات التي سبقت النكبة إلى 600 ليرة فلسطينية (وهو مبلغ نادر لم يحصل عليه سوى عدد قليل). وقد يكون هناك مؤخر الصداق، وقد لا يكون، ومنهم من لا يجد مالاً فيكتب في المهر قطعة أرض أو عدة شجرات..

وبعد الموافقة توزع الحلوى على الحاضرين، وتتفرق الجاهة بعد جلسة الطلب التي تكون على شكل سهرة في بيت والد العروس.

عندما تدار القهوة على الحاضرين، لا يشربها أحد من الجاهة إلا إذا لبّي طلبهم، وعندما يلبى الطلب يشربون القهوة، ولا يشربونها إذا لم يلبّ طلبهم.

 س- ماذا عن المهر (الفيد) وقيمته؟

ج- في العادة تَدْرُج أسعار، وتُعمّم على أهل البلد، فتجد جيلاً من العرائس كان مهرها 300 ليرة فلسطينية. والجيل الذي تلاه كان المهر فيه 460 ليرة فلسطينية (حوالي سنة 1947).

ثم تلاهم مهر بنت المختار الشيخ أمين حمزة، خطبوها لمحمد عبد منصور. فبعد أن أعطى، قالوا له أجزيناك العطاء بـ 400 ليرة فلسطينية، فاجأهم بطلب 600 ليرة، فارتبكت الجاهة وتمت الموافقة على مضض.. وقد أثار الأمر بلبلة بين أهل البلد (حيث إن تعميم قيمة جديدة للمهر يضرّ بالعرسان اللاحقين، ويثير غيرة العرائس السابقات).. وكان ذلك سنة 1948.

 س- هل كانت هذه آخر عروس في البلد؟

ج- نعم اسمها صفية الأمين، وبقيت في البلد بعد النكبة، وكانت آخر بنت خطبت في البلد، غير أن هذه الخطبة لم تُكلل بالزواج.

وقد خرج من البلد حوالي عشرين بنتاً مخطوبة أو مكتوب كتابها ومسلّمة المهر، أما من تزوج عام 1948 في فلسطين، فهنّ: عصرية (زوجة محمد عبد منصور)، صفية العبد (زوجة أحمد كامل الخطيب - أبو كامل). وكان مهر كلّ منهما 600 ليرة فلسطينية، وفاطمة الكامل (زوجة سعيد عبد الجليل).

 س- من أول من تزوّج من أهل البلد بعد النكبة؟

ج- كل من خرج خاطباً من فلسطين، تزوج بعد النكبة بصمت، بدون الزفة أو الهيصة التي ذكرناها، وكانوا كأنهم في حداد، فكان زواجهم في الخيم سنة 1949..

لقد كان لهول التهجير ضغط غير طبيعي على المهجرين، فلم تشهد السنوات التالية للنكبة أعراساً فلسطينية كالتي كانت تحدث في البلد. علماً أن حوالي عشرين شاباً من أهل القرية كانوا على أهبة الزواج، منهم من كان خاطباً ومنهم من كان كاتباً كتابه.

وممن كان خاطباً من أهل البلد:

منيرة الموسى (أبو عرب) صبحي سليمان أبو الهيجا

آمنة الأسعد طه الخطيب

نجمة السعيد رشيد مطلق

حاجي علي الموسى الأسدي عمر أبو دياب (عبد الرحيم الزمار)

عائشة علي حسين أحمد محمد حسين

نجمة سليم السيلة (أبو عرب) محمد موسى أبو عرب

أمينة أحمد عبد الحليم (حسين شحادة) عمر محمد عبد الحليم (حسين شحادة)

أمينة أحمد الحاج (طافش) أحمد الحاج طافش

عفيفة حسين الميعاري إبراهيم حسن الميعاري

ولكل خاطب أو متزوج من أهل البلد قصة طريفة أو أليمة تروى في المجالس، رأينا أن نحتفظ بخصوصيتها لأصحابها رغم أن طرافتها تغري في بعض الأحيان الكاتب إلى تناولها.

 

 

3- العرس عند الرجال

بعد الاطلاع على ما كتب في التراث، وخاصة قصص القرى، يلاحظ أن هذه الكتب تناولت احتفالات الرجال ولم تتناول بالتفصيل احتفالات النساء.

ويعود ذلك بتقديري- لأمر أساسي، وهو أن احتفالات الرجال كانت عامة بين الناس، ويشهدها الجميع. وبصيغة أخرى كانت هي القسم المعلن من الأعراس، والمشترك بين الجنسين، وهو الذي يعطي للمراقب طابع القرية ويعبر عنها. أما احتفال النساء فكان مخبأً، الأمر الذي يجعل عرض حفلات الرجال أسهل. 

لذلك آثرنا في الكتاب أن نعرض لحفلات النساء بالتفصيل، فيما نعتمد على اختصار حفل الرجال التي فصّلتْها الكتب الأخرى، كما سيأتي.

ولقد شهدتُ هذا العرس بتفاصيله في مخيم برج الشمالي، وحرصت على تسجيله ومقارنته بأعراس فلسطين، حيث ما زالت بعض العائلات الفلسطينية تحافظ على هذا التقليد، كما أني شهدته أيضاً على شريط فيديو وصل إلينا من فلسطين بعد الاجتياح الصهيوني للبنان، وكان العرس لقريبنا الأستاذ في جامعة حيفا كلية العلوم الاجتماعية نهاد صلاح حسين.

تتابع الحاجة أم هاني(4).

 

س- ماذا يقابل طلب العروس عند الرجال؟

ج- في الوقت الذي تكون فيه العروس قيد التحضير، تجري زفة العريس في شوارع البلد والبيدر، على أن هذه الزفة قد تطول وتقصر حسب مكانة والد صاحب المناسبة وكرمه، فمنهم من تبدأ أفراحه قبل يوم ومنهم من تبدأ قبل أسبوع، وقد يحدث أن تطول أكثر.. 

تأتي (الفاردة) لإحضار العروس من بيت أهلها، في هذا الوقت يغنون لها ولأهلها (راجع في الصفحات السابقة حول عرس النسوان).

 

س- متى يتم حلق الشعر والرقص بالطقم؟

ج- (فاتتنا هاي!)، قبل الزفة يؤخذ العريس إلى بيت أحد أصدقائه، وتتم هناك هذه العادات والتقاليد.

1- فيحلقون له شعره ويزينونه و(يهندسونه! قبل أن يهندموه)، ويغنون له:

احلق يا حلاق وتمهل عليه              تاييجوا صحابه يطوفوا حواليه

احلق يا حلاق بموس الفضة             تمهّل يا حلاق زعلان تيرضى

احلق يا حلاق بموس الذهب             واحلق للعريس يا شيخ العرب

 2- وبعد حلق الشعر يتم اغتسال العريس، وفي هذا الوقت تغني أمه والجيران والأخوات في الخارج، ويتناوبن على السدر (الطبق) الذي وضع عليه طقم العريس، ويرقصن به ويتمايلن الواحدة تلو الأخرى وهنّ يغنين:

هاتوا لنا هالعريس تنشوف حالاتو

هاتولنا هالعريس تنشوف زيناتو

 3- ثم يرسل الطقم للعريس بعد انتهائه من الحمام، ويدعى إلى الزفة بالأغاني، وتغني النساء: 

بالهنا يا أم الهنا يا هنية        

نزّلوا العريس عالفيصلية

بالطبول والزمور القوية

 ثم تبدأ الزفة..

 س- الغريب أن كل القرى تقريباً متفقة على أن الزفة تتم على البيدر، هل هذا ما كان يحدث في شَعَب؟

ج- نعم، لأن البيدر يكون بمثابة ساحة لكل البلد، وغير محسوب على حارة واحدة، ويتجمع فيه كل أهالي البلد من كل الحواري (الشرقية والغربية والشمالية والنصارى)..

يتجه أهل البلد من بيت العريس إلى البيدر، وقد يستضيف العريسَ أحدُ البيوت القريبة من البيدر، مثل بيت الحاج حسين فاعور في شَعَب الذي استضاف أكثر من عريس، منهم سعيد محمد علي لدى زفافه إلى فاطمة ياسين فاعور. وفي البيدر تبدأ مراسم الزفة، حيث كان في شَعَب يسير الناس بصورة منتظمة، الرجال قبل الفرس والنساء بعدها، والأطفال منتشرون..

 س- وهل كان يُزفّ العريس على الفرس؟

ج- نعم، وكان يتم تزيين الفرس بثلاثة ألوان فوق بعضها من أقمشة المخمل، وفيها شراشيب أشبه بشراشيب الستائر المنزلية في أيامنا.

وكان أثناء سير الزفة إلى البيدر ومنه إلى بيت خال العروس، يغني الحدّا (الحادي) محمد خليل، ولا يغيب بالطبع دور العازفين هنا، فقد كان يتقن العزف على الشُبّابة من القرية عبد الله الحفيظ وشكري أبو علي فيما كان سيد العزف على المجوز علي الحاج حسن، وكانوا كلما مروا على بيت من بيوت القرية يغنون لصاحبها، وتقوم نساء هذا البيت بِرشّ الملبّس على أفراد الزفة، ويخرج من بعض هذه البيوت من يوزع القهوة على الناس، ويغني له الناس ولقهوته.

 س- ومتى تقام حلقات الدبكة والسحجة؟ 

وعند الوصول إلى البيدر، تُعقد حلقات الدبكة والسحجة بالإضافة إلى سبق الخيل، وقد يتحدى الشباب برفع العَمْدة. ولأهل شَعَب تراث في السحجة ما زال حتى يومنا هذا يطبق، حيث يقوم كبار القرية وصغارها في حلقات العرس الحديثة ويبدأون في السحجة على أنغام وأغاني بهاء حسون (ابن الشاعر يوسف حسون). 

والسحجة من عادات فلسطين إلا أن شَعَب اشتهرت بها بعد النكبة أكثر من القرى الأخرى، وذلك كما ذكرنا لوجود الشاعر يوسف حسون، ووفاء من أهل البلد لما تركه من تراث، وكانت تم كالتالي:

يقف في صف واحد طويل عدد كبير من الشبان والرجال، ويبدأ الحداء بترديد أغنيتها، التي هي في الأصل كناية عن العونة والشرف، فيقول ((يا حلالي ويا مالي))، ويردد الجميع هذه اللازمة بعده، مترافقة مع تصفيق خاص وسير بطيء، إنه أشبه بدبكة الكفوف وليس الأرجل. ويقول الشاعر:

    بحيّي الرجال بحييها        من أولها لتاليها

    شَعَب ألله محييها            مِثْلا ما شفت بلدان

 ويتابع الجميع خلفه مع التصفيق على نغمة خاصة: يا حلالي ويا مالي.

وهناك الكثير من الأغاني، سنعود إليها في فصل لاحق.

وفي الزفة تطلق معظم هذه الأغاني، بالإضافة إلى المهاهاة والزغاريد، التي تطلقها النساء بين الحين والآخر.

وعندها تخرج الزفة من البيدر إلى بيت خال العروس، حيث يتم اصطحابها إلى بيت أهلها، وهناك تودع أهلها وينقّطونها، ويجلونها ثم يذهبون بها إلى بيت العريس. (راجع هذا في الفصل السابق بدقة في الحديث عن القسم النسائي من العرس)..

وقبل وصول العروس إلى بيت العريس، تكون النساء من الأقارب قد أدخلن كسوة العروس إلى بيتها، وسط الأغاني والزغاريد:

حمّل الزين يا زين               حمل الزين وشال

حمّلوا جهازك يا حلوة حمّل أربع جمال

..

وتدخل العروس إلى البيت (أشرنا في السابق وكيف يتم استقبال العروس في بيت عريسها).

 س- وكيف يستقبل أهلُ العريس العروسَ في بيتها؟

ج- تكون أم العريس قد جهزت الخميرة وإبريق ماء. فتلصق العروس الخميرة على باب الدار، وتحمل إبريق الماء على رأسها وترش الماء من العتبة إلى المرتبة. والعبرة من إبريق الماء، أن الماء خير، وأن قدوم العروس إلى بيت عريسها خير.

 س- ومتى يأتي العريس؟

تجلس العروس في بيت العريس، وفي هذا الوقت لا يكون العريس موجوداً، وعندما يأتي العريس من الزفة الخاصة به، يؤذّنون على رأسه ويدخل البيت فيكشف المنديل عن وجهها (ويرفع الطرحة عن رأسها)، ويجلس قربها وتبدأ الصمدة من جديد في بيت العريس بوجود الناس والأغاني الخاصة التي ذكرناها.

وتستمر النسوة بالأغاني إلى أن يحين وقت الدخلة، فيتفرق الناس بعد نيل حظهم من الفرحة والقيام بالواجب. وفي صباح اليوم التالي، يُحضر الأهل أطايب الطعام وأزكاها وأكثرها تغذية للعروسين..

 س- وماذا عن الصباحية؟ 

ج- اشتُهرت عادةٌ على سبيل المزاح بين الشباب، مثل ((العلامة على نجاحه)) في تلك الليلة، أن ما يرسل من طعام للعروسين، يخصصان به. فإذا ((تيسّر)) أمر الزواج في تلك الليلة، فإنهم يحضرون له ((القص)) من الذبيحة، وأما إذا لم تتم الأمور فإن الطعام يرسل من دون ((القص)).

وبعد أسبوع يُعزم العريس وزوجته إلى بيت أهلها في عادة تسمى (ردة الرِجل).

  4- أغاني العرس

كثيرة هي الأغاني التي تجود بها حناجر الرجال والنساء في الأعراس، وقد درجت مؤخراً ظاهرة تجديد هذه الأغاني وبات الجيل الجديد يحفظ معظمها، وكانت يتم تطويل الأغاني بتغيير كلمة أو كلمتين من المقطع أكثر من مرة، وسنشير في نهاية كل مقطع إلى الكلمات التي تستبدل ونضيف إليها مثلاً واحداً مما يحل مكانها، فإذا كتبنا (أمه = أخته) فإن هذا يعني أن الكلمة تستبدل بأخته أو خالته أو عمته أو جيرانه وهكذا، الأمر الذي قد يغير أحياناً بقافية الأغنية، كما سنستبدل اسم العريس بكلمة (عريس)، كما أن القارئ سيجد في طيّ ما سبق بعض ما سنذكره هنا، ومن هذه الأغاني:

1- واحنا ناوينا ع الفرح        يا ناس صلوا ع النبي

جبنا البدلات وعشرة   من عند تاجر مغربي

مَدْري لعرسك يا عريس         والاّ لزوار النبي

2- تستاهلي يا امّ العريس الفرح 

تستاهلي كبش الغنم ينذبح

تستاهلي الذبّاح على بابكِ

ويظلوا يذبح تا يلوح الصباح

(الذباح= الدباك وغيره..).

 3- يا تمر حنة يا عرق القمح 

وتقول إمه يا قليبي انشرح

قولوا لأمه تفرح وتتهنى

ترش الوسايد بالعطر والحنة

(إمه= أخته، عرق البلح= عرق الشجر).

 4- من وين اجيب الحنة يا عريس يا أمير

والعروس من عنا والحنة من الخليل

(الخليل= يتم تعداد البلدان الفلسطينية والعربية)

 5- يا هالحبايب، ودايم فرحكو دايم

حسّ الزغاريد أقلقتني وأنا نايم

(دايم الثانية= دغشة، وأنا نايم= من الفرشة) 

 أغاني الحمام

6- آه يا شراب رمان  يا عريس بالحمام

بعثتللو البدلة                   والصانع والخدام

(البدلة= الريحة..)

 7- حمموا الغالي بالرِّواء العالي

عدوة إمه تقول يا غلب حالي

يا ريت مِن دعت عليك يا روحي

تبلى بحربة في مرد اللوحِ

(يا روحي= يا غالي، مرد اللوح= سقم الحالِ).

 أغاني الدبكة

8- بدينا نقول باسم الله بدينا

صلوا ع النبي يا حاضرينا

صلوا ع النبي وزيدوا صلاته

صلاته تشرح القلب الحزين

 9- جينا افراحكو يا احباب جينا

وما احلى فرحكو يا الغاليينا

(يا احباب جينا= يا دار عمي، يا الغاليينا= أرقص واغني)

 10- هذه الردة تتحدث عن المنافسة بين فريقين على عروس واحدة:

طلّت خيلنا من قاع وادي

راحت خيلنا تلاقي الأجواد

راحت خيلنا وإجت مبرشمة

راحت خيلهم رجعت مْفشّلة

شربت خيلنا ميّة زلال

شربت خيلهم تالي العكاري

علقت خيلنا روس الصلايب

علقت خيلهم تالي الطرايب

 11- عن استقبال الضيوف والذبح:

وضيوف جاتنا ومدري مين لاقاها

قام أبو العريس هبوب الريح لاقاها

إيدو تسلم والأخرى تشوح للراعي

هات الجفاري وخللي إمّات (أمهات) الصغار

يا أم العريس روجي بالعشا روجي

ساوي المطبّق ملبّق عشا الأجواد

 12- في مدح أصحاب الفرح وشبابهم، والجنينة هنا رمز لعائلة صاحب الفرح وشبابها.

فيكي وفيكي يا جنينة دار الشيخ

فيكي وفيكي يا ميمتي يمّا

يتخطّم فيك هالشيخ أبو العريس

يتخطّم فيكي يا ميمتي يمّا

(فيكي وفيكي= فيكي زيتوني أو تيني)

 13- وجيت أصبر ولا جاني جلادِه

ولا من احبابنا نلنا المرادِ

ولا قرش الزغل مثل الجهادي

ولا طير الجلب مثل المربى

ولا ابن البلد عنو مخبى

14- غزل رقيق يشير إلى جمال الحبيب وفراقه:

يا نجمة المصباح

كان لك زمان وراح

يا زين بالله احكيلي

سكران والاّ صاحي

 15- أغنية طويلة عن سفر الأحباب: 

آه يا ريم الغزلان

يللي ع السفر نويتْ

يللي ع السفر عمّدْ

صلوا على محمد

يوم قالولي عمّد

صبغت تيابي وحديت

أغاني الزفة على البيدر:

16- عددوا المهرة وشدوا عليها

تا ييجي العريس ويركب عليها

قلتللو يا عريس يا ابن الكرام

عيرني سيفك ليوم الكيوان

وسيفي محلوف عليه ما بعيره

جايي مسقّط من بلاد اليماني

(شدوا عليها= جيبو عباتُه أو عقالُه..)

 17- بالهنا يا امّ الهنا يا بوادي

وِالْتَوت عيني ع بيض الجياد

والتوت عيني ع العريس بالأول

لأنه أحلى من تمر الفؤاد

 18- ودّوا ورا أولاد عمُّه يجيبولو

بالطبول وبالزمور يلعبولو

بالخيول المبرشمة يطاردولو

بعد العودة من البيدر يدخلون البلد ويبدأون بالغناء لأصحاب البيوت التي يمرون قربها (راجع التفاصيل سابقاً).

وبيّ فلان أول من نبدي

الله يجيرك من ليالي الشدِّه

وبي فلان هالعريس نَزيلك

ذرّ القهيوي بطرف منديلك

(نزيلك= بساحتك أو بدارك أو عريسك..، منديلك= عباتك أو زنارك أو قميصك).

19- هوجي وموجي  يا الفرس

واصحي لا تْدبّينَه               يا الفرس

غالي ع محبينه                 يا الفرس

اصمدي بالخيمة                يا الفرس

غالي على الميمة               يا الفرس

(الخيمة= الفيّة أو لحاله، الميمة= الخيّ أو خاله).

 20- اركب ويا عريس وعلّي ركبتك

يا ضمّة الريحان تزين سُربتك

وإن كان يا عريس تريد ام الكردان

لانصب لك الرايات على مدخل بيسان

(ام الكردان= ام المنديل أو ام الذهب، مدخل بيسان= جبال الخليل أو مدخل شَعَب وأصلها قلعة حلب). 

 21-ويش هالعريس الطايف ابن الدلال والعادة

قاعد على المخدة وإجرو على السجادة

يا بيّو قوم وافتحلوا جايب معه القلادة

(العادة= الغيّة، السجادة= الخديدية).

 22- ويش هالعريس اللي تقولوا عنو

يا خلقة الرحمن قالوا عنو

والله لالحقه على حمامه

أضحك عليه وآخذ بدلته منو

(حمامه= منامه)

 23- يا بيّ العريس يا لبيب السيف

الله يجيرك يا محيي الضيف

(لبيب السيف= وردة جورية أو وردة بمزرعة أو لبيب الخاتم، يا محيي الضيف= يا صاحب االناموس والكبرية أو للضيف دوم مشرعة أو يا محيي الحاكم)

 24- عند الوصول إلى البيت لينزل العريس عن الفرس:

يا هاالعريس الْ راكب بدك تنزل

خيل الأعادي قاصدة للمنزل

يا طالعة من عقبات الريحاني

وقفوا للعريس مهرته تعبانِة

وقفوا لَـ بيّو تا يمدّ سفرتُه

يا سفرتُه ما مدها سلطانِ

 25- المقطع السابق عند نزول العريس عن الفرس وقبيل غداء الناس، والآن إلى غداء الناس:

يا مين يغدّي هالصبايا علب

بصحون فضة والمعالق ذهب

يا مين يغذي هالصبايا إوز

بصحون فضة والمعالق ألماز

 26- وعند الوصول إلى بيت أهل العروس لأخذها:

يا بيّ العروس كثر الترحيبِة

إحنا ضيوفك من بلاد بعيدة

إحنا الأمارة دوبنا لفينا

من باب مكة للحرم صلينا

 27- ولحظة الخروج مع العروس من بيت أهلها:

يخلف عليكو وكثر الله خيركو

ولا عجبنا بالنسايب غيركو

صارت لنا ام الحسن صارت لِنا 

صار الحمام يدرج على ابوابنا

يا ذكرة الله يا خزاك يا إبليس

يا مين يروح يبشر العريس

خد العروس أحمر بلا تنقيش

وعين العروس كحلا بلا مروادِة

(إبليس= الشيطان، العريس= العرسان)

 28- هنية يا عريس الزين هنية

هنية بالرواحة والمجيّة

هنية للعريس تيجيب عروسته

ويعيّب ع شباب العزابية

 29- عند دخول العروس إلى بيت العريس، يغنون لها:

عمّر البيت عمر بحياة الرجال

خشب البيت صندل عواميده ريحان

شرع السيف واعبر يا بنيّ الحلال

ما بالبيت إلا حلالك شعرها للزنار

دوسي على الفرشة دوسي 

يا مباركة يا عروسِة

(دوسي= بحلاتك أو بقميصك أو بكمك أو لحالك، عروسة= حماتك أو عريسك أو بيت عمك أو عيالك).

يا زارعين الورود                أحمر ع لون الخدود

والورد إجا من الجناين          غزوا براس الكناين

والورد إجا من الكنايس         شكّوا بروس العرايس

يا زارع الورد شمُه               والورد بعده على إمّه

والورد إجا من حاصبيا         شكّوا براس البنيّة

يا زارع الورد صونوا   والورد دلّى غصونُه

نازل من القصر نازل خصره يا رق الخناجر

واجب عليك بي العريس        تعزم بنات الأكابر

تطبخ من الرز الأصفر         ونزعفرُه بالطناجر

جوز الحمامات شرّق            والعنب والتين ورّق

 30- المباركة والدعاء للعروسين بالرفاء والبنين:

 ريتك مباركة علينا وعلينا

وتبشري بالصبي ونلفه بإيدينا

31- واحنا حلفنا الليلة مال ناكل إلا زيت

يا فرحتك يا عريس غزالك خش البيت

(زيت= خيار أو الفقوس، البيت= الدار أو جبنالك العروس)

 32- طالت الليلة عليك يا ابن عمي

إنت روح لأمك وأنا أروح لأمي

كيف بدي أخليك تروحي لأمك

عشر آلاف ال حطيتها لعمك

(ابن عمي= ابن خالي، لأمي= لحالي) 

 33- الأغاني التالية يتم بعضها في منزل أهل العروس أحياناً:

مسيكو بالخير يا أهل البيت

من هو ضايفكو يا أهل البيت 

العريس ضايفكو يا أهل البيت 

بدو بنيّتكو يا أهل البيت

بدو..

 يخلف على خال العروس

راعي الشرف راعي الناموس

عروستنا ملا عروس

حطّينا فيدها فلوس

 عروستنا يا ام الحلق

قبّضنا فيدها ورق

عروستنا يا ام الكردان

قبضنا فيدها ذهبان

 ويمسكون بالدبكة عند أهل العروس:

حولونا حولونا                   نسايب لا تزعلونا

عادتنا نلبس مقاصب            عادتنا نشلح مقاصب

عادتنا نناسب مناصب بالكرم ما يغلبونا

عادتنا نلبس مخامل             عادتنا نشلح مخامل

عادتنا نناسب حمايل            بالكرم ما يغلبونا

 دار أبو العروس      ويا ركّة على ركّة

يللي حرثتي على قلوب العدا بسكّة

هجمت عليكي الأعادي تا يصيدوكي

فشرت لحاهم ولا غدوا يطولوكي

 34- قطعنا البحر بحرينِ

قطعنا البحر يا عيني

قطعنا البحر يا عمي

على اللي خصرها ضمِّة

(عمي= خالي، خصرها ضمة= فيدها غالي)

 35- مندل مندل منديلا

عريس يا أبو المنديلا

هاتوا الجمل تا نرحل 

عالقدس والخليلا

قاعد بالبيت الغربي

وداير وجهه للغربي

عريس حرقت قلبي

بلبسانك للمنديلا

 36- شمع العريس سلطاني

وأنا اشعلُه بداري

وانده وأقول يا بيّو

هَيّي العروس للغالي

(بيّو= إمه)

 37- والسمسم الأخضر جلل الحيطان

من هو عريس وميمتُه فرحانِة

فلان العريس وميمتُه فرحانِة

قولوا للتاجر يفتح الدكانِة

يطول القمصان يلبس العرسانِ

(التاجر= الصايغ، القمصان/البدلات= الساعات/المحابس) 

 38- يا حميمصة يا فريط رماني

يا حميمصة حامضُه لفّاني

يا حميمصة صرّيت لُه الريحة

يا حميمصة بمحرمة مليحة

(الريحة= القهوة، مليحة= شهوة).

 39- واللي فرح لِنا ييجي ويهنينا

واللي فرح لِنا ييجي من باب الدار

ولاّ أنت يا عريس يا مزرر القفطان

(الدار= الخوخة، القفطان= الجوخة)

 40- يا فرحتي اللي ما طال العمر برقب ليها

وسْألت رب السما إنه يتمِّمِها

واتّممت يا عزيز الروح يا غالي

واتّممت بعناية ربنا العالي

 41- قومي اركبي غزالِة قومي تمامك عاد

شعرك ربايط سعد رابي عا جنب الوادْ

(عاد= بس أو بيضة يا رفيعة، الواد= البص أو رابي عالشريعة)

 بالإضافة إلى هذا، لم نذكر المهاهاة والأغاني المكررة والمناظرات بين الحدائين في الأعراس، وبعض الأغاني التي ذكرت سابقاً..

 ثانياً: 

الولادة

كانت الولادة تتم علي يدي القابلة (الداية أو الولاّدة)، وكان في شَعَب عدة دايات منهن الحجة وردة الشاهين (حسين شحادة)، آمنة الحسنا (شحيبر)، وفاطمة المسلمانية (هي لبنانية مسيحية قيل إنها من قرية رميش، حضرت إلى القرية مع ابنتها وأسلمت وتزوجت عبد محمد الخطيب).

وقد كان آخر من ولّد من نساء القرية أثناء النكبة: ريا العلي (أم فيصل شحيبر)، ولد ابنها عمر شحيبر في حقول الزيتون التي اختبأ فيها الأهالي أثناء الكرّ والفرّ على القرية. ثم تبعتها أمها زهرة الخالد التي ولدت في مجد الكروم، ابنها عبد العزيز علي، وقد بقيت بعد النكبة في مجد الكروم وتوفيت مؤخراً في عام 2002.

أما أصعب الولادات فكانت لزوجة فياض الحاج حسن، فقد ولّدت لبيبة ابنها أحمد فياض الحاج حسن في ((طلعة الجرف))(5) أثناء النزوح.

ولأهمية المولود الذكر في مجتمع الفلاحين، كانت تأخذ الداية أجرها زيادة إذا كان المولود ذكراً، فيزيد الأجر بالهدايا من الصابون والحلو. أما إذا كان أنثى فإن مما ورثه أجدادنا عن الجاهلية من عادات جبّها الإسلام أن يسود الصمت والعبوس إذا كان المولود بنتاً. وكان أكثر من يتأثر بالهدايا هو أم المولود فتكثر هداياها عندما تلد ذكراً.

وقد كانت هدايا الأقارب لأهل المولود تتركز على الطعام من اللحم والدجاج وغيره، كما تتضمن الهدايا قطع القماش، وكثيراً ما كانت تُدسّ قطع القماش مع الطعام المرسل إلى أهل المولود.

وكانت تتم الولادة في البلد كالتالي:

بعد الولادة وقطع الحبل السّرّيّ، يحمّمون المولود الجديد، ثم يلفّونه ويقمّطونه ويربّطونه، وفي اليوم التالي والثالث والرابع يُملّح المولود من دون حمام، وفي اليوم الخامس يغسلونه ويكحّلونه. وفي اليوم السابع يتم طهور المولود الذكر. 

ويغنون لها بالمهاهاة:

آييها يا ناس صلوا ع النبي

آييها والحلوة جابت صبي

آييها والمبشر يبشر أبوه

آييها يقرا مولد للنبي

ومنه أيضاً:

آييها جابت صبي يا حراير

آييها شوشتُه بأربع جدايل

آييها إمه فلسطينية

آييها أبوه رَكّاب الأصايل

 ثالثاً: 

الطهور والحلاقة

وكما ذكرنا بعد أن يغسلوا المولود ويكحّلوه. يتم في اليوم السابع طهور وحلاقة المولود. 

لم يكن في البلد مطهّر خاص، بل كان هناك مطهران من عائلة واحدة يأتيان من صفورية، وقد توارث أبناء العائلة المهنة، ومن المعلوم أن معظم المطهرين في مخيمات الشتات في لبنان من الجنوب إلى بيروت، ويقال له ((الصفوري)). وكذلك في غير لبنان، مثل مخيم اليرموك في دمشق.

ولم يكن من الدارج في القرية إقامة الحفلات والأغاني بشكل ملفت إلا إذا كان أهل المولود ممن نذروا سابقاً، ومن المعروف أن أكثر الاحتفالات بهذه المناسبة تمّت عند طهور محمود الغانم، حيث أقام له عمه أحمد أسعد الغانم (الذي تبناه بعد استشهاد والده(6) ولم يكن عنده أولاد) احتفالات دامت عدة أيام عزم ضيوفاً من عكا والقرى المجاورة، فكانت احتفالات هذا الطهور توازي احتفالات العرس.

وكان مما يغنى في طهور الأولاد:

    طهروا يا مطهر وناولُه لأمُّه

    يا دمعته هالغالية نزلت على كمُّه

    طهروا يا مطهر وناولُه لأبوه

    يا دمعتُه هالغالية نزلت على ثوبُه

    طهروا يا مطهر وناولُه لخالُه

    يا دمعته هالغالية نزلت على خلخاله

    طهروا يا مطهر وناولُه لسيدُه

    يا دمعته هالغالية نزلت على إيدُه

    طهروا يا مطهر بموس الفضة

    واصبر عليه للغالي زعلان تا يرضى

    طهروا يا مطهر بموس الذهب

   ما تزعللي الغالي وأمير العرب

   طهروا يا مطهر بموس أبو ريشة

   وما تزعللي الغالي وبعطيك بخشيشِ

 وعند حلاقة شعره يغنون له:

    احلق لُه يا حلاق وتمهل عليه

    احلق لُه للغالي عمامه حواليه

    احلق لُه يا حلاق وامسح لُه بكمُّه

    واستنى يا حلاق تا ييجي عمُّه

    واحلق لُه يا حلاق بموس الذهبية

    واستنى ع الغالي تا تيجي الأهلية

    احلق لُه يا حلاق وامسح لُه ببشكيره

    واستنى يا حلاق تا عمّه ييجي لُه

 رابعاً: 

هدهدة الأطفال

ليست هدهدة الأطفال بالطبع مناسبة يُحكى عنها، ولكنه يندرج ضمن الأغاني المنزلية، وأغاني الطهور والحلاقة نوع من الهدهدة يمكن أن تغنى للأطفال. غالباً ما تغني الأمهات أو الجدات للأطفال حتى يناموا أو يسكتوا إذا حمي ((وطيس)) البكاء عندهم.

وكانوا يحاولون أن يجدوا للأطفال هزازاً كسرير، وإذا كان ما يزال رضيعاً ينصب حبل تربط أطرافه ويعلق على شجرة في الدار على شكل حبلين متجاورين متدليين، وتلصق ذيلاهما بقطعة قماش متينة، لينام الصغير عليها. 

نشير أيضاً أنه كان واضحاً، أن الهدهدة تتضمن في الغالب أبياتاً تتعلق بالتوجه الديني التلقيني للأم والجدة.. حيث تزخر الهدهدة بجملة من المدائح النبوية..

يا حادي العيس سلملي على إمي

واحكي لها شو جرى واشكيلها همّي

يا حادي العيس قول لإمّي وأبوي عني

وأهلي جفوني وخُلاني ابعدت عنّي

 صلوا على المصطفى، صلوا على الهادي

صلوا على اللي بنوره أشعل الوادي

لولاك يا مصطفى، ولولاك يا هادي

ما حجّت النوق من وادي إلى وادي

 يا رايحين النبي معكو جمل هالدار

زيدوا عليقُه كرامة للنبي المختار

يا رايحين النبي، خذوني بمحاملكُو

لاني حديدٍ ولا بولاد أثقلكُو

وإن كان زادي وزوّادي بيثقلكُو

لأصوم لله ويكفاني النظر منكو

 يا حادي العيس قللي وينتا (إيمتى) بِلفو (بيعودوا)

وتيابنا اتسخت واحوالنا تِلفو

وحياة مين أخلَقِ النجوم يعترفوا

أكثر بكايي على الغياب تا يِلفو (يعودوا)

 يا نجمة الصبح دليني على احبابي

وأيا طريق إجو تافتح لهن بابي

وإن إجو من الغرب أهل الغرب غيابي 

وإن إجو من الشرق، يا عيني، هِنّي جملة حبابي

 يا ليل ما أطْولك كعّيتني نومي

وأبعدتني عن جميع أهلي وعن قومي

وإن كان بيشرعكو بتحللوا صومي

لأصوم لله والقي الصوم للصومِ

 يا درب ما أبعدك مشّيتني حافي 

يا همّ ما أثقلك هديت لي كتافي

 ذكر النبي ما أحسنُه وذكر ما أحلاه

وذكر النبي لو دخل، بيت الفقير أغناه

وذكر النبي لو دخل جوف العليل أبراه

يا آمنة وضعته ويا جبرائيل سمّاه

وشهدت ملوك السما إنُّه رسول الله.

 خامساً:

عودة الحجاج

قبل البداية هناك ملاحظتان تفيدان صعوبة الحج وكلفته الباهظة وندرته بين الفلاحين من أهالي القرى، حيث كان يوجد في القرية كلها حوالي عشرة حجاج فقط لا غير، إضافة إلى بعض العقائد فيما يخص موضوع الحج.

الملاحظة الأولى أن معظم الحجاج في بداية القرن، لم يكونوا من أولئك الحجاج الذين حزموا أمتعتهم من القرية مُيَمّمين وجوههم شطر المسجد الحرام في مكة، بل كان معظمهم من أولئك الذين خدموا مع الجيش العثماني في الحجاز. فكان يعود العسكري إلى دياره حاملاً لقب الحاجّ لدى انتهائه من الخدمة. وقد كانوا قلة أولئك الذين رحلوا في رحلة الحج، إلا أن ذلك تغير بعد سقوط الخلافة العثمانية، وبات لا يذهب إلى الحج إلا من عقد النية واقتدر. ولم يعد يختلط الأمر على الناس.

الملاحظة الثانية، هو أن الحجّ كان يُعدّ إنجازاً، لم يكن لقب الحاج يلتصق باسم صاحبه كما هو الحال في أيامنا هذه، بل كان يلتصق بأسماء أبنائه، فاسم مصطفى عبد حمزة كان يعرف في القرية باسم مصطفى الحاج عبد، وحتى اسم ((أبو إسعاف)) كان يُذكر أحياناً إبراهيم الحاج علي (على اسم والده الحاج علي)، وليس إبراهيم الشيخ خليل. وهذا الأمر كان ينطبق على الشيوخ مثل عائلة الشيخ محمد والشيخ خليل.

أما في البعد الوطني، فيحق لفلسطين أن تفخر أنه كان من عادة الحجّاج أن يتموا حجّهم بعادة اسمها التقديس، أي زيارة القدس، وكانوا يعتبرون الحج موقوفاً وناقصاً حتى يتم التقديس. وذلك اقتداء بقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: ((لا تُشدّ الرحال إلى لثلاث المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى)). فكان الحاج إذا أتمّ الحج إلى مكة وزيارة مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة يمّم وجهه شطر المسجد الأقصى. وفي ذلك يقول الشاعر تحسّراً على القدس في مناسبة عودة الحجاج:

اليوم أتممتم شعائر حجّكم                فمتى تتمّ مراسم التقديس

 والآن، كيف كان انعكاس الحج في القرية؟

كان يتم توديع الحجاج قبل سفرهم بعدة ليال، ويزورهم الأقارب والأصدقاء وأهل القرية. وكانوا يغنون لهم في الوداع:

يا حجاج النبي سيروا بالتهليل

لزيارة الكعبة وأبونا الخليل

يا حجاج النبي سيروا بالأعلام

لزيارة محمد عليه السلام

وكانت طريق الحجاج في البحر عبر قناة السويس إلى جدة، وكانت الرحلة في بعض الأماكن مخيفة، كما هي الحال في ((بركة فرعون)) في البحر الأحمر، وقد كان أهل البلد يغنون بعض الأغاني للحجاج تدل على سفرهم بالبحر وخوفهم واتكالهم على الله في سفره البحري هذا:

    الحج نزل البحر بعباته (عباءته)

    يا رب تردّه سالم لبناته

    والحج نزل البحر بإيده كيلة (وعاء)

    يا رب تردّه سالم لها العيلة

 وعند عودة الحُجّاج كان يتم استقبالهم عند أول البلد، تحت العين، (بالعدة والأعلام) عند باب القرية، والعدّة هي الطبول والصنوج، والأعلام هي الرايات الدينية الكبيرة، وكانت العدة والأعلام في القرية موجودة عند عائلتين فقط، هما عائلة أبو الهيجا، وعائلة اللزقة (االأسدي). وكان إذا توفي رجل صالح من القرية كانوا يشيعونه مع العدة والأعلام. 

ويزور الحاجَّ أهلُ القرية على مدى أيام ويوزع عليهم الهدايا كما هي الحال في هذه الأيام. وكانت الهدايا ذات دلائل دينية كالبخور والعطور والتمر وماء زمزم وسجادات الصلاة والمسابح. ولكن أشهر الهدايا النسائية كانت وما زالت النساء الحاجّات تحضرها معها هي الحناء.

 سادساً:

شهر رمضان

كان لرمضان جو مميز يتم تحضير المأكولات الخاصة به قبل أسابيع. ولم تكن تلك المأكولات نادرة ولكن حالة القِلّة التي كان يعيشها الفلاح، كانت تجبره على طعام يومي لا يتجاوز الطبيخ المعتاد، المكوّن من البرغل والعدس كمادة أساسية في طبيخ أهل القرية. أما في رمضان فكانوا يحضّرون بعض الطعام في البيت، فيجرشون العدس واالبرغل ليكون طازجاً، ويفتلون الشعيرية، ويحضّرون من إنتاج البلد أيضاً الصبر والعنب والتين الأخضر واليابس، وكانوا يحضّرون الزلابية إذا كان الفصل شتاءً وذلك لما تحتاجه من زيت لا يفرّطون فيه إلا في موسمه.

وكانوا يشترون قمر الدين والأرزّ، ونشير إلى أنه لم يكن يخلو بيت من بقرة وحليب أو دجاج وبيض. وكان البعض يحضر القطايف الطازجة من عكا.

أما موعد السحور فكان توقيته يعتمد على النجوم، ولم يكن يعتمد على مسحّر للقرية، فكانوا يعرفون الوقت من النجم االذي كانوا يعتمدون عليه أيضاً في أسفارهم وصلاة الفجر وإخراج الطرش.

أما عند الغروب، فكان معظم أهل البلد يفطرون على أسطح المنازل إذا كان الجو صيفاً، لينظروا إلى غروب الشمس أولاً ويسهل عليهم سماع الأذان، وليتجنبوا الطقس الخانق والحرارة. 

ويُذكر أن أول هجوم لليهود عند احتلال شَعَب الأول كان في وقت الغروب وعند ساعة الإفطار في رمضان، حيث نزل إليها اليهود من ميعار المشرفة عليها، وأقاموا فيها ثلاثة أيام، قام اليهود بقتل بعض كبار السن الباقين في القرية، وكان ذلك بين 19-20 تموز 1948.

وتتذكر حنيفة الصالح (أم أكرم)(7) فتقول: كنا أطفالاً في أواخر الأعوام التي قضيناها في فلسطين، وكان بيتُنا قريب من الجامع، وعند ساعة الغروب يكون الصيام قد فعل فعله بنا، وكان عنادنا يدفعنا لمقاومة الجوع، إلا أننا كنا نصعد إلى سطح المنزل ونراقب الشيخ في المكان الذي يؤذن منه، سطح مقام سيدي أحمد العليمي الملاصق لسطح المسجد الذي كان على شكل قبة، كان يصعد قبل الأذان بأكثر من ساعة، ربما عند العصر، يتمشى على سطحه بانتظار غروب الشمس. ومن كثرة ما يمشي كنا نظنه يقصد إغاظتنا في هذا الأمر.

أما صيامنا، حين كنا أصغر من ذلك السن، فقد كان حتى أذان الظهر، وكنا نأخذ كوب الماء إلى مقام سيدي أحمد العليمي ونجلس عند الدرج الذي كان يصعد عبره المؤذن إلى السطح ليرفع الأذان، وما إن يرفع أذان الظهر حتى نشرب كوب الماء، وينتهي صيامنا عند هذا الوقت.

كان هذا الصيام بمثابة التدريب للأطفال الذين لا يستطيعون الصوم، وكان يسمى ((صيام درجات الجامع)).

وفي العشر الأواخر من رمضان، كانوا يوحّشون لوداع الشهر الكريم وينشدون فيها:

لا أوحش الله منك يا رمضان

لا أوحش الله منك يا شهر الصيام

لا أوحش الله منك يا شهر الرحمات

لا أوحش الله منك يا شهر البركات

 وعندما ينتهي شهر رمضان، يحين يوم عيد الفطر، الذي لم يكن يخلو أيضاً من طقوسه الخاصة.

 سابعاً:

الأعياد

كان يعرف عيد الفطر الفطر بالعيد الصغير أو عيد رمضان، فيما يعرف عيد الأضحى بالعيد الكبير.

ولا تختلف عادات العيدين وطقوسهما في شَعَب، فقد كان الرجال يصلّون صلاة العيد في المسجد، وعند الانتهاء منها يذهبون للزيارة في المقابر، حيث تكون النساء والصِبية قد سبقوهم إليها، ولا أدري سبباً لهذه العادة التي تناقض فرحة العيد من أولها. ويكون الصوت في المقابر، مثل صوت قفير النحل، حيث يقوم الموجودون بقراءة القرآن والندب والبكاء، ويوزعون الطعام والكعك على زوار هذه المقابر.

ثم يعود الناس إلى بيوتهم، ويتم تحضير الفطور يوم العيد من اللحوم المشوية في الطابون غالباً، وبعد الفطور يخرج الكبار في زيارات وواجبات العيد. وتنظيم الزيارات له أصول لا يعرفها أبناء جيلنا (جيل ما بعد النكبة)، فلا يخرج الجميع لزيارة الجميع. وإلا لن يجد أحدٌ أحداً في بيته. وكان بعض هذه الزيارات يتضمن زيارة خاطفة، وبعضها يتم طول النهار مع الغداء، وكانت العادات في اليوم الأول (ويتم تبادل الزيارة في اليوم التالي حيث يعزم بعض الزائرين مضيفهم في اليوم التالي) على الشكل التالي:

- الأهل عند بناتهم المتزوجات.

- الرجل مع عائلته عند أهله.

- الأخ عند أخواته.

- الخطيب عند خطيبته.

- وقد كانت الأولوية في الزيارة لأهل الفقيد حديثاً، وفقدان عزيز يلغي كل العادات المتّبعة في الزيارات. 

وكان يغلب على ضيافة العيد الكعك والمعمول المنزلي، ولم يكن أحد يقدم الحلو والملبس في مضافته إلا نادراً.

أما الأولاد، فكانت كل عائلة تنصب مراجيحها الخاصة على شجرة في الدار أو قربه، حيث يقضي الأولاد يومهم في اللعب عليها، وهم يأكلون بعض الحلويات التي يشترونها أو يحضرونها من المنازل، والألعاب التي تظهر فجأة في الدكاكين (يحضرها صاحب الدكان من عكا، ويخبئها حتى فترة العيد). ويغنون أغاني العيد، ومنها:

بكرة العيد ومنعيّد               منذبح بقرة سْعيّد

وسْعيّد مالو  بقرة                منذبح بنتو هالشقرة

والشقرة ما فيها دم              منذبح بنتو وبنت العم

 ويتميز عيد المولد بإقامة الموالد، وخروج بعض سكان القرية إلى عكا، حيث كانت تقام الاحتفالات الضخمة، والموسيقى والفرق الكشفية والرياضية والدينية، وكانت الألعاب الصعبة مثل ابتلاع النار أو شك الشيش بالأجسام، وكان الذاهبون إلى عكا من الشباب الذكور أو رجل أخذ عائلته ليتفرجوا على الاحتفالات هناك، ولم تكن تذهب النساء وحدهن، وكذلك الأطفال.

 في الخميس الثالث من شهر نيسان من كل عام يوافق خميس الأموات (موسم النبي موسى) فتتم زيارة المقابر حيث تقرأ سورة ياسين ويتم توزيع الحلوى على الفقراء..

فيحضر الناس البيض ويسلقونه مع صبغة صفراء حيث يغلون معه نبتة البسبيس، أو صبغة خضراء يغلون معه نبتة الخامشة، او قشر البصل الأحمر. ثم تتم المفاقسة بالبيض وهو تحدٍ بين شخصين يقومان بضرب رؤوس البيض ببعضها البعض، والذي تنكسر البيضة في يده يتخلى عنها لمنافسه. 

 المرجع: كتاب شعب وحاميتها للأستاذ ياسر علي

 (1) من مقابلة مع الحاجة أم هاني: سعاد صالح حسين، وادي الزينة تموز 2001.

(2) يعدّون: أي يرددون عدة مقاطع على وزن هذا المقطع، بكلام مختلف قليلاً.

(3) البقجة: قطعة قماش تنوب عن الشنطة يتم ربط أطرافها الأربعة في جهة واحدة.

(4) مقابلة في بيتها في وادي الزينة تموز 2001.

(5) راجع خطوط سير النزوح من البلد.

(6) راجع القسم الثاني من الكتاب ((فصول من تاريخ القرية)).

(7) وهي من مواليد عام 1936، في مقابلة معها في بيتها في مخيم برج الشمالي في صور لبنان عام 2002.